سورة مريم
مكية (1)، ثمان وتسعون آية، عد الكوفي ﴿كهيعص﴾ آية ولم يعدها غيرهم، ولم يعدوا ﴿الرحمن مدا﴾ (2) وعدها غيرهم.
وفي حديث أبي: " من قرأها أعطي من الأجر بعدد كل من صدق بزكريا ويحيى ومريم وعيسى وموسى وهارون وإبراهيم وإسحاق ويعقوب وإسماعيل عشر حسنات " (3) الخبر بتمامه.
وعن الصادق (عليه السلام): " من أدمن قراءة سورة مريم (عليها السلام) لم يمت في الدنيا حتى يصيب منها ما يغنيه في نفسه وماله وولده، وأعطي في الآخرة مثل ملك سليمان بن داود في الدنيا " (4) (5).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿كهيعص (1) ذكر رحمت ربك عبده زكريا (2) إذ نادى ربه نداء خفيا (3) قال رب إني وهن العظم منى واشتعل الرأس شيبا ولم أكن بدعائك رب شقيا (4) وإني خفت الموالي من ورائي وكانت امرأتي عاقرا فهب لي من لدنك وليا (5) يرثني ويرث من آل يعقوب واجعله رب رضيا (6) يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لم نجعل له من قبل سميا (7) قال رب أنى يكون لي غلم وكانت امرأتي عاقرا وقد بلغت من الكبر عتيا (8) قال كذلك قال ربك هو على هين وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا (9)﴾ قرأ أبو عمرو (6) بإمالة ﴿- ه?﴾ وتفخيم ﴿ي?﴾ (7)، وقرئ على عكسه (8)، وقرئ بإمالتهما (9).
أي: هذا ﴿ذكر رحمت ربك﴾ زكريا ﴿عبده﴾، ف? ﴿ذكر﴾ مضاف إلى المفعول، و ﴿رحمت﴾ مضاف إلى الفاعل، وانتصب ﴿عبده﴾ لأنه مفعول ﴿رحمت ربك﴾، والرحمة: إجابته إياه حين دعاه وسأله الولد.
﴿إذ نادى ربه نداء﴾ أي: دعا ربه دعاء ﴿خفيا﴾ يخفيه في نفسه.
وفي الحديث: " خير الدعاء الخفي " (10).
وعن الحسن: نداء (11) لا رياء فيه (12)، أو أخفاه لئلا يلام في طلب الولد وقت الشيخوخة، وأضاف الوهن إلى ﴿العظم﴾ لأن به قوام البدن، فإذا ﴿وهن﴾ تساقطت قوته، واللام للجنس، يعني: أن هذا الجنس الذي هو العمود والقوام قد أصابه الوهن، وشبه الشيب بشواظ النار في بياضه، وانتشاره في الشعر باشتعال النار، وأسند الاشتعال إلى مكان الشعر ومنبته وهو ﴿الرأس﴾ وجعل " الشيب " مميزا، ولم يقل: " رأسي " اكتفاء بعلم المخاطب أنه رأسه، ثم توسل إليه سبحانه بما سلف له معه من الاستجابة.
و ﴿الموالي﴾: هم العمومة وبنو العم ﴿من ورائي﴾ أي: من بعد موتي، وقرأ علي بن الحسين ومحمد بن علي (عليهم السلام): " خفت الموالي من ورائي " (13)، ومعناه: قل بنو عمي وأهلي ومن أخلفه من بعدي ﴿وكانت امرأتي﴾ عقيما لا تلد ﴿فهب لي من لدنك وليا﴾ أي: ولدا يليني ويكون أولى بميراثي، وقوله: ﴿من لدنك﴾ تأكيد لكونه ﴿وليا﴾ مرضيا بكونه مضافا إلى الله وصادرا من عنده.
﴿يرثني ويرث﴾ بالجزم (14) على الجواب للدعاء، وبالرفع على الصفة، كقوله: ﴿ردءا يصدقني﴾ (15)، وقرأ علي (عليه السلام) وابن عباس وجعفر بن محمد (عليه السلام) والحسن وجماعة (16): " يرثني وارث من آل يعقوب " (17) ويسمى التجريد في علم البيان، وتقديره: فهب لي وليا يرثني به وارث من آل يعقوب وهو نفسه الوارث، وهذا ضرب غريب كأنه جرد منه وارثا، ومثله قوله: ﴿لهم فيها دار الخلد﴾ (18) وهي نفسها دار الخلد ﴿واجعله رب رضيا﴾ أي: واجعل يا رب هذا الولي مرضيا عندك ممتثلا لأمرك.
﴿لم نجعل له من قبل سميا﴾ لم يسم أحد ب? ﴿يحيى﴾ قبله.
عن الصادق (عليه السلام): " وكذلك الحسين (عليه السلام) لم يكن له من قبل سمي، ولم تبك السماء إلا عليهما أربعين صباحا، قيل له: وما كان بكاؤها؟قال: كانت تطلع حمراء وتغيب حمراء، وكان قاتل يحيى ولد زناء، وقاتل الحسين (عليه السلام) ولد زناء " (19).
وعن مجاهد: ﴿سميا﴾ أي: مثلا وشبيها (20)، كقوله: ﴿هل تعلم له سميا﴾ (21)، وإنما قيل للمثل: سمي، لأن كل متشابهين يسمى كل واحد منهما باسم شبيهه، فكل واحد منهما سمي لصاحبه.
﴿وكانت امرأتي عاقرا﴾ أي: كانت على صفة العقر حين أنا شاب وكهل، فما رزقت الولد لاختلال أحد السببين، أفحين اختل السببان جميعا أرزقه ؟! والعتي: اليبس والجسأة (22) في العظام والمفاصل من أجل الكبر، وقرئ: ﴿عتيا﴾ بكسر العين (23)، وكذلك ﴿صليا﴾ (24) و ﴿جثيا﴾ (25) و ﴿بكيا﴾ (26) (27).
﴿كذلك﴾ الكاف رفع، أي: الأمر كذلك، تصديق له، ثم ابتدأ ﴿قال ربك﴾، أو هو نصب ب? ﴿قال﴾، و ﴿ذلك﴾ إشارة إلى مبهم يفسره ﴿هو على هين﴾، ونحوه: ﴿وقضينا إليه ذلك الامر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين﴾ (28)، ﴿ولم تك شيئا﴾ يعتد به، وقرئ: " وقد خلقناك " (29).
﴿قال رب اجعل لي آية قال آيتك ألا تكلم الناس ثلث ليال سويا (10) فخرج على قومه من المحراب فأوحى إليهم أن سبحوا بكرة وعشيا (11) يا يحيى خذ الكتاب بقوة وآتيناه الحكم صبيا (12) وحنانا من لدنا وزكاة وكان تقيا (13) وبرا بوالديه ولم يكن جبارا عصيا (14) وسلم عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا (15)﴾ يعني: ﴿اجعل لي﴾ علامة أعلم بها وقوع ما بشرت به ﴿قال﴾: علامتك أن تمنع الكلام فلا تطيقه وأنت سوي الخلق ما بك خرس، ودل ذكر " الليالي " هنا و " الأيام " في آل عمران (30) على أن ذلك كان ثلاثة أيام بلياليها.
﴿فأوحى﴾ أي: أشار إليهم بيده، وقيل: كتب لهم على الأرض ﴿سبحوا﴾ (31) أي: صلوا، أو هو على الظاهر، و ﴿أن﴾ هي المفسرة.
﴿خذ الكتاب﴾ أي: التوراة ﴿بقوة﴾ بجد وصحة عزيمة على القيام به ﴿وآتيناه الحكم﴾ أي: الحكمة والنبوة في حال صباه وهو ابن ثلاث سنين.
﴿وحنانا﴾ وآتيناه رحمة ﴿من﴾ عندنا وتعطفا وتحننا على العباد، وقيل لله تعالى: حنان كما قيل: رحيم على سبيل الاستعارة (32) ﴿وزكاة﴾ لمن قبل دينه فيكون زكيا طاهرا.
﴿و﴾ بارا ﴿بوالديه﴾ محسنا إليهما، مطيعا لهما، طالبا رضاهما ﴿ولم يكن﴾ متكبرا متطاولا على الناس ﴿عصيا﴾ عاصيا لربه.
﴿وسلم عليه﴾ منا في هذه الأحوال، وخصه سبحانه بالكرامة والسلامة في هذه المواطن الثلاثة التي هي أوحش المواطن: ﴿يوم ولد﴾ فيرى نفسه خارجا مما كان فيه ﴿ويوم يموت﴾ فيرى أشياء ليس له بها عهد ﴿ويوم يبعث﴾ فيرى نفسه في المحشر العظيم.
