الآيات 108-110

قوله تعالى: ﴿يَوْمَئِذٍ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِيَ لَا عِوَجَ لَهُ وَخَشَعَت الْأَصْوَاتُ لِلرَّحْمَنِ فَلَا تَسْمَعُ إِلاَّ هَمْسًا، يَوْمَئِذٍ لَّا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ إِلاَّ مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَرَضِيَ لَهُ قَوْلًا، يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا﴾

يقول الله تعالى إن اليوم الذي ينسف الله فيه الجبال نسفا. ويذرها قاعا صفصفا، حتى لا يبقى فيه عوج ولا أمت، تتبع الخلائق يومئذ الداعي لهم إلى المحشر (لا عوج له) اي لا يميلون عنه، ولا يعدلون عن ندائه، ولا يعصونه كما يعصون في دار الدنيا (وخشعت الأصوات للرحمن) اي تخضع له بمعنى انها تسكن، ولا ترتفع - في قول ابن عباس - والخشوع الخضوع قال الشاعر:

لما اتى خبر الزبير تواضعت * سور المدينة والجبال الخشع (1)

وقوله تعالى " فلا تسمع إلا همسا " فالهمس صوت الاقدام - في قول ابن عباس وابن زيد - وقال مجاهد: الهمس إخفاء الكلام، قال الراجز في الهمس: وهن يمشين بنا هميسا (2) يعني صوت أخفاف الإبل في سيرها. وقوله (يومئذ لا تنفع الشفاعة إلا من أذن له الرحمن ورضي له قولا) اخبر الله تعالى أن ذلك اليوم لا تنفع شفاعة أحد في غيره، إلا شفاعة من أذن الله له أن يشفع، ورضي قوله فيها: من الأنبياء والأولياء والصديقين والمؤمنين. ثم قال (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم) أي يعلم ما بين أيدي الخلائق من أمور القيامة وأحوالهم، ويعلم ما سبقهم فيما تقدمهم (ولا يحيطون) هم (به) بالله (علما). والمعنى انهم لا يعلمون كل ما هو تعالى عالم به لنفسه، فلا يعمله أحد علم إحاطة، وهو تعالى يعلم جميع ذلك، وجميع الأشياء علم إحاطة، بمعنى انه يعلمها على كل وجه يصح أن تعلم عليه مفصلا. وقال الجبائي: معناه ولا يحيطون بما خلفهم علما، ولا بما بين أيديهم.


1- تفسير الطبري 16 / 142.

2- تفسير الطبري 16 / 142 والقرطبي 11 / 249 واللسان (عنو).