سورة الأعراف / 130 و 136

﴿ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات لعلهم يذكرون (130) فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيئة يطيروا بموسى ومن معه ألا إنما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون (131)﴾ أي: عاقبنا قوم ﴿فرعون﴾ الذين يؤول أمرهم إليه ﴿بالسنين﴾ بسني القحط، والسنة من الأسماء الغالبة كالدابة والنجم، وقالوا: أسنت القوم: أقحطوا، وعن ابن عباس: إن السنين كانت لباديتهم وأهل مواشيهم، وكان نقص الثمرات في أمصارهم (1) ﴿لعلهم يذكرون﴾ فيتنبهوا أن ذلك لإصرارهم على الكفر ﴿فإذا جاءتهم الحسنة﴾ من الخصب والرخاء ﴿قالوا لنا هذه﴾ أي: هذه مختصة بنا ونحن مستحقوها، واللام مثلها في قولك: الجل للفرس ﴿وإن تصبهم سيئة﴾ من جدب وضيقة ﴿يطيروا﴾ أي: يتطيروا ﴿بموسى ومن معه﴾ ويتشاءموا بهم ويقولوا: لولا مكانهم لما أصابتنا، كما قال الكفار لرسول الله (صلى الله عليه وآله): ﴿هذه من عندك﴾ (2)، ﴿ألا إنما طائرهم عند الله﴾ أي: سبب خيرهم وشرهم عند الله وهو حكمه ومشيئته، والله هو الذي يشاء ما يصيبهم وليس شؤم أحد ولا يمنه بسبب فيه، كقوله: ﴿قل كل من عند الله﴾ (3).

﴿وقالوا مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين (132) فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوما مجرمين (133) ولما وقع عليهم الرجز قالوا يا موسى ادع لنا ربك بما عهد عندك لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك ولنرسلن معك بني إسرائيل (134) فلما كشفنا عنهم الرجز إلى أجل هم بلغوه إذا هم ينكثون (135) فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليم بأنهم كذبوا بآياتنا وكانوا عنها غافلين (136)﴾ سورة الأعراف / 134 ﴿مهما﴾ هي " ما " المتضمنة معنى الجزاء ضمت إليها " ما " المزيدة المؤكدة للجزاء في نحو: ﴿أينما تكونوا﴾ (4) و ﴿إما نرينك﴾ (5) إلا أن الألف قلبت هاء استثقالا لتكرير المتجانسين (6) ومحل ﴿مهما﴾ الرفع بمعنى: أيما شئ تأتنا به، أو النصب بمعنى: أيما شئ تحضرنا تأتنا به (7)، و ﴿من آية﴾ تبيين لـ ﴿مهما﴾ وذكر الضمير في ﴿به﴾ على اللفظ وفي ﴿بها﴾ على المعنى، وقد رجع كلاهما إلى ﴿مهما﴾ وهو في معنى الآية، ونحوه قول زهير (8): ومهما يكن عند امرئ من خليقة * وإن خالها تخفى على الناس تعلم (9) والمعنى: أنهم قالوا لموسى: أي شئ ﴿تأتنا به من﴾ الآيات ﴿لتسحرنا﴾ لتموه علينا ﴿بها فما نحن لك﴾ بمصدقين، أرادوا أنهم مصرون على تكذيبه وإن أتى بجميع الآيات ﴿فأرسلنا عليهم الطوفان﴾ وهو ما طاف بهم وغلبهم من مطر أو سيل، قيل: إنه أرسل عليهم السماء حتى كادوا يهلكون، إذ امتلأت بيوتهم ماء حتى قاموا في الماء إلى تراقيهم فمن جلس غرق ولم يدخل بيوت بني إسرائيل قطرة (10)، وقيل: الطوفان: الجدري (11)، وهم أول من عذبوا بذلك فبقي في الأرض، وقيل: هو الموت الذريع (12)، فـ ﴿قالوا﴾ لـ ﴿موسى ادع لنا ربك﴾ يكشف عنا ونحن نؤمن بك، فدعا فرفع، فلم يؤمنوا، فبعث الله عليهم ﴿الجراد﴾ فأكلت عامة زروعهم (13) وثمارهم، ثم أكلت كل شئ حتى الأبواب وسقوف البيوت، ولم يدخل بيوت بني إسرائيل منها شئ، ففزعوا إلى موسى فدعا فكشف عنهم، فما آمنوا، فسلط الله عليهم ﴿القمل﴾ وهو الحمنان كبار القردان، وقيل: الدبى وهو أولاد الجراد (14)، وقيل: البراغيث (15)، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيمصه، ففزعوا إلى موسى، فرفع عنهم العذاب، فقالوا: قد تحققنا الآن أنك ساحر، فأرسل الله عليهم ﴿الضفادع﴾ فامتلأت منها آنيتهم (16) وأطعمتهم، وكان الرجل منهم إذا أراد أن يتكلم وثب الضفدع إلى فيه، فضجوا وفزعوا إلى موسى وقالوا: ارحمنا هذه المرة ونتوب ولا نعود، فدعا فكشف عنهم، ولم يؤمنوا، فأرسل الله عليهم ﴿الدم﴾ فصارت مياههم دما، وإذا شربه الإسرائيلي كان ماء، وكان القبطي يقول للإسرائيلي: خذ الماء في فيك وصبه في في فكان إذا صبه في فم القبطي تحول دما، وعطش فرعون حتى أشفى على الهلاك فكان يمص الأشجار الرطبة فإذا مضغها صار ماؤها الطيب ملحا أجاجا (17)، وروي: أن موسى (عليه السلام) مكث فيهم بعدما غلب السحرة عشرين سنة يريهم هذه الآيات (18) ﴿آيات مفصلات﴾ مبينات ظاهرات (19)، أو فصل بين بعضها وبعض بزمان تمتحن فيه أحوالهم وينظر أيوفون بما وعدوا من أنفسهم أم ينكثون، إلزاما للحجة عليهم (20) ﴿بما عهد عندك﴾ " ما " مصدرية أي: بعهده عندك وهو النبوة، والباء: إما أن يتعلق بقوله: ﴿ادع لنا ربك﴾ على وجهين: أحدهما: أسعفنا إلى ما نطلب إليك من الدعاء لنا بحق ما عندك من عهد الله، أو ادع الله متوسلا إليه بعهده عندك، وإما أن يكون قسما أي: أقسمنا بعهد الله عندك (21) ﴿لئن كشفت عنا الرجز لنؤمنن لك﴾، وقوله: ﴿إلى أجل﴾ إلى حد من الزمان ﴿هم بلغوه﴾ لا محالة فيعذبون فيه ﴿إذا هم ينكثون﴾ جواب " لما " يعني: ﴿فلما كشفنا عنهم﴾ فاجأوا النكث وبادروه ولم يؤخروه ﴿فانتقمنا منهم﴾ فأردنا الانتقام منهم ﴿فأغرقناهم في اليم﴾ أي: البحر الذي لا يدرك قعره (22)، وقيل: هو لجة البحر (23) ﴿بأنهم كذبوا﴾ أي: كان إغراقهم بسبب تكذيبهم ﴿بآياتنا﴾ وغفلتهم عنها.


1- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 144.

2- النساء: 78.

3- النساء: 78.

4- النساء: 78.

5- يونس: 46، غافر: 77.

6- انظر تفصيل ذلك في معاني القرآن للزجاج: ج 2 ص 369، وإعراب القرآن للنحاس: ج 2 ص 146، والفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 347.

7- راجع تفصيله في الكشاف: ج 2 ص 146.

8- زهير بن أبي سلمى ربيعة بن رياح المزني، من مضر، حكيم الشعراء في الجاهلية، ولد في بلاد " مزينة " بنواحي المدينة وكان يقيم في الحاجر من بلاد نجد، توفي بحدود 13 قبل الهجرة. (الأغاني: ج 10 ص 288 - 324، جمهرة الأنساب: ص 25 - 47).

9- راجع ديوان زهير بن أبي سلمى: ص 88، وهو من الأبيات المشهورة التي لا تحتاج إلى توضيح.

10- قاله ابن عباس وسعيد بن جبير ومحمد بن إسحاق. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 191.

11- قاله أبو قلابة. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 191، والكشاف: ج 2 ص 147.

12- وهو قول مجاهد وعطاء. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 251، وتفسير البغوي: ج 2 ص 191.

13- في بعض النسخ: زرعهم.

14- قاله ابن عباس والسدي وقتادة ومجاهد وعكرمة والكلبي. راجع تفسير الطبري: ج 6 ص 33 - 34، وتفسير البغوي: ج 2 ص 192.

15- قاله ابن زيد. راجع تفسير الطبري: ج 6 ص 34، وتفسير الماوردي: ج 2 ص 252.

16- في بعض النسخ: أبنيتهم.

17- انظر تاريخ الطبري: ج 1 ص 289، وتفسير البغوي: ج 2 ص 191 - 193.

18- رواه القرطبي في تفسيره: ج 7 ص 267 عن محمد بن عثمان بن أبي شيبة عن منجاب.

19- وهو قول مجاهد كما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 522، واختاره الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 148.

20- وهو قول الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 393، والزجاج في معاني القرآن وإعرابه: ج 2 ص 370، والبغوي في تفسيره: ج 2 ص 193.

21- انظر تفصيل ذلك في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 349.

22- وهو قول الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 371 وقال: وكذلك هو في الكتب الأول، والزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 148.

23- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 148، والهمداني في الفريد في إعراب القرآن: ج 2 ص 350، والرازي في تفسيره: ج 14 ص 220.