الآيات 6-10

قوله تعالى: ﴿لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى، وَإِن تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى، اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى، وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى، إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ نَارًا لَّعَلِّي آتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى﴾

يقول الله تعالى إن " له ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وما تحت الثرى " المعنى انه مالك لجميع الأشياء واجتزى بذكر بعض الأشياء عن ذكر البعض لدلالته عليه، كما قال " الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنوبهم " (1) ولم يقل وعلى ظهورهم، لان المفهوم انهم يذكرون الله على كل حال. ومثله قوله " والله ورسوله أحق أن يرضوه " (2) لما كان رضا أحدهما رضا الآخر، ومثله قوله " والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله " (3) ولم يقل ينفقونهما لدلالته على ذلك و " الثرى " التراب الندي، فله تعالى " ما تحت الثرى " إلى حيث انتهى، لأنه مالكه وخالقه ومدبره، وكل شئ ملكه يصح، والله تعالى مالكه بمعنى أن له التصرف فيه كيف شاء. وقوله " وإن تجهر بالقول فإنه يعلم السر وأخفى " معناه وإن تجهر بالقول لحاجتك لسمعه أي تجهر به، فإنه تعالى يعلم السر وأخفى من السر. ولم يقل وأخفى منه، لأنه دال عليه، كما يقول القائل: فلان كالفيل أو أعظم، وهذا كالحبة أو أصغر. والجهر رفع الصوت يقال: جهر يجهر جهرا، فهو جاهر والصوت مجهور، وضده الهمس. و (السر) ما حدث به الانسان غيره في خفية، وأخفى منه ما أضمره في نفسه ولم يحدث به غيره - هذا قول ابن عباس - وقال قتادة وابن زيد وسعيد بن جبير: السر ما أضمره العبد في نفسه. وأخفى منه ما لم يكن ولا أضمره أحد. وقال قوم: معناه يعلم السر والخفي. وضعف هذا لأنه ترك الظاهر وعدول بلفظه (أفعل) إلى غير معناها من غير ضرورة، ولان حمله على معنى أخفى أبلغ إذا كان بمعنى أخفى من السر، فلما قول الشاعر:

تمنى رجال ان أموات وإن أمت * فتلك سبيل لست فيها بأوحد (4)

إنما حمل على أن المراد (بأوحد) أحد، لان الوحدة لا يقع فيها تعاظم، فاخرجه الشاعر مخرج ما فيه تعاظم ورد المعنى إلى الواحد. ثم اخبر تعالى بأنه " الله " الذي تحق له العبادة " لا إله " يحق له العبادة " إلا هو له الأسماء الحسنى " وإنما ذكر الحسنى بلفظ التوحيد ولم يقل الاحاسن، لان الأسماء مؤنثة يقع عليها (هذه) كما يقع على الجماعة (هذه) كأنه اسم واحد للجميع قال الشاعر:

وسوف يعتبنيه إن ظفرت به * رب كريم وبيض ذات أطهار (5)

وفي التنزيل " حدائق ذات بهجة " (6) " ومآرب أخرى " (7) فقد جاز صفة جمع المؤنث بصفة الواحد. وقوله وهل " اتاك حديث موسى " خطاب للنبي صلى الله عليه وآله وتسلية له مما ناله من اذى قومه. والتثبيت له بالصبر على امر ربه، كما صبر اخوه موسى (ع) حتى نال الفوز في الدنيا والآخرة. وقوله " إذ رأى نارا " اي حديث موسى حين رأى نارا " فقال لأهله امكثوا " اي البثوا مكانكم " إني آنست نارا " اي رأيت نارا. والايناس وجدان الشئ الذي يؤنس به، لأنه من الانس ويقال: آنس البازي إذا رأى صيدا قال العجاج: آنس خربان فضاء فانكدر وكان في شتاء، وقد امتنع عليه القدح وضل عن الطريق، فلذلك قال " أو أجد على النار هدى " وقوله " لعلي آتيكم منها بقبس فالقبس الشعلة، وهو نار في طرف عود أو قصبة، يقول: القائل لصاحبه: اقبسني نارا فيعطيه إياها في طرف عود أو قصبة أي لعلي آتيكم بنار تصطلون به أو أجد من يدلني على الطريق الذي أضللناه أو ما استدل به عليه ويقال اقبسته نارا إذا أعطيته قبسا منها، وقبسته للعلم، فرق بين النوعين، والأصل واحد وكلاهما يستضاء به.


1- سورة 9 التوبة آية 63.

2- سورة 9 التوبة آية 35.

3- تفسير الطبري 16 / 93.

4- تفسير الطبري 16 / 93 ومجمع البيان 4 / 3.

5- سورة 27 النمل آية 60.

6- سورة 20 طه آية 18.

7- سورة 28 القصص آية 30 - 31.