سورة الأعراف / 158 و 164

أي: ﴿و﴾ أثبت ﴿لنا في هذه الدنيا حسنة﴾ أي: عافية وحياة طيبة ﴿وفى الآخرة﴾ الجنة ﴿إنا هدنا إليك﴾ أي: تبنا إليك، من هاد إليه: إذا رجع وتاب، والهود جمع هائد وهو التائب ﴿قال عذابي﴾ من صفته أني ﴿أصيب به من أشاء﴾ ممن عصاني واستحقه بعصياني ﴿ورحمتي وسعت كل شئ﴾ فما من مسلم ولا كافر ولا مطيع ولا عاص إلا وهو متقلب في نعمتي، فسأكتب هذه الرحمة كتبة خاصة منكم يا بني إسرائيل ﴿للذين﴾ يكونون في آخر الزمان من أمة محمد (صلى الله عليه وآله) ﴿والذين هم ب?﴾ جميع ﴿آياتنا﴾ وكتبنا ﴿يؤمنون﴾ لا يكفرون بشئ منها ﴿الذين يتبعون الرسول﴾ الذي نوحي إليه كتابا مختصا به وهو القرآن ﴿النبي﴾ المؤيد بالمعجزات ﴿الذي يجدونه﴾ أي: يجدون نعته أولئك الذين يتبعونه من بني إسرائيل ﴿مكتوبا عندهم في التورية والإنجيل﴾، ﴿ويحل لهم﴾ ما حرم عليهم من الأشياء الطيبة كالشحوم وغيرها أو ما طاب في الشريعة ﴿ويحرم عليهم الخبائث﴾ ما يستخبث نحو الميتة والدم ولحم الخنزير، أو ما خبث في الحكم من المكاسب الخبيثة ﴿ويضع عنهم إصرهم﴾ والإصر: الثقل الذي يأصر صاحبه أي: يحبسه من الحراك لثقله، وهو مثل لثقل تكليفهم نحو قتل الأنفس في التوبة ﴿و﴾ كذلك ﴿الأغلال﴾ مثل لما كان في شرائعهم من التكاليف الشاقة نحو قرض موضع النجاسة من الجلد والثوب وإحراق الغنائم وتحريم السبت (1) ﴿وعزروه﴾ ومنعوه حتى لا يقوى عليه عدو، أصل العزر: المنع، ومنه التعزير للضرب دون الحد لأنه يمنع من معاودة القبيح، و ﴿النور﴾ القرآن ﴿أنزل معه﴾ أي: مع نبوته، أو تعلق ﴿معه﴾ ب? ﴿اتبعوا﴾ أي: واتبعوا القرآن الذي أنزل مع اتباع النبي والعمل بسنته، أو: واتبعوا القرآن كما اتبعه النبي يصاحبونه في اتباعه (2).

﴿قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعا الذي له ملك السماوات والأرض لا إله إلا هو يحى ى ويميت فامنوا بالله ورسوله النبي الأمي الذي يؤمن بالله وكلمته واتبعوه لعلكم تهتدون (158) ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون (159) وقطعناهم اثنتي عشرة أسباطا أمما وأوحينا إلى موسى إذ استسقاه قومه أن اضرب بعصاك الحجر فانبجست منه اثنتا عشرة عينا قد علم كل أناس مشربهم وظللنا عليهم الغمم وأنزلنا عليهم المن والسلوى كلوا من طيبت ما رزقناكم وما ظلمونا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (160)﴾ ﴿جميعا﴾ نصب على الحال من ﴿إليكم﴾ (3)، ﴿الذي له ملك السماوات والأرض﴾ في موضع الجر على الوصف لله، أو النصب على المدح بإضمار " أعني " (4)، و ﴿لا إله إلا هو﴾ بدل من الصلة التي هي ﴿له ملك السماوات والأرض﴾، وكذلك ﴿يحى ى ويميت﴾، وفي ﴿لا إله إلا هو﴾ بيان للجملة قبلها، لأن من ملك العالم كان هو الإله على الحقيقة، وفي ﴿يحى ى ويميت﴾ بيان لاختصاصه بالإلهية، لأنه لا يقدر على الإحياء والإماتة غيره ﴿وكلمته﴾ يريد بها ما أنزل عليه وعلى من تقدمه من الرسل ﴿لعلكم تهتدون﴾ إرادة أن تهتدوا ﴿ومن قوم موسى أمة﴾ هم المؤمنون التائبون (5) من بني إسرائيل ﴿يهدون﴾ الناس ﴿ب?﴾ كلمة ﴿الحق﴾ ويدلونهم على الاستقامة ويرشدونهم ﴿و﴾ بالحق ﴿يعدلون﴾ بينهم في الحكم لا يجورون، أو أراد الذين وصفهم ممن أدرك النبي (صلى الله عليه وآله) وآمن به من أعقابهم (6)، وقيل: إنهم قوم من بني إسرائيل فتح الله لهم نفقا في الأرض حتى خرجوا من وراء الصين، وهم هنالك حنفاء مسلمون يستقبلون قبلتنا (7) ﴿وقطعناهم﴾ وصيرناهم قطعا أي: فرقا، وميزنا بعضهم من بعض، والأسباط: أولاد الولد جمع سبط، والأسباط في ولد يعقوب بن (8) إسحاق بمنزلة القبائل في ولد إسماعيل، وكانوا اثني عشر سبطا، وقوله: ﴿أسباطا﴾ بدل من ﴿اثنتي عشرة﴾ والمميز محذوف والتقدير: اثنتي عشرة فرقة (9)، و ﴿أمما﴾ نصب على الحال، يعني: أن كل سبط من الأسباط كانت أمة عظيمة وجماعة كثيرة ﴿فانبجست﴾ فانفجرت وهو الانفتاح بسعة وكثرة، قال العجاج: وكيف غربي دالج تبجسا (10) سورة الأعراف / 161 - 163 ﴿قد علم كل أناس﴾ أي: كل أمة من تلك الأمم ﴿مشربهم﴾، والأناس اسم جمع غير تكسير نحو: رخال (11) وتناء (12) وتؤام وأخوات لها.

