سورة الأعراف / 127 و 129
الخشب والحبال ورفعها موسى فعادت عصا كما كانت (1)، وأعدم الله بقدرته تلك الأجرام العظيمة أو فرقها أجزاء لطيفة، وكلا الأمرين يعلم كل عاقل أنه لا يدخل تحت مقدور البشر ﴿فوقع الحق﴾ فحصل وثبت ﴿وانقلبوا صاغرين﴾ أي: صاروا أذلاء مبهوتين ﴿وألقى السحرة﴾ أي: وخروا سجدا كأنما ألقاهم ملق لشدة خرورهم، وقيل: إنهم لم يتمالكوا مما رأوا فكأنهم ألقوا (2) ﴿قال فرعون آمنتم به﴾ على الإخبار، أي: فعلتم هذا الفعل، وقرئ: " آمنتم " بحرف الاستفهام (3) ومعناه الإنكار ﴿قبل أن آذن لكم﴾ قبل أن آمركم بالإيمان به وآذن لكم فيه ﴿إن هذا لمكر مكرتموه في المدينة﴾ إن صنعكم هذا لحيلة احتلتموها أنتم وموسى في مصر قبل أن تخرجوا منها إلى هذه الصحراء، وتواطأتم على ذلك لغرض لكم وهو أن تخرجوا منها القبط وتسكنوها بني إسرائيل، وكان ذلك الكلام من فرعون تمويها على الناس لئلا يتبعوا السحرة في الإيمان ﴿فسوف تعلمون﴾ وعيد مجمل وقد فصل الإجمال بقوله: ﴿لاقطعن أيديكم وأرجلكم من خلف﴾ أي: من كل شق طرفا، وعن الحسن: هو أن يقطع اليد اليمنى مع الرجل اليسرى (4)، وقيل: إن أول من قطع من خلاف وصلب: فرعون (5) ﴿إنا إلى ربنا منقلبون﴾ أي: لا نبالي بالموت لانقلابنا إلى لقاء ربنا ورحمته، أو إنا جميعا ننقلب إلى الله فيحكم بيننا (6) ﴿وما تنقم منا إلا أن آمنا﴾ أي: وما تعيب منا إلا الإيمان ﴿بآيات﴾ الله وهو أصل كل منقبة (7) وخير، ومثله قول الشاعر: ولاعيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب (8) ﴿ربنا أفرغ علينا صبرا﴾ أفض علينا صبرا واسعا كثيرا حتى يغمرنا كما يفرغ الماء إفراغا ﴿وتوفنا مسلمين﴾ ثابتين على الإسلام.
﴿وقال الملا من قوم فرعون أتذر موسى وقومه ليفسدوا في الأرض ويذرك وآلهتك قال سنقتل أبنائهم ونستحي ى نساءهم وإنا فوقهم قاهرون (127) قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعقبة للمتقين (128) قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا قال عسى ربكم أن يهلك عدوكم ويستخلفكم في الأرض فينظر كيف تعملون (129)﴾ لما أسلم السحرة قال الملا ذلك تحريصا لفرعون على موسى ﴿ويذرك﴾ عطف على ﴿ليفسدوا﴾ لأنه إذا تركهم ولم يمنعهم وكان ذلك مؤديا إلى تركه وترك آلهته، فكأنه تركهم لذلك.
وروي عن علي (عليه السلام) أنه قرأ: " ويذرك وإلهتك " (9) أي: عبادتك.
وعن ابن عباس أنه لما آمن السحرة أسلم من بني إسرائيل ستمائة ألف نفس فأرادوا بالفساد في الأرض ذلك، وخافوا أن يغلبوا على الملك (10)، وقيل: إن فرعون صنع لقومه أصناما وأمرهم أن يعبدوها تقربا إليه، ولذلك قال: ﴿أنا ربكم الاعلى﴾ (11) (12)، ﴿سنقتل أبنائهم﴾ أي: سنعيد عليهم ما كنا نفعله بهم من قتل الأبناء ليعلموا أنا على ما كنا عليه من الغلبة والقهر، وأنهم مقهورون تحت أيدينا كما كانوا، وأن غلبة موسى لا أثر لها في ملكنا ﴿قال موسى﴾ عند ذلك ﴿لقومه استعينوا بالله﴾ يسكنهم ويسليهم ويعدهم النصر من الله، وقوله: ﴿إن الأرض لله يورثها من يشاء﴾ يجوز أن يكون اللام للعهد ويعني: أرض مصر خاصة، ويجوز أن يكون للجنس فيتناول أرض مصر أيضا (13) ﴿والعقبة للمتقين﴾ بشارة بأن الخاتمة المحمودة للمتمسكين بالتقوى، وأن المشيئة متناولة لهم ﴿قالوا أوذينا من قبل أن تأتينا ومن بعد ما جئتنا﴾ يعنون قتل أبنائهم قبل مولد موسى وإعادته عليهم من بعد نبوته وتأييده بالمعجزات، وقوله: ﴿عسى ربكم أن يهلك عدوكم﴾ تصريح بما أشار إليه من البشارة ورمز به قبل، وهو إهلاك فرعون واستخلافهم بعده في أرض مصر ﴿فينظر كيف تعملون﴾ فيرى الكائن منكم من العمل حسنه وقبيحه ليجازيكم على حسب ما يوجد منكم.
1- انظر تاريخ الطبري: ج 1 ص 288، وتفسير البغوي: ج 2 ص 188.
2- حكاه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 188 عن الأخفش، وقاله الهمداني في الفريد في إعراب القرآن: ج 2 ص 343.
3- وهي قراءة نافع وأبي عمرو وابن عامر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 290، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 4 ص 365.
4- حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 510، والقرطبي في تفسيره: ج 7 ص 261.
5- وهو قول ابن عباس. راجع تفسير الطبري: ج 6 ص 24، وتفسير القرطبي: ج 7 ص 261.
6- انظر الكشاف: ج 2 ص 141.
7- في بعض النسخ: منفعة.
8- البيت من قصيدة للنابغة الذبياني، مدح بها عمرو بن الحارث الأصغر من ملوك الشام الغسانيين وذلك لما هرب من النعمان بن المنذر ملك الحيرة. وهذا البيت مشهور تداوله علماء البديع شاهدا لتأكيد المدح بما يشبه الذم، إذ يصف فرسانا وشجاعتهم ثم يقول: إن كانت فلول السيف من ذلك عيبا فأثبته ولا أنكر، لكنها ليست عيبا فتثلم السيوف إنما هو من شدة مضاربة الجيوش، وهو مبالغة في المدح. انظر خزانة الأدب للبغدادي: ج 3 ص 327، والكامل لابن المبرد: ج 1 ص 71 و 446، وديوان النابغة: ص 51.
9- ذكرها ابن خالويه في شواذه: ص 50، والقرطبي في تفسيره: ج 7 ص 262، والبحر المحيط: ج 4 ص 367.
10- حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 514، والطبري في تفسيره: ج 6 ص 28.
11- النازعات: 24.
12- قاله السدي راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 189.
13- انظر الكشاف: ج 2 ص 143.