الآيات 101-105
قوله تعالى: ﴿فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ، فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ، تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النَّارُ وَهُمْ فِيهَا كَالِحُونَ، أَلَمْ تَكُنْ آيَاتِي تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ﴾
قوله تعالى " فإذا نفخ في الصور " ليوم الحشر والجزاء ومعنى نفخ الصور: هو علامة لوقت إعادة الخلق. وفي تصورهم الاخبار عن تلك الحال صلاح لهم في الدنيا، لأنهم على ما اعتادوه في الدنيا من بوق الرحيل والقدوم. وقال الحسن: الصور جمع صورة أي إذا نفخ فيها الأرواح وأعيدت احياء. وقال قوم: هو قرن بنفخ فيه إسرافيل بالصوت العظيم الهائل، على ما وصفه الله. وقوله " فلا انساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون " اخبار منه تعالى عن هول ذلك اليوم، فإنهم لا يتواصلون هناك بالأنساب، ولا يحنون إليها، لشغل كل انسان بنفسه. وقيل معناه: انهم لا يتناسبون في ذلك اليوم، ليعرف بعضهم بعضا من أجل شغله بنفسه عن غيره. وقال الحسن: معناه لا أنساب بينهم يتعاطفون بها، وإن كانت المعرفة بأنسابهم حاصلة بدلالة قوله " يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه " (1) فاثبت انهم يعرفون أقاربهم وإن هربهم منهم لاشتغالهم بنفوسهم، والنسب هو إضافة إلى قرابة في الولادة. وقوله " ولا يتساءلون " معناه لا يسأل بعضهم بعضا عن خبره وحاله، كما كانوا في الدنيا، لشغل كل واحد منهم بنفسه. وقيل: لا يسأل بعضهم بعضا أن يحمل عنه من ذنوبه شيئا. ولا يناقض ذلك قوله " وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون " (2) لان هناك مواطن، فمنها ما يشغلهم من عظيم الامر الذي ورد عليهم عن المسألة، ومنها حال يفيقون فيها فيتساءلون. وقال ابن عباس: قوله " فإذا نفخ في الصور، يعني النفخة الأولى التي يهلك عندها الخلق، فلا أحد يبقى، ولا نسب هناك ولا تساؤل. وقوله (وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون) فذلك عند دخولهم الجنة، فإنه يسأل بعضهم بعضا، وهو قول السدي. وقوله " فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون " اخبار منه تعالى أن من عظمت طاعاته وسملت من الاحباط - في قول من يقول بذلك - ومن لا يقول بالاحباط فمعناه عندهم: إن من كثرت طاعاته، وهو غير مستحق للعقاب، فان أولئك هم المفلحون الفائزون. " ومن خفت موازينه " بأن يكون أحبطت طاعاته، لكثرة معاصيه. ومن لا يقول بالاحباط، قال: معناه من لم يكن معه شئ من الطاعات وإنما معهم المعاصي، لان الميزان إذا لم يكن فيه شئ يوصف بالخفة، كما يوصف بالخفة إذا كان فيه شئ يسير في مقابلته ما هو أضعافه، فان من هذه صورته (فأولئك الذين خسروا أنفسهم) لأنهم أهلكوها بالمعاصي التي استحقوا بها العقاب بالدائم، وهم (في جهنم) مؤبدون (خالدون). وقال الحسن والجبائي وغيرهما: هناك ميزان له كفتان ولسان. واختلفوا: فمنهم من قال: يوزن بها صحف الاعمال. وقال بعضهم: يظهر في احدى الكفتين النور، وفي الأخرى الظلمة، فأيهما رجح تبينت الملائكة المستحق للثواب من المستحق للعقاب. وقال قتادة والبلخي: الميزان عبارة عن معادلة الاعمال بالحق. وبيان أنه ليس هناك مجازفة ولا تفريط. ثم اخبر تعالى بأن النار التي يجعلون فيها (تلفح وجوههم) وانهم فيها (كالحون) يقال: لفح ونفح بمعنى واحد، غير أن اللفح أعظم من النفخ. وأشد تأثيرا، وهو ضرب من السموم للوجه، والنفح ضرب الريح للوجه، والكلوح تقلص الشفتين عن الأسنان حتى تبدو الأسنان، قال الأعشى:
وله المقدم لامثل له * ساعة الشدق عن الناب كلح (3)
1- سورة 80 عبس آية 34 - 36.
2- سورة 37 الصافات آية 27.
3- ديوانه (دار بيروت) 40 وروايته " في الحرب " بدل " لا مثل له ".