الآيات 101-107

قوله تعالى: ﴿خَالِدِينَ فِيهِ وَسَاء لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حِمْلًا، يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا، يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ عَشْرًا، نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلاَّ يَوْمًا، وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا، فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا، لَا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلَا أَمْتًا﴾

القراءة:

قرأ أبو عمرو وحده " يوم ننفخ " بفتح النون مع قوله " ونحشر ". الباقون " ينفخ " بالياء على ما لم يسم فاعله. قوله " خالدين " نصب على الحال، والعامل فيه (العذاب) الذي تقدم ذكره من الوزر، والمعنى في عذاب الاثم (وساء لهم يوم القيامة حملا) نصب (حملا) على التمييز. وفاعل (ساء) مضمر، وتقديره: ساء الحمل حملا، الا انه استغني بالمفسر عن اظهار المضمر، كقولهم بئس رجلا صاحبك. وإنما اضمر، ثم فسره، لأنه أفخم وأهول، والمعنى وساء ذلك الحمل الوزر لهم يوم القيامة حملا، فيما ينزل بهم. وقوله (يوم ينفخ في الصور) فالنفخ اخراج الريح من الجوف بالدفع من الفم، فهذا أصله، ثم قد يسمى احداث الريح من الزق أو البوق نفخا، لأنه كالنفخ المعروف. و (الصور) قيل في معناه قولان:

أحدهما: انه جمع صورة، كل حيوان تنفخ فيه الروح، فتجري في جسمه، ويقوم حيا بإذن الله.

الثاني: انه قرن ينفخ فيه النفخة الثانية ليقوم الناس من قبورهم عند تلك النفخة تصويرا لتلك الحال في النفوس بما هو معلوم، مما عهدوه من بوق الرحيل وبوق النزول. وقوله (ونحشر المجرمين يومئذ زرقا) قيل: معناه إنه ازرقت عيونهم من شدة العطش. وقيل: معناه عميا، كما قال (ونحشرهم يوم القيامة على وجوههم عميا) (1) كأنها ترى زرقا وهي عمي. وقيل: المعني في (زرقا) تشويه الخلق: وجوههم سود وأعينهم زرق. وقوله (يتخافتون بينهم) معناه يتشاورون بينهم - في قول ابن عباس - ومنه قوله (ولا تجهر بصلاتك ولا تخافت بها) ومعناه لا تعلن صوتك بالقراءة في الصلاة كل الاعلان ولا تخفها كل لا خفاء (وابتغ بين ذلك سبيلا) (2) وقوله (إن لبثتم إلا عشرا) يعني ما أقمتم في قبوركم إلا عشرا. وإنما يقولون ذلك القول لأنهم لشدة ما يرونه من هول القيامة ينسون ما لبثوا في الدنيا، فيقولون هذا القول. وقيل: معناه وتأويله انه يذهب عنهم طول لبثهم في قبورهم لما يرون من أحوالهم التي رجعت إليهم، كأنهم كانوا نياما، فانتبهوا. وقال الحسن: إن لبثتم إلا عشرا يقللون لبثهم في الدنيا لطول ما هم لابثون في النار. ثم قال تعالى (نحن اعلم بما يقولون إذ يقول أمثلهم طريقة) أي أصلحهم طريقة وأوفرهم عقلا. وقيل: أكثرهم سدادا، يعني عنه نفسه (إن لبثتم إلا يوما) قال أبو علي الجبائي: معناه (إن لبثتم إلا يوما) بعد انقطاع عذاب القبر عنهم، وذلك أن الله يعذبهم ثم يعيدهم. ثم قال لنبيه محمد صلى الله عليه وآله (ويسألونك عن الجبال فقل ينسفها ربي نسفا) قيل: انه يجعلها بمنزلة الرمل، ثم يرسل عليها الرياح فتذريها كتذرية الطعام عن القشور والتراب. وقيل: ان الجبال تصير كالهباء (فيذرها قاعا صفصفا) قال ابن عباس: الصفصف الموضع المستوي الذي لانبات فيه، وهو قول مجاهد وابن زيد. وقيل هو المكان المستوي كأنه على صف واحد في استوائه، والقاع قيل: هو الأرض الملساء. وقيل مستنقع الماء وجمعه اقواع قال الشاعر:

كان أيدهن بالقاع القرق * أيدي جوار يتعاطين الورق (3)

وقال الكلبي: الصفصف ما لا تراب فيه. (لا ترى فيها عوجا ولا أمتا) يعني واديا ولا رابية - في قول ابن عباس - وقيل (عوجا) معناه صدعا (ولا أمتا) يعني اكمة. وقيل: معنى (عوجا) ميلا و (أمتا) اثرا. وقال أبو عبيدة: (صفصفا) اي مستويا املسا. و (العوج) مصدر ما أعوج من المجاري، والمسايل والأودية والارتفاع يمينا وشمالا و " لا أمتا " اي لا ربا ولا وهاد، أي لا ارتفاع فيه ولا هبوط، يقال: مد حبله حتى ما ترك فيه امتا، وملا سقاه حتى ما ترك فيه أمتا أي انثناء، قال الشاعر: ما في انحداب سيره من أمت (4).


1- امالي الشريف المرتضى 1 / 561 واللسان (قرق).

2- تفسير الطبري 16 / 141 والشوكاني 3 / 372.

3- قائله جرير ديوانه (دار بيروت) 270 وقد مر في 1 / 204، 312 من هذا الكتاب.

4- تفسير القرطبي 11 / 249 والشوكاني 3 / 372 والطبري 16 / 114.