الآيات 1-4
قال قتادة هي مدنية إلا اربع آيات فإنها مكيات من قوله " وما أرسلنا من قبلك من رسول ولا نبي " إلى قوله (عذاب مقيم) وقال مجاهد وعياش بن أبي ربيعة: هي مدنية كلها. وهي ثمان وسبعون آية في الكوفي وست في المدنيين وخمس في المكي.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ، يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ، وَمِنَ النَّاسِ مَن يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطَانٍ مَّرِيدٍ، كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَن تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إلى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾
القراءة:
قرا أهل الكوفة إلا عاصما " سكرى " بلا الف بسكون الكاف في الموضعين. الباقون " سكارى ". هذا خطاب من الله تعالى لجميع المكلفين من البشر يأمرهم بأن يتقوا معاصي الله لأنه يستحق بفعل المعاصي والاخلال بالواجبات العقوبات يوم القيامة. ثم اخبر " ان زلزلة الساعة " يعني القيامة " شئ عظيم " والزلزلة شدة الحركة على حالة هائلة، ومنه زلزلة الأرض لما يلحق من الهول، وكان أصله زلت قدمه إذا زالت عن الجهة بسرعة. ثم ضوعف فقيل: زلزل الله اقدامهم، كما قيل: دكة ودكدكة، والزلزلة والزلزال - بكسر الزاي - مصدر. والزلزال - بالفتح - الاسم قال الشاعر:
يعرف الجاهل المضلل ان الدهر * فيه النكراء والزلزال (1)
وقال علقمة والشعبي: الزلزلة من اشراط القيامة. وروى الحسن في حديث رفعه عن النبي صلى الله عليه وآله انها يوم القيامة. والعظيم المختص بمقدار يقصر عنه غيره، وضده الحقير. والكبير نقيض الصغير. وفي الآية على أن المعدوم يسمى شيئا، لان الله تعالى سمى الزلزلة يوم القيامة شيئا، وهي معدومة اليوم. وقوله " يوم ترونها تذهل كل مرضعة عما أرضعت " قال الفراء والكوفيون: يجوز ان يقال: مرضع بلا هاء، لان ذلك لا يكون في الرجال، فهو مثل حائض وطامث. وقال الزجاج وغيره من البصريين: إذا أجريته على الفعل قلت أرضعت فهي مرضعة، فإذا قالوا مرضع، فالمعنى انها ذات رضاع. وقيل في قولهم: حائض وطامت معناه انها ذات حيض وطمث. وقال قوم: إذا قلت: مرضعة، فإنه يراد بها أم الصبي المرضع. وإذا أسقطت الهاء، فإنه يراد بها المرأة التي معها صبي مرضعة لغيرها. والمعنى ان الزلزلة هي شئ عظيم، في يوم ترون فيها الزلزلة، على وجه " تذهل كل مرضعة " اي يشغلها عن ولدها اشتغالها بنفسها، وما يلحقها من الخوف. وقال الحسن: تذهل المرضعة عن ولدها لغير فطام، وتضع الحامل لغير تمام. والذهول الذهاب عن الشئ دهشا وحيرة، تقول: ذهلت عنه ذهولا، وذهلت - بالكسر - أيضا، وهو قليل، والذهل السلو، قال الشاعر: صحا قلبه يا عز أو كاد يذهل (2) وهذا تهويل ليوم القيامة، وتعظيم لما يكون فيه من الشدة على وجه لو كان هناك مرضعة لشغلت عن الذي ترضعه، ولو كان هناك حامل لا سقطت من هول ذلك اليوم، وإن لم يكن هناك حامل ولا مرضعة. وقوله (وترى الناس سكارى وما هم بسكارى) معناه تراهم سكارى من الفزع، وما هم بسكارى من شرب الخمور. وإنما جاز " وترى الناس سكارى، وما هم بسكارى "، لأنها رواية تخيل. وقيل: معناه كأنهم سكارى من ذهول عقولهم لشدة ما يمر بهم، فيضطربون كاضطراب السكران من الشراب. وقرأ أبو هريرة (وترى الناس) بضم التاء، والناس منصوب على أنه مفعول ثان. وتقديره وترى أن الناس. وتكون " سكارى " نصبا على الحال. ومن قرأ " سكرى " جعله مثل جرحى وقتلى. وقيل: هما جمعان كسكران وسكرانة، قال أبو زيد: يقولون: مريض ومراضى، ومرضى. فمن قرأ " سكرى " فلان السكر كالمرض والهلاك، فقالوا: (سكرى) مثل هلكى ومثل عكلى. ومن قرأ " سكارى " فلانه روي أن النبي صلى الله عليه وآله قرأ كذلك. ثم علل تعالى ذلك، فقال ليس هم بسكارى " ولكن عذاب الله شديد " فمن شدته يصيبهم ما يصيبهم من الاضطراب. ثم اخبر تعالى ان " من الناس من يجادل " أي يخاصم " في الله " فيما يدعوهم إليه من توحيد الله ونفي الشرك عنه " بغير علم " منه بل للجهل المحض " ويتبع " في ذلك " كل شيطان مريد " يغويه عن الهدى ويدعوه إلى الضلال. وذلك يدل على أن المجادل في نصرة الباطل مذموم، وأن من جادل بعلم ووضع الحجة موضعها بخلافه. و (المريد) المتجرد للفساد. وقيل أصله الملاسة، فكأنه متملس من الخير، ومنه صخرة مرداء أي ملساء، ومنه الأمرد. والمريد الداهية المنكرة. ويقال: تمرد فلان. والممرد من البناء المتطاول المتجاوز. وقوله " كتب عليه انه من تولاه فإنه يضله ويهديه إلى عذاب السعير " يقول الله تعالى انه كتب في اللوح المحفوظ ان من تولى الشيطان واتبعه وأطاعه فيما يدعوه إليه، فإنه يضله. وقال الزجاج: معناه كتب عليه أنه من تولاه يضله، فعطف (أن) الثانية على الأولى تأكيدا، فلذلك نصبت (أن) الثانية. والأكثر في التأكيد أن لا يكون معه حرف عطف غير أنه جائز: كما يجوز: زيد - فإنهم - في الدار. وقال قوم: نصبت (أن) الثانية، لان المعنى فلانه يضله عن طريق الحق " ويهديه إلى عذاب السعير " أي عذاب النار الذي يستعر ويلتهب. والهاء في " كتب عليه " راجعة إلى الشيطان، وتقديره كتب على الشيطان أنه من تولى الشيطان واتبعه، فان الشيطان يضله، فالهاء في يضله عائدة إلى (من) في قوله " من تولاه ".
1- تفسير الطبري 17 / 80.
2- انظر 4 / 343 و 6 / 117، 476.