﴿وإذ قيل لهم اسكنوا هذه القرية وكلوا منها حيث شئتم وقولوا حطة وادخلوا الباب سجدا نغفر لكم خطيتكم سنزيد المحسنين (161) فبدل الذين ظلموا منهم قولا غير الذي قيل لهم فأرسلنا عليهم رجزا من السماء بما كانوا يظلمون (162) وسلهم عن القرية التي كانت حاضرة البحر إذ يعدون في السبت إذ تأتيهم حيتانهم يوم سبتهم شرعا ويوم لا يسبتون لا تأتيهم كذلك نبلوهم بما كانوا يفسقون (163) وإذ قالت أمة منهم لم تعظون قوما الله مهلكهم أو معذبهم عذابا شديدا قالوا معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون (164)﴾ ﴿القرية﴾ بيت المقدس (13)، وقرئ: " تغفر لكم خطيئاتكم " (14) و " خطيئتكم " (15) أيضا، وقرئ: ﴿نغفر لكم﴾ بالنون ﴿خطيتكم﴾ و " خطاياكم " (16)، " وسلهم " وسل اليهود، وقرئ: ﴿وسلهم﴾ وهو سؤال تقرير وتقريع بقديم كفرهم وتجاوزهم لحدود الله ﴿حاضرة البحر﴾ قريبة منه ﴿إذ يعدون في السبت﴾ إذ يتجاوزون حد (17) الله فيه وهو اصطيادهم في يوم السبت.


1- انظر معاني القرآن للزجاج: ج 2 ص 381، وتفسير البغوي: ج 2 ص 206.

2- راجع تفصيل ذلك في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 371.

3- انظر التبيان: ج 5 ص 5، والكشاف: ج 2 ص 166.

4- راجع تفصيله في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 372.

5- في نسخة: الثابتون.

6- وهو قول الكلبي كما حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 270.

7- قاله ابن عباس والسدي كما حكاه عنهما الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 270، ونسبه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 206 إلى الكلبي والضحاك والربيع، واختاره القرطبي في تفسيره: ج 7 ص 302.

8- في بعض النسخ: من.

9- انظر تفصيل ذلك في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 373.

10- وصدره: وانحلبت عيناه من فرط الأسى. يقول: انصبت دموع عينيه من شدة الحزن كانصباب دلوي رجل مفرغ لهما في الحوض تفجر السعة. انظر ديوان العجاج: ص 123، والعين للفراهيدي: ج 5 ص 413 مادة " ولف ".

11- جمع رخل بالكسر: الأنثى من أولاد الضأن. (القاموس المحيط: مادة رخل).

12- تنأ تنوءا: أقام. (القاموس المحيط: مادة تنأ).

13- انظر معجم البلدان: ج 4 ص 590 - 594 ففيه كلام مفصل حول بيت المقدس والمسجد الأقصى مما لاغنى عن مراجعته.

14- وهي قراءة نافع وابن عامر ويعقوب والمفضل عن عاصم. راجع التبيان: ج 5 ص 9، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 295، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 426، والتيسير في القراءات للداني: ص 114.

15- قرأه ابن عامر. راجع التبيان: ج 5 ص 9، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 427، والعنوان في القراءات السبع لابن خلف الأندلسي: ص 98.

16- وهي قراءة أبي عمرو. راجع التبيان: ج 5 ص 9، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 295، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 427.

17- في نسخة: حدود.