﴿واذكر في الكتاب مريم إذ انتبذت من أهلها مكانا شرقيا (16) فاتخذت من دونهم حجابا فأرسلنا إليها روحنا فتمثل لها بشرا سويا (17) قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا (18) قال إنما أنا رسول ربك لأهب لك غلما زكيا (19) قالت أنى يكون لي غلم ولم يمسسني بشر ولم أك بغيا (20) قال كذلك قال ربك هو على هين ولنجعله آية للناس ورحمة منا وكان أمرا مقضيا (21) فحملته فانتبذت به مكانا قصيا (22) فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة قالت يا ليتني مت قبل هذا وكنت نسيا منسيا (23) فناداها من تحتها ألا تحزني قد جعل ربك تحتك سريا (24)﴾
﴿إذ﴾ بدل من ﴿مريم﴾ وهو بدل الاشتمال، وفيه دلالة على أن المقصود بذكر مريم ذكر هذا الوقت لوقوع قصتها العجيبة فيه، و ﴿انتبذت﴾ أي: اعتزلت في مكان مما يلي شرقي بيت المقدس قد تخلت للعبادة فيه، وإنما اتخذت النصارى الشرق قبلة لأن مريم انتبذت ﴿مكانا شرقيا﴾.
﴿فاتخذت من﴾ دون أهلها ﴿حجابا﴾ أي: سترا وحاجزا بينها وبينهم ﴿فأرسلنا إليها روحنا﴾ يعني: جبرئيل (عليه السلام)، أضافه إلى نفسه تشريفا له، فأتاها فانتصب بين يديها في صورة آدمي شاب سوي الخلق، لم ينتقص (33) من الصورة الآدمية شيئا.
﴿قالت إني أعوذ بالرحمن منك إن كنت تقيا﴾ أرادت: إن كان يرجى منك أن تتقي الله وتخشاه فإني عائذة به منك.
﴿قال إنما أنا رسول﴾ من استعذت به ﴿لأهب لك﴾ لأكون سببا في هبة ﴿غلما زكيا﴾ طاهرا من الأدناس أو نام في أفعال الخير، أو هو حكاية لقول الله عز وجل، وقرئ: " ليهب " (34) والضمير للرب وهو الواهب.
﴿ولم يمسسني بشر﴾ جعل المس عبارة عن النكاح الحلال، كقوله: ﴿من قبل أن تمسوهن﴾ (35)، ويقال في الزنا: فجر بها وما أشبه ذلك، والبغي: الفاجرة التي تبغي الرجال، وهي فعول عند المبرد بغوي فأدغمت الواو في الياء (36)، وقيل: هي فعيل، ولو كانت فعولا لكان يقال: بغو كما قيل: فلان نهو عن المنكر (37).
﴿ولنجعله آية للناس﴾ فعلنا ذلك، فحذف، أو هو معطوف على تعليل مضمر، أي: لنبين به قدرتنا ولنجعله آية ﴿وكان أمرا مقضيا﴾ مقدرا، مسطورا في اللوح لابد من جريه عليك، أو كان أمرا حقيقا بأن يقضى لكونه ﴿آية... ورحمة﴾، والمراد بالآية: العبرة والبرهان على قدرة الله تعالى، وبالرحمة: الشرائع والألطاف، وما كان كذلك فهو جدير بالتكوين.
وعن ابن عباس: فاطمأنت إلى قوله فدنا منها فنفخ في جيب درعها فحملت من ساعتها (38).
وعن الباقر (عليه السلام): " فكمل الولد في الرحم من ساعته كما يكمل الولد في أرحام النساء بتسعة أشهر " (39).
وقيل: حملته وهي بنت ثلاث (40) عشرة سنة (41)، وقيل: بنت عشر (42) ﴿فانتبذت به﴾ أي: اعتزلت وهو في بطنها، كقوله تعالى: ﴿تنبت بالدهن﴾ (43) أي: تنبت ودهنها فيها، والجار والمجرور في موضع الحال ﴿قصيا﴾ بعيدا من أهلها.
و " أجاء " منقول من " جاء " إلا أن استعماله قد تغير بعد النقل إلى معنى الإلجاء، ونظيره: " آتي " حيث لم يستعمل إلا في الإعطاء، و ﴿المخاض﴾: تمخض الولد في بطنها، أي: ألجأها وجع الولادة ﴿إلى جذع﴾ نخلة في الصحراء يابسة، ليس لها ثمرة ولا خضرة، وكان الوقت شتاء، والتعريف للعهد، أي: ﴿النخلة﴾ المعروفة في تلك الصحراء، وقرئ: ﴿مت﴾ بالضم (44) والكسر، يقال: مات يموت، ومات يمات ﴿وكنت نسيا منسيا﴾ أي: شيئا حقيرا متروكا، وهو مامن حقه أن يطرح وينسى كخرقة الحائض، كما أن الذبح (45) اسم مامن شأنه (46) أن يذبح، وقرئ: ﴿نسيا﴾ بالفتح (47) وهما لغتان كالوتر والوتر.
" فناد بها من تحتها " (48) عيسى أو جبرئيل، والضمير في " من تحتها " ل? ﴿النخلة﴾، وقرئ: ﴿من تحتها﴾ (49)، وقيل: كان أسفل منها تحت الأكمة فصاح بها: ﴿ألا تحزني﴾ (50)، وسئل النبي (صلى الله عليه وآله) عن السري، فقال: " هو الجدول " (51)، قال لبيد: فتوسطا عرض السري فصدعا * مسجورة متجاورا قلامها (52) أي: ﴿قد جعل ربك﴾ تحت قدميك نهرا تشربين منه وتتطهرين، وقيل: السري: الشريف الرفيع، من السرو يعني: عيسى (عليه السلام) (53)، وعن الحسن: كان والله عبدا سريا (54).
﴿وهزى إليك بجذع النخلة تسقط عليك رطبا جنيا (25) فكلى واشربي وقرى عينا فإما ترين من البشر أحدا فقولي إني نذرت للرحمن صوما فلن أكلم اليوم إنسيا (26) فأتت به قومها تحمله قالوا يا مريم لقد جئت شيئا فريا (27) يا أخت هارون ما كان أبوك امرأ سوء وما كانت أمك بغيا (28) فأشارت إليه قالوا كيف نكلم من كان في المهد صبيا (29) قال إني عبد الله آتاني الكتاب وجعلني نبيا (30) وجعلني مباركا أين ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة ما دمت حيا (31) وبرا بوالدتي ولم يجعلني جبارا شقيا (32) والسلم على يوم ولدت ويوم أموت ويوم أبعث حيا (33)﴾ أي: واجذبي ﴿إليك بجذع النخلة﴾، وقرئ: " تساقط " بالتاء (55) والياء (56) والتشديد، والأصل: " تتساقط " و " يتساقط " فأدغم، و " تساقط " بطرح التاء الثانية (57)، و ﴿تسقط﴾ بضم التاء وكسر القاف، والتاء ل? ﴿النخلة﴾ والياء ل? ﴿جذع﴾، و ﴿رطبا﴾ تمييز أو مفعول على حسب القراءة، والباء في ﴿بجذع النخلة﴾ مزيدة للتأكيد كما في قوله: ﴿ولا تلقوا بأيديكم﴾ (58)، أو على معنى: افعلي الهز به، والجني: المجني، من جنيت الثمرة.
﴿فكلى﴾ يا مريم من هذا الرطب ﴿واشربي﴾ من ماء السري، وقد جمعنا (59) لك في السري والرطب فائدتين: إحداهما: الأكل والشرب، والأخرى: قرة العين وسلوة الصدر لكونهما معجزتين.
وعن الباقر (عليه السلام): " لم تستشف النفساء بمثل الرطب، لأن الله أطعمه مريم في نفاسها " (60).
﴿فإما ترين﴾ أصله: ترأين إلا أن الاستعمال بغير همز، والياء فيه ضمير المخاطب المؤنث، أي: إن تري ﴿أحدا﴾ من البشر يسألك عن ولدك ﴿فقولي إني﴾ أوجبت على نفسي صوما أي: صمتا، يريد إمساكا عن الكلام، لأنهم كانوا لا يتكلمون في صيامهم، وقد نهى النبي (صلى الله عليه وآله) عن صوم الصمت لأنه نسخ في شريعته.
﴿تحمله﴾ حال من الضمير المرفوع في ﴿فأتت﴾ أو من الهاء المجرور في ﴿به﴾ أو منهما جميعا ﴿شيئا فريا﴾ أي: عظيما بديعا أو أمرا قبيحا.
و ﴿هارون﴾ كان أخاها من أبيها، وكان معروفا بحسن الطريقة، وقيل: هو أخو موسى (عليه السلام)، وكانت من ولده كما يقال: يا أخا تميم أي: يا واحدا منهم (61)، وقيل: رجل صالح أو طالح في زمانها شبهوها به (62)، أي: كنت عندنا مثله في الصلاح، أو شتموها به (63).
﴿فأشارت إليه﴾ فأومأت إلى عيسى بأن كلموه ﴿من كان في المهد صبيا﴾ أي: من وجد صبيا في المهد.
