سورة الأعراف / 165 و 168

وقد نهوا عنه، والسبت مصدر سبتت اليهود: إذا عظمت سبتها بترك الصيد والاشتغال بالتعبد، وكذلك قوله: ﴿يوم سبتهم﴾ معناه: يوم تعظيمهم أمر السبت، و ﴿إذ يعدون﴾ محله جر (1) بدل من ﴿القرية﴾ والمراد بالقرية أهلها، والتقدير: واسألهم عن أهل القرية وقت عدوانهم في السبت وهو بدل الاشتمال، ويجوز أن يكون منصوب المحل ب? ﴿كانت﴾ أو ب? ﴿حاضرة﴾، و ﴿إذ تأتيهم﴾ منصوب ب? ﴿يعدون﴾، ويجوز أن يكون بدلا بعد بدل (2) ﴿شرعا﴾ ظاهرة على وجه الماء، وعن الحسن: تشرع الحيتان على أبوابهم كأنها الكباش البيض (3) يقال: شرع علينا فلان: إذا دنا منا وأشرف علينا ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك البلاء نبلوهم بسبب فسقهم ﴿وإذ قالت﴾ معطوف على ﴿إذ يعدون﴾ وإعرابه إعرابه ﴿أمة منهم﴾ أي: جماعة من أهل القرية من صلحائهم (4) يئسوا من قبولهم وعظهم لآخرين كانوا ينهونهم ويعظونهم ﴿لم تعظون قوما الله مهلكهم﴾ أي: مخترمهم في الدنيا بسبب معصيتهم ﴿أو معذبهم عذابا شديدا﴾ في الآخرة، قال الواعظون: ﴿معذرة إلى ربكم﴾ أي: موعظتنا (5) معذرة إلى الله وتأدية لفرضه في النهي عن المنكر ﴿ولعلهم يتقون﴾ ولطمعنا أن يتقوا ويرجعوا، وقرئ: ﴿معذرة﴾ بالنصب (6)، أي: وعظناهم معذرة، أو اعتذرنا معذرة.

﴿فلما نسوا ما ذكروا به أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بيس بما كانوا يفسقون (165) فلما عتوا عن مانهوا عنه قلنا لهم كونوا قردة خاسئين (166)﴾ ﴿فلما نسوا﴾ يعني: أهل القرية، أي تركوا ما ذكرهم به الصالحون ترك الناسي لما ينساه ﴿أنجينا الذين ينهون عن السوء وأخذنا الذين ظلموا بعذاب بيس﴾ أي: شديد، ولم يذكر الفرقة الثالثة التي قالت: ﴿لم تعظون﴾ أهي من الناجية أم من الهالكة، واختلف في ذلك: فقيل: هلكت الفرقتان ونجت الفرقة الناهية، وروي ذلك عن الصادق (عليه السلام) (7)، وقيل: نجت الفرقتان وهلكت الواحدة وهي الآخذة للحيتان (8)، لأن الناهي إذا علم أن النهي لا يؤثر في المنهي سقط عنه النهي، وقرئ: " بعذاب بيس " (9) على تخفيف العين من " بئس " ونقل حركتها إلى الفاء وقلب الهمزة ياء كذيب في " ذئب "، وقرئ - أيضا - بالهمزة (10)، وقرئ: " بيئس " (11) على وزن فيعل فيكون وصفا كضيغم (12) ﴿فلما عتوا عن مانهوا عنه﴾ أي: تكبروا عن ترك مانهوا عنه ﴿قلنا لهم كونوا قردة﴾ عبارة عن مسخهم قردة ﴿خاسئين﴾ مطرودين مبعدين، وقيل: إنهم بقوا كذلك ثلاثة أيام ينظر إليهم الناس ثم هلكوا ولم يتناسلوا (13).

﴿وإذ تأذن ربك ليبعثن عليهم إلى يوم القيمة من يسومهم سوء العذاب إن ربك لسريع العقاب وإنه لغفور رحيم (167) وقطعناهم في الأرض أمما منهم الصالحون ومنهم دون ذلك وبلوناهم بالحسنات والسيئات لعلهم يرجعون (168)﴾


1- في بعض النسخ: مجرور.

2- انظر تفصيل ذلك في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 374.

3- حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 272، والزمخشري في كشافه: ج 2 ص 171.

4- في بعض النسخ: علمائهم.

5- في نسخة: معذرتنا.

6- وهي قراءة حفص وحده عن عاصم. راجع التبيان: ج 5 ص 13، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 296.

7- انظر الكافي: ج 8 ص 158 ح 151.

8- وهو قول ابن عباس والسدي. راجع تفسير ابن عباس: ص 140، والتبيان: ج 5 ص 14، وحكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 172 ونسبه إلى الحسن.

9- قرأه نافع وأبو جعفر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 296، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 427، وتفسير البغوي: ج 2 ص 209، وفي التبيان: ج 5 ص 14: هي قراءة أهل المدينة والداحوني عن هشام.

10- قرأه ابن عامر. راجع التبيان: ج 5 ص 14، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 296، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 4 ص 412.

11- وهي قراءة ابن عباس والأعمش وعاصم برواية أبي بكر. راجع التبيان: ج 5 ص 14، وتفسير البغوي: ج 2 ص 209، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 427، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 4 ص 412.

12- وفي هذا إحدى عشرة قراءة، ذكر المصنف (رحمه الله) ثلاثا منها، ولمزيد التفصيل انظر إعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 158 - 159، والتيسير في القراءات للداني: ص 114.

13- قاله ابن عباس كما في تفسير البغوي: ج 2 ص 209.