الآيات 1-5

هي مكية في قول قتادة ومجاهد وهي مائة واثنتا عشرة آية في الكوفي واحدى عشرة في البصري والمدنيين.

بسم الله الرحمن الرحيم

قوله تعالى: ﴿اقْتَرَبَ لِلنَّاسِ حِسَابُهُمْ وَهُمْ فِي غَفْلَةٍ مَّعْرِضُونَ، مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ، لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ، قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة إلا أبا بكر وخلفا " قال ربي " على وجه الخبر.. الباقون " قل ربي " على وجه الامر. هذا اخبار من الله تعالى بأنه " اقترب للناس " يعني دنا وقت " حسابهم " ومعناه دنا وقت اظهار ما للعبد وما عليه ليجازى به وعليه. والحساب اخراج مقدار العدد بعقد يحصل. ويقال: هو إخراج الكمية من مبلغ العدة. وقيل إنه دنا لأنه بالإضافة إلى ما مضى يسير. وقيل: نزلت الآية في أهل مكة استبطؤا عذاب الله تكذيبا بالوعيد، فقتلوا يوم بدر، والاقتراب قصر مدة الشئ بالإضافة إلى ما مضى من زمانه. وحقيقة القرب قلة ما بين الشيئين، يقال: قرب ما بينهما تقريبا إذا قلل ما بينهما من مدة أو مساقة أو اي فاصلة، والقرب قد يكون في الزمان، وفى المكان، وفي الحال. وقد قيل: كل آت قريب، فلذلك وصف الله تعالى القيامة بالاقتراب، لأنها جائية بلا خلاف. وقوله " وهم في غفلة معرضون " فالغفلة السهو، وهو ذهاب المعنى عن النفس ونقيضها اليقظة، ونقيض السهو الذكر، وهو حضور المعنى للنفس، والنسيان، هو غروب المعنى عن النفس بعد حضوره. وقوله " معرضون " يعني عن الفكر في ذلك، والعمل بموجبه. وقيل: هم في غفلة بالاشتغال بالدنيا، معرضون عن الآخرة. وقيل: هم في غفلة بالضلال، معرضون عن الهدى. وهو مثل ما قلناه. وقوله " ما يأتيهم من ذكر من ربهم محدث " معناه اي شئ من القرآن محدث بتنزيله سورة بعد سورة وآية بعد آية " إلا استمعوه وهم يلعبون " اي كل ما جدد لهم الذكر استمروا على الجهل - في قول الحسن وقتادة - وفي هذه الآية دلالة على أن القرآن محدث، لأنه تعالى اخبر انه ليس يأتيهم ذكر محدث من ربهم إلا استمعوه وهم لاعبون. والذكر: هو القرآن قال الله تعالى " انا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون " (1) وقال " وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم " (2) يعني القرآن، ويقويه في هذه الآية قوله " الا استمعوه " والاستماع لا يكون إلا في الكلام، وقد وصفه بأنه محدث، فيجب القول بحدوثه ويجوز في (محدث) الجر على أنه صفة. ويجوز الرفع والنصب فالنصب على الحال والرفع على تقدير هو محدث. ولم يقرأ بهما، وقوله " لاهية قلوبهم " نصب (لاهية) على الحال. وقال قتادة: معناه غافلة. وقال غيره: معناه طالبة للهو، هازلة. واللهو الهزل الممتع. وقوله (وأسروا النجوى الذين ظلموا) فموضع (الذين ظلموا) من الاعراب يحتمل أن يكون رفعا على البدل من الضمير في قوله " وأسروا " كما قال تعالى " ثم عموا وصموا كثير منهم " (3) ويجوز أن يكون رفعا على الاستئناف، وتقديره وهم الذين ظلموا. ويحتمل وجها ثالثا - أن يكون خفضا بدلا من الناس. والمعنى ان الذين ظلموا أنفسهم بكفرهم بالله وجحدهم أنبيائه، وأخفوا القول فيما بنيهم. وقالوا " هل هذا " يعنون رسول الله " إلا بشر مثلكم ". وقال قوم: معناه انهم أظهروا هذا القول لان الفظة (أسروا مشتركة بين الاخفاء والاظهار، والأول أصح. وقوله " أفتأتون السحر " معناه أفتقبلون السحر " وأنتم تبصرون " أي وأنتم تعلمون انه سحر. وقيل: معناه أفتعدلون إلى الباطل وأنتم تعلمون الحق وتنكرون ثبوته. ثم أمر نبيه صلى الله عليه وآله فقال " قل " يا محمد " ربي " الذي خلقني واصطفاني " يعلم القول في السماء والأرض " لا يخفى عليه شئ من ذلك بل يعلمه جمعيه " وهو السميع العليم " أي هومن يجب أن يسمع المسموعات إذا وجدت عالم بجميع المعلومات وقوله (بل قالوا أضغاث أحلام بل افتراه " فالمعني في (بل) الاضراب بها عما حكى انهم قالوه أولا، والاخبار عما قالوه ثانيا، لأنهم أولا قالوا: هذا الذي اتانا به من القرآن (أضغاث أحلام) اي تخاليط رؤيا، رآها في المنام - في قول قتادة - قال الشاعر: كضغث حلم عزمته حالمة (4) ثم قالوا: لا (بل افتراه) اي تخرصه وافتعله. ثم قالوا: (بل هو شاعر) وإنما قالوا: هو شاعر، قول متحير، قد بهره ما سمع، فمرة يقول ساحر، ومرة يقول شاعر. ولا يجزم على أمر واحد. قال المبرد: في (أسروا) اضمار هؤلاء اللاهية قلوبهم، والذين ظلموا بدلا منه. وقال قوم: قدم علامة الجمع، لان الواو علامة الجمع، وليست بضمير، كقولهم: انطلقوا أخوتك، وانطلقا صاحباك، تشبيها بعلامة التأنيث، نحو: ذهبت جاريتك، وهذا يجوز، لكن لا يختار في القرآن مثله.


1- سورة المائدة آية 74.

2- تفسير القرطبي 11 / 270.

3- سورة 17 الاسراء آية 59.

4- سورة 65 الطلاق آية 10 - 11.