الآيات 45-50

قوله تعالى: ﴿قَالَا رَبَّنَا إِنَّنَا نَخَافُ أَن يَفْرُطَ عَلَيْنَا أَوْ أَن يَطْغَى، قَالَ لَا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى، فَأْتِيَاهُ فَقُولَا إِنَّا رَسُولَا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ وَلَا تُعَذِّبْهُمْ قَدْ جِئْنَاكَ بِآيَةٍ مِّن رَّبِّكَ وَالسَّلَامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى، إِنَّا قَدْ أُوحِيَ إِلَيْنَا أَنَّ الْعَذَابَ عَلَى مَن كَذَّبَ وَتَوَلَّى، قَالَ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى، قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى﴾

لما امر الله موسى وهارون (ع) أن يمضيا إلى فرعون ويدعواه إلى الله " قالا اننا نخاف أن يفرط علينا " ومعناه ان يتقدم فينا بعذاب، ويعجل علينا، ومنه الفارط المتقدم امام القوم إلى الماء، قال الشاعر: قد فرط العجل علينا وعجل (1) ومنه الافراط الاسراف، لأنه تقدم تين يدي الحق. والتفريط التقصير في الامر، لأنه تأخير عما يجب فيه التقدم. فالأصل فيه التقدم " أو ان يطغي " أو يعتوا علينا ويتجبر، فقال الله تعالى لهما " لا تخافا " ولا تخشيا " انني معكما " أي عالم بأحوالكما، لا يخفى علي شئ من ذلك. وإني ناصر لكما، وحافظ لكما " اسمع " ما يقول لكما " وارى " ما يفعل بكما. وقال ابن جريج " انني معكما اسمع " ما يحاوركما به " وأرى " ما تجيئان به. فالسامع هو المدرك للصوت. والرائي المدرك للمرئيات. ثم أمرهما بأن يأتياه، ويقولا له " انا رسولا ربك " بعثنا الله إليك والى قومك لندعوكم إلى توحيد الله واخلاص عبادته، ويأمرك أن ترسل " معنا بني إسرائيل " اي تخليهم وتفرج عنهم، وتطلقهم من اعتقالك " ولا تعذبهم قد جئناك بآية من ربك " اي بمعجزة ظاهرة، ودلالة واضحة من عند ربك " والسلام " يعني السلامة والرحمة " على من اتبع " طريق الحق و (الهدى)، و (على) بمعنى اللام وتقديره السلامة لمن اتبع. والمعنى ان من اتبع طريق الهدى سلم من عذاب الله. وقوله (انا قد أوحي الينا) معناه قولا: (انا قد أوحي الينا ان العذاب على من كذب) بآيات الله واعرض عن اتباعها. وفى الكلام محذوف، وتقديره فاتياه فقولا له ذلك. قال " فمن ربكما يا موسى " وقيل: انه: قال فمن ربكما؟على تغليب الخطاب، والمعنى فمن ربك وربه يا موسى، فقال موسى مجيبا له " ربنا الذي أعطى كل شئ خلقه ثم هدى " ومعناه أعطى كل شئ حي صورته التي قدر له ثم هداه إلى مطعمه ومشربه ومسكنه ومنكحه، إلى غير ذلك من ضروب هدايته - في قول مجاهد - وقيل: معناه أعطى كل شئ مثل خلقه من زوجة، ثم هداه لمنكحه من غير أن رأى ذكرا اتى أنثى قبل ذلك. وحذف المضاف واقام المضاف إليه مقامه وغير ذلك من هدايته. وقرأ نصير عن الكسائي " خلقه " بفتح اللام والخاء، على أنه فعل ماض. الباقون بسكونها على أنه مفعول به. والمعنى إنه خلق كل شئ على الهيئة التي بها ينتفع والتي هي أصلح الخلق له، ثم هداه لمعيشته ومنافعه لدينه ودنياه.


1- تفسير الطبري 11 / 198 والطبري 16 / 119.