أنطقه الله أولا بأنه ﴿عبد الله﴾ ردا لقول النصارى ﴿آتاني الكتاب﴾ يعني: الإنجيل ﴿وجعلني نبيا﴾ أكمل الله عقله واستنبأه طفلا.
﴿وجعلني مباركا﴾ أي: نفاعا، معلما (64) للخير حيث ﴿ما كنت وأوصاني بالصلاة والزكاة﴾ كلفنيهما ﴿ما﴾ بقيت ﴿حيا﴾ مكلفا.
﴿وبرا بوالدتي﴾ أي: بارا بوالدتي مؤديا شكرها ﴿ولم يجعلني﴾ من الجبابرة الأشقياء.
﴿والسلم على﴾ أدخل لام التعريف لتعرفه بالذكر قبله، كقولك: جاءنا رجل فكان من فعل الرجل كذا، والمعنى: ذلك السلام الموجه إلى يحيى في المواطن الثلاثة موجه إلي.
﴿ذلك عيسى ابن مريم قول الحق الذي فيه يمترون (34) ما كان لله أن يتخذ من ولد سبحانه إذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون (35) وإن الله ربى وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم (36) فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين كفروا من مشهد يوم عظيم (37) أسمع بهم وأبصر يوم يأتوننا لكن الظالمون اليوم في ضلل مبين (38) وأنذرهم يوم الحسرة إذ قضى الامر وهم في غفلة وهم لا يؤمنون (39) إنا نحن نرث الأرض ومن عليها وإلينا يرجعون (40)﴾ أي: ﴿ذلك﴾ الذي قال: إني عبد الله ﴿عيسى ابن مريم﴾، لا ما يقوله النصارى من: أنه ابن الله، وأنه إله ﴿قول الحق﴾ قرئ بالنصب والرفع (65)، فالرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف أو على أنه خبر بعد خبر أو بدل، والنصب على المدح إن فسر ب? " كلمة الله " وعلى أنه مصدر مؤكد لمضمون الجملة إن أريد قول الصدق كقولك: هو عبد الله الحق لا الباطل، وإنما قيل لعيسى (عليه السلام): " كلمة الله " و ﴿قول الحق﴾ لأنه لم يولد إلا بكلمة الله وحدها، وهي قوله: ﴿كن﴾ من غير واسطة أب، تسمية للمسبب باسم السبب كما سمي الغيث بالسماء، أي: أمره حق يقين، وهم ﴿فيه يمترون﴾ يشكون، أو يتمارون يتلاحون (66): قالت اليهود: ساحر كذاب، وقالت النصارى: ابن الله وثالث ثلاثة ﴿ما كان لله أن يتخذ من ولد﴾ تكذيب للنصارى وتبكيت (67) لهم بالدلالة على انتفاء الولد عنه، وأنه مما لا يتصور في العقول، وأن من المحال أن يكون ذاته كذات من ينشأ منه الولد، ثم بين ﴿سبحانه﴾ إحالته بأن من أراد شيئا من الأجناس كلها أوجده ب? ﴿كن﴾ فهو منزه من شبه الحيوان الوالد (68).
وقرئ: ﴿وإن الله﴾ بفتح الهمزة (69) وكسرها، فالفتح على معنى: ولأنه ﴿ربى وربكم فاعبدوه﴾، أو بأنه أي: بسبب ذلك فاعبدوه، والكسر على استئناف الكلام.
و ﴿الأحزاب﴾: اليهود والنصارى، وقيل: النصارى (70)، لأنهم تفرقوا ثلاث فرق: نسطورية ويعقوبية وملكائية، وقال: ﴿من بينهم﴾ لأن منهم من ثبت على الحق ﴿من مشهد يوم عظيم﴾: من شهودهم هول الحساب والجزاء في يوم القيامة، أو من مكان الشهود فيه وهو الموقف، أو من وقت الشهود، أو من شهادة ذلك اليوم عليهم وأن تشهد عليهم الملائكة والأنبياء وألسنتهم وأيديهم وأرجلهم بسوء أعمالهم، أو من مكان الشهادة أو وقتها.
﴿أسمع بهم وأبصر﴾ أي: ما أسمعهم وأبصرهم (71)، ولا يوصف الله بالتعجب، والمراد: أن أسماعهم وأبصارهم يومئذ جدير بأن يتعجب منهما (72) بعدما كانوا صما عميا في الدنيا ﴿لكن الظالمون﴾ وقع الظاهر موقع الضمير (73) إيذانا بأن لا ظلم أعظم من ظلمهم حيث أغفلوا النظر والاستماع.
﴿قضى الامر﴾ فرغ من الحساب، وحكم بين الخلائق بالعدل، وتصادر الفريقان إلى الجنة والنار، و ﴿إذ﴾ بدل من ﴿يوم الحسرة﴾ أو منصوب ب? ﴿الحسرة... وهم في غفلة﴾ يتعلق بقوله: ﴿في ضلل مبين﴾ و ﴿أنذرهم﴾ اعتراض، أو يتعلق ب? ﴿أنذرهم﴾ والمعنى: وأنذرهم على هذه الحال غافلين غير مؤمنين.
﴿إنا نحن نرث الأرض ومن عليها﴾ أي: نميت سكانها، فلا يبقى فيها مالك ولا متصرف.
﴿واذكر في الكتاب إبراهيم إنه كان صديقا نبيا (41) إذ قال لأبيه يا أبت لم تعبد ما لا يسمع ولا يبصر ولا يغنى عنك شيئا (42) يا أبت إني قد جاءني من العلم ما لم يأتك فاتبعني أهدك صراطا سويا (43) يا أبت لا تعبد الشيطان إن الشيطان كان للرحمن عصيا (44) يا أبت إني أخاف أن يمسك عذاب من الرحمن فتكون للشيطان وليا (45) قال أراغب أنت عن آلهتي يا إبراهيم لئن لم تنته لأرجمنك واهجرني مليا (46) قال سلم عليك سأستغفر لك ربى إنه كان بي حفيا (47) وأعتزلكم وما تدعون من دون الله وأدعوا ربى عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا (48) فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب وكلا جعلنا نبيا (49) ووهبنا لهم من رحمتنا وجعلنا لهم لسان صدق عليا (50)﴾
﴿في الكتاب﴾ في القرآن، والصديق: من أبنية المبالغة، أي: المبالغ في الصدق وكثير التصديق لكتب الله وأنبيائه، و ﴿كان... نبيا﴾ في نفسه.
و ﴿إذ قال﴾ بدل من ﴿إبراهيم﴾ وما بينهما اعتراض، أو يتعلق ب? ﴿كان﴾ أي: كان جامعا لخصائص الصديقين والأنبياء حين خاطب أباه تلك المخاطبات في أحسن ترتيب، فطلب منه العلة أولا في عبادته ﴿ما لا يسمع ولا يبصر﴾ مع أن العبادة لا يستحقها إلا المنعم الذي له غاية الإنعام، وهو الله الخالق الرازق الذي منه أصول النعم، ثم دعاه إلى اتباعه بأن قال: ﴿قد جاءني من العلم﴾ بالله والمعرفة به ﴿ما لم يأتك﴾، ثم نهاه عن عبادة ﴿الشيطان﴾ وطاعته فيما يدعوه إليه، وذكر عصيان ﴿الشيطان... للرحمن﴾ واستكباره، ثم خوفه سوء العاقبة لما هو فيه، وصدر كل نصيحة من هذه النصائح بقوله: ﴿يا أبت﴾ استعطافا له، والتاء في ﴿يا أبت﴾ عوض من ياء الإضافة، فلا يقال: يا أبتي، وقرئ: " يا أبت " بفتح التاء (74)، و ﴿ما﴾ في ﴿ما لا يسمع﴾ و ﴿ما لم يأتك﴾ يجوز أن تكون موصولة وموصوفة، والمفعول في ﴿لا يسمع﴾ و ﴿لا يبصر﴾ غير منوي، والمراد: ما ليس به استماع ولا إبصار، و ﴿شيئا﴾ في موضع المصدر، أي: شيئا من الغناء، أو مفعول به من قولهم: أغن عني وجهك، أي: أبعد عني.
﴿أراغب أنت عن آلهتي﴾ أي: أمعرض أنت عن عبادة آلهتي التي هي الأصنام، وزاهد فيها؟﴿لئن لم﴾ تمتنع عن هذا ﴿لأرجمنك﴾ أي: لأرمينك بلساني، يريد الشتم والذم، ومنه الرجيم: المرمي باللعن، أو لأقتلنك من رجم الزاني، أو لأطردنك رميا بالحجارة، وأصل الرجم: الرمي بالرجام ﴿مليا﴾ أي: زمانا طويلا، من الملاوة، وعطف ﴿واهجرني﴾ على محذوف، أي: لأرجمنك فاحذرني واهجرني.
﴿سلم عليك﴾ سلام توديع ومتاركة ومباعدة منه، كقوله: ﴿وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلما﴾ (75) ويجوز أن يكون دعاء له بالسلامة استمالة، ويدل عليه أنه وعده الاستغفار، والحفي: البليغ في البر والألطاف، يقال: حفي به وتحفي به.
