الآيات 8-11

قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ، وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ، أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ، الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾

القراءة:

قرأ ابن كثير وحده " لأمانتهم " على التوحيد. الباقون " لأماناتهم " على الجمع، لقوله " إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها " (1) وقرأ ابن كثير ذلك اختيارا ليطابق قوله (وعهدهم). وقرأ حمزة والكسائي (على صلاتهم) على التوحيد، لان الصلاة اسم جنس يقع على القليل والكثير، فكذلك قوله (أمانتهم) والأصل فيه المصدر كالعمل. الباقون (صلواتهم) على الجمع، ومن جمع جعله بمنزلة الاسم، لاختلاف أنواعها، لقوله (حافظوا على الصلوات) (2) قال أبو علي النحوي: الجمع أقوى، لأنه صار اسما شائعا شرعيا، وقد بينا الوجه فيه. ثم زاد الله تعالى في صفات المؤمنين الذين وصفهم بالفلاح فقال والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون) ومعناه الذين يراعون الأمانات التي يؤتمنون عليها ولا يحزنون فيها، ويحفظون ما يعاهدون عليه من الايمان والنذور، فلا يحنثون ولا ينكثون. والمراعاة قيام الراعي باصلاح ما يتولاه. ثم قال (والذين هم) على صلواتهم يحافظون) أي لا يضيعونها. ويواظبون على أدائها. وفى تفسير أهل البيت إن معناه: الذين يحافظون على مواقيت الصلوات فيؤدونها في أوقاتها، ولا يؤخرونها حتى يخرج الوقت. وبه قال مسروق وجماعة من المفسرين. وإنما أعيد ذكر الصلاة - ههنا - لأنه أمر - ههنا - بالمحافظة عليها، كما امر بالخشوع فيها، في ما تقدم، كما أعيد ذكر الفلاح، لأنه يجب بالخصال المذكورة بعده كما وجب في - سورة البقرة - (3) بالخصال المذكورة قبله. ثم اخبر تعالى عمن اجتمعت فيه هذه الخصال، فقال " أولئك هم الوارثون " وقيل في معناه قولان:

أحدهما: انه يؤول أمره إلى النعيم في الجنة، ويملك ما يعطيه الله، كما يؤول أمر الوارث.

الثاني: روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال (ما منكم أحد إلا وله منزلان منزل في الجنة ومنزل في النار، فان مات على الضلال ورث منزله أهل الجنة، وإن مات على الايمان، ورث هو منزل أهل النار). وقال مجاهد: يهدم منزله في النار، ثم وصف الله تعالى الوارثين، فقال (الذين يرثون الفردوس هم فيها خالدون) وحقيقة الإرث ملك ما يتركه الميت لمن بعده، ممن هو أولى به في حكم الله، فهذا أصله، ثم يشبه به، فيقال: ورث فلان علم فلان أي صار إليه، ومعنى (يرثون الفردوس) اي يصيرون إليها بعد الأحوال المتقدمة. والفردوس البستان الذي يجمع محاسن النبات. وقيل أصله رومي. وقيل: بل هو عربي ووزنه (فعلول) وقيل الفردوس البستان. الذي فيه كرم قال جرير: ما بعد يبرين ما باب الفراديس (4) وقال الجبائي (يرثون الفردوس) على التشبيه بالميراث المعروف من جهة الملك الذي ينتهي إليه أمره.


1- سورة 4 النساء آية 57.

2- سورة 2 البقرة آية 238.

3- انظر 1 / 48 في تفسير آية 5 من سورة البقرة.

4- ديوانه 250 وصدره: (فقلت للرحل إذ جد الرحيل بنا) ويبرين اسم بلد من بلاد بني سعد. وباب الفراديس بدمشق.