الآيات 96-100

قوله تعالى: ﴿حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ، وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِيَ شَاخِصَةٌ أَبْصَارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَا وَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِي غَفْلَةٍ مِّنْ هَذَا بَلْ كُنَّا ظَالِمِينَ، إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ، لَوْ كَانَ هَؤُلَاء آلِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَالِدُونَ، لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لَا يَسْمَعُونَ﴾

القراءة:

قرأ ابن عامر " فتحت " مشددة، على التكثير. الباقون بالتخفيف. يقول الله تعالى: إنه حرام على أهل قرية أهلكناها رجوعهم، " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج " أي ينفرج السدان (يأجوج ومأجوج) ويظهروا، والتقدير فتحت جهة يأجوج ومأجوج، والفتح انفراج الشئ عن غيره. وقوله " وهم من كل حدب ينسلون " قال مجاهد: ان قوله " وهم " كناية عن الناس، يحشرون إلى أرض الموقف يوم القيامة. وقال عبد الله بن مسعود: هو كناية عن يأجوج ومأجوج. ويأجوج ومأجوج إسمان أعجميان، وهما قبيلان. ولو كانا عربيين لكانا من أج النار، أو الماء الأجاج. وقال قتادة: الحدب الاكم. وقيل: هو الارتفاع من الأرض بين الانخفاض، ومعناهما واحد. والحدبة خروج الظهر، يقال: رجل أحدب إذا احدودب كبرا. وقوله " ينسلون " فالنسول الخروج عن الشئ الملابس، يقال: نسل ينسل وينسل نسولا، قال امرؤ القيس:

وان كنت قد ساءتك مني خليقة * فسلي ثيابي من ثيابك تنسل (1)

ونسل ريش الطائر إذا سقط. وقيل: النسول الخروج باسراع مثل نسلان الذئب، قال الشاعر:

عسلان الذئب أمسى قاريا * برد الليل عليه فنسل (2)

وقوله تعالى " واقترب الوعد الحق " قال قوم: الواو مقحمة والتقدير اقترب الوعد الحق، يعني القيامة. وقال آخرون: ليست مقحمة، بل الجواب محذوف، وهو الأجود، والتقدير على قول الأولين " حتى إذا فتحت يأجوج ومأجوج وهم من كل حدب ينسلون... اقترب الوعد الحق " ذكره الفراء قال: وهو مثل قوله " وتله للجبين وناديناه " (3) وكقوله (حتى إذا جاؤها وفتحت) (4) والمعنى فتحت. وعلى قول البصريين الواو مرادة والتقدير حتى إذا فتحت، واقترب الوعد الحق، قالوا يا ويلنا قد كنا في غفلة. وقيل: خروج يأجوج ومأجوج من اشراط الساعة. وقوله (فإذا هي شاخصة) قيل إن الضمير في قوله (فإذا هي) عائد إلى معلوم ينبه عليه ابصار الذين كفروا، كما قال الشاعر:

لعمر أبيها لا تقول ظعينتي * إلا فرعني مالك ابن أبي كعب (5)

فكنى في أبيها ثم بين ذكرها. وقال قوم: إضمار العماد على شروط التفسير كقوله تعالى (فإنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور) (6) وقوله (يا ويلنا) أي يقول الكفار الذين شخصت أبصارهم: الويل لنا إنا قد كنا في غفلة من هذا اليوم، وهذا المقام، بل كنا ظالمين لنفوسنا بارتكاب معاصي الله، فيقول الله تعالى لهم (إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم أنتم لها واردون) والمعنى انكم أيها الكافرون والذي عبدتموه من الأصنام والأوثان حصب جهنم. وقال ابن عباس: وقودها. وقال مجاهد: حطبها. وقيل: انهم يرمون فيها، كما يرمى بالحصباء - في قول مجاهد، وقال: إنما يحصب بهم أي يرمى بهم. وقرأ (على) (ع)، وعائشة (حطب). وقرأ الحسن (حضب) بالضاد. ومعناه ما تهيج به النار وتذكى به. والحضب الحية. وقوله (أنتم لها واردون) خطاب لجميع الكفار انهم يردون جهنم ويدخلونها لا محالة، فالورود قد يكون الدخول، كقولهم وردت الدار، أي دخلتها، ويكون بالاشراف، كقوله (ولما ورد ماء مدين) (7) ومعناه أشرف عليه. والمراد في الآية الدخول، لان الكفار يدخلون النار لا محالة. ثم قال تعالى: لو كان هذه الأصنام والأوثان آلهة لم يردوا جهنم. ويحتمل: أن يكون أراد ما وردت الأصنام جهنم، لأنه كان يكون عبادتهم واقعة موقعها، ولكانوا يقدرون على الدفاع عنهم والنصرة لهم. ثم اخبر تعالى ان كل في جهنم خالدون، مؤبدون فيها. وأن لهم في جهنم زفيرا، وهو شدة التنفس. وقيل: هو الشهيق لهول ما يرد عليهم من النار (وهم فيها) يعني في جهنم (لا يسمعون) قال الجبائي: لا يسمعون ما ينتفعون به، وإن سمعوا ما يسؤهم. وقال ابن مسعود: يجعلون في توابيت من نار، فلا يسمعون شيئا. وقال قوم: المراد بقوله (وما يعبدون من دون الله) الشياطين الذين دعوهم إلى عبادة غير الله، فأطاعوهم، فكأنهم عبدوهم، كما قال (يا أبت لا تعبد الشيطان) (8) أي لا تطعه.


1- تفسير الطبري 17 / 66.

2- سورة 37 الصافات آية 103.

3- سورة 39 الزمر آية 73.

4- تفسير الطبري 17 / 66 والقرطبي 11 / 342.

5- سورة 22 الحج آية 46.

6- سورة 28 القصص آية 22.

7- سورة 19 مريم آية 44.

8- سورة 10 يونس آية 19، وسورة 11 هود آية 111، وسورة 20 طه آية 129، وسورة 41 حم السجدة (فصلت) آية 45، وسورة، 24 الشورى آية 14.