سورة الأعراف / 179 - 181

وقيل: إن بلعم طلب منه قومه أن يدعو على موسى ومن معه، فأبى وقال: كيف ادعوا على من معه الملائكة! فألحوا عليه حتى فعل، فخرج لسانه فوقع على صدره وجعل يلهث كما يلهث الكلب (1) ﴿ذلك مثل القوم الذين كذبوا بآياتنا﴾ من اليهود بعد ما قرأوا نعت رسول الله (صلى الله عليه وآله) في التوراة، وبشروا الناس بقرب مبعثه وكانوا يستفتحون به ﴿فاقصص﴾ قصص بلعم الذي هو نحو قصصهم ﴿لعلهم يتفكرون﴾ فيحذرون مثل عاقبته إذا ساروا بسيرته وزاغوا شبه زيغه، ويعلمون أنك علمته من جهة الوحي فتزداد الحجة لزوما لهم ﴿ساء مثلا القوم﴾ أي: مثل القوم ﴿وأنفسهم كانوا يظلمون﴾ تقديم المفعول به للاختصاص، فكأنه قيل: وخصوا أنفسهم بالظلم لم يتعدها إلى غيرها ﴿فهو المهتدى﴾ فهو محمول على اللفظ ﴿فأولئك هم الخاسرون﴾ محمول على المعنى.

﴿ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالانعم بل هم أضل أولئك هم الغافلون (179) ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها وذروا الذين يلحدون في أسمائه سيجزون ما كانوا يعملون (180) وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون (181)﴾ أي: خلقنا ﴿كثيرا من الجن والإنس﴾ على أن مصيرهم إلى جهنم بسوء اختيارهم، وهم الذين علم الله أنه لا لطف لهم، جعلهم سبحانه في أنهم لا يتدبرون أدلة الله وبيناته بعقولهم، ولا ينظرون إلى مخلوقاته نظر اعتبار، ولا يسمعون ما يتلى عليهم من المواعظ والأذكار، ولا يأتي منهم إلا أفعال أهل النار مخلوقين للنار ﴿أولئك كالانعم﴾ في عدم التدبر والتفكر والنظر للاعتبار ﴿بل هم أضل﴾ فإن البهائم إذا زجرت انزجرت وإذا أرشدت إلى طريق اهتدت، وهؤلاء لا يهتدون إلى شئ من أمور الديانات مع ما ركب فيهم من العقول الدالة على الرشاد الصارفة عن العناد ﴿أولئك هم الغافلون﴾ الكاملون في الغفلة ﴿ولله الأسماء الحسنى﴾ التي هي أحسن الأسماء، لأنها تتضمن معاني حسنة، بعضها يرجع إلى صفات ذاته كالعالم والقادر والحي والإله، وبعضها يرجع إلى صفات فعله كالخالق والرازق والبارئ والمصور، وبعضها تفيد التمجيد والتقديس كالقدوس والغني والواحد (2) ﴿فادعوه بها﴾ فسموه بتلك الأسماء ﴿وذروا الذين يلحدون في أسمائه﴾ أي: واتركوا الذين يعدلون بأسمائه عما هي عليه فيسمون بها أصنامهم، أو يصفونه بما لا يليق به ويسمونه بما لا يجوز تسميته به (3) ﴿وممن خلقنا أمة يهدون بالحق﴾ عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه كان يقول إذا قرأها: " هذه لكم وقد أعطي القوم بين أيديكم مثلها ﴿ومن قوم موسى أمة﴾ الآية " (4).


1- وهو ما قاله ابن عباس وابن إسحاق والسدي في رواياتهم عنه. انظر تفسير البغوي: ج 2 ص 213 - 214، وتفسير ابن كثير: ج 2 ص 255 - 256.

2- قال العلامة الطباطبائي (قدس سره): تنقسم الصفات الواجبية بالقسمة الأولية إلى ما تكفي في ثبوته الذات المتعالية من غير حاجة إلى فرض أمر خارج كحياته تعالى وعلمه بنفسه وتسمى الصفة الذاتية، وما لا يتم الاتصاف به إلا مع فرض أمر خارج من الذات كالخلق والرزق والاحياء وتسمى الصفة الفعلية، والصفات الفعلية كثيرة وهي على كثرتها منتزعة من مقام الفعل... إلى أن قال: فلننظر في أقسام الصفات ونحو اتصافه فنقول: تنقسم الصفة إلى ثبوتية كالعالم والقادر وسلبية تفيد معنى سلبيا... إلى أن قال: ثم الصفات الثبوتية تنقسم إلى حقيقية كالعالم وإضافية كالقادرية والعالمية، وتنقسم الحقيقية إلى محضة كالحي وحقيقية ذات إضافة كالعالم بالغير... إلى آخر قوله الشريف. راجع بداية الحكمة: المرحلة الثانية عشر الفصل الرابع في صفات الواجب الوجود تعالى ومعنى اتصافه بها.

3- انظر مبحث: هل أسماء الله توقيفية؟ضمن مباحث الإلهيات التي بحثها الأستاذ السبحاني وتعرض لها وفصل، تجد تفصيل أقوال المتكلمين المسلمين فيها، وأشبع الرد عليها وبيان الحق منها.

4- رواها الطبري باسناده: ج 6 ص 134 ح 15471، وابن الجوزي في زاد المسير: ج 3 ص 294. والآية: 159 من سورة الأعراف.