سورة النحل

وتسمى أيضا سورة النعم، أكثرها مكي (1)، مائة وثمان وعشرون آية بلا خلاف.

في حديث أبي: " من قرأها لم يحاسبه الله تعالى على النعم التي أنعمها عليه في دار الدنيا، وإن مات في يوم تلاها أو ليلة أعطي من الأجر كالذي مات فأحسن الوصية " (2).

وعن الباقر (عليه السلام): " من قرأها في كل شهر كفي المغرم في الدنيا وسبعين نوعا من أنواع البلاء أهونه الجنون والجذام والبرص، وكان مسكنه في جنة عدن وهي وسط الجنان " (3).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿أتى أمر الله فلا تستعجلوه سبحانه وتعالى عما يشركون (1) ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون (2) خلق السماوات والأرض بالحق تعلى عما يشركون (3) خلق الانسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين (4) والانعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون (5) ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون (6) وتحمل أثقالكم إلى بلد لم تكونوا بالغيه إلا بشق الأنفس إن ربكم لرءوف رحيم (7)﴾ قرب ﴿أمر الله﴾ بعذاب هؤلاء الكفار، أو ﴿أتى أمر﴾ (4) القيامة، أي: هو بمنزلة الآتي الواقع وإن كان منتظرا لقرب وقوعه ﴿فلا تستعجلوه﴾، كانوا يستعجلون ذلك كما حكى الله عنهم قولهم: ﴿فأمطر علينا حجارة من السماء﴾ (5)، ﴿سبحانه وتعالى عما يشركون﴾ تبرأ (6) عز وجل عن أن يكون له شريك وأن تكون آلهتهم له شركاء فتكون " ما " موصولة، أو عن إشراكهم فتكون مصدرية، وقرئ: ﴿يشركون﴾ بالياء والتاء (7).

وقرئ: ﴿ينزل﴾ بالتخفيف (8) والتشديد و ﴿الملائكة﴾ بالنصب، وقرئ: " تنزل الملائكة " (9) أي: تتنزل ﴿بالروح من أمره﴾: بما يحيي القلوب الميتة بالجهل من وحيه أو بما يقوم في الدين مقام الروح في الجسد، و ﴿أن أنذروا﴾ بدل من " الروح " أي: ينزلهم بأن أنذروا، والتقدير: بأنه، والضمير للشأن أي: بأن الشأن أقول لكم: أنذروا، أو يكون ﴿أن﴾ مفسرة لأن تنزيل الملائكة بالوحي فيه معنى القول، ومعنى أنذروا: أعلموا ب? ﴿أنه لا إله إلا أنا﴾ من نذرت بكذا: إذا علمته، أي: يقول لهم: أعلموا الناس قولي: ﴿لا إله إلا أنا فاتقون﴾.

ثم دل على وحدانيته وأنه لا إله إلا هو بذكر ما لا يقدر عليه غيره من خلق ﴿السماوات والأرض﴾ وخلق ﴿الانسان﴾ وما يصلحه وما لابد له منه من خلق البهائم لأكله وركوبه وحمل أثقاله وسائر حاجاته وخلق ما لا يعلمون من أصناف خلقه ﴿تعلى﴾ وجل من أن يشرك به غيره ﴿فإذا هو خصيم مبين﴾ معناه: فإذا هو مجادل للخصوم (10)، منطيق، مبين عن نفسه بعدما كان نطفة جمادا، وقيل: فإذا هو خصيم لربه، منكر لخالقه (11).

و ﴿الانعام﴾: الأزواج الثمانية، وأكثر ما يقع على الإبل، وانتصب بفعل مضمر يفسره الظاهر، و " الدف ء ": اسم ما يدفأ به، كالملء اسم ما يملأ به، وهو اللباس المعمول من صوف أو وبر أو شعر، ﴿ومنافع﴾: هي نسلها ودرها وغير ذلك من الحمل والركوب وإثارة الأرض.

ومن سبحانه بالتجمل بها كما من بالانتفاع بها لأنها من أغراض أصحاب المواشي، لأنهم إذا أراحوها بالعشي وسرحوها بالغداة فزينت الأفنية (12) وتجاوب فيها الثغاء (13) والرغاء (14) فرحت أربابها وأجلهم الناظرون إليها فكسبتهم الجاه والحرمة عند الناس، وقدم الإراحة على السرح لأن الجمال في الإراحة أظهر إذا أقبلت ملأى البطون حافلة الضروع.

وقرئ: ﴿بشق الأنفس﴾ بفتح الشين (15) وكسرها، وهما لغتان في معنى المشقة، والفرق بينهما: أن المفتوح مصدر " شق الأمر عليه " وحقيقته راجعة إلى الشق الذي هو الصدع، وأما الشق: فالنصف كأنه يذهب نصف قوته لما يناله من الجهد، والمعنى: ﴿وتحمل أثقالكم إلى بلد﴾ بعيد ﴿لم تكونوا بالغيه﴾ في التقدير: لو لم يخلق الإبل، إلا بجهد أنفسكم ومشقتها، ويجوز أن يكون المعنى: لم تكونوا بالغيه بها إلا بشق الأنفس، وقيل: إن البلد مكة (16) ﴿إن ربكم لرءوف رحيم﴾ حيث رحمكم بخلق هذه الحوامل وتيسير هذه المصالح.

﴿والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون (8) وعلى الله قصد السبيل ومنها جائر ولو شاء لهداكم أجمعين (9) هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون (10) ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لاية لقوم يتفكرون (11) وسخر لكم الليل والنهار والشمس والقمر والنجوم مسخرا ت بأمره إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون (12) وما ذرأ لكم في الأرض مختلفا ألوانه إن في ذلك لاية لقوم يذكرون (13)﴾ عطف ﴿الخيل﴾ على ﴿الانعام﴾، أي: خلق هؤلاء للركوب وللزينة، وعطف ﴿زينة﴾ على محل ﴿لتركبوها﴾ ولم يرد المعطوف والمعطوف عليه على سنن واحد، لأن الركوب فعل المخاطبين، والزينة فعل الزائن وهو الخالق عز اسمه ﴿ويخلق ما لا تعلمون﴾ من أنواع الحيوان والنبات والجماد لمنافعكم.

