الآيات 6-10
قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَّا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَن فِي الْقُبُورِ، وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَلَا هُدًى وَلَا كِتَابٍ مُّنِيرٍ، ثَانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّهِ لَهُ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَنُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَذَابَ الْحَرِيقِ، ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾
يقول الله تعالى ان الذي ذكرناه إنما دللنا به لتعلم ان " الله هو الحق " وانه الواحد الذي لا يستحق العبادة سواه، ومن اعتقده كذلك، فمعتقده على ما هو به، وهو محق، والحق هو ما كان معتقده على ما أعتقده " وانه يحيي الموتى " لان من قدر على انشاء الخلق ابتداء ونقله من حال إلى حال على ما وصف، فإنه يقدر على إعادته حيا بعد كونه ميتا، ويعلم أيضا انه قادر على كل ما يصح أن يكون مقدورا له، واصل الوصف بالحق من قولهم: حقه يحقه حقا، وهو نقيض الباطل. والفرق بين الحق والعدل أن العدل جعل الشئ على قدر ما تدعوا إليه الحكمة، والحق في الأصل جعل الشئ لما هوله في ما تدعو إليه الحكمة غير أنه نقل إلى معنى مستحق لصفات التعظيم، فالله تعالى لم يزل حقا أي انه لم يزل مستحقا لمعنى صفة التعظيم بأنه الاله الواحد الذي هو على كل شئ قدير. ثم اخبر تعالى ان في جملة الناس من يخاصم " ويجادل في الله " وصفاته " بغير علم " بل للجهل المحض " ولا هدى " أي ولا حجة " ولا كتاب منير " أي ولا حجة كتاب ظاهر، وهذا يدل أيضا على أن الجدال بالعلم صواب، وبغير العلم خطأ، لان الجدال بالعلم يدعو إلى اعتقاد الحق، وبغير العلم يدعو إلى الاعتقاد بالباطل، ولذلك قال تعالى " وجادلهم بالتي هي أحسن " (1) " وقوله " ثاني عطفه " نصب على الحال يعني الذي يجادل بغير علم يثني عطفه. قال مجاهد وقتادة: يلوي عنقه كبرا. وقيل إنها: نزلت في النضر بن الحارث ابن كلدة - ذكره ابن عباس -. وقوله " ليضل عن سبيل الله " من فتح الياء معناه يفعل هذا ليضل عن طريق الحق المؤدي إلى توحيد الله. ومن ضم الياء أراد انه يفعل ذلك ليضل غيره. ثم اخبر تعالى ان من هذه صفته " له في الدنيا خزي " وأنه يذيقه " عذاب الحريق " يوم القيامة أي العذاب الذي يحرق بالنار. ثم قال " ذلك بما قدمت يداك " أي يقول الله تعالى عند نزول العذاب به (ذلك بما قدمت يداك وأن الله ليس بظلام للعبيد " ومعناه إن ما يفعل بالظالم نفسه من عذاب الحريق جزاء على ما كسبت يداه، فذكر اليدين مبالغة في إضافة الجرم إليه، وهذا يدل على أن ذكر اليدين قد يكون لتحقيق الإضافة. وقوله " وإن الله " اي ولان الله " ليس بظلام للعبيد " وإنما ذكره بلفظ المبالغة، وإن كان لا يفعل القليل من الظلم لامرين:
أحدهما: انه خرج مخرج الجواب للمجبرة، وردا عليهم، لأنهم ينسبون كل ظلم في العالم إليه تعالى، فبين أنه لو كان، كما قالوا لكان ظلاما وليس بظالم.
الثاني: أنه لو فعل أقل قليل الظلم لكان عظيما منه، لأنه يفعله من غير حاجة إليه، فهو أعظم من كل ظلم فعله فاعله لجاجته إليه.
1- سورة 22 الحج آية 29.