سورة الأعراف / 146 و 149
من السماء (1) ﴿من كل شئ﴾ في محل النصب مفعول ﴿كتبنا﴾، و ﴿موعظة وتفصيلا﴾ بدل منه (2)، والمعنى: كتبنا له فيها كل شئ احتاجت إليه بنو إسرائيل في دينهم من المواعظ وتفصيل الأحكام والحلال والحرام وذكر الجنة والنار وغير ذلك من العبر والأخبار ﴿فخذها بقوة﴾ أي: بجد واجتهاد وإقبال وعزيمة، فعل أولي العزم من الرسل، وهو عطف على ﴿كتبنا له﴾ والتقدير: فقلنا له: خذها، ويجوز أن يكون بدلا من قوله: ﴿فخذ ما آتيتك﴾، والضمير في ﴿فخذها﴾ لـ ﴿الألواح﴾ أو لـ ﴿كل شئ﴾ لأنه في معنى الأشياء أو لـ " الرسالات " (3)، ﴿وأمر قومك يأخذوا بأحسنها﴾ أي: فيها ما هو حسن وأحسن كالاقتصاص والعفو والانتصار والصبر، فمرهم أن يأخذوا بما هو أدخل في الحسن وأكثر للثواب (4)، كقوله: ﴿واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم﴾ (5)، وقيل: يأخذوا بما هو واجب أو ندب، لأنه أحسن من المباح (6) ﴿سأوريكم دار الفسقين﴾ أي: منازل القرون الماضية المخالفة لأمر الله لتعتبروا بها (7)، وقيل: دار الفاسقين نار جهنم (8)، فلتكن منكم على ذكر لتحذروا أن تكونوا منهم.
﴿سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق وإن يروا كل آية لا يؤمنوا بها وإن يروا سبيل الرشد لا يتخذوه سبيلا وإن يروا سبيل الغى يتخذوه سبيلا ذلك بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (146) والذين كذبوا بآياتنا ولقاء الآخرة حبطت أعملهم هل يجزون إلا ما كانوا يعملون (147)﴾ ﴿سأصرف﴾ المتكبرين ﴿عن آياتي﴾ بالطبع على قلوبهم وخذلانهم فلا يتفكرون فيها ولا يعتبرون بها.
وفي الحديث: " إذا عظمت أمتي الدنيا نزعت عنها هيبة الإسلام، وإذا تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر حرمت بركة الوحي " (9).
وقيل: معناه: سأصرفهم عن إبطالها وإن اجتهدوا كما اجتهد فرعون في إبطال آية موسى فأبى الله إلا علو أمره (10) ﴿بغير الحق﴾ فيه وجهان: أحدهما: أن يكون حالا أي: يتكبرون غير محقين، لأن التكبر بالحق لله وحده، والآخر: أن يكون صلة للتكبر أي: يتكبرون بما ليس بحق (11) ﴿وإن يروا كل آية﴾ من الآيات المنزلة عليهم ﴿لا يؤمنوا بها﴾، ﴿ذلك﴾ رفع أو نصب (12)، أي: ذلك الصرف بسبب تكذيبهم، أو صرفهم الله ذلك الصرف بسببه ﴿ولقاء الآخرة﴾ من إضافة المصدر إلى المفعول به، أي: ولقائهم الآخرة وما وعد الله فيها.
﴿واتخذ قوم موسى من بعده من حليهم عجلا جسدا له خوار ألم يروا أنه لا يكلمهم ولا يهديهم سبيلا اتخذوه وكانوا ظالمين (148) ولما سقط في أيديهم ورأوا أنهم قد ضلوا قالوا لئن لم يرحمنا ربنا ويغفر لنا لنكونن من الخاسرين (149)﴾
1- قاله الحسن. راجع تفسيره: ج 1 ص 387، وعنه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 260، والبغوي في تفسيره: ج 2 ص 199، وابن الجوزي في زاد المسير: ج 3 ص 258.
2- وهو قول الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 158.
3- انظر تفصيله في الكشاف: ج 2 ص 158.
4- وهو قول الزجاج: ج 2 ص 375، والزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 158. .
5- الزمر: 55.
6- قاله الشيخ في التبيان: ج 4 ص 540.
7- وهو قول قتادة كما حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 200، والقرطبي في تفسيره: ج 7 ص 282، واختاره الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 158.
8- قاله الحسن ومجاهد. راجع تفسير الحسن البصري: ج 1 ص 388، وتفسير الماوردي: ج 2 ص 261، وزاد المسير لابن الجوزي: ج 3 ص 260، وفتح القدير للشوكاني: ج 2 ص 247، والدر المنثور للسيوطي: ج 3 ص 562.
9- الكشاف: ج 2 ص 158، الدر المنثور: ج 3 ص 127، اتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 4 ص 515.
10- قاله البلخي. راجع التبيان: ج 4 ص 543.
11- انظر الكشاف: ج 2 ص 159.
12- لمزيد من التفصيل راجع الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 360.