الآيات 81-85

قوله تعالى: ﴿وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إلى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَكُنَّا بِكُلِّ شَيْءٍ عَالِمِينَ، وَمِنَ الشَّيَاطِينِ مَن يَغُوصُونَ لَهُ وَيَعْمَلُونَ عَمَلًا دُونَ ذَلِكَ وَكُنَّا لَهُمْ حَافِظِينَ، وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِن ضُرٍّ وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ، وَإِسْمَاعِيلَ وَإِدْرِيسَ وَذَا الْكِفْلِ كُلٌّ مِّنَ الصَّابِرِينَ﴾

يقول الله تعالى وسخرنا " لسليمان الريح عاصفة " من رفع (الريح) وهو عبد الرحمن الأعرج: أضاف الريح إلى سليمان إضافة الملك، كأنه قال له الريح. و " عاصفة " نصب على الحال في القراءتين، والريح هو الجو، يشتد تارة ويضعف أخرى. وحد الرماني الريح بأن قال: هو جسم منتشر لطيف، يمتنع بلطفه من القبض عليه ويظهر للحس بحركته. وقولهم: سكنت الريح مثل قولهم: هبت الريح، وإلا فإنها لا تكون ريحا إلا بالحركة. ويقولون: أسرع فلان في الحاجة كالريح، وراح فلان إلى منزله. و (العصوف) شدة حركة الريح، وعصفت تعصف عصفا وعصفة، وعصف عصفا وعصوفا إذا اشتد، والعصف التبن، لان الريح تعصفه بتطييرها. وقيل: عصوف الريح شدة هبوبها. وذكران الريح كانت تجري لسليمان إلى حيث شاء، فذلك هو التسخير " تجري بأمره " يعني بأمر سليمان " إلى الأرض التي باركنا فيها " يعني الشام، لأنها كانت مأواه، فأي مكان شاء مضى إليه، وعاد إليها بالعشي. وقوله " وكنا بكل شئ عالمين " معناه علمنا معه على ما يعلمه من صحة التدبير، فان ما أعطيناه من التسخير يدعوه إلى الخضوع له. ويدعو طالب الحق إلى الاستبصار في ذلك، فكان لطفا يجب فعله. وقوله " ومن الشياطين من يغوصون له " أي وسخرنا لسليمان قوما من الشياطين يغوصون له في البحر " ويعملون عملا دون ذلك " قال الزجاج: معناه سوى ذلك " وكنا لهم حافظين " أي يحفظهم الله من الافساد لما عملوه. وقيل: كان حفظهم لئلا يهربوا من العمل. وقال الجبائي: كشف الله تعالى أجسام الجن حتى تهيأ لهم تلك الأعمال، معجزة لسليمان (ع) قال: انهم كانوا يبنون له البنيان، والغوص في البحار، وإخراج ما فيه من اللؤلؤ وغيره، وذلك لا يتأتى مع رقة أجسامهم. قال: وسخر له الطير بأن قوى أفهامها، حتى صارت كصبياننا الذين يفهمون التخويف والترغيب. ثم قال واذكر يا محمد " أيوب إذ نادى ربه " أي حين دعاه، فقال يا رب " أني مسني الضر " أي نالني الضر يعني ما كان ناله من المرض والضعف. قال الجبائي: كان به السلعة " وأنت ارحم الراحمين " فارحمني. وقيل إنما فعل ذلك بأيوب، ليبلغ بصبره على ذلك المنزلة الجليلة التي أعدها الله - عز وجل - له ولكل مؤمن فيما يلحقه من مصيبة أسوة بأيوب، قال الجبائي: لم يكن ما نزل به من المرض فعلا للشيطان، لأنه لا يقدر على ذلك، وإنما آذاه بالوسوسة وما جرى مجراها. قال الحسن: وكان الله تعالى أعطاه ما لا وولدا، فهلك ما له ومات ولده، فصبر، فأثنى الله عليه. ثم قال تعالى " فاستجبنا له " يعني أجبنا دعاءه ونداءه " فكشفنا ما به من ضر " أي أزلنا عنه ذلك المرض " وآتيناه أهله ومثلهم معهم " قيل: رد الله إليه أهله الذين هلكوا بأعيانهم، وأعطاه مثلهم معهم - في قول ابن مسعود وابن عباس - وقال الحسن وقتادة: إن الله أحيا له أهله بأعيانهم وزاده إليهم مثلهم. وقال عكرمة ومجاهد - في رواية - أنه خبر فاختار إحياء أهله في الآخرة، ومثلهم في الدنيا، فأوتي على ما اختار. وقال ابن عباس: أبد له الله تعالى بكل شئ ذهب له ضعفين " رحمة من عندنا " أي نعمة منا عليه " وذكرى للعابدين " اي عظة يتذكر به العابدون لله تعالى مخلصين. وقوله " وإسماعيل وإدريس وذا الكفل " أي اذكر هؤلاء الذين عددتهم لك من الأنبياء، وما أنعمت عليهم من فنون النعمة. ثم أخبر أنهم كانوا كلهم " من الصابرين " يصبرون على بلاء الله، والعمل بطاعته. دون معاصيه. واختلفوا في ذي الكفل، فقال أبو موسى الأشعري، وقتادة، ومجاهد: كان رجلا صالحا، كفل لنبي بصوم النهار، وقيام الليل، وألا يغضب، ويقضي بالحق، فوفى لله بذلك، فأثنى الله عليه. وقال قوم: كان نبيا، كفل بأمر وفى به. وقال الحسن: هو نبي اسمه ذو الكفل. وقال الجبائي: هو نبي، ومعنى وصفه بالكفل أنه ذو الضعف أي ضعف ثواب غيره، ممن في زمانه لشرف عمله.