الآيات 51-55

قوله تعالى: ﴿قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الْأُولَى، قَالَ عِلْمُهَا عِندَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَّا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنسَى، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْدًا وَسَلَكَ لَكُمْ فِيهَا سُبُلًا وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِّن نَّبَاتٍ شَتَّى، كُلُوا وَارْعَوْا أَنْعَامَكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّأُوْلِي النُّهَى، مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى﴾

القراءة:

قرأ أهل الكوفة (مهدا) على التوحيد. الباقون " مهادا " على الجمع، وهو مثل فرش وفراش. ومن قرأ " مهدا " قال ليوافق رؤس الآي. والمعنى " لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض " مستقرا يمكنكم من التصرف عليها. وقال الزجاج: القرن أهل كل عصر فيهم نبي أو إمام أو عالم يقتدى به، وإن لم يكن واحد منهم لم يسم قرنا. حكى الله تعالى ما قال فرعون لموسى " ما بال القرون الأولى " وهي الأمم الماضية، وكان هذا السؤال منه معاياة لموسى، فأجابه موسى بأن قال " علمها عند ربي " لأنه لا يخفى عليه شئ من المعلومات. وقوله " في كتاب " اي أثبت ذلك في الكتاب المحفوظ لتعرفه الملائكة. و (الأولى) تأنيث (الأول) وهو الكائن على صفة قبل غيره. فإذا لم يكن قبله شئ، فهو قبل كل شئ، وأراد ذاك على ما في معلوم الله من أمرها، وقيل إنه أراد من يؤدبهم ويجازيهم. وقيل: ان معنى " لا يضل ربي ولا ينسى " اي لا يذهب عليه شئ، والعرب تقول الكل ما ذهب على الانسان مما ليس بحيوان: ضله، كقولهم: ضل منزله إذا أخطأه يضله بغير الف، فإذا ضل منه حيوان فيقولون: أضل - بألف بعيره أو ناقته أو شاته بالألف. والأصل في الأول ضل عنه. وقرأ الحسن " يضل " بضم الياء وكسر الضاد. وقوله " الذي جعل لكم الأرض مهدا " موضع (الذي) رفع بدل عن قوله " ربي. ولا ينسى الذي جعل لكم الأرض مهدا " أي جعله لكم مستقرا تستقرون عليه " وسلك لكم فيها سبلا " معناه انه جعل لكم في الأرض سبلا تسلكوا فيها في حوائجكم من موضع إلى موضع، وانهج لكم الطرق " وأنزل من السماء ماء فأخرجنا به أزواجا من نبات شتى " كل ذلك من صفات قوله " لا يضل ربي ولا ينسى الذي جعل " جميع ما ذكر صفاته. وقوله " كلوا وارعوا انعامكم " لفظه لفظ الامر والمراد الإباحة. وقوله (إن في ذلك لآيات لأولي النهى) أي أن في جميع ما عددناه دلالات لاولى العقول، والنهى جمع نهية نحو كسية. وكسى، وهو شحم في جوف الضب، وإنما خص أولى النهى، لأنهم أهل الفكر والاعتبار وأهل التدبير والاتعاظ. وقيل لهم: أهل النهى، لأنهم ينهون النفوس عن القبائح وقيل لأنه ينتهى إلى رأيهم. وقوله (منها خلقناكم وفيها نعيدكم) يعني من الأرض خلقناكم وفي الأرض نعيدكم إذا امتناكم (ومنها نخرجكم تارة أخرى) دفعة أخرى إذا حشرناكم.