الآية 92
قوله تعالى: ﴿لَن تَنَالُواْ الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾
المعنى:
قيل في معنى البر قولان:
أحدهما: البر من الله بالثواب في الجنة.
الثاني: البر بفعل الخير الذي يستحقون به الاجر. وقال السدي وعمرو بن ميمون: البر الجنة. فان قيل: كيف قال " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " والفقير لا يحب عليه الصدقة وينال الجنة، وان لم ينفق؟قلنا: الكلام خرج مخرج الحث على الصدقة إلا أنه على ما يصح ويجوز من إمكان النفقة، فهو مقيد بذلك في الجملة إلا أنه أطلق الكلام للمبالغة في الترغيب فيه. ويجوز " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " في سبل الخير من الصدقة من وجوه الطاعة. وقال الحسن: هو الزكاة الواجبة وما فرض تعالى في الأموال خاصة. والأولى أن تحمل الآية على الخصوص بأن يقول: هي متوجهة إلى من يجب عليه إخراج شئ أوجبه الله عليه دون من لم يجب عليه، ويكون ذلك أيضا مشروطا بأن لا يعفو الله عنه - على مذهبنا في جواز العفو - أو يقول " لن تنالوا البر " الكامل الواقع على أشرف الوجوه " حتى تنفقوا مما تحبون ". وقوله: (فان الله به عليم) إنما جاء على جهة جواب الشرط وإن كان الله يعلمه على كل حال، لامرين:
أحدهما: لان فيه معنى الجزاء، فتقديره " وما تنفقوا من شئ فان الله؟يجازيكم به قل أو كثر، لأنه عليم به لا يخفى عليه شئ منه.
الثاني: فإنه يعلمه الله موجودا على الحد الذي تفعلونه من حسن النية أو قبحها.
اللغة:
والفرق بين البر، والخير: أن البر هو النفع الواصل إلى الغير مع القصد إلى ذلك، والخير يكون خيرا، وان وقع عن سهو. وضد البر العقوق. وضد الخير الشر، فبذلك بين الفرق بينهما. النظم: ووجه اتصال هذه الآية بما قبلها أنه تعالى لما ذكر في الآية الأولى " فلن يقبل من أحدهم ملء الأرض ذهبا ولو افتدى به " وصل ذلك بقوله " لن تنالوا البر حتى تنفقوا مما تحبون " لئلا يؤدي امتناع غناء الفدية إلى الفتور في الصدقة، وما جرى مجراها من وجوه الطاعة.