الآيات 16-20

قوله تعالى: ﴿فَلاَ يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لاَ يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى، وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى، قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى، قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى، فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى﴾

قوله " فلا يصدنك عنها " نهي متوجه إلى موسى من الله تعالى والمراد به جميع المكلفين، نهاهم الله ان يصدهم عن ذكر الساعة، والمجازاة فيها من لا يصدق بها من الكفار. و (الصد) الصرف عن الخير يقال: صده عن الايمان وصده عن الحق، ولا يقال: صده عن الشر، ولكن يقال: صرفه عن الشر، ومنعه منه. وقوله " واتبع هواه " يعني من لا يؤمن بالقيامة و (الهوى) ميل النفس إلى الشئ بأريحية تلحق فيه. وهواء الجو ممدود، وهوى النفس مقصور. وقوله " فتردى " معناه فتهلك، يقال: ردي يردى ردى، فهو رد. إذا هلك، أي ان صددت عن الساعة بترك التأهب لها هلكت، وتردى هلك بالسقوط. وقوله " وما تلك بيمينك يا موسى " قال الفراء: (تلك) تجري مجرى (هذه) وهي بمعنى الذي و (بيمينك) صلته وتقديره، وما الذي بيمينك يا موسى وأنشد:

عدس ما لعباد عليك امارة * أمنت وهذا تحملين طليق (1)

يعني الذي تحملين. وهو في صورة السؤال لموسى عما في يده اليمنى. والغرض بذلك تنبيهه له عليها ليقع المعجز بها بعد التثبت فيها، والتأمل لها. وقوله " قال هي عصاي " جواب من موسى ان الذي في يدي " عصاي اتوكؤ عليها " في مشيي " وأهش بها على غنمي " اي أخبط بها ورق الشجر اليابس لترعاه غنمي يقال: هش يهش هشا: قال الراجز:

أهش بالعصا على أغنامي * من ناعم الأراك والبشام (2)

(ولي فيها مآرب أخرى) اي حوائج أخر من قولهم: لا أرب لي في هذا أي لا حاجة. وللعرب في واحدها ثلاث لغات: مأربة بضم الراء وفتحها وكسرها. وقوله " قال ألقها يا موسى فألقاها فإذا هي حية تسعى " حكاية ما امر الله تعالى موسى بأن يلقى العصا من يده وأن موسى ألقاها، فلما ألقاها صارت في الحال حية تسعى، خرق الله العادة فيها وجعلها معجزة ظاهرة باهرة.


1- تفسير الشوكاني 3 / 349 والقرطبي 11 / 187 والطبري 16 / 102.

2- تفسير القرطبي 11 / 191.