﴿وأعتزلكم﴾ أي: وأتنحى منكم جانبا، أراد مهاجرته إلى الشام ﴿وأدعوا ربى﴾ أي: أعبده، ومنه قوله (عليه السلام): " الدعاء: هو العبادة " (76)، ويجوز أن يريد بالدعاء ما حكاه الله في سورة الشعراء (77)، وقوله: ﴿عسى ألا أكون بدعاء ربى شقيا﴾ فيه تعريض لشقاوتهم بدعاء آلهتهم مع التواضع لله عز اسمه في كلمة ﴿عسى﴾.
و ﴿لما﴾ فارقهم وتركهم وهب الله سبحانه ﴿له﴾ أولادا أنبياء، وأراد ب? " الرحمة ": النبوة، وعن الحسن: المال والولد (78) (79)، وهي عامة في كل خير ديني ودنيوي أوتوه، ولسان الصدق: الثناء الحسن، وعبر باللسان عما يوجد باللسان كما يعبر باليد عما يطلق باليد وهي العطية، قال: إني أتتني لسان لا أسر بها (80).
أي: رسالة، ولسان العرب: لغتهم وكلامهم ﴿عليا﴾ أي: مرتفعا، فكل أهل الأديان يتولونه ويثنون عليه وعلى ذريته، وقيل: معناه: أعلينا ذكرهم بأن محمدا وأمته يذكرونهم بالجميل، ويصلون عليهم إلى يوم القيامة (81).
﴿واذكر في الكتاب موسى إنه كان مخلصا وكان رسولا نبيا (51) وناديناه من جانب الطور الأيمن وقربناه نجيا (52) ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيا (53) واذكر في الكتاب إسماعيل إنه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيا (54) وكان يأمر أهله بالصلاة والزكاة وكان عند ربه مرضيا (55) واذكر في الكتاب إدريس إنه كان صديقا نبيا (56) ورفعنه مكانا عليا (57) أولئك الذين أنعم الله عليهم من النبيين من ذرية آدم وممن حملنا مع نوح ومن ذرية إبراهيم وإسرائيل وممن هدينا واجتبينا إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خروا سجدا وبكيا (58)﴾ قرئ: ﴿مخلصا﴾ بفتح اللام وكسرها (82)، ومعناه بالكسر: أنه أخلص العبادة عن الشرك والرياء، وأخلص نفسه وأسلم وجهه لله، وبالفتح: أنه الذي أخلصه الله، والرسول: من الأنبياء الذي معه كتاب، والنبي: الذي ينبئ عن الله وإن لم يكن معه كتاب.
و ﴿الأيمن﴾ من اليمين، أي: من ناحية ﴿الطور﴾ اليمنى، أو من اليمن فيكون صفة ل? ﴿الطور﴾، ﴿وقربناه﴾ حيث كلمناه بغير واسطة ملك ورفعنا منزلته ﴿نجيا﴾ أي: مناجيا كليما.
﴿من رحمتنا﴾ أي: من أجل رحمتنا له ﴿وهبنا له... هارون﴾.
﴿صادق الوعد﴾ إذا وعد بشئ وفي به، وذكر بصدق الوعد وإن كان غيره من الأنبياء كذلك، تشريفا له وإكراما، أو لأنه المشهور من خصاله، وناهيك أنه وعد من نفسه الصبر على الذبح حيث قال: ﴿ستجدني إن شاء الله من الصبرين﴾ (83) فوفي، وعن ابن عباس: أنه واعد (84) رجلا أن ينتظره في مكان ونسي الرجل فانتظره سنة (85).
﴿وكان يأمر أهله﴾ وقومه ﴿بالصلاة﴾ والعبادة ليجعلهم قدوة لمن وراءهم، ولأنهم أولى بذلك من سائر الناس، وهو كقوله: ﴿وأنذر عشيرتك الأقربين﴾ (86)، ﴿قوا أنفسكم وأهليكم﴾ (87)، ﴿وأمر أهلك بالصلاة﴾ (88).
قيل: سمي ﴿إدريس﴾ لكثرة دراسته كتاب الله (89)، وفيه نظر، لأن الاسم أعجمي، ولذلك امتنع من الصرف، ولو كان " إفعيلا " من الدرس لم يكن فيه إلا سبب واحد وهو العلمية فكان يجب أن ينصرف.
والمكان العلي: شرف النبوة والقربة من الله، وقد أنزل الله تعالى عليه ثلاثين صحيفة، وهو أول من خاط الثياب ولبسها وكانوا يلبسون الجلود، وهو أول من خط بالقلم ونظر في علم النجوم والحساب، وقيل: لأنه رفع إلى السماء الرابعة (90) أو السادسة (91).
﴿أولئك﴾ إشارة إلى المذكورين في السورة من زكريا إلى إدريس (عليهم السلام)، و ﴿من﴾ في ﴿من النبيين﴾ للبيان، لأن جميع الأنبياء منعم عليهم، و ﴿من﴾ الثانية للتبعيض، والبكي: جمع باك، كالسجود والقعود في جمع ساجد وقاعد.
﴿فخلف من بعدهم خلف أضاعوا الصلاة واتبعوا الشهوات فسوف يلقون غيا (59) إلا من تاب وآمن وعمل صلحا فأولئك يدخلون الجنة ولا يظلمون شيئا (60) جنات عدن التي وعد الرحمن عباده بالغيب إنه كان وعده مأتيا (61) لا يسمعون فيها لغوا إلا سلما ولهم رزقهم فيها بكرة وعشيا (62) تلك الجنة التي نورث من عبادنا من كان تقيا (63) وما نتنزل إلا بأمر ربك له ما بين أيدينا وما خلفنا وما بين ذلك وما كان ربك نسيا (64) رب السماوات والأرض وما بينهما فاعبده واصطبر لعبدته هل تعلم له سميا (65)﴾ يقال: خلفه: إذا عقبه، ثم يقال في عقب الخير: خلف - بالفتح - وفي عقب السوء خلف - بالسكون - كما قيل: وعد في ضمان الخير ووعيد في ضمان الشر، وعن ابن عباس: هم اليهود (92) (93)، وقيل: ﴿أضاعوا الصلاة﴾ بتأخيرها عن أوقاتها (94) ﴿واتبعوا الشهوات﴾.
رووا عن علي (عليه السلام): " من بنى الشديد، وركب المنظور، ولبس المشهور " (95).
وكل شر عند العرب غي، وكل خير رشاد، قال: فمن يلق خيرا يحمد الناس أمره * ومن يغو لا يعدم على الغي لائما (96) وقيل: يريد جزاء غي (97)، كقوله: ﴿يلق أثاما﴾ (98) أي: مجازاة أثام، أو: ﴿غيا﴾ عن طريق الجنة، وقيل: غي: واد في جهنم (99).
﴿لا يظلمون﴾ أي: لا ينقصون ﴿شيئا﴾ من جزاء أعمالهم ولا يمنعونه.
﴿جنات عدن﴾ بدل من ﴿الجنة﴾، لأن ﴿الجنة﴾ اشتملت عليها، قيل: إن " المأتي " مفعول بمعنى فاعل (100)، والوجه: أن " الوعد " هو الجنة وهم يأتونها، أو هو من قولك: أتى إليه إحسانا، فمعناه: ﴿كان وعده﴾ مفعولا منجزا.
﴿لغوا﴾ أي: فضول كلام لا طائل فيه، وهو تنبيه على وجوب تجنب اللغو حيث نزه الله عنه الدار التي لا تكليف فيها ﴿إلا﴾ تسليم بعضهم على بعض أو تسليم الملائكة عليهم، أي: فإن كان ذلك لغوا ف? ﴿لا يسمعون﴾ إلا ذلك، فيكون من قبيل قول الشاعر: ولا عيب فيهم غير أن سيوفهم * بهن فلول من قراع الكتائب (101) كانت العرب تكره الوجبة، وهي الأكلة الواحدة في اليوم الواحد، فأخبر سبحانه أن ﴿لهم﴾ في الجنة ﴿رزقهم... بكرة وعشيا﴾ وهي العادة المحمودة، ولا يكون ثم ليل ولا نهار ولكن على التقدير.
وقرئ: " نورث " بالتشديد (102)، والمعنى: نبقي عليه الجنة كما يبقى على الوارث مال الموروث، وقيل: أورثوا من الجنة المساكن التي كانت لأهل النار لو أطاعوا (103).
