الآيات 71-75
قوله تعالى: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ بَلْ أَتَيْنَاهُم بِذِكْرِهِمْ فَهُمْ عَن ذِكْرِهِم مُّعْرِضُونَ، أَمْ تَسْأَلُهُمْ خَرْجًا فَخَرَاجُ رَبِّكَ خَيْرٌ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، وَإِنَّكَ لَتَدْعُوهُمْ إلى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، وَإِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ عَنِ الصِّرَاطِ لَنَاكِبُونَ، وَلَوْ رَحِمْنَاهُمْ وَكَشَفْنَا مَا بِهِم مِّن ضُرٍّ لَّلَجُّوا فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾
القراءة:
قرأ ابن كثير وأبو عمرو، ونافع، وعاصم " خرجا " بلا ألف " فخراج " بألف. وقرأ حمزة والكسائي " خراجا فخراج " بالألف فيهما. وقرأ ابن عامر " خرجا فخرج " بلا ألف فيهما. معنى قوله " ولو اتبع الحق أهواءهم " ان الحق لما كان يدعو إلى الأفعال الحسنة. والأهواء تدعو إلى الافعال القبيحة، فلو اتبع الحق داعي الهوى لدعاه إلى قبيح الاعمال والى ما فيه الفساد والاختلاط، ولو جرى الامر على ذلك " لفسدت السماوات والأرض ومن فيهن " ووجه فساد العالم بذلك: انه يوجب بطلان الأدلة وامتناع الثقة بالمدلول عليه، وانه لا يؤمن وقوع الظلم، الذي لا ينصف منه، وتختلط الأمور أقبح الاختلاط ولا يوثق بوعد، ولا وعيد، ولا يؤمن انقلاب عدل الحكيم. وهذا معنى عجيب. وقال قوم من المفسرين: إن الحق - في الآية - هو الله والتقدير: ولو اتبع الحق أعني الله أهواء هؤلاء الكفار، وفعل ما يريدونه لفسدت السماوات والأرض. وقال الجبائي: المعنى لو اتبع الحق - الذي هو التوحيد - أهواءهم في الاشراك معه معبودا سواه، لوجب أن يكون ذلك المعبود مثلا له ولصح بينهما الممانعة، فيؤدي ذلك إلى الفساد، كما قال تعالى " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا " (1). والهوى ميل النفس إلى المشتهى من غير داعي الحق، كما قال تعالى " وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فان الجنة هي المأوى " (2)، فلا يجوز لاحد أن يفعل شيئا لأنه يهواه. ولكن يفعله لأنه صواب، على أنه يهواه أو لأنه يهواه مع أنه صواب حسن جائز. وقال أبو صالح. وابن جريج: الحق هو الله، وقال الجبائي معنى " ولو اتبع الحق أهواءهم " فيما يعتقدون من الآلهة " لفسدت السماوات والأرض " كقوله " لو كان فيهما آلهة إلا الله لفسدتا ". وقوله " بل اتيناهم بذكرهم فهم عن ذكرهم معرضون ". قال ابن عباس: معنى الذكر البيان الحق. وقال غيره: الذكر الشرف. كقوله " وانه لذكر لك ولقومك " (3) ولك ذلك يراد به القران. ثم قال " أم تسألهم " يا محمد " خرجا " أي اجرا على العمل - في قول الحسن - وأصل الخرج والخراج واحد، وهو الغلة التي تخرج على سبيل الوظيفة منه. ومنه خراج الأرض، وهما مصدران لا يجمعان. ثم قال " فخراج ربك " أي أجر ربك " خير وهو خير الرازقين " يعني الله خير من يرزق. وفى ذلك دلالة على أن غير الله قد يرزق باذنه، ولولا لم يجز (خير الرازقين). ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وآله (وانك) يا محمد (لتدعوهم) أي هؤلاء الكفار (إلى صراط مستقيم) من التوحيد، واخلاص العبادة، والعمل بالشريعة (وإن الذين لا يؤمنون بالآخرة) يعني من لا يصدقون بالبعث يوم القيامة (عن الصراط) صراط الحق (لناكبون) أي عادلون عن دين الحق. وقال الجبائي: معناه لناكبون في الآخرة عن طريق الجنة، بأخذهم يمنة ويسرة إلى النار. ثم قال تعالى (ولو رحمناهم) في الآخرة ورددناهم إلى دار الدنيا، وكلفناهم فيها (للجوا في طغيانهم يعمهون) كما قال (ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه) (4) وقال ابن جريج يريد في الدنيا أي (لو انا رحمناهم وكشفنا ما بهم من ضر) وجوع ونحوه (للجوا في طغيانهم) أي في غوايتهم (يعمهون) أي يترددون.
1- سورة 21 لأنبياء آية 22.
2- سورة 79 النازعات آية 41.
3- سورة 43 الزخرف آية 44.
4- سورة 6 الانعام اية 28.