سورة الأعراف / 182 - 185

وعن علي (عليه السلام) قال: " والذي نفسي بيده، لتفترقن هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا فرقة ﴿وممن خلقنا أمة يهدون بالحق﴾ الآية، فهذه التي تنجو " (1).

وعن الباقر والصادق (عليهما السلام) أنهما قالا: " نحن هم " (2).

﴿والذين كذبوا بآياتنا سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (182) وأملى لهم إن كيدي متين (183) أولم يتفكروا ما بصاحبهم من جنة إن هو إلا نذير مبين (184) أولم ينظروا في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شئ وأن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم فبأي حديث بعده يؤمنون (185) من يضلل الله فلا هادي له ويذرهم في طغيانهم يعمهون (186)﴾ الاستدراج من الدرجة بمنزلة الاستصعاد والاستنزال درجة بعد درجة، والمعنى: سنستدنيهم قليلا قليلا إلى الهلاك حتى يقعوا فيه بغتة ﴿من حيث لا يعلمون﴾ ما يراد بهم ﴿وأملى لهم﴾ عطف على ﴿سنستدرجهم﴾ وهو داخل في حكم السين ﴿إن كيدي متين﴾ سماه كيدا لأنه شبيه بالكيد، لأنه في الظاهر إحسان وفي الحقيقة خذلان ﴿أولم يتفكروا﴾ هؤلاء الكفار فيعلموا ﴿ما بصاحبهم﴾ بمحمد (صلى الله عليه وآله) ﴿من جنة﴾ أي: جنون، وكانوا يقولون: شاعر مجنون، وعن قتادة: أن النبي (صلى الله عليه وآله) علا الصفا فدعاهم فخذا فخذا يحذرهم بأس الله، فقال قائلهم: إن صاحبكم هذا لمجنون بات يهوت (3) إلى الصباح (4) ﴿أولم ينظروا﴾ نظر استدلال ﴿في ملكوت السماوات والأرض﴾ فيما يدلان عليه من عظم الملك ﴿وما خلق الله من شئ﴾ وفيما خلق الله مما يقع عليه اسم الشئ من أجناس خلقه التي لا يحصرها العدد، ﴿و﴾ في ﴿أن عسى أن يكون قد اقترب أجلهم﴾ ولعلهم يموتون عن قريب فيسارعوا إلى النظر فيما ينجيهم قبل مغافصة (5) الأجل، و ﴿أن﴾ هذه مخففة من الثقيلة، وأصله: وأنه عسى، على أن الضمير ضمير الشأن (6) ﴿فبأي حديث بعده﴾ أي: بعد القرآن ﴿يؤمنون﴾ والمعنى: لعل أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت ؟! وبأي حديث أحق منه يريدون أن يؤمنوا ؟! وقرئ: ﴿ويذرهم﴾ بالياء والنون وبالرفع (7) والجزم (8)، والرفع على الاستئناف، والجزم عطف على محل ﴿فلا هادي له﴾ كأنه قيل: من يضلل الله لا يهده أحد ويذرهم.

سورة الأعراف / 187 ﴿يسئلونك عن الساعة أيان مرساها قل إنما علمها عند ربى لا يجليها لوقتها إلا هو ثقلت في السماوات والأرض لا تأتيكم إلا بغتة يسئلونك كأنك حفى عنها قل إنما علمها عند الله ولكن أكثر الناس لا يعلمون (187) قل لا أملك لنفسي نفعا ولا ضرا إلا ما شاء الله ولو كنت أعلم الغيب لاستكثرت من الخير وما مسني السوء إن أنا إلا نذير وبشير لقوم يؤمنون (188)﴾ الساعة: من الأسماء الغالبة كالنجم للثريا، وسميت القيامة بالساعة لوقوعها بغتة، أو لأنها على طولها عند الله كساعة من ساعات الخلق (9)، و ﴿أيان﴾ بمعنى متى، وقيل: اشتقاقه من أي، لأن معناه أي وقت (10)، و ﴿مرساها﴾ إرساؤها أو وقت إرسائها أي: إثباتها، ورسو كل شئ ثباته واستقراره، والمعنى: متى يرسيها الله؟﴿قل إنما علمها﴾ أي: علم وقت إرسائها عنده قد استأثر به لم يخبر أحدا من خلقه ليكون العباد على حذر منه، وذلك أدعى لهم إلى الطاعة وأزجر عن المعصية، كما أخفى سبحانه وقت الموت لذلك ﴿لا يجليها لوقتها إلا هو﴾ أي: لا تزال خفية لا يكشف خفاء علمها إلا هو وحده إذا جاء بها في وقتها ﴿ثقلت في السماوات والأرض﴾ أي: أهم شأن الساعة أهل السماوات والأرض من الملائكة والجن والإنس، فكل منهم يود أن يتجلى له علمها وشق عليه خفاؤها وثقل عليه (11)، أو ثقلت فيهما لأن أهليهما يتوقعونها ويخافون شدائدها وأهوالها (12) ﴿لا تأتيكم إلا بغتة﴾ أي: فجاءة على غفلة منكم.

وفي الحديث: " إن الساعة تهيج بالناس والرجل يصلح حوضه، والرجل يسقي ماشيته، والرجل يقوم سلعته في سوقه، والرجل يخفض ميزانه ويرفعه " (13).


1- تفسير العياشي: ج 2 ص 43 ح 122، وعنه تفسير البرهان: ج 2 ص 52 - 53، والبحار: ج 8 ص 2.

2- الكافي: ج 1 ص 414 ب 108 ح 13، تفسير العياشي: ج 2 ص 42 ح 120 و 121، وعنه تفسير البرهان: ج 2 ص 52، والبحار: ج 7 ص 120، وإثبات الهداة: ج 3 ص 50.

3- هوت به تهويتا: أي صاح. (القاموس المحيط: مادة هوت).

4- انظر تفسير الطبري: ج 6 ص 134 - 135 ح 15472، والكشاف: ج 2 ص 182.

5- في نسخة: مفاوضة. والمغافصة: المفاجأة والأخذ على غرة. (القاموس المحيط: مادة غفص).

6- انظر الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 389.

7- قرأ ابن كثير ونافع (الحرميان) وابن عامر بالنون والرفع. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 298، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 485، والعنوان في القراءات السبع لابن خلف: ص 98.

8- وقرأ حمزة والكسائي وخلف وعاصم برواية بالياء والجزم. راجع التبيان: ج 5 ص 45، وتفسير البغوي: ج 2 ص 219، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 298، والكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 1 ص 485.

9- انظر تفصيله في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 390.

10- قاله ابن جني على ما حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 183، والرازي في تفسيره: ج 15 ص 80.

11- وهو قول السدي على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 5 ص 47، والماوردي في تفسيره: ج 2 ص 285، واختاره الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 399، والزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 185.

12- وهو قول ابن جريج على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 5 ص 47، والماوردي في تفسيره: ج 2 ص 285، واختاره الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 393.

13- الكشاف: ج 2 ص 184، الكاف الشاف في تخريج أحاديث الكشاف لابن حجر: ص 66.