﴿وما نتنزل﴾ حكاية قول جبرئيل (عليه السلام) حين استبطأه رسول الله (104)، والتنزل له معنيان: أحدهما: النزول على مهل، والآخر: النزول على الإطلاق، والمراد هنا: أن نزولنا وقتا بعد وقت ليس ﴿إلا بأمر﴾ الله ﴿له ما﴾ قدامنا ﴿وما خلفنا﴾ من الجهات والأماكن وما نحن فيها، فلا ننتقل من جهة إلى جهة إلا بأمره ومشيئته، وقيل: ما مضى من أعمارنا وما بقي منها والحال التي نحن فيها (105)، وقيل: ما مضى من أمر الدنيا وما يستقبل من أمر الآخرة (106) ﴿وما بين ذلك﴾ ما بين النفختين وهو أربعون سنة، وقيل: الأرض التي بين أيدينا إذا نزلنا والسماء التي وراءنا وما بين السماء والأرض (107) ﴿وما كان ربك نسيا﴾ أي: تاركا لك يا محمد، كقوله: ﴿ما ودعك ربك وما قلى﴾ (108)، وقيل: وما كان ربك ناسيا لأعمال العاملين (109).
وكيف يجوز النسيان والغفلة على من له ملك ﴿السماوات والأرض وما بينهما﴾ فحين عرفته بهذه الصفة ﴿فاعبده﴾ وحده ﴿واصطبر ل?﴾ مشاق ﴿عبدته هل تعلم له سميا﴾ أي: مثلا وشبيها، أي: إذا صح أن لا معبود إلا هو وحده لم يكن بد من عبادته، وعن ابن عباس: لا يسمى أحد الرحمن غيره (110)، وقيل: لم يسم شئ بالله قط (111).
﴿ويقول الانسان أإذا ما مت لسوف أخرج حيا (66) أولا يذكر الانسان أنا خلقناه من قبل ولم يك شيئا (67) فوربك لنحشرنهم والشياطين ثم لنحضرنهم حول جهنم جثيا (68) ثم لننزعن من كل شيعة أيهم أشد على الرحمن عتيا (69) ثم لنحن أعلم بالذين هم أولى بها صليا (70) وإن منكم إلا واردها كان على ربك حتما مقضيا (71) ثم ننجي الذين اتقوا ونذر الظالمين فيها جثيا (72) وإذا تتلى عليهم آياتنا بينت قال الذين كفروا للذين آمنوا أي الفريقين خير مقاما وأحسن نديا (73) وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أحسن أثاثا ورؤيا (74)﴾ يجوز أن يكون المراد ب? ﴿الانسان﴾ الجنس بأسره، لما كانت هذه المقالة موجودة في جنسهم أسندت إلى جميعهم، وأن يكون بعض الجنس وهم الكفرة، وانتصب ﴿إذا﴾ بفعل مضمر يدل عليه ﴿لسوف أخرج حيا﴾، لأن ما بعد لام الابتداء لا يعمل فيما قبله، ودخلت ﴿ما﴾ للتوكيد، كأنهم قالوا: أحقا أنا سنخرج أحياء بعد الموت ؟! والواو عطفت " لا يذكر " (112) على ﴿يقول﴾، والمعنى: أيقول ذلك (113) ولا يتذكر حال النشأة الأولى حتى لا ينكر النشأة الأخرى، فإن تلك أعجب وأدل على قدرة الصانع، إذ أخرج الجواهر والأعراض (114) من العدم إلى الوجود على غير مثال سبق من غيره، وأما الثانية فقد تقدمت نظيرتها وليس فيها إلا ردها على ما كانت عليه مجموعة بعد التفريق، وقوله: ﴿ولم يك شيئا﴾ دليل على هذا المعنى، وقرئ: ﴿أولا يذكر﴾ بالتخفيف ﴿من قبل﴾ أي: من قبل الحالة التي هو فيها وهي حالة بقائه.
أقسم سبحانه باسمه مضافا إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله)، تفخيما لشأنه ورفعا لقدره، ويجوز أن يكون الواو في ﴿والشياطين﴾ للعطف، وأن يكون بمعنى " مع "، أي: يحشرون مع قرنائهم من الشياطين الذين أضلوهم، يقرن كل كافر مع شيطان في سلسلة ﴿ثم﴾ يحضرون ﴿حول جهنم﴾ متجاثين (115) مستوفزين (116) على الركب، متخاصمين يتبرأ بعضهم من بعض، ومثله: ﴿وترى كل أمة جاثية﴾ (117).
و " الشيعة " هنا هي الطائفة التي شاعت، أي: تبعت غاويا من الغواة، والمعنى: نستخرج ﴿من كل﴾ طائفة من طوائف الغي والضلال أعتاهم وأعصاهم، فإذا اجتمعوا طرحناهم في النار على الترتيب: نقدم أولاهم بالعذاب فأولاهم، ويجوز أن يريد بأشدهم ﴿عتيا﴾: رؤساء الشيع وأئمتهم لتضاعف جرمهم، فإنهم ضلال ومضلون، كقوله: ﴿وليحملن أثقالهم وأثقالا مع أثقالهم﴾ (118).
واختلف في إعراب ﴿أيهم أشد﴾ فقال الخليل (119): إنه مرفوع على الحكاية والتقدير: ﴿لننزعن﴾ الذين يقال فيهم: ﴿أيهم أشد﴾ (120)، وقال سيبويه: هو مبني على الضم لسقوط صدر الجملة التي هي صلة ﴿أيهم﴾ وأصله: لننزعن من كل شيعة أيهم هو أشد، منصوبا (121).
﴿وإن منكم﴾ التفات إلى الإنسان، ويعضده قراءة ابن عباس: " وإن منهم " (122)، أو خطاب للناس من غير التفات إلى المذكور، فإن أريد الجنس كله فمعنى الورود: دخولهم فيها وهي خامدة (123) فيعبرها المؤمنون وتنهار النار بغيرهم، وعن ابن مسعود والحسن: هو الجواز على الصراط، لأن الصراط ممدود عليها (124)، وعن ابن عباس: قد يرد الشئ الشئ وإن لم يدخله، كقوله: ﴿ولما ورد ماء مدين﴾ (125) ووردت القافلة البلد وإن لم تدخله (126) (127)، وعن مجاهد: ورود المؤمن النار هو مس الحمى جسده في الدنيا (128)، لقوله (عليه السلام): " الحمى من فيح جهنم " (129)، و " الحمى حظ كل مؤمن من النار " (130) (131) وإن أريد الكفار خاصة فالمعنى ظاهر، والحتم مصدر حتم الأمر: إذا أوجبه فسمي به الموجب، أي: ﴿كان﴾ ورودهم واجبا ﴿على﴾ الله، أوجبه على نفسه وقضى به.
وقرئ: ﴿ننجي﴾ و " ننجي " (132) بالتشديد والتخفيف (133) ﴿جثيا﴾ حال، وهو جمع جاث.
﴿بينت﴾ ظاهرات الحجج، مبينات المقاصد، وهي حال مؤكدة، كقوله تعالى: ﴿وهو الحق مصدقا﴾ (134)، وقرئ: " مقاما " (135) بالضم وهو موضع الإقامة، وقرئ بالفتح وهو موضع القيام، والندي: المجلس وحيث ينتدي القوم، والمعنى: أنهم إذا سمعوا الآيات (136) قالوا: ﴿أي الفريقين﴾ من المؤمنين بها والجاحدين لها أوفر حظا من الدنيا (137).
و ﴿كم﴾ مفعول ﴿أهلكنا﴾، و ﴿من﴾ تبيين لإبهامها، أي: كثيرا من القرون أهلكنا، و ﴿هم أحسن﴾ في موضع نصب صفة ل? ﴿كم﴾، والأثاث: متاع البيت، وقرئ: ﴿ورؤيا﴾ بالهمزة وغير الهمزة (138) وهو فعل بمعنى مفعول من رأيت، ومن لم يهمز قلب الهمزة ياء وأدغم، ويجوز أن يكون من الري الذي هو النعمة والترفه، من قولهم: ريان من النعيم.
﴿قل من كان في الضلالة فليمدد له الرحمن مدا حتى إذا رأوا ما يوعدون إما العذاب وإما الساعة فسيعلمون من هو شر مكانا وأضعف جندا (75) ويزيد الله الذين اهتدوا هدى والباقيات الصالحات خير عند ربك ثوابا وخير مردا (76) أفرأيت الذي كفر بآياتنا وقال لأوتين مالا وولدا (77) أطلع الغيب أم اتخذ عند الرحمن عهدا (78) كلا سنكتب ما يقول ونمد له من العذاب مدا (79) ونرثه ما يقول ويأتينا فردا (80)﴾ المعنى: مد ﴿له الرحمن﴾ أي: أمهله وأملى له في العمر (139)، فأتى به على لفظ الأمر ليعلم بذلك أنه حتم مفعول لا محالة كالمأمور به، ليقطع عذر الضال إذ عمره ما يمكنه التذكر فيه، أو يكون في معنى الدعاء بأن يمهله الله، أو بمعنى: فليعش ما شاء فإنه لا ينفعه طول عمره ﴿حتى إذا رأوا﴾ الموعود رأي عين: ﴿إما العذاب﴾ في الدنيا وهو ظفر المسلمين بهم وتعذيبهم إياهم قتلا وأسرا ﴿وإما الساعة﴾ أي: يوم القيامة، وما ينالهم من النكال ﴿ف?﴾ حينئذ ﴿يعلمون﴾ أن الأمر على عكس ما قدروه، وأنهم ﴿شر مكانا وأضعف جندا﴾ لا ﴿خير مقاما وأحسن نديا﴾ كما قالوه، و ﴿حتى﴾ هذه هي التي تحكى بعدها الجمل، والجملة هي قوله: ﴿إذا رأوا ما يوعدون... فسيعلمون﴾، والندي: المجلس الجامع لوجوه القوم.
