الآيات 1-5
مكية - في قول مجاهد وقتادة - ليس فيها ناسخ ولا منسوخ. وقال الحسن هي مكية إلا آية واحدة وهي قوله (وسبح بحمد ربك بالعشي والابكار) يعني بذلك صلاة الفجر والمغرب وقد ثبت أن فرض الصلاة كان بالمدينة. وهي خمس وثمانون آية في الكوفي وأربع في المدنيين واثنتان في البصري.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿حم، تَنزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ، غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ الْعِقَابِ ذِي الطَّوْلِ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ، مَا يُجَادِلُ فِي آيَاتِ اللَّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلَادِ، كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَالْأَحْزَابُ مِن بَعْدِهِمْ وَهَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَجَادَلُوا بِالْبَاطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ﴾
خمس آيات في الكوفي وأربع في ما عداه عد الكوفيون (حم) آية ولم يعدها الباقون. قرأ أهل الكوفة إلا حفصا وابن ذكوان (حاميم) بإمالة الألف. الباقون بالفتح من غير إمالة وهما لغتان فصيحتان. وقال قوم (حم) موضعه نصب، وتقديره أتل (حم) اقرأ (حم) وقال آخرون: موضعه جر بالقسم. ومن جزم قال: لأنها حروف التهجي وهي لا يدخلها الاعراب، وقد فتح الميم عيسى ابن عمر، وجعله اسم السورة، فنصبه ولم ينون، لأنه على وزن (هابيل) ويجوز أن يكون فتح لالتقاء الساكنين. والقراء على تسكين الميم وهو الأجود لما بيناه. وقد بينا اختلاف المفسرين وأهل العربية في مبادئ السور بحروف التهجي ومعناها، وأن أقوى ما قيل في ذلك انها أسماء للسور، وذكرناها في الأقوال، فلا نطول بإعادته. وقال قتادة والحسن: (حم) اسم السورة. وقال شريح بن أوفى العبسي:
يذكرني (حم) والرمح شاهر * فهلا تلا (حم)
قبل لتقدم وقال الكميت:
وجدنا لكم في آل حم آية * تأولها مناتقي ومعرب
وقوله (تنزل الكتاب) أي هو تنزيل (من الله) أنزله على نبيه (العزيز) معناه القادر الذي لا يغالب ولا يقهر المنيع بقدرته على غيره ولا يقدر عليه غيره. وهذه الصفة لا تصح إلا لله تعالى واصل الصفة المنع من قولهم: عز كذا وكذا أي امتنع، وفلان عزيز أي منيع بسلطانه أو عشيرته أو قومه " والعليم " الكثير العلوم والعالم الذي له معلوم. وقوله (غافر الذنب) جر بأنه صفة بعد صفة، ومعناه من شأنه غفران الذنب في ما مضى وفي ما يستقبل، فلذلك كان من صفة المعرفة (وقابل التواب) قال الفراء: إنما جعلها نعتا للمعرفة وهي نكرة، لان المعنى ذي الغفران، وذي قبول التوبة كقوله " ذي الطول " وهو معرفة وإن جعلته بدلا كانت النكرة والمعرفة سواء، ومعنى " قابل التوب " إنه يقبل توبة من تاب إليه من المعاصي بأن يثيب عليها ويسقط عقاب معاصي ما تقدمها تفضلا منه، ولذلك كان صفة مدح، ولو كان سقوط العقاب عندها واجبا لما كان فيه مدح و (التوب) يحتمل وجهين:
أحدهما: أن يكون جمع توبة كدوم ودومة وعوم وعومة:
الثاني: أن يكون مصدر (تاب يتوب توبا). وقوله " شديد العقاب " معناه شديد عقابه وذكر ذلك عقيب قوله " غافر الذنب " لأنه أراد لئلا يعول المكلف على العفو بل يخاف عقابه أيضا لأنه كما أنه يغفر لكونه غافرا فقد يعاقب لكونه شديد العقاب. وفرق بين شدة العقاب وتضاعف الآلام بان الخصلة الواحدة من الألم يكون أعظم من خصال كثيرة من ألم آخر كالألم في أجزاء كثيرة من قرض برغوث. وقوله " ذي الطول " قال ابن عباس وقتادة: معناه ذي النعم. وقال ابن زيد: معناه ذي القدرة. وقال الحسن: ذي التفضل على المؤمنين. وقيل (الطول) الانعام الذي تطول مدته على صاحبه كما أن التفضل النفع الذي فيه افضال على صاحبه. ولو وقع النفع على خلاف هذا الوجه لم يكن تفضلا. ويقال: لفلان على فلان طول أي فضل. وقوله " لا إلا إلا هو " نفي منه تعالى أن يكون معبود على الحقيقة يستحق العبادة غيره تعالى. ثم قال " إليه المصير " ومعناه تؤل الأمور إلى حيث لا يملك أحد الأمر والنهي والضر والنفع غيره تعالى، وهو يوم القيامة، لان دار الدنيا قد ملك الله كثيرا من خلقه الأمر والنهي والضر والنفع. ثم قال " ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا " معناه لا يخاصم في دفع حجج الله وإنكارها وجحدها إلا الذين يجحدون نعم الله ويكفرون بآياته وأدلته. ثم قال لنبيه " فلا يغررك " يا محمد " تقلبهم في البلاد " أي تصرفهم لقولهم: لفلان مال يتقلب فيه أي يتصرف فيه. والمعنى لا يغررك سلامتهم وإمهالهم، فان عاقبتهم تصير إلي ولا يفوتونني. وفي ذلك غاية التهديد. ثم بين ذلك بأن قال " كذبت قبلهم " أي قبل هؤلاء الكفار " قوم نوح " بان جحدوا نبوته " والأحزاب من بعد هم " أيضا كذبوا رسلهم " وهمت كل أمة برسولهم " وإنما قال برسولهم لأنه أراد الرجال. وفي قراءة عبد الله " برسولها ليأخذوه " قال قتادة هموا به ليقتلوه " وجادلوا بالباطل " أي وخاصموا في دفع الحق بباطل من القول. وفي ذلك دليل على أن الجدال إذا كان بحق كان جائزا " ليدحضوا به الحق " أي ليبطلوا الحق الذي بينه الله واظهره ويزيلوه، يقال: أدحض الله حجته. وقال تعالى " حجتهم داحضة عند ربهم " (1) أي زائلة. ثم قال " فاخذتهم " أي فأهلكتهم ودمرت عليهم " فكيف كان عقاب " فما الذي يؤمن هؤلاء من مثل ذلك ؟!
1- سورة 42 الشورى آية 16.