الآية 137
قوله تعالى: ﴿قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُواْ فِي الأَرْضِ فَانْظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذَّبِينَ﴾
المعنى:
معنى قوله: " قد خلت من قبلكم سنن " أي سنن من الله تعالى في الأمم السالفة ذ (1) كذبوا رسله وجحدوا نبوتهم بالاستئصال، والاجتياح، كعاد، وثمود، وقوم صالح، وقوم لوط الذين أهلكهم الله بأنواع العذاب من الاستئصال (2) فبقيت (3) لهم آثار في الديار فيها أعظم الاعتبار والاتعاظ - على قول الحسن، وابن إسحاق - فأمر الله أن يسيروا في الأرض، ويتعرفوا أخبارهم، وما نزل بهم ليتعظوا بذلك، وينتهوا عن مثل ما فعلوه. وقال الزجاج: معناه " قد خلت من قبلكم " أهل " سنن " في الشر.
اللغة والمعنى:
والسنة: الطريقة المجعولة ليقتدى بها، فمن ذلك سنة رسول الله صلى الله عليه وآله. وقال لبيد:
من معشر سنت لهم آباؤهم * ولكل قوم سنة وإمامها (4)
وقال سليمان بن قتة: (5)
وإن الالى بالطف من آل هاشم * نأسوا فسنوا للكرام التأسيا (6)
سنة الله عز وجل الاهلاك للأمم الضالة بهذه المنزلة. وأصل السنة الاستمرار في جهة. سن الماء سنا: إذا صبه حتى يفيض من الاناء. وسنه بالمسن إذا أمره عليه لتحديده. وفلان مسنون الوجه أي مستطيله. وقوله: " من حمأ مسنون " قيل معناه متغير، لاستمرار الزمان به حتى تغير. ومنه السن واحد الأسنان، لاستمرارها على منهاج. والسنان، لاستمرار الطعن به. والسنن استمرار الطريق. والخلو: الانفراد، فمنه الخلاء، لانفراد المكان. ومنه التخلية لانفراد الشئ بها عن صاحبه. ومنه الخلية من النوق التي خلا ولدها بذبح أو موت، لانفرادها عنه. والخلية من السفن التي تخلى تسير في نفسها. ومنه الخلا مقصور: الحشيش اختليته إذا قطعته، لانفراده بالقطع. ومنه المخلاة. ومن ذلك المخالاة المخادعة، لانفراد صاحبها بمن يخاليه يوهمه التخصص به، فمعنى " خلت " انفردت بالهلاك دون من بقي. وقوله: (فانظر كيف كان عاقبة) فالعاقبة هو ما يؤدي إليها السبب المتقدم، وليس كذلك الآخرة، لأنه قد كان يمكن أن تجعل هي الأولى في العدة للمكذبين يريد به الجاحدين البعث، والنشور، والثواب، والعقاب الدافعين لمن يخبر بذلك بالرد بالتكذيب، فجازاهم الله تعالى في الدنيا بعذاب الاستئصال، ولهم في الآخرة عظيم النكال.1- في المطبوعة ومخطوطة (أ): (إذا).
2- في المخطوطة (أ) ساقط سطر من هذا الموضع.
3- في المطبوعة (وبقيت).
4- البيت من معلقته الشهيرة البارعة يذكر بها قومه وفضلهم. يقول: هذه الصفات الحميدة - التي تقدم وصفها - هي سنة آبائهم..
5- (قتة) أمه وهو مولى لتيم قريش، وهو من التابعين. وزعم بعضهم أنه (سليمان ابن ضبيب المحارمي) وهو خطأ.
6- تاريخ الطبري 7: 184، وأنساب الأشراف 5: 339 وأمالي الشجري 1: 131، واللسان (أمي) وغيرها. وهذا البيت أنشده مصعب بن الزبير قبل مقتله.