﴿ويزيد﴾ معطوف على موضع ﴿فليمدد﴾ والمعنى: يزيد في ضلال الضلال بخذلانه، ويزيد في هداية المهتدين بتوفيقه، و ﴿الباقيات الصالحات﴾ وهي أعمال الآخرة كلها ﴿خير... ثوابا﴾ من مفاخرات الكفار ﴿وخير﴾ مرجعا وعاقبة أو خير منفعة، من قولهم: ليس لهذا الأمر مرد وهو أرد عليك أي: أنفع، قال: ولا يرد بكاي زندا (140) ولما كانت رؤية الشئ طريقا إلى علمه، وصحة الخبر عنه استعملوا " أرأيت " في معنى " أخبر "، والفاء جاءت للتعقيب، فكأنه قال: أخبر أيضا بقصة هذا الكافر عقيب حديث أولئك وهو العاص بن وائل: كان لخباب بن الأرت عليه دين فتقاضاه، فقال: لا والله حتى تكفر بمحمد، فقال: لا والله لا أكفر بمحمد حيا ولا ميتا، ولا حين تبعث (141)، قال: فإني لمبعوث؟فإذا بعثت سيكون لي مال وولد فأعطيك.
﴿أطلع الغيب﴾ من قولهم: اطلع الجبل: إذا ارتقى إلى أعلاه، والمعنى: أو قد بلغ من عظمة قدره أن ارتقى إلى علم الغيب حتى علم أنا سنؤتيه ﴿مالا وولدا... أم اتخذ عند﴾ الله ﴿عهدا﴾؟فإن ما ادعاه لا يتوصل إليه إلا بأحد هذين الطريقين، وقرئ: " ولدا " (142) وهو جمع ولد.
﴿كلا﴾ ردع وتنبيه على الخطأ، أي: هو مخطئ فيما تصوره لنفسه وتمناه، فليرتدع عنه.
﴿ونرثه ما يقول﴾ أي: ما عنده من المال والولد بإهلاكنا إياه ﴿ويأتينا فردا﴾ وحيدا بلا مال ولا ولد ولا عدة ولا عدد.
﴿واتخذوا من دون الله آلهة ليكونوا لهم عزا (81) كلا سيكفرون بعبادتهم ويكونون عليهم ضدا (82) ألم تر أنا أرسلنا الشيطين على الكافرين تؤزهم أزا (83) فلا تعجل عليهم إنما نعد لهم عدا (84) يوم نحشر المتقين إلى الرحمن وفدا (85) ونسوق المجرمين إلى جهنم وردا (86) لا يملكون الشفعة إلا من اتخذ عند الرحمن عهدا (87) وقالوا اتخذ الرحمن ولدا (88) لقد جئتم شيئا إدا (89) تكاد السماوات يتفطرن منه وتنشق الأرض وتخر الجبال هدا (90) أن دعوا للرحمن ولدا (91)﴾ أي: ليتعززوا بآلهتهم بأن يكونوا لهم شفعاء في الآخرة.
﴿كلا﴾ ردع لهم وإنكار لتعززهم بهم ﴿سيكفرون﴾ الضمير ل? " الآلهة " أي: سيجحدون عبادتهم وينكرونها ويقولون: والله ما عبدتمونا، كقوله: ﴿وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكذبون﴾ (143) أو للمشركين، أي: ينكرون أن يكونوا عبدوها كما في قوله: ﴿والله ربنا ما كنا مشركين﴾ (144)، ﴿ويكونون عليهم ضدا﴾ هو في مقابلة ﴿لهم عزا﴾ والمراد: ضد العز وهو الذل والهوان، أي: يكونون عليهم ضدا لما قصدوه وذلا لهم لا عزا، أو يكونون عليهم عونا، والضد: العون، لأنه يضاده بإعانته عليه، وإنما وحد لأنهم كشئ واحد في تضامهم وتوافقهم، كقوله (عليه السلام): " وهم يد على من سواهم " (145).
﴿تؤزهم أزا﴾ أي: تزعجهم إزعاجا من الطاعة إلى المعصية، وتهيجهم وتغريهم لها بالوساوس، والمعنى: خلينا بينهم وبينهم ولم نمنعهم (146) ولم نحل بينهم وبينهم بالإلجاء.
﴿فلا تعجل عليهم﴾ بأن يهلكوا ويبيدوا حتى تستريح منهم، فليس بينك وبين هلاكهم إلا أياما معدودة قليلة.
وعن ابن عباس: أنه كان إذا قرأها بكى وقال: آخر العدد خروج نفسك، آخر العدد فراق أهلك، آخر العدد دخول قبرك (147).
وعن ابن السماك (148): إذا كانت الأنفاس بالعدد ولم يكن لها مدد فما أسرع ما تنفد (149).
ذكر ﴿المتقين﴾ بلفظ التبجيل، وهو أنهم يجمعون إلى ربهم الذي غمرهم برحمته كما يفد الوفاد على الملوك ينتظرون فضله وإكرامه، وذكر الكافرين بأنهم يساقون إلى النار باستخفاف وإهانة كأنهم إبل عطاش تساق إلى الماء.
﴿لا يملكون﴾ الواو ضمير العباد، ودل عليه ذكر ﴿المتقين﴾ و ﴿المجرمين﴾، و ﴿من اتخذ﴾ بدل، ويجوز أن تكون علامة الجمع على لغة من قال: أكلوني البراغيث، والفاعل ﴿من اتخذ﴾ لأنه في معنى الجمع، وإن نصبت ﴿من اتخذ﴾ على تقدير حذف المضاف جاز، أي: ﴿إلا﴾ شفاعة ﴿من اتخذ﴾، والمراد: لا يملكون أن يشفع لهم، واتخاذ العهد هو الاستظهار بالإيمان والإقرار بوحدانية الله وتصديق أنبيائه وأوليائه، وقيل: إن المعنى: لا يشفع إلا من أطلق الرحمن له الشفاعة وأذن له فيه كالأنبياء والأئمة وخيار المؤمنين (150).
وعن ابن مسعود: أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لأصحابه ذات يوم: " أيعجز أحدكم أن يتخذ كل صباح ومساء عند الله عهدا؟" قالوا: وكيف ذلك؟قال: " يقول: اللهم فاطر السماوات والأرض، عالم الغيب والشهادة، إني أعهد إليك بأني أشهد أن لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك، وإنك إن تكلني إلى نفسي تقربني من الشر وتباعدني من الخير، وإني لا أثق إلا برحمتك، فاجعل لي عندك عهدا توفينيه يوم القيامة، إنك لاتخلف الميعاد.
فإذا قال ذلك طبع عليه بطابع ووضع تحت العرش، فإذا كان يوم القيامة نادى مناد: أين الذين لهم عند الرحمن عهد فيدخلون الجنة " (151).
والإد: العظيم المنكر، وقيل: العجب (152).
وقرئ: ﴿تكاد﴾ بالياء (153) والتاء، وقرئ: " ينفطرن " (154) من الانفطار، و ﴿يتفطرن﴾، و ﴿هدا﴾ أي: مهدودة، أو تهد هدا، أو مفعول له أي: لأنها تهد (155).
و ﴿أن دعوا﴾ يجوز أن يكون مجرورا بدلا من الهاء في ﴿منه﴾، ومنصوبا بتقدير سقوط اللام وإفضاء الفعل أي: لأن دعوا، فيكون قد علل الخرور بالهد، والهد بدعاء الولد ﴿للرحمن﴾، ومرفوعا بأنه فاعل ﴿هدا﴾ أي: ﴿تخر﴾ لأن هدها دعاء الولد ﴿للرحمن﴾.
﴿وما ينبغي للرحمن أن يتخذ ولدا (92) إن كل من في السماوات والأرض إلا آتي الرحمن عبدا (93) لقد أحصيهم وعدهم عدا (94) وكلهم آتيه يوم القيمة فردا (95) إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات سيجعل لهم الرحمن ودا (96) فإنما يسرناه بلسانك لتبشر به المتقين وتنذر به قوما لدا (97) وكم أهلكنا قبلهم من قرن هل تحس منهم من أحد أو تسمع لهم ركزا (98)﴾ " انبغى " مطاوع " بغى ": إذا طلب، أي: ﴿ما﴾ يتأتى لله اتخاذ الولد، وما ينطلب له لو طلب مثلا لأنه مستحيل.
