الآيات 1-5
وهي مكية في قول قتادة ومجاهد. وهي مائة وخمس وثلاثون آية في الكوفي وأربع في المدنيين واثنان في البصري.
بسم الله الرحمن الرحيم
قوله تعالى: ﴿طه، مَا أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقَى، إِلاَّ تَذْكِرَةً لِّمَن يَخْشَى، تَنزِيلًا مِّمَّنْ خَلَقَ الْأَرْضَ وَالسَّمَاوَاتِ الْعُلَى، الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى﴾
خمس آيات في الكوفي، لأنهم عدوا (طه) آية وأربع في الباقين. قرأ ابن عمرو (طه) بفتح الطاء وإمالة الهاء. وقرأ حمزة والكسائي وخلف وأبو بكر إلا الأعشى والبرجمي بإمالتهما. الباقون بفتحهما. وقرأ عيسى بن عمر ضد قراءة أبي عمرو - بكسر الطاء وفتح الهاء - وقرأ الحسن باسكان الهاء، وفسره يا رجل. وقرأ أبو جعفر بتقطيع الحروف، ورواه الأصمعي عن نافع، وروي عن نافع بين الكسر والفتح في الحرفين، وروي الفتح فيهما، وهو الأظهر. فمن فخم فلأنها لغة النبي صلى الله عليه وآله وهي لغة أهل الحجاز، ومن أمال، فهو حسن. قال أبو عمرو: أملت الهاء لئلا تلتبس بهاء الكناية. وقد بينا في أول سورة البقرة معنى أوائل السور واختلاف الناس فيه، وأن أقوى ما قيل فيه: إنها أسماء للسور ومفتاح لها. وقال قوم: هو اختصار من كلام خص بعلمه النبي صلى الله عليه وآله. وقال ابن عباس وسعيد بن جبير والحسن ومجاهد: معنى (طه) بالسريانية يا رجل. ومنهم من قال هو بالنبطية. وقال الحسن: هو جواب المشركين لما قالوا: انه شقي فقال الله تعالى يا رجل ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى، وقيل: إن طه بمعنى يا رجل في لغة عك وانشد لمتمم بن نويرة:
هتفت بطه في القتال فلم يجب * فخفت عليه أن يكون موائلا (1)
وقال آخر:
إن السفاهة طه من خلائقكم * لا بارك الله في القوم الملاعين (2)
ومن قرأ (طه) بتسكين الهاء تحتمل قراءته أمرين:
أحدهما: أن تكون الهاء بدلا من همزة طاء، كقولهم في أرقب هرقب.
والآخر: أن يكون على ترك الهمز (ط) يا رجل، وتدخل الهاء للوقف. والشقاء استمرار ما يشق على النفس، يقال: شقي يشقى شقا، وهو شقي ونقيض الشقاء السعادة. وقيل في قوله " ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى " قولان:
أحدهما: قال مجاهد وقتادة: إنه نزل بسبب ما كان يلقى من التعب والسهر في قيام الليل.
الثاني: قال الحسن: انه جواب للمشركين لما قالوا: انه شقي. وقوله " إلا تذكرة لمن يخشى " معناه لكن أنزلناه تذكرة أي ليتذكر به من يخشى الله ويخاف عقابه، يقال: ذكره تذكيرا وتذكرة، ومثله " وما لاحد عنده من نعمة تجزي إلا ابتغاء وجه ربه الاعلى " (3) اي لكن ابتغاء وجه ربه، وما فعله إلا ابتغاء وجه ربه، ومثله قول القائل: ما جئت لأسوءك إلا إكراما لزيد، يريد ما جئت إلا اكراما لزيد، وكذلك المصادر التي تكون عللا لوقوع الشئ نحو جئتك ابتغاء الخير اي لابتغاء الخير. وقوله " تنزيلا ممن " معناه نزل تنزيلا. وقيل تقديره " إلا تذكرة... تنزيلا ممن خلق الأرض والسماوات العلى " أي أبدعهن وأحدثهن و " العلى " جمع عليا، مثل ظلمة وظلم، وركبة وركب، ومثل الدنيا والدنى. والقصوى والقصى. وقوله " الرحمن " رفع بأنه خبر مبتدأ، لأنه لما قال " تنزيلا ممن خلق " بينه فكأنه قال: هو الرحمن، كقوله " بشر من ذلكم النار " (4) وقال أبو عبيدة: تقديره " ما أنزلنا عليك القرآن... إلا تذكرة لمن يخشى " لا لتشقى. (ويحتمل أن يكون المراد ما أنزلنا عليك القرآن لتشقى) (5) وما أنزلناه إلا تذكرة لمن يخشى. " الرحمن على العرش استوى " قيل في معناه قولان:
أحدهما: انه استولى عليه، وقد ذكرنا فيما مضى شواهد ذلك.
الثاني: قال الحسن " استوى " لطفه وتدبيره، وقد ذكرنا ذلك أيضا فيما مضى، وأوردنا شواهده في سورة البقرة (6) فأما الاستواء بمعنى الجلوس على الشئ فلا يجوز عليه تعالى، لأنه من صفة الأجسام، والأجسام كلها محدثة. ويقال: استوى فلان على مال فلان وعلى جميع ملكه أي احتوى عليه. وقال الفراء: يقال: كان الامر في بني فلان ثم استوى في بني فلان أي قصد إليهم وينشد:
أقول وقد قطعن بنا شروري * ثواني واستوين من النجوع (7)
أي خرجن واقبلن.
1- تفسير الطبري 16 / 90 والقرطبي 11 / 166 والكشاف 3 / 39.
2- سورة 92 الليل آية 19 - 20.
3- سورة 22 الحج آية 72.
4- ما بين القوسين ساقط من المطبوعة.
5- في تفسير آية 29 من سورة البقرة، المجلد الأول صفحة 124.
6- لم أجده في مظانه، وهذه رواية المخطوطة. أما المطبوعة فإنها أشارت إلى خلاف في روايته كما يلي: (ظعن) بدل (قطعن) و (سرورا) بدل (شروري) و (سوامد) بدل (ثواني) و (الضجوع) بدل (النجوع).
7- سورة 3 آل عمران آية 191.