والمراد ب? ﴿السبيل﴾: الجنس، ولذلك أضاف إليها " القصد " وقال: ﴿ومنها جائر﴾، والقصد مصدر بمعنى الفاعل، سبيل قصد وقاصد أي: مستقيم، كأنه يقصد الوجه الذي يؤمه السالك لا يعدل عنه، ومعنى قوله: ﴿وعلى الله قصد السبيل﴾: أن هداية الطريق الموصل إلى الحق واجبة عليه، ونحوه: ﴿إن علينا للهدى﴾ (17)، ﴿ومنها﴾ أي: ومن السبيل ﴿جائر﴾ عن القصد، فأعلم سبحانه بأن السبيل العادل عن الحق لا يضاف إليه بقوله: ﴿ومنها جائر﴾، ولو كان الأمر على ما ظنه المجبرة لقال: وعليه جائرها أو وعليه الجائر، ﴿ولو شاء لهداكم أجمعين﴾ قسرا وإلجاء إلى السبيل القصد.

﴿أنزل من السماء ماء﴾ أي: مطرا ﴿لكم منه شراب﴾ أي: لكم هو شراب كقوله: يأبى الظلامة منه النوفل الزفر (18) والشراب: ما يشرب، وقوله: ﴿شجر﴾ يعني: الشجر الذي ترعاه المواشي، وقيل: معناه لكم من ذلك الماء شراب (19) ﴿ومنه﴾ شرب ﴿شجر﴾ أو سقي شجر فحذف المضاف، أو لكم من إنباته شجر أو من سقيه شجر فحذف المضاف إلى الهاء في ﴿منه﴾ كما قال زهير: أمن أم أوفي دمنة لم تكلم (20) أي: من ناحية أم أوفي ﴿تسيمون﴾ من سامت الماشية: إذا رعت فهي سائمة وأسمتها أنا.

وقرئ: ﴿ينبت﴾ بالياء والنون (21)، ﴿ومن كل الثمرات﴾: ﴿من﴾ للتبعيض، لأن كل الثمرات لا تكون إلا في الجنة، وأنبت في الأرض بعض من كلها ﴿يتفكرون﴾ ينظرون فيستدلون بها عليه وعلى كمال حكمته وقدرته.

وقرئ جميعها بالنصب (22) فيكون المعنى: وجعل النجوم مسخرات، إذ لا يصلح أن يقال: وسخر النجوم مسخرات، ويجوز أن يكون المعنى: أنه سخرها أنواعا من التسخير، جمع " مسخر "، بمعنى " تسخير "، من قولك: سخره الله مسخرا، فكأنه قال: وسخرها لكم تسخيرات بأمره، وقرئ بنصب ﴿الليل والنهار﴾ وحدهما ورفع ما بعدهما على الابتداء والخبر (23)، وقرئ: ﴿والنجوم مسخرا ت﴾ بالرفع وما قبله بالنصب، ﴿إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون﴾ جمع الآية هنا، لأن الآثار (24) العلوية أظهر دلالة للعقلاء على عظمة الله وباهر قدرته.

﴿وما ذرأ لكم﴾ معطوف على ﴿الليل والنهار﴾، يعني: ما خلق فيها من حيوان ونبات وغير ذلك من أنواع النعم مختلف الهيئات والأشكال لا يشبه بعضها بعضا.

﴿وهو الذي سخر البحر لتأكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون (14) وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون (15) وعلمت وبالنجم هم يهتدون (16) أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون (17) وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الله لغفور رحيم (18)﴾

﴿سخر البحر﴾ أي: ذلله لكم وسهل لكم الطريق إلى ركوبه، واستخراج ما فيه من المنافع، وأراد ب? " اللحم الطري ": السمك، وصفه بالطراوة لأن الفساد يسرع إليه فيسارع إلى أكله لئلا يفسد، و " الحلية " هي: اللؤلؤ والمرجان ﴿تلبسونها﴾ أي: تتزينون بها وتلبسونها نساءكم ﴿مواخر﴾ أي: شواق لماء البحر بحيازيمها (25)، وعن الفراء (26): المخر: صوت جري الفلك بالرياح، وابتغاء الفضل: التجارة ﴿أن تميد بكم﴾ كراهة أن تميل بكم وتضطرب ﴿وأنهارا﴾ وجعل فيها أنهارا، لأن في " ألقى " معنى " جعل " كما قال سبحانه: ﴿ألم نجعل الأرض مهدا والجبال أوتادا﴾ (27)، ﴿وسبلا﴾ أي: طرقا ﴿تهتدون﴾ بها إلى حيث شئتم من البلاد.

﴿وعلمت﴾ وهي معالم الطرق وكل ما يستدل به المارة من جبل وسهل وغير ذلك، والمراد ب? " النجم ": الجنس، كما يقال: كثر الدرهم في أيدي الناس، وعن السدي: هو الثريا والفرقدان وبنات نعش والجدي (28)، فكأنه سبحانه بتقديم النجم وإقحام ﴿هم﴾ فيه والخروج من الخطاب إلى الغيبة أراد أن قريشا - خصوصا - لهم اهتداء بالنجوم - خصوصا - في أسفارهم، فكان لهم بذلك علم لم يكن مثله لغيرهم، فكان الشكر أوجب عليهم فلذلك خصصوا.

الصادق (عليه السلام): " نحن العلامات، والنجم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) " (29).

﴿كمن لا يخلق﴾ أريد به الأصنام، وجعل " من " فيما لا يعقل لما اتصل بذكر الخالق ﴿أفلا تذكرون﴾ فتعتبرون.

﴿لا تحصوها﴾ أي: لا تضبطوا عددها فضلا عن أن تطيقوا القيام بشكرها ﴿إن الله لغفور رحيم﴾ يتجاوز عن تقصيركم في أداء شكر نعمه ولا يقطعها عنكم.