﴿لقد أحصيهم﴾ أي: حصرهم بعلمه، والمعنى: مامن معبود لهم ﴿في السماوات والأرض﴾ من الملائكة ومن الناس ﴿إلا﴾ وهو يأتي ﴿الرحمن﴾ أي: يأوي إليه ﴿عبدا﴾ منقادا لا يدعي لنفسه ما يدعيه هؤلاء له.
﴿وكلهم﴾ مقهورون، متقلبون (156) في ملكوته، وهو محيط بهم وبجمل (157) أمورهم وتفاصيلها وكيفيتهم وكميتهم لا يفوته شئ من أحوالهم، وكل واحد منهم يأتيه ﴿يوم القيمة﴾ منفردا، بريئا من هؤلاء المشركين.
﴿ودا﴾ عن ابن عباس: يعني يحبهم الله ويحببهم إلى خلقه (158).
وروي عن الباقر (عليه السلام) وجابر بن عبد الله: " أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال لعلي (عليه السلام): قل: اللهم اجعل لي عندك عهدا، واجعل لي في قلوب المؤمنين ودا، فقالهما، فنزلت " (159).
وعن قتادة: ما أقبل العبد إلى الله تعالى إلا أقبل الله بقلوب العباد إليه (160).
بلغ هذا القرآن وبشر به وأنذر ﴿فإنما﴾ أنزلناه ﴿بلسانك﴾ أي: بلغتك وهو اللسان العربي، و ﴿يسرناه﴾ لك ﴿لتبشر... وتنذر﴾، واللد: جمع الألد وهو الشديد الخصومة بالباطل، الآخذ في كل لديد أي: كل جانب من الجدال، يريد أهل مكة.
﴿وكم أهلكنا﴾ تخويف لهم، و ﴿تحس﴾ من أحسه: إذا شعر به، ومنه الحاسة، والركز: الصوت الخفي، أي: لا يرى لهم عين ولا يسمع لهم صوت، وكانوا أكثر أموالا وأكبر أجساما وأشد خصاما من هؤلاء، فحكم هؤلاء حكمهم.
1- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 7 ص 101: هي مكية في قول قتادة ومجاهد، وهي ثمان وتسعون آية في المدني الأول والكوفي والبصري والشامي، وتسع وتسعون في المكي والمدني الأخير وفي عدد إسماعيل. وقال الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 3: مكية إلا آيتي 58 و 71 فمدنيتان، وآياتها 98، نزلت بعد سورة فاطر. وقال القرطبي في تفسيره: ج 11 ص 72: وهي مكية باجماع، وهي تسعون وثمان آيات.
2- الآية: 75.
3- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 48 باختلاف يسير، وزاد: " وعشر حسنات بعدد من دعا الله في الدنيا وبعدد من لم يدع الله ".
4- في بعض النسخ زيادة: صدق ولي الله.
5- ثواب الأعمال للصدوق: ص 134 ح 1 وزاد بعد " وولده ": وكان في الآخرة من أصحاب عيسى بن مريم (عليهما السلام).
6- وهو أبو عمرو زبان بن العلاء البصري القارئ. تقدمت ترجمته في ج 1 ص 26، فراجع.
7- انظر التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 523.
8- وهي قراءة ابن عامر وحمزة. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 406.
9- وهي قراءة يحيى والكسائي وأبي بكر عن عاصم. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 523.
10- مسند أحمد: ج 1 ص 172 و 180 و 187، المصنف لابن أبي شيبة: ج 1 ص 376.
11- في بعض النسخ: دعاء.
12- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 3.
13- حكاه عنهما (عليهما السلام) ابن خالويه في شواذ القرآن: ص 86.
14- وهي قراءة أبي عمرو والكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 523.
15- القصص: 34.
16- كعاصم الجحدري وابن يعمر وقتادة وأبي حرب بن أبي الأسود وأبي نهيك. راجع البحر المحيط لأبي حيان: ج 6 ص 174.
17- انظر شواذ القرآن لابن خالويه: ص 86، والبحر المحيط: ج 6 ص 174.
18- فصلت: 28.
19- مناقب ابن شهرآشوب: ج 4 ص 54 وليس فيه: " وكان قاتل يحيى... " الخ، وانظر كامل الزيارات لابن قولويه: ب 28 فصل في بكاء السماء والأرض على قتل الحسين (عليه السلام) ويحيى ابن زكريا (عليه السلام) ص 88 - 91.
20- تفسير مجاهد: ص 454.
21- الآية: 65.
22- في بعض النسخ: الجساوة. وجسأت يده: إذا صلبت. (الصحاح: مادة جسأ).
23- الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف بضم العين.
24- الآية: 70.
25- الآية: 68.
26- الآية: 58.
27- قراءة حمزة والكسائي بكسر الباء والباقون بضمها. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 407.
28- الحجر: 66.
29- قرأه حمزة والكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 524.
30- الإية: 41.
31- قاله مجاهد في تفسيره: ص 454.
32- انظر الكشاف: ج 3 ص 8.
33- في نسخة: ينقص.
34- وهي قراءة أبي عمرو وورش والحلواني ويعقوب. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 524.
35- البقرة: 237.
36- انظر الكامل للمبرد: ج 2 ص 807.
37- وهو قول ابن جني. راجع الكشاف: ج 3 ص 10.
38- حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 11 ص 91.
39- انظر تفسير الآلوسي: ج 16 ص 79، وفي روضة الكافي: ص 273 ح 516 نحوه عن الصادق (عليه السلام).
40- في نسخة: إحدى.
41- وهو قول الطبري في تاريخه: ج 1 ص 417.
42- قاله مقاتل. راجع تفسير البغوي: ج 3 ص 192.
43- المؤمنون: 20.
44- وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وعاصم برواية أبي بكر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 218.
45- في بعض النسخ: الذبيح.
46- في بعض النسخ: حقه.
47- يستفاد من العبارة أن المصنف يعتمد على قراءة الكسر هنا.
48- وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو وابن عامر وأبي بكر عن عاصم ورويس. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 408.
49- الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف هنا بفتح الميم من " من ".
50- قاله الكلبي. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 364.
51- رواه الزمخشري في كشافه: ج 3 ص 12، والرازي في تفسيره: ج 21 ص 205.
52- والبيت من معلقته المشهورة التي مطلعها: عفت الديار محلها فمقامها * بمنى تأبد غولها فرجامها وفي البيت المذكور يصف الشاعر اثنين من العير وردا عينا ممتلئة ماء فدخلا من عرض نهرها وقد تجاوز نبتها. انظر ديوان لبيد بن ربيعة: ص 170.
53- قاله الحسن البصري في تفسيره: ج 2 ص 109.
54- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 109.
55- وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر والكسائي وأبي بكر عن عاصم. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 409.
56- وهي قراءة يعقوب والعليمي ونصير والبراء بن عازب والأعمش في رواية. راجع التبيان: ج 7 ص 116، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 6 ص 184.
57- قرأه حمزة والأعمش وطلحة وابن وثاب ومسروق. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 525، والبحر المحيط: ج 6 ص 184.
58- البقرة: 195.
59- في بعض النسخ: جعلنا.
60- المحاسن للبرقي: ج 2 ص 535 وفيه عن أبي عبد الله (عليه السلام).
61- قاله السدي. راجع تفسير البغوي: ج 3 ص 194.
62- وهو قول قول مجاهد وكعب والمغيرة بن شعبة يرفعه للنبي (صلى الله عليه وآله). راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 368.
63- وفي بعض النسخ زيادة: في الفساد.
64- في بعض النسخ: معلما.
65- وبالرفع قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 409.
66- تلاح القوم: إذا تنازعوا. (الصحاح: مادة تلح).
67- التبكيت: التقريع، يقال: بكته بالحجة إذا غلبه. (الصحاح: مادة بكت).
68- في نسخة زيادة: والولد.
69- وهي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو ويعقوب. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 410.
70- قاله أبو الليث السمرقندي في تفسيره: ج 2 ص 324.
71- في نسخة زيادة: يوم القيامة حيث لا ينفعهم، ومثله: * (فبصرك اليوم حديد) *.
72- في نسخة: منها.
73- في بعض النسخ: المضمر.
74- قرأه ابن عامر وحده. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 465.
75- الفرقان: 63.
76- مسند أحمد: ج 4 ص 271، المعجم الصغير للطبراني: ج 2 ص 97.
77- وهو قوله تعالى: * (فال هل يسمعونكم إذ تدعون) * الآية: 72.
78- في بعض النسخ: البنون.
79- كذا في جميع النسخ، لكنا لم نعثر فيما توفرت من مصادر على قول كهذا للحسن، بل نسبته المصادر المعتمدة إلى الكلبي. راجع على سبيل المثال: الكشاف: ج 3 ص 22، وتفسير البغوي: ج 3 ص 198.
