الآيات 56-60

قوله تعالى: ﴿قَالَ بَل رَّبُّكُمْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الَّذِي فَطَرَهُنَّ وَأَنَا عَلَى ذَلِكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ، وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُم بَعْدَ أَن تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ، فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلاَّ كَبِيرًا لَّهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ، قَالُوا مَن فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ، قَالُوا سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إِبْرَاهِيمُ﴾

القراءة:

قرأ الكسائي " جذاذا " بكسر الجيم. الباقون بضمها. فمن ضم الجيم أراد جعلهم قطعا، وهو (فعال) على وزن الرفات والفتات والرقاق، وجذذته أجذه جذا أي قطعته. وقال ابن عباس: الجذاذ الحطام. ومن كسر الجيم فإنه أراد جمع جذيذ (فعيل) بمعنى مجذوذ. ومثله كريم وكرام، وخفيف وخفاف، وبالضم مصدر لا يثنى ولا يجع. قال جرير:

آل المهلب جذ الله دابرهم * أمسوا رمادا فلا أصل ولا طرف (1)

حكى الله تعالى ما رد به إبراهيم على كفار قومه حين قالوا له " أجئتنا بالحق أم أنت من اللاعبين " فإنه قال لهم " بل ربكم السماوات والأرض الذي " خلقكم ودبركم والذي خلق السماوات والأرض و " فطرهن " معناه ابتدأهن والفطر شق الشئ من امر ظهر منه يقال: فطره يفطره فطرا وانفطر انفطارا، ومنه تفطر الشجر بالورق، فكأن السماء تشق عن شئ فظهرت بخلقها. ثم قال إبراهيم " وأنا على ذلكم من الشاهدين " يعني أنا على ما قلت لكم: من أنه تعالى خالقكم وخالق السماوات شاهد بالحق لأنه دال، والشاهد الدال على الشئ عن مشاهدة، فإبراهيم (ع) شاهد بالحق دال عليه بما يرجع إلى ثقة المشاهدة. ثم أقسم إبراهيم فقال " وتالله لأكيدن أصنامكم " وذلك قسم، والتاء في القسم لا تدخل إلا في اسم الله تعالى، لأنها بدل من الواو والواو بدل من الباء، فهي بدل من بدل، فلذلك اختصت باسم الله. وقال قتادة: معناه لأكيدن أصنامكم في سر من قومه. والكيد ضر الشئ بتدبير عليه، يقال: كاده يكيده كيدا فهو كائد. وقوله " بعد أن تولوا مدبرين " يقال: انه انتظرهم حتى خرجوا إلى عيد لهم فحينئذ كسر أصنامهم. ثم أخبر تعالى انه " جعلهم جذاذا " أي قطعا " إلا كبيرا لهم " تركه على حاله. ويجوز أن يكون كبيرهم في الخلقة. ويجوز أن يكون أكبرهم عندهم في التعظيم " لعلهم إليه يرجعون " أي لكي يرجعوا إليه فينتبهوا على ما يلزمهم فيه من جهل من اتخذوه إلها، إذا وجدوه على تلك الصفة. وكان ذلك كيدا لهم. وفي الكلام حذف، لان تقديره إن قومه رجعوا من عيدهم، فوجدوا أصنامهم مكسرة " قالوا من فعل هذا بآلهتنا إنه لمن الضالمين " ف? (من) بمعنى الذي، وتقديرها الذي فعل هذا بمعبودنا، فإنه ظلم نفسه. وقوله " قالوا سمعنا فنى يذكرهم يقال له إبراهيم " قيل تخلف بعضهم فسمع إبراهيم يذكرها بالعيب، فذكر ذلك، ورفع (إبراهيم) بتقدير، يقال له هذا إبراهيم، أو ينادى يا إبراهيم، ذكره الزجاج.


1- سورة 37 الصافات آية 89.