الآيات 67-70
قوله تعالى: ﴿فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى، قُلْنَا لَا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الْأَعْلَى، وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى، فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى﴾
القراءة:
قرأ ابن عامر " تلقف " بتشديد القاف ورفع التاء. وقرأ حفص عن عاصم ساكنة الفاء مجزومة خفيفة القاف. الباقون مشددة القاف مجزومة الفاء. وقرأ حمزة والكسائي " كيد سحر " على (فعل) الباقون " ساحر " على (فاعل) قال أبو علي: حجة من قال (ساحر) أن الكيد للساحر، لا للسحر إلا أن يريد كيد ذي سحر، فيكون المعنيان واحدا، ولا يمتنع ان يضاف الكيد إلى السحر مجازا. قوله " فأوجس في نفسه خيفة موسى " قيل في وجه خيفته قولان:
أحدهما: قال الجبائي والبلخي خاف أن يلتبس على الناس أمرهم، فيتوهموا أنه كان بمنزلة ما كان من أمر عصاه.
الثاني: انه خاف بطبع البشرية لما رأى من كثرة ما تخيل من الحيات العظام، فقال الله تعالى له " لا تخف إنك أنت الاعلى " أي انك أنت الغالب لهم والقاهر لامرهم، ثم أمره تعالى فقال له " ألق ما في يمينك " يعني العصا " تلقف ما صنعوا " أي تأخذها بفيها ابتلاعا و (ما) هاهنا بمعنى الذي، وتقديره تلقف الذي صنعوا فيه، لان فعلهم لا يمكن ابتلاعه، لأنها اعراض. ويقال: لقف يلقف وتلقف يتلقف. ومن قرأ (تلقف) مضمومة الفاء مشددة القاف، أراد تتلقف فاسقط أحد التائين، وكذلك روى ابن فليح عن البزي عن ابن كثير بتشديد التاء، لأنه أدغم إحداهما في الأخرى. ومن سكن الفاء جعلها جواب الامر. ومن رفع، فعلى تقدير، فهي تلقف. وقيل: إنها ابتلعت حمل ثلاث مئة بعير من الحبال والعصي. ثم اخذها موسى فرجعت إلى حالها عصا، كما كانت. ثم اخبر تعالى، بأن الذي صنعوه كيد سحر، أو كيد ساحر، على اختلاف القراءتين. وإنما رفع " كيد ساحر " لأنه خبر (ان). والمعنى إن الذي صنعوه كيد ساحر، ويجوز فيه النصب على أن تكون (ما) كافة لعمل (إن) كقولك إنما ضربت زيدا، ومثله " إنما تعبدون من دون الله أوثانا " (1) ثم اخبر تعالى أن الساحر لا يفلح أي لا يفوز بفلاح أي بنجاة " حيث أتى " أي حيث وجد. وقال بعضهم، لأنه يجب قتله على كل حال، فلما رأت السحرة ما فعله الله من قلب العصا ثعبانا وابطال سحرهم علموا انه من قبل الله، وانه ليس بسحر، فالقوا نفوسهم ساجدين لله، مقرين بنبوة موسى (ع) مصدقين له. و " قالوا آمنا " أي صدقنا " برب هارون وموسى " وقيل معناه صدقنا بالرب الذي يدعو إليه هارون وموسى، لأنه رب الخلائق أجمعين.
1- سورة، 5، المائدة آية 3.