﴿والله يعلم ما تسرون وما تعلنون (19) والذين يدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون (20) أموا ت غير أحياء وما يشعرون أيان يبعثون (21) إلهكم إله وا حد فالذين لا يؤمنون بالآخرة قلوبهم منكرة وهم مستكبرون (22) لاجرم أن الله يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه لا يحب المستكبرين (23)﴾

﴿يدعون﴾ قرئ بالياء والتاء (30)، نفي عنهم خصائص الإلهية بنفي كونهم خالقين، وأحياء لا يموتون، وعالمين بوقت البعث، وأثبت لهم صفات الخلق بأنهم مخلوقون وأنهم أموات وأنهم جاهلون بالغيب، أي: لو كانوا آلهة على الحقيقة لكانوا أحياء غير أموات وأمرهم على العكس من ذلك، والضمير في ﴿يبعثون﴾ للداعين، أي: لا يشعرون متى يبعث عابدوهم، وفيه تهكم بالمشركين، وأن آلهتهم لا يعلمون وقت بعثهم فكيف يكون لهم وقت جزاء منهم على عبادتهم! ﴿لاجرم﴾ حقا ﴿أن الله يعلم﴾ سرهم وعلانيتهم فيجازيهم، وهو وعيد.

﴿وإذا قيل لهم ماذا أنزل ربكم قالوا أساطير الأولين (24) ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيمة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون (25) قد مكر الذين من قبلهم فأتى الله بنينهم من القواعد فخر عليهم السقف من فوقهم وأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون (26) ثم يوم القيمة يخزيهم ويقول أين شركائي الذين كنتم تشقون فيهم قال الذين أوتوا العلم إن الخزي اليوم والسوء على الكافرين (27) الذين تتوفيهم الملائكة ظالمي أنفسهم فألقوا السلم ما كنا نعمل من سوء بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون (28) فأدخلوا أبوا ب جهنم خالدين فيها فلبئس مثوى المتكبرين (29)﴾

﴿ماذا﴾ منصوب ب? ﴿أنزل﴾ بمعنى: أي شئ أنزل ربكم؟أو مرفوع بالابتداء بمعنى: أي شئ أنزله ربكم؟فإذا نصبت فمعنى ﴿أساطير الأولين﴾: ما تدعون نزوله أساطير الأولين، وإذا رفعت فالمعنى: المنزل أساطير الأولين، أي: أحاديث الأولين وأباطيلهم.

﴿ليحملوا أوزارهم﴾ أي: قالوا ذلك إضلالا للناس وصدا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فحملوا أوزار ضلالهم ﴿كاملة﴾ وبعض ﴿أوزار﴾ من أضلوهم، لأن المضل والضال شريكان، هذا يضله وهذا يطاوعه على إضلاله، وجاء باللام من غير أن يكون غرضا، نحو قولك: خرجت من البلد مخافة الشر، ﴿بغير علم﴾ حال من المفعول، أي: يضلون من لا يعلم أنهم ضلال، وإنما وصف بالضلال من لا يعلم لأنه كان عليه أن يبحث وينظر بعقله حتى يميز بين المحق والمبطل.

و ﴿القواعد﴾ أساطين البناء، وقيل: الأساس (31)، وهذا تمثيل لاستئصالهم، والمعنى: أنهم سووا منصوبات (32) ليمكروا الله بها فجعل الله هلاكهم في تلك المنصوبات، كحال قوم بنوا بنيانا وعمدوه بالأساطين فأتي البنيان من الأساطين بأن ضعضعت فسقط عليهم السقف وهلكوا، ومن أمثالهم: من حفر لأخيه جبا وقع فيه منكبا (33)، والمراد بإتيان الله: إتيان أمره ﴿من القواعد﴾ من جهة القواعد.

وقرأ الصادق (عليه السلام): " فأتى الله بيتهم " (34).

﴿يخزيهم﴾ أي: يذلهم بعذاب الخزي، يعني: هذا لهم في الدنيا ثم العذاب في الآخرة ﴿أين شركائي﴾ أضافهم إلى نفسه على طريق الاستهزاء بهم ليوبخهم بذلك ﴿تشقون﴾ أي: تعادون المؤمنين وتخاصمونهم في شأنهم ومعناهم (35)، وقرئ بكسر النون (36) بمعنى: تشاقونني، لأن مشاقة المؤمنين كأنها مشاقة الله، و ﴿الذين أوتوا العلم﴾ هم: الأنبياء والعلماء من أممهم، وقيل: هم الملائكة (37).

﴿تتوفيهم﴾ قرئ بالتاء والياء (38)، وبإدغام التاء في التاء (39) ﴿فألقوا السلم﴾ أي: تسالموا وأخبتوا (40) وجاءوا بخلاف ما كانوا عليه في الدنيا من الشقاق (41) والكبر، وقالوا: ﴿ما كنا نعمل من سوء﴾ جحدوا ما وجد منهم من الكفر والعدوان في الدنيا، فرد عليهم أولو العلم: ﴿إن الله عليم بما كنتم تعملون﴾ فهو يجازيكم عليه، وهذا أيضا من الشماتة، وكذلك ﴿فأدخلوا أبوا ب جهنم﴾.

﴿وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين (30) جنات عدن يدخلونها تجري من تحتها الأنهار لهم فيها ما يشاءون كذلك يجزى الله المتقين (31) الذين تتوفيهم الملائكة طيبين يقولون سلم عليكم ادخلوا الجنة بما كنتم تعملون (32) هل ينظرون إلا أن تأتيهم الملائكة أو يأتي أمر ربك كذلك فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (33) فأصابهم سيئات ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون (34)﴾

﴿خيرا﴾ أي: أنزل خيرا، ونصب هذا ورفع الأول فصلا بين جواب المقر وبين جواب الجاحد، فهؤلاء أطبقوا الجواب على السؤال مفعولا للإنزال فقالوا: خيرا، وأولئك عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا: هو أساطير الأولين وليس من الإنزال في شئ ﴿للذين أحسنوا﴾ وما بعده بدل من ﴿خيرا﴾ حكاية لقول الذين اتقوا، أي: قالوا هذا القول، ويجوز أن يكون كلاما مبتدأ عدة للقائلين ﴿حسنة﴾ أي: مكافأة ﴿في... الدنيا﴾ بإحسانهم، ولهم في الآخرة ما هو خير منها ﴿ولنعم دار المتقين﴾ دار الآخرة، فحذف المخصوص بالمدح لتقدم ذكره.

﴿جنات عدن﴾ خبر مبتدأ محذوف، ويجوز أن يكون المخصوص بالمدح.

﴿طيبين﴾ طاهرين من ظلم أنفسهم بالكفر والمعاصي، لأنه في مقابلة ﴿ظالمي أنفسهم﴾، ﴿يقولون سلم عليكم﴾ سلامة لكم من كل سوء.

