الآيات 91-95

قوله تعالى: ﴿وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِّلْعَالَمِينَ، إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ، وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ، فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ وَإِنَّا لَهُ كَاتِبُونَ، وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة إلا حفصا عن عاصم " وحرم " بكسر الحاء بلا الف. الباقون بفتح الحاء. وإثبات الألف، وهما بمعنى واحد. يقول الله تعالى لنبيه صلى الله عليه وآله واذكر أيضا " التي أحصنت فرجها " يعني مريم بنت عمران. والاحصان إحراز الشئ من الفساد، فمريم أحصنت فرجها بمنعه من الفساد فأثنى الله عليها، ورزقها ولدا عظيم الشأن، لا كالأولاد المخلوقين من النطفة. وجعله نبيا. وقوله " فنفخنا فيها من روحنا " معناه أجرينا فيها روح المسيح، كما يجري الهواء بالنفخ، وأضاف الروح إلى نفسه، على وجه الملك تشريفا له في الاختصاص بالذكر. وقيل: إن الله تعالى أمر جبرائيل بنفخ الروح في فرجها، وخلق المسيح في رحمها. وقوله " وجعلناها وابنها آية للعالمين " معناه إنا جعلنا مريم وابنها عيسى آية للعالمين. وإنما قال " آية " ولم يثن، لأنه في موضع دلالة لهما، فلا يحتاج أن يثنى. والآية فيهما أنها جاءت به من غير فحل، فتكلم في المهد بما يوجب براءة ساحتها من العيب، وفي ذلك دليل واضح على سعة مقدوراته تعالى، وأنه يتصرف كيف شاء. وقوله " وإن هذه أمتكم أمة واحدة " قال ابن عباس ومجاهد والحسن: معناه دينكم دين واحد. واصل الأمة الجماعة التي على مقصد واحد، فجعلت الشريعة أمة، لاجتماعهم بها على مقصد واحد. وقيل: معناه جماعة واحدة في أنها مخلوقة مملوكة لله. ونصب " أمة " على الحال، ويسميه الكوفيون قطعا. ثم قال " وأنا ربكم " الذي خلقكم " فاعبدوني " ولا تشركوا بي أحدا. وقوله " وتقطعوا أمرهم بينهم " معناه اختلفوا في الدين بما لا يسوغ، ولا يجوز - في قول ابن زيد - ثم قال مهددا لهم " كل الينا راجعون " أي إلى حكمنا، في الوقت الذي لا يقدر على الحكم فيه سوانا، كما يقال: رجع أمرهم إلى القاضي أي إلى حكمه. وقوله " فمن يعمل من الصالحات وهو مؤمن " قيل: الصالحات - ههنا - صلة الرحم، ومعونة الضعيف، ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، والكف عن الظلم، ونحو ذلك من اعمال الخير، وإنما شرط الايمان، لأن هذه الأشياء لو فعلها الكافر لم ينتفع بها عند الله. وقوله " فلا كفران لسعيه " معناه لا جحود لاحسانه في عمله، وهو مصدر كفر كفرا وكفرانا، قال الشاعر:

من الناس ناس لا تنام خدودهم * وخدي ولا كفران لله نائم (1)

وقوله " وإنا له كاتبون " أي ملائكتنا يثبتون ذلك ويكتبونه، فلا يضيع له لديه شئ. وقوله " وحرام على قرية أهلكناها انهم لا يرجعون " قيل: (لا) صلة، والمعنى: حرام رجوعهم. وقيل " انهم لا يرجعون " أي حال قبول التوبة. وقال قوم: حرام على قرية أهلكناها، لأنهم لا يرجعون. وقال الزجاج: المعنى وحرام على قرية أهلكناها أن نتقبل منهم عملا لأنهم لا يرجعون، أي لا يتوبون أبدا. وحرم وحرام لغتان مثل حل وحلال. وقيل: في معنى " وحرام على قرية " معناه واجب عليهم ألا يرجعون إلى تلك القرية أبدا. وقال الجبائي: معناه وحرام على قرية أهلكناها عقوبة لهم ان يرجعوا إلى دار الدنيا.


1- شرح ديوانه 147.