الآية 151
قوله تعالى: ﴿سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ بِاللّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ وَبِئْسَ مَثْوَى الظَّالِمِينَ﴾
ذكر ابن إسحاق أنه لما نال المسلمين ما نالهم يوم أحد بمخالفة الرماة أمر نبيهم صلى الله عليه وآله وكان من ظهور المشركين عليهم ما كان عرفهم الله عز وجل الحال في ذلك ثم وعدهم بالنصر لهم، والخذلان، لأعدائهم بالرعب، وذكر السدي: أن أبا سفيان وأصحابه هموا بالرجوع بعد أحد لاستئصال المسلمين عند أنفسهم، فالقى الله الرعب في قلوبهم حتى انقلبوا خائبين عقوبة على شركهم " بالله ما لم ينزل به سلطانا " يعني برهانا.
اللغة والحجة:
فالسلطان معناه هاهنا الحجة، والبرهان، وأصله القوة، فسلطان الملك قوته. والسلطان: البرهان لقوته على دفع الباطل. والسلطان: التوكيل على المطالبة بالحق، لأنه تقوية عليه، والتسليط على الشئ: التقوية عليه مع الاغراء به. والسلاطة: حدة اللسان مع شدة الصخب للقوة على ذلك مع إثبات (1) فعله: والسليط: الزيت لقوة اشتعاله بحدته. والالقاء حقيقته في الأعيان، كقوله: " وألقى الألواح " (2) واستعمل في الرعب مجازا، ومثل قوله: " وألقيت عليك محبة مني " (3) وقوله: " ومأواهم النار " أي مستقرهم وفي الآية دلالة على فساد التقليد، لأنه لا برهان مع صاحبه على صحة مذهبه، فكل من قال بمذهب لا برهان عليه، فمبطل بدلالة الآية، وقوله: " وبئس مثوى الظالمين " فالمثوى: المنزل، وأصله الثواء، وهو طول الإقامة ثوى يثوي ثواء: إذا طال مقامه وأثواني فلان مثوي أي أنزلني منزلا وربة البيت: أم مثواه. والثوي: الضيف لأنه مقيم مع القوم. وإنما قيل لجهنم " بئس مثوى الظالمين " وبئس للذم، كما أن نعم للحمد لامرين:
أحدهما: إن الضرر تنفر منه النفس كما ينفر العقل من القبح فجرى التشبيه على وجه المجاز - هذا قول أبي علي - وقال البلخي: لان الذم يجري علي النقص كما يجري على القبح حقيقة فيهما.
نحو قولهم: الأخلاق المحمودة والأخلاق المذمومة وروي عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: (نصرت بالرعب مسيرة شهر) وقد رعبته رعبا أي أفزعته، والاسم الرعب ورعبت الاناء إذا ملأته فهو مرعوب.
1- في المخطوطة (ايثار).
2- سورة الأعراف آية: 149.
3- سورة طه آية: 39.