﴿تأتيهم الملائكة﴾ لقبض الأرواح ﴿أو يأتي أمر ربك﴾ بالعذاب المستأصل أو القيامة ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك الفعل من الشرك والتكذيب ﴿فعل الذين من قبلهم وما ظلمهم الله﴾ بتدميرهم ﴿ولكن كانوا أنفسهم يظلمون﴾ لأنهم فعلوا ما استوجبوا به التدمير.

﴿وقال الذين أشركوا لو شاء الله ما عبدنا من دونه من شئ نحن ولا آباؤنا ولا حرمنا من دونه من شئ كذلك فعل الذين من قبلهم فهل على الرسل إلا البلغ المبين (35) ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عقبة المكذبين (36) إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدي من يضل وما لهم من نصرين (38)﴾

﴿كذلك فعل الذين من قبلهم﴾ من الكفار والضلال: أشركوا بالله وحرموا ما أحل الله وارتكبوا ما حرمه، فلما نبهوا على قبح أفعالهم نسبوها إلى الله وقالوا: ﴿لو شاء الله﴾ لم نفعلها ﴿فهل على الرسل إلا﴾ أن يبلغوا الحق وأن الله لا يشاء الشرك والمعاصي بالبيان والبرهان.

﴿في كل أمة﴾ أي: مامن أمة إلا وقد ﴿بعثنا﴾ فيهم ﴿رسولا﴾ يأمرهم بالخير الذي هو عبادة الله، وينهاهم عن الشر (42) الذي هو اجتناب (43) ﴿الطاغوت فمنهم من هدى الله﴾ أي: لطف به لعلمه أنه من أهل اللطف ﴿ومنهم من حقت عليه الضلالة﴾ أي: ثبت عليه الخذلان والترك من اللطف لتصميمه على الكفر ﴿فسيروا في الأرض فانظروا﴾ ما فعلت ب? ﴿المكذبين﴾ حتى لا يبقى لكم شبهة في أني لا أريد الشر حيث أفعل ما أفعل بالأشرار.

ثم ذكر سبحانه عناد قريش، وحرص النبي (صلى الله عليه وآله) على إيمانهم، وعرفه أنهم ممن حقت عليهم الضلالة، وأنه ﴿لا يهدي من يضل﴾ أي: لا يلطف بمن يخذله، وقيل: معناه: لا يهتدي (44)، يقال: هداه الله فهدي، وقرئ: " لا يهدي " على البناء للمفعول (45) والعائد إلى ﴿من﴾ الموصولة الهاء المحذوف، أي: من يضله.

﴿وأقسموا بالله جهد أيمنهم لا يبعث الله من يموت بلى وعدا عليه حقا ولكن أكثر الناس لا يعلمون (38) ليبين لهم الذي يختلفون فيه وليعلم الذين كفروا أنهم كانوا كذبين (39) إنما قولنا لشئ إذا أردناه أن نقول له كن فيكون (40)﴾

﴿بلى﴾ إثبات لما بعد النفي، أي: بلى يبعثهم، و ﴿وعدا﴾ مصدر مؤكد لما دل عليه ﴿بلى﴾ لأن ﴿يبعث﴾ موعد من الله، ثم بين أن الوفاء بذلك الوعد حق واجب على الله في الحكمة ﴿ولكن أكثر الناس لا يعلمون﴾ أنهم يبعثون، أو أنه وعد واجب على الله لأنهم يقولون: لا يجب على الله شئ من مواجب الحكمة.

﴿ليبين لهم﴾ الضمير ل? ﴿من يموت﴾ وهو عام للمؤمنين والكافرين، و ﴿الذي﴾ اختلفوا ﴿فيه﴾ هو الحق ﴿وليعلم الذين كفروا أنهم﴾ كذبوا في قولهم: لا يبعث الله من يموت.

﴿قولنا﴾ مبتدأ و ﴿أن نقول﴾ خبره و ﴿كن فيكون﴾ من " كان " التامة، أي: إذا أردنا وجود شئ فليس إلا أن نقول ﴿له﴾: أحدث فهو محدث عقيب ذلك لا يتوقف، وهذا مثل في أن مرادا لا يمتنع عليه، وأن وجوده عند إرادته مثل وجود المأمور به عند أمر الآمر المطاع إذا ورد على المأمور المطيع الممتثل، ولا قول هناك، وقرئ: " فيكون " بالنصب (46) عطفا على ﴿نقول﴾.

﴿والذين هاجروا في الله من بعد ما ظلموا لنبوئنهم في الدنيا حسنة ولاجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون (41) الذين صبروا وعلى ربهم يتوكلون (42) وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم فسلوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون (43) بالبينات والزبر وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون (44)﴾

﴿والذين هاجروا﴾ هم: رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأصحابه، ظلمهم أهل مكة ففروا بدينهم إلى الله، فهاجر بعضهم إلى الحبشة ثم بعد هاجروا إلى المدينة، وقيل: هم الذين كانوا محبوسين بمكة بعد هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكلما خرجوا تبعوهم وردوهم، منهم بلال وصهيب (47) وعمار وخباب (48) (49) ﴿في الله﴾ في حقه ولوجهه ﴿حسنة﴾ صفة لمصدر محذوف، أي: ﴿لنبوئنهم﴾ تبوئة حسنة، وعن أمير المؤمنين (عليه السلام): " لنثوينهم " (50) ومعناه: إثواءة حسنة، أي: لننزلنهم في الدنيا منزلة حسنة، وهي الغلبة على أهل مكة الذين ظلموهم وعلى العرب قاطبة وعلى أهل المشرق والمغرب، وقيل: لنبوئنهم مباءة حسنة وهي المدينة حيث آواهم الأنصار ونصروهم (51) ﴿لو كانوا يعلمون﴾ الضمير للكفار، أي: لو علموا أن الله يجمع للمهاجرين الدنيا والآخرة لرغبوا في دينهم، ويجوز أن يكون الضمير للمهاجرين، أي: لو كانوا يعلمون ذلك لزادوا في اجتهادهم وصبرهم.

﴿الذين صبروا﴾ أي: هم الذين صبروا، أو أعني الذين صبروا، وكلاهما مدح، صبروا على العذاب وعلى مفارقة الوطن وعلى الجهاد.

