الآيات 56-60

قوله تعالى: ﴿الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِّلَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَأُوْلَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ، وَالَّذِينَ هَاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ مَاتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللَّهُ رِزْقًا حَسَنًا وَإِنَّ اللَّهَ لَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ، لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلًا يَرْضَوْنَهُ وَإِنَّ اللَّهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ، ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر " ثم قتلوا " بالتشديد. الباقون بالتخفيف. من شدد أراد التكثير. ومن خفف، فلانه يحتمل القليل والكثير. يقول الله تعالى إن الملك في اليوم الذي وصفه بأنه " عقيم " وانه لامثل له في عظم الأهوال، فيه الملك لله تعالى وحده. لا ملك لاحد معه. وإنما خص ذلك به، لان في الدنيا قد ملك الله تعالى أقواما أشياء كثيرة. والملك اتساع المقدور لمن له تدبير الأمور، فالله تعالى يملك الأمور لنفسه، وكل مالك سواه، فإنما هو مملك له بحكمه، اما بدليل السمع أو بدليل العقل. وقوله (يحكم بينهم) أي يفصل في ذلك اليوم بين الخلائق، وينصف بينهم في الحكم، والحكم الخبر بالمعنى الذي تدعو إليه الحكمة، ولهذا قيل: الحكم له، لان كل حاكم غيره، فإنما يحكم باذنه واعلام من جهته إما من جهة العقل أو جهة السمع. ثم اخبر تعالى ان (الذين آمنوا) اي صدقوا بوحدانيته، وصدقوا أنبياءه (وعملوا الصالحات) التي أمر الله بها انهم (في جنات النعيم) منعمين فيها. (وإن الذين كفروا) اي جحدوا ذلك (وكذبوا) بآيات الله، فان لهم عذابا مهينا، يهينهم ويذلهم. والهوان الاذلال بتصغير القدر، ومثله الاستخفاف والاحتقار، أهانه يهينه إهانة فهو مهان مذلل. وقيل نزلت الآية في قوم من المشركين أتوا جماعة من المسلمين، فقاتلوهم في الأشهر الحرم بعد ان نهاهم المسلمون عن ذلك، فأبوا، فنصروا عليهم. وقيل إن النبي صلى الله عليه وآله عاقب بعض المشركين لما مثلوا بقوم من أصحابه يوم أحد. وقوله (والذين هاجروا في سبيل الله) يعني الذين خرجوا من ديارهم وأوطانهم بغضا للمشركين الذين كانوا يؤذونهم بمكة (ثم قتلوا أو ماتوا ليرزقنهم الله رزقا حسنا) يعني الجنة (وان الله لهو خيرا الرازقين) ثم اقسم تعالى انه ليدخلن هؤلاء المهاجرين في سبيل الله الذين قتلوا (ليدخلنهم مدخلا يرضونه) ويؤثرونه يعني الجنة، وما فيها من أنواع النعيم. وقرأ نافع " مدخلا " بفتح الميم، يريد المصدر أو اسم المكان، وتقديره: ليدخلنهم فيدخلون مدخلا يرضونه أو مكانا يرضونه. والباقون بضم الميم وهو الأجود، لأنه من ادخل يدخل مدخلا لقوله " وأدخلني مدخل صدق " (1) وإن الله لعليم بأحوالهم، حليم عن معاجلة الكفار بالعقوبة. وقوله " ذلك ومن عاقت بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله " قيل نزلت في قوم من المشركين لقوا جماعة من المسلمين فقاتلوهم في الأشهر الحرم بعد أن نهاهم المسلمون عن ذلك، فأبوا. فنصروا عليهم. وقيل: إن النبي صلى الله عليه وآله عاقب بعض المشركين لما مثلوا بقوم من أصحابه يوم أحد، والأول لم يكن عقوبة، وإنما هو كقولهم الجزاء بالجزاء. والأول ليس بجزاء، وإنما هو لازدواج الكلام.


1- سورة 17 الاسرى آية 80.