80- وعجزه: من علو لا عجب منها ولا سخر. والبيت منسوب لأعشى بأهلة، - واسمه عامر بن الحارث بن رياح الباهلي - وهو من قصيدة يرثي بها أخاه لأمه المنتشر الباهلي، وكان رئيسا فارسا، والقصيدة هي من المراثي المفضلة المشهورة بالبراعة والبلاغة كما قاله السيد المرتضى في أماليه. انظر أمالي السيد المرتضى: ج 2 ص 20 - 24.
81- قاله ابن عباس والحسن. راجع التبيان: ج 7 ص 131.
82- وبالكسر هي قراءة ابن كثير ونافع وأبي عمرو وابن عامر وعاصم في رواية الكسائي عن أبي بكر والمفضل عن عاصم. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 410.
83- الصافات: 102.
84- في بعض النسخ: وعد.
85- حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 3 ص 376.
86- الشعراء: 214.
87- التحريم: 6.
88- طه: 132.
89- قاله وهب بن منبه اليهودي. راجع تفسير السمرقندي: ج 2 ص 326.
90- قاله أنس والخدري وكعب الأحبار ومجاهد. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 377.
91- واليه ذهب ابن عباس والضحاك. راجع المصدر السابق.
92- في نسخة زيادة: تركوا الصلاة المفروضة وشربوا الخمر واستحلوا نكاح الأخت من الأب.
93- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 26.
94- قاله ابن مسعود وإبراهيم وعمر بن عبد العزيز. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 379 وتفسير البغوي: ج 3 ص 201.
95- رواه القرطبي في تفسيره: ج 11 ص 125.
96- والبيت منسوب للمرقش الأصغر، واسمه عمرو بن حرملة، وقيل: ربيعة بن سفيان، وهو من قصيدة مطلعها: ألا يا اسلمي لاصرم في اليوم فاطما * ولا أبدا ما دام وصلك دائما
ومعنى البيت: أن من يفعل الخير يحمده الناس ويثنون عليه، ومن يغو ويفعل الشر لا تتركه اللوائم على فعله. راجع شرح القصيدة ومناسبتها في كتاب الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 106.
97- قاله الزجاج في معاني القرآن واعرابه: ج 3 ص 336.
98- الفرقان: 68.
99- قاله ابن عباس في تفسيره: ص 257.
100- قاله الفراء في معاني القرآن: ج 2 ص 170.
101- والبيت للنابغة الذبياني من قصيدته المشهورة التي مطلعها: كليني لهم يا أميمة ناصب * وليل أقاسيه بطئ الكواكب وقد تقدم شرح البيت في ج 1 ص 384 و 689 فراجع.
102- قرأه رويس. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 526.
103- قاله الطبري في تفسيره: ج 8 ص 358.
104- في نسخة زيادة هنا: عما سأله المشركون من قصة أصحاب الكهف وذي القرنين والروح.
105- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 29.
106- قاله ابن عباس والربيع وقتادة والضحاك وأبو العالية. راجع تفسير الطبري: ج 8 ص 360.
107- وهو قول ابن عباس على ما حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 11 ص 129.
108- الضحى: 3.
109- وهو قول الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 30.
110- تفسير ابن عباس: ص 258.
111- قاله قتادة والكلبي. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 382.
112- الظاهر من العبارة أن المصنف اعتمد على قراءة التشديد هنا كما هو واضح.
113- في نسخة زيادة: استهزاء.
114- ليس في بعض النسخ لفظة " الأعراض ".
115- الجثو: الجلوس على الركبتين، أو القيام على أطراف الأصابع. (القاموس: مادة جثا).
116- يقال: استوفز في قعدته: إذا قعد قعودا منتصبا غير مطمئن. (الصحاح: مادة وفز).
117- الجاثية: 28.
118- العنكبوت: 13.
119- هو أبو عبد الرحمن الخليل بن أحمد بن عمرو بن تميم الفراهيدي الأزدي، من أئمة اللغة والأدب وواضع علم العروض في الشعر، ولد عام 100 ه? في البصرة، وعاش فيها فقيرا صابرا مغمورا في الناس لا يعرف، وهو أستاذ سيبويه النحوي، توفي عام 170 ه?. انظر وفيات الأعيان لابن خلكان: ج 2 ص 15.
120- حكاه عنه تلميذه سيبويه ومكي بن أبي طالب القيسي. راجع كتاب سيبويه: ج 2 ص 339، ومشكل اعراب القرآن: ج 1 - 2 ص 458.
121- انظر كتاب سيبويه: ج 2 ص 399.
122- حكاه عنه ابن خالويه في شواذ القرآن: ص 89.
123- في نسخة: جامدة.
124- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 35.
125- القصص: 23.
126- في نسخة زيادة: ولكن قربت منه.
127- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 35.
128- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 3 ص 205.
129- تعددت ألفاظ الحديث في روايات من طرق العامة، انظر على سبيل المثال: صحيح البخاري: ج 4 ص 246 ح 3261 و ج 7 ص 236 ح 5725، سنن ابن ماجة: ج 2 ص 1149 ح 3471 و 3473، ومسند أحمد ج 1 ص 291 و ج 2 ص 21 و 85.
130- مجمع الزوائد للهيثمي: ج 2 ص 306، الترغيب والترهيب للمنذري: ج 4 ص 300.
131- في نسخة زيادة: ويجوز أن يراد بالورود جثوهم حولها.
132- وهي قراءة الكسائي ويعقوب. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 527.
133- في نسخة زيادة: وينجى وينجى على ما لم يسم فاعله إن أريد الجنس باسره فهو ظاهر، وإن أريد الكفرة وحدهم، فمعنى * (ثم ننجي الذين اتقوا) *: ان المتقين يساقون إلى الجنة عقيب ورود الكفار، لا أنهم يواردونهم ثم يتخلصون.
134- البقرة: 91.
135- قرأه ابن كثير وحده. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 527.
136- في نسخة زيادة: وهم جهلة لا يعلمون إلا ظاهرا من الحياة الدنيا، وذلك مبلغهم من العلم.
137- في نسخة هنا زيادة: حتى يجعل ذلك عيارا على الفضل والنقص والرفعة والضعة، ويروى انهم كانوا يرجلون شعورهم ويدهنون رؤوسهم ويتطيبون ويتزينون بالزين الفاخرة، ثم يدعون مفتخرين على فقراء المسلمين أنهم أكرم عند الله منهم.
138- وهي قراءة نافع وابن عامر وابن ذكوان والأعشى. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 411، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 527.
139- في نسخة زيادة: ويزيده بأنواع التنعم: كقوله: * (ويمدهم في طغيانهم) *.
140- وصدر البيت: ما إن جزعت ولا هلعت. وهو من قصيدة لعمرو بن معد يكرب، وقبله: كم من أخ لي صالح * بوأته بيدي لحدا يقول: إن هذا الأخ الصالح ما حزنت عليه حزنا شديدا ولا هينا، وهذا نفي الحزن رأسا، وهو لا يريد البكاء عليه، إذ لا يغني بكاه شيئا، فتعقيبه نفي الجزع بهذا تنبيها على أن صبره عن تأدب وتبصر ومعرفة بالعواقب. انظر خزانة الأدب للبغدادي: ج 11 ص 218 - 219.
141- في نسخة زيادة: يا كافر.
142- وهي قراءة حمزة والكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 527.
143- النحل: 86.
144- الانعام: 23.
145- أخرجه النسائي في سننه: ج 8 ص 20 من كتاب القسامة باسناده عن علي (عليه السلام).
146- في نسخة زيادة: ولم نعصمهم، وقيل: سلطناهم كقوله: * (ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا) * وسميت التخلية باسم الإرسال مجازا كقوله: * (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل) * أي: سلطنا.
147- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 42.
148- هو أبو عمرو عثمان بن أحمد بن عبد الله الدقاق، المعروف بابن السماك، من أهل بغداد، كان مكثرا من الحديث، وله حلقة درس، مات عام 344 ه? ببغداد ودفن بمقبرة باب الدير. راجع الأنساب للسمعاني: ج 3 ص 290.
149- حكاه عنه الرازي في تفسيره: ج 21 ص 252.
150- قاله ابن عطية. راجع البحر المحيط لأبي حيان: ج 6 ص 218.
151- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 43 - 44، وابن حجر في الكاف الشاف: ص 108.
152- قاله ابن خالويه في شواذ القرآن: ص 89.
153- وهي قراءة نافع والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 413.
154- قرأه حمزة وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر. راجع الكشف عن وجوه القراءات للقيسي: ج 2 ص 93.
155- هد البناء يهده هدا: إذا كسره وضعضعه. (الصحاح: مادة هدد).
156- في بعض النسخ: منقلبون.
157- في نسخة: بمجمل.
158- تفسير ابن عباس: ص 259.
159- تفسير القمي: ج 2 ص 56 عن الصادق (عليه السلام)، ونحوه في تفسير العياشي: ج 2 ص 141 قطعة ح 11.
160- أخرجه عنه الطبري في تفسيره: ج 8 ص 386.