قالت قريش: الله لا يرسل إلينا بشرا مثلنا، فقال: ﴿وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم﴾ على ألسنة الملائكة ﴿فسلوا أهل الذكر﴾ وهم أهل الكتاب ليعلموكم أنه سبحانه لم يبعث إلى من تقدم من الأمم إلا البشر، وقيل: إن أهل الذكر: أهل القرآن، والذكر: القرآن (52)، وقيل: أهل العلم (53).

وعن الباقر (عليه السلام): " نحن أهل الذكر " (54).

﴿بالبينات﴾ يتعلق ب? ﴿ما أرسلنا﴾ ويدخل تحت الاستثناء، أي: وما أرسلنا إلا رجالا بالبينات، كما تقول: ما ضربت إلا زيدا بالسوط، وأصله: ضربت زيدا بالسوط، أو يتعلق ب? ﴿رجالا﴾ صفة له، أي: رجالا ملتبسين بالبينات، أو ب? ﴿نوحي﴾ أي: نوحي إليهم بالبينات، وقوله: ﴿فسلوا أهل الذكر﴾ اعتراض ﴿وأنزلنا إليك الذكر﴾ أي: القرآن، إنما سمي ذكرا لأنه موعظة وتنبيه للغافلين ﴿لتبين للناس ما﴾ نزل الله ﴿إليهم﴾ في الذكر مما أمروا به ونهوا عنه إرادة أن يتفكروا فينتبهوا (55).

﴿أفأمن الذين مكروا السيئات أن يخسف الله بهم الأرض أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون (45) أو يأخذهم في تقلبهم فما هم بمعجزين (46) أو يأخذهم على تخوف فإن ربكم لرءوف رحيم (47) أو لم يروا إلى ما خلق الله من شئ يتفيؤا ظلله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون (48) ولله يسجد ما في السماوات وما في الأرض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون (49) يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمرون (50)﴾ أي: ﴿مكروا﴾ المكرات ﴿السيئات﴾، يريد: أهل مكة وما مكروا به رسول الله (صلى الله عليه وآله).

﴿في تقلبهم﴾ حال، أي: متقلبين في أسفارهم ومتاجرهم.

﴿على تخوف﴾ أي: متخوفين، وهو أن يهلك قوما قبلهم فيتخوفوا، أي: ﴿يأخذهم﴾ العذاب وهم متخوفون متوقعون، وهو خلاف قوله: ﴿من حيث لا يشعرون﴾، وقيل: معناه: على تنقص، أي: يأخذهم على أن يتنقصهم شيئا بعد شئ في أنفسهم وأموالهم حتى يهلكوا (56) ﴿فإن ربكم لرءوف رحيم﴾ حيث يحلم عنكم ولا يعذبكم عاجلا.

وقرئ: " أو لم تروا " (57) و " تتفيؤا " بالتاء (58) والياء ﴿ما خلق الله﴾: ﴿ما﴾ موصولة، وهو مبهم بيانه: ﴿من شئ يتفيؤا ظلله﴾، و ﴿اليمين﴾ بمعنى الأيمان ﴿سجدا﴾ حال من الظلال ﴿وهم داخرون﴾ حال من الضمير في ﴿ظلله﴾ لأنه في معنى الجمع، وهو ما خلق الله من كل شئ له ظل، وجمع بالواو والنون لأن الدخور من أوصاف العقلاء، أو لأن في جملة ذلك من يعقل فغلب العقلاء، والمعنى: أو لم يروا إلى ما خلق الله من الأجرام التي لها ظلال متفيئة عن أيمانها وشمائلها، أي: عن جانبي كل واحد منها، مستعار من يمين الإنسان وشماله، أي: يرجع الظلال من جانب إلى جانب منقادة لله، غير ممتنعة عليه فيما سخرها له من التفيؤ، والأجرام في أنفسها - أيضا - داخرة صاغرة منقادة لأفعال الله فيها.

﴿من دابة﴾ بيان ل? ﴿ما في السماوات وما في الأرض﴾ جميعا، على أن السماوات خلقا لله يدبون فيها، أو بيان ل? ﴿ما في الأرض﴾ وحده ويراد ب? ﴿ما في السماوات﴾ الملائكة، وكرر ذكرهم على معنى: ﴿والملكة﴾ خصوصا من بين الساجدين لأنهم أعبد الخلق، أو يراد ملائكة الأرض من الحفظة وغيرهم، والمراد بسجود المكلفين: طاعتهم وعبادتهم، وبسجود غيرهم: انقيادها لإرادة الله وأنها غير ممتنعة عليه.

﴿يخافون﴾ حال من الضمير في ﴿لا يستكبرون﴾، أو استئناف لبيان نفي الاستكبار وتأكيده، لأن من خاف الله لم يستكبر عن عبادته ﴿من فوقهم﴾ إن تعلق ب? ﴿يخافون﴾ فالمعنى: يخافونه أن يرسل عليهم عذابا من فوقهم، وإن تعلق ب? ﴿ربهم﴾ فهو حال منه، أي: يخافون ربهم غالبا لهم قاهرا، كقوله: ﴿وإنا فوقهم قاهرون﴾ (59).

﴿وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله وا حد فإياي فارهبون (51) وله ما في السماوات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون (52) وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجرون (53) ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون (54) ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون (55)﴾

﴿إلهين اثنين﴾ هو تأكيد للعدد ودلالة على العناية به، ألا ترى أنك لو قلت: إنما هو إله، ولم تؤكده ب? " واحد " لم يحسن، وخيل أنك أثبت الإلهية لا الوحدانية ﴿فإياي فارهبون﴾ نقل الكلام من الغيبة إلى التكلم على طريقة الالتفات، لأن الغائب هو المتكلم، ولأنه أبلغ في الترهيب من قوله: وإياه فارهبوه، ومن أن يجئ ما قبله على لفظ التكلم.

و ﴿الدين﴾: الطاعة ﴿واصبا﴾ حال عمل فيها الظرف، والواصب: الواجب الثابت، لأن كل نعمة منه فالطاعة واجبة له على كل منعم عليه، ويجوز أن يكون

من الوصب، أي: وله الدين ذا كلفة ومشقة ولذلك سمي تكليفا، أو: وله الجزاء دائما ثابتا سرمدا لا يزال (60) يعني: الثواب والعقاب.

﴿وما بكم من نعمة﴾ أي: ما اتصل بكم من نعمة في النفس أو المال ﴿ف?﴾ هو ﴿من الله﴾، ﴿فإليه تجرون﴾ أي: فما تتضرعون إلا إليه، والجؤار: رفع الصوت بالدعاء، وقرئ: " تجرون " بطرح الهمزة وإلقاء حركتها على الجيم (61).

﴿إذا فريق منكم﴾ يجوز أن يكون الضمير في ﴿وما بكم من نعمة﴾ عاما ويريد بالفريق فريق الكفرة، وأن يكون الخطاب للكفار، و ﴿منكم﴾ للبيان لا للتبعيض، كأنه قال: إذا فريق كافر وهم أنتم، ويجوز أن يكون فيهم من اعتبر، كقوله: ﴿فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد﴾ (62).

﴿ليكفروا بما آتيناهم﴾ من نعمة الكشف عنهم، كأنهم جعلوا غرضهم في الشرك كفران النعمة ﴿فتمتعوا فسوف تعلمون﴾ تخلية ووعيد، ويجوز أن يكون ﴿ليكفروا﴾ و ﴿فتمتعوا﴾ من الأمر الوارد بمعنى الخذلان والتخلية، واللام لام الأمر.

﴿ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسئلن عما كنتم تفترون (56) ويجعلون لله البنت سبحانه ولهم ما يشتهون (57) وإذا بشر أحدهم بالأنثى ظل وجهه مسودا وهو كظيم (58) يتوارى من القوم من سوء ما بشر به أيمسكه على هون أم يدسه في التراب ألا ساء ما يحكمون (59) للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الاعلى وهو العزيز الحكيم (60)﴾ أي: ﴿لما لا يعلمون?﴾ - ها، يريد: آلهتهم، لأنهم اعتقدوا فيها أنها تضر وتنفع وتشفع وهي جماد، فهم إذن جاهلون بها، وقيل: الضمير في ﴿لا يعلمون﴾ للآلهة، أي: لأشياء غير موصوفة بالعلم، أي: يتقربون إليها (63)، ف? ﴿يجعلون﴾ لها ﴿نصيبا﴾ في أنعامهم وزروعهم وهي لا تشعر بذلك ﴿لتسئلن﴾ وعيد ﴿عما كنتم تفترون﴾ من الإفك في زعمكم أنها آلهة، وأنها أهل للتقرب إليها.

زعموا أن الملائكة بنات الله ﴿سبحانه﴾ تنزيه لذاته من نسبة الولد إليه، أو تعجب من قولهم ﴿ولهم ما يشتهون﴾ يعني: البنين، ومحله نصب عطفا على ﴿البنت﴾ أي: وجعلوا لأنفسهم ما يشتهونه من الذكور، أو رفع على الابتداء.

و ﴿ظل﴾ بمعنى: صار، كما يستعمل " أصبح " و " أمسى " و " بات " بمعنى الصيرورة، أي: صار ﴿وجهه مسودا﴾ مربدا (64) من الكآبة، ف? ﴿هو كظيم﴾: مملوء حنقا على المرأة.

﴿يتوارى﴾ أي: يستخفي ﴿من القوم من﴾ أجل ﴿سوء﴾ المبشر ﴿به﴾ ويحدث نفسه وينظر ﴿أيمسكه على﴾ هوان وذل ﴿أم يدسه في التراب﴾ أي: يئده ﴿ألا ساء ما يحكمون﴾ حيث يجعلون الولد الذي هو عندهم بهذا المحل لله تعالى، ويجعلون لأنفسهم من هو على العكس من هذه الصفة.

﴿مثل السوء﴾ أي: صفة السوء، وهي الحاجة إلى الولد، أو صفة النقص من الجهل والعجز ﴿ولله المثل الاعلى﴾ وهو صفات الإلهية والغنى عن الصاحبة والولد، والنزاهة عن صفات المخلوقين.

﴿ولو يؤاخذ الله الناس بظلمهم ما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى فإذا جاء أجلهم لا يستخرون ساعة ولا يستقدمون (61) ويجعلون لله ما يكرهون وتصف ألسنتهم الكذب أن لهم الحسنى لاجرم أن لهم النار وأنهم مفرطون (62) تالله لقد أرسلنا إلى أمم من قبلك فزين لهم الشيطان أعملهم فهو وليهم اليوم ولهم عذاب أليم (63) وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يؤمنون (64) والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لاية لقوم يسمعون (65)﴾

﴿بظلمهم﴾ أي: بكفرهم ومعاصيهم ﴿عليها﴾ أي: على الأرض، أي: لأهلك الدواب كلها بشؤم ظلم الظالمين، وقيل: ما ترك من دابة ظالمة تدب عليها (65)، وعن ابن عباس: من مشرك (66).

﴿ويجعلون لله ما يكرهون﴾ لأنفسهم من البنات ومن شركاء في رياستهم ومن الاستخفاف برسولهم، ويجعلون له أرذل أموالهم ولأصنامهم أكرمها ﴿وتصف ألسنتهم﴾ مع ذلك ﴿الكذب﴾، و ﴿أن لهم الحسنى﴾ بدل من ﴿الكذب﴾، وهو قول قريش: لنا البنون، أو هو قولهم: إن كان ما يقوله محمد (صلى الله عليه وآله) حقا فإن لنا الجنة ﴿مفرطون﴾ قرئ مفتوح الراء ومكسورها (67)، وبالتخفيف والتشديد (68)، فالمفتوح بمعنى: مقدمون إلى النار معجلون إليها، من أفرطت فلانا وفرطته في طلب الماء، أي: قدمته، وقيل: منسيون متروكون (69)، من أفرطت فلانا خلفي: إذا خلفته ونسيته، والمكسور المخفف من الإفراط في المعاصي، وبالتشديد من التفريط في الطاعات.

﴿فهو وليهم اليوم﴾ أي: فهو قرينهم في الدنيا، جعل ﴿اليوم﴾ عبارة عن زمان الدنيا، ويجوز أن يرجع الضمير إلى مشركي قريش، أي: زين ﴿الشيطان﴾ للكفار قبلهم ﴿أعملهم﴾ فهو ولي هؤلاء لأنهم منهم.

﴿وهدى ورحمة﴾ عطف على محل ﴿لتبين﴾، و ﴿الذي اختلفوا فيه﴾ هو البعث، لأن بعضهم كان يؤمن به وأشياء من التحريم والتحليل.

﴿لقوم يسمعون﴾ سماع إنصاف وتدبر، لأن من لم يسمع بقلبه فكأنه أصم.

﴿وإن لكم في الانعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين (66) ومن ثمرا ت النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لاية لقوم يعقلون (67) وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون (68) ثم كلى من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لاية لقوم يتفكرون (69) والله خلقكم ثم يتوفيكم ومنكم من يرد إلى أرذل العمر لكي لا يعلم بعد علم شيئا إن الله عليم قدير (70)﴾ وقرئ: ﴿نسقيكم﴾ بفتح النون (70) وضمها، هاهنا وفي " المؤمنون " (71) وهو استئناف، كأنه قيل: كيف العبرة؟فقيل: نسقيكم ﴿مما في بطونه﴾، وإذا ذكر ﴿الانعام﴾ فعلى أن يكون اسما مفردا بمعنى الجمع، مثل " نعم " في قوله: في كل عام نعم تحوونه * يلقحه قوم وتنتجونه (72) وإذا أنث فلأنه تكسير نعم، والمعنى: أنه سبحانه يخلق اللبن وسيطا بين الفرث والدم يكتنفانه، وبينه وبينهما برزخ من قدرة الله عز وجل لا يشوبانه ولا يبغي أحدهما عليه بلون ولا طعم ولا رائحة، بل هو خالص من ذلك كله ﴿سائغا﴾ أي: سهل المرور في الحلق، و ﴿من﴾ الأولى للتبعيض، لأن اللبن بعض ما في بطونه، والثانية لابتداء الغاية، لأن بين الفرث والدم مكان الإسقاء الذي منه يبتدئ.

﴿ومن ثمرا ت النخيل﴾ يتعلق بمحذوف، والتقدير: ونسقيكم من ثمرات النخيل ﴿والأعناب﴾ أي: من عصيرها، و ﴿تتخذون منه سكرا﴾ بيان لكيفية الإسقاء، أو يتعلق ب? ﴿تتخذون﴾ وتكون ﴿منه﴾ تكريرا للظرف للتوكيد، والهاء في ﴿منه﴾ يعود إلى " الثمرات " لأن " الثمر " بمعنى " الثمرات "، ويجوز أن يعود إلى موصوف محذوف و ﴿تتخذون﴾ صفة له، والتقدير: ما تتخذون منه سكرا، وتكون " ما " نكرة موصوفة، أو: ثمر تتخذون منه سكرا ﴿ورزقا حسنا﴾ لأنهم كانوا يأكلون بعضها ويتخذون بعضها سكرا، والسكر: الخمر وكل ما يسكر، سميت بالمصدر من سكر سكرا وسكرا، قال: فجاؤونا بهم سكر علينا * فأجلى اليوم والسكران صاحي (73) والرزق الحسن: ما هو حلال منها كالخل والدبس والتمر (74) والزبيب.

﴿وأوحى ربك إلى النحل﴾ أي: ألهمها وقذف في قلوبها وعلمها على وجه لا سبيل لأحد إلى الوقوف عليه، فإن صنعتها الأنيقة ولطفها في تدبير أمرها والعجائب المركبة في طباعها شواهد بينة على أن الله سبحانه أودعها علما بذلك ﴿أن اتخذي﴾ هي " أن " المفسرة، لأن الإيحاء فيه معنى القول، وقرئ: " بيوتا " بكسر الباء (75) لأجل الياء في جميع القرآن و ﴿يعرشون﴾ بضم الراء (76) وكسرها، أي: ومن الكرم الذي يعرشونه، أي: يتخذون منه العريش (77)، والضمير في ﴿يعرشون﴾ للناس و ﴿من﴾ في جميعها للبعضية، لأنها لا تبني بيوتها في كل جبل وكل شجر وكل ما يعرش ولا في كل مكان منها.

﴿ثم كلى من كل الثمرات﴾ أي: من أي ثمرة شئت واشتهيت، فإذا أكلتها ﴿فاسلكي سبل ربك﴾ أي: الطرق التي ألهمك وأفهمك في عمل العسل، أو: إذا أكلت الثمار فاسلكي إلى بيوتك راجعة سبل ربك لا تتوعر عليك ولا تضلين فيها، و ﴿ذللا﴾ جمع ذلول حال من ﴿سبل ربك﴾، لأن الله ذللها لها وسهلها، أو من الضمير في ﴿فاسلكي﴾ أي: وأنت ذلل منقادة لما أمرت به ﴿يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه﴾ يعني: العسل اختلف ألوانه: أبيض وأصفر وأحمر ﴿فيه شفاء للناس﴾ لأنه من جملة الأشفية والأدوية المشهورة، وتنكيره: إما لتعظيم الشفاء الذي فيه، أو لأن فيه بعض الشفاء، وقال: ﴿يخرج من بطونها﴾ وإن كانت تلقيه من أفواهها كالريق، لئلا يظن أنه ليس من بطنها.

﴿إلى أرذل العمر﴾ أي: أخسه وأحقره، وهو خمس وسبعون سنة عن علي (عليه السلام) (78)، وتسعون سنة عن قتادة (79)، لأنه لا عمر أسوء حالا من عمر الهرم ﴿لكي لا يعلم بعد علم شيئا﴾ ليصير إلى حال شبيهة بحال الطفولية في النسيان، وأن يعلم شيئا ثم ينسى فلا يعلمه إن سئل عنه، وقيل: لئلا يعلم زيادة علم على علمه (80).

﴿والله فضل بعضكم على بعض في الرزق فما الذين فضلوا برادي رزقهم على ما ملكت أيمنهم فهم فيه سواء أفبنعمة الله يجحدون (71) والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات أفبالباطل يؤمنون وبنعمت الله هم يكفرون (72) ويعبدون من دون الله مالا يملك لهم رزقا من السماوات والأرض شيئا ولا يستطيعون (73) فلا تضربوا لله الأمثال إن الله يعلم وأنتم لا تعلمون (74)﴾ أي: جعلكم متفاوتين ﴿في الرزق﴾ فرزقكم أفضل مما رزق مماليككم وهم بشر مثلكم، فأنتم لا تسوون بينكم وبينهم فيما أنعم الله به عليكم، ولا تجعلونهم فيه شركاء، ولا ترضون ذلك لأنفسكم، فكيف رضيتم أن تجعلوا عبيده له شركاء وتوجهوا العبادة والقرب إليهم كما توجهون ذلك إليه ؟! وقيل: معناه: أن الموالي والمماليك الله رازقهم جميعا ﴿فهم﴾ في رزقه ﴿سواء﴾ فلا يحسب الموالي أنهم يرزقونهم من عندهم وإنما هو رزق الله أجراه إليهم على أيديهم (81)، وقيل: معناه: فلم يرد الموالي فضل ما رزقوه على مماليكهم حتى يتساووا في المطعم والملبس (82).

ويحكى عن أبي ذر: أنه سمع النبي (صلى الله عليه وآله) يقول: إنما هم إخوانكم فاكسوهم مما تلبسون وأطعموهم مما تطعمون، فما رئي عبده بعد ذلك إلا ورداؤه رداؤه وإزاره إزاره من غير تفاوت (83).

﴿أفبنعمة الله يجحدون﴾ فجعل ذلك من جملة جحود النعمة، وقرئ: ﴿يجحدون﴾ بالياء والتاء (84) ﴿من أنفسكم﴾ أي: من جنسكم ﴿حفدة﴾ أي: خدما وأعوانا.

الصادق (عليه السلام): " هم أختان (85) الرجل على بناته " (86).

وقيل: هم أولاد الأولاد (87)، وهو جمع حافد، وحفد الرجل: أسرع في الطاعة والخدمة.

وفي الدعاء: " إليك نسعى ونحفد " (88).

﴿من الطيبات﴾ يعني: بعضها ﴿أفبالباطل يؤمنون﴾ وهو ما يعتقدون من منفعة الأصنام وشفاعتها ﴿و... يكفرون﴾، ﴿بنعمت الله﴾ المشاهدة التي لا شبهة فيها، وقيل: يريد بنعمة الله رسول الله (صلى الله عليه وآله) والقرآن والإسلام (89) أي: هم كافرون بها منكرون لها.

﴿رزقا﴾ مصدر و ﴿شيئا﴾ منتصب به، كقوله: ﴿أو إطعم... يتيما... أو مسكينا﴾ (90)، أي: ﴿مالا يملك﴾ أن يرزق شيئا، ويجوز أن يكون بمعنى: " ما يرزق " فيكون ﴿شيئا﴾ بدلا منه بمعنى: قليلا، و ﴿من السماوات والأرض﴾ صلة للرزق إن كان مصدرا، بمعنى: لا يرزق من السماوات مطرا ومن الأرض نباتا، أو صفة إن كان اسما لما يرزق، والضمير في ﴿ولا يستطيعون﴾ ل? ﴿ما﴾ لأنه في معنى الآلهة بعدما قيل: ﴿لا يملك﴾ على اللفظ، ويجوز أن يكون للكفار، أي: ولا يستطيعون مع أنهم أحياء شيئا من ذلك فكيف بالجماد.

﴿فلا تضربوا لله الأمثال﴾ تمثيل للإشراك بالله والتشبيه به، لأن من يضرب الأمثال يشبه حالا بحال وقصة بقصة ﴿إن الله يعلم﴾ ما تفعلونه ويعاقبكم عليها ﴿وأنتم لا تعلمون﴾ ذلك.

﴿ضرب الله مثلا عبدا مملوكا لا يقدر على شئ ومن رزقناه منا رزقا حسنا فهو ينفق منه سرا وجهرا هل يستوون الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون (75) وضرب الله مثلا رجلين أحدهما أبكم لا يقدر على شئ وهو كل على موليه أينما يوجهه لا يأت بخير هل يستوى هو ومن يأمر بالعدل وهو على صراط مستقيم (76) ولله غيب السماوات والأرض وما أمر الساعة إلا كلمح البصر أو هو أقرب إن الله على كل شئ قدير (77)﴾ ذكر ﴿مملوكا﴾ ليميز العبد من الحر لأنهما من عباد الله، و ﴿من﴾ في قوله: ﴿ومن رزقناه﴾ موصوفة، أي: وحرا رزقناه ليطابق ﴿عبدا﴾، ويجوز أن يكون موصولة، و ﴿يستوون﴾ معناه: هل يستوي الأحرار والعبيد؟وإذا كان القادر والعاجز لا يستويان فكيف يسوى بين الحجارة وبين الله القادر على ما يشاء الرازق جميع خلقه ؟! الأبكم: الذي ولد أخرس فلا يفهم ولا يفهم ﴿وهو كل على موليه﴾ أي: ثقل وعيال على من يلي أمره ويعوله ﴿أينما يوجهه﴾ حيثما يرسله في حاجة أو يصرفه في كفاية مهم لم ينفع ولم ﴿يأت﴾ بنجح ولا يهتدي إلى منفعة ﴿هل يستوى هو ومن﴾ كان سليم الحواس نفاعا كافيا ذا رشد وديانة فهو ﴿يأمر﴾ الناس ﴿بالعدل﴾ والخير ﴿وهو﴾ في نفسه ﴿على صراط مستقيم﴾ أي: دين قويم وسيرة صالحة ؟! وهذان مثلان ضربهما الله لنفسه ولما يفيضه على عباده من النعم الدينية والدنياوية، وللأصنام التي هي جماد وموات لا تنفع ولا تضر، وقيل: ضربهما الله مثلين للكافر والمؤمن (91).

﴿ولله غيب السماوات والأرض﴾ أي: يختص به علم ما غاب منهما عن العباد وخفي عليهم علمه ﴿إلا كلمح البصر﴾ أي: هو عند الله وإن تراخى، كما تقولون في الشئ الذي تستقربونه: هو كلمح البصر ﴿أو هو أقرب﴾ إذا بالغتم في استقرابه، ونحوه: ﴿وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون﴾ (92)، يعني: إنه عنده قريب دان وهو عندكم بعيد، وقيل: معناه: أن إقامة الساعة وإحياء جميع الأموات تكون في أقرب وقت وأوحاه (93) (94) ﴿إن الله على كل شئ قدير﴾ فهو يقدر على أن يقيم الساعة.

﴿والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصر والأفئدة لعلكم تشكرون (78) ألم يروا إلى الطير مسخرا ت في جو السماء ما يمسكهن إلا الله إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون (79) والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الانعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين (80)﴾ قرئ: ﴿أمهاتكم﴾ بضم