سورة الأعراف / 204 و 205

في أن الخبر جرى على غير من هو له، ويجوز أن يراد بالإخوان: الشياطين ويرجع الضمير إلى ﴿الجهلين﴾ فيكون الخبر جاريا على من هو له (1)، والأول أوجه، لأن ﴿إخوانهم﴾ في مقابلة ﴿الذين اتقوا﴾، وجاز جمع الضمير في ﴿إخوانهم﴾ والشيطان مفرد لأن المراد به الجنس، فهو كقوله: ﴿أولياؤهم الطاغوت﴾ (2)، ﴿وإذا لم تأتهم بآية﴾ مقترحة ﴿قالوا لولا اجتبيتها﴾ اجتبى الشئ: إذا جباه لنفسه بمعنى جمعه، كقوله: " اجتمعته ": أو جبي إليه فاجتباه أي: أخذه، والمعنى: هلا اجتمعتها افتعالا من عند نفسك لأنهم كانوا يقولون: " إن هذا إلا إفك مفترى "، أو هلا أخذتها منزلة عليك مقترحة ﴿قل إنما أتبع ما يوحى إلى من ربى﴾ ولست بمفتعل للآيات، أو لست بمقترح لها ﴿هذا بصائر﴾ أي: هذا القرآن حجج بينة ودلائل واضحة يعود الناس بها بصراء بعد العمى، أو هو بمنزلة بصائر القلوب.

﴿وإذا قرئ القرآن فاستمعوا له وأنصتوا لعلكم ترحمون (204) واذكر ربك في نفسك تضرعا وخيفة ودون الجهر من القول بالغدو والآصال ولا تكن من الغافلين (205) إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون (206)﴾ هذا بظاهره يوجب استماع القرآن والإنصات له وقت قراءته في الصلاة وغير الصلاة، وقيل: إنه في الصلاة خاصة خلف الإمام الذي يؤتم به إذا سمعت قراءته، وكان المسلمون يتكلمون في الصلاة فنزلت (3)، ثم صار سنة في غير الصلاة أن ينصت القوم في المجلس الذي يقرأ فيه القرآن (4)، وقيل: معناه: إذا تلى عليكم الرسول القرآن عند نزوله ﴿فاستمعوا له﴾ (5).

قال الصادق (عليه السلام): " إذا قرئ عندك القرآن وجب عليك الإنصات والاستماع " (6).

﴿لعلكم ترحمون﴾ لترحموا بذلك ﴿واذكر ربك في نفسك﴾ هو عام في الأذكار من قراءة القرآن والدعاء والتسبيح والتهليل والتحميد ﴿تضرعا وخيفة﴾ أي: متضرعا وخائفا ﴿ودون الجهر﴾ ومتكلما كلاما دون الجهر، لأن الإخفاء أدخل في الإخلاص وأبعد من الرياء وأقرب إلى القبول ﴿بالغدو والآصال﴾ بالغدوات والعشيات لفضل هذين الوقتين، وقيل: المراد به دوام الذكر واتصاله (7) ﴿ولا تكن من الغافلين﴾ عن ذكر الله اللاهين عنه ﴿إن الذين عند ربك﴾ وهم الملائكة، والمعني في ﴿عند﴾: دنو المنزلة والزلفة والقرب من فضل الله ورحمته، لتوفرهم على طاعته ﴿لا يستكبرون عن عبادته﴾ مع جلالة قدرهم وعلو أمرهم ﴿ويسبحونه﴾ ينزهونه عما لا يليق به ﴿وله يسجدون﴾ ويختصونه بالسجود والعبادة، وهذا أول سجدات القرآن (8).


1- انظر تفصيل ذلك في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 399.

2- البقرة: 257.

3- انظر أسباب النزول للواحدي: ص 188 - 189، وتفسير البغوي: ج 2 ص 226، وتفسير القرطبي: ج 7 ص 353.

4- وهو قول ابن مسعود وأبي هريرة والزهري وعطاء وعبيد الله بن أبي عمير ومجاهد وقتادة وسعيد بن المسيب وسعيد بن جبير والضحاك وإبراهيم والشعبي وابن عباس وابن زيد، واختاره الجبائي. راجع التبيان: ج 5 ص 67، وزاد في تفسير القرطبي: ج 7 ص 353: عمرو بن دينار وزيد بن أسلم والقاسم بن مخيمرة ومسلم بن يسار وشهر بن حوشب وعبد الله بن المبارك.

5- قاله الجبائي. راجع التبيان: ج 5 ص 68.

6- تفسير العياشي: ج 2 ص 44 ح 132، وعنه البرهان: ج 2 ص 57، والبحار: ج 18 ص 615 - 616.

7- قاله ابن عباس على ما حكاه عنه الرازي في تفسيره: ج 15 ص 109.

8- قال الشيخ الطوسي: وهذه أول سجدات القرآن، وهي عندنا مستحبة غير واجبة، وفي ذلك خلاف بين الفقهاء. انظر التبيان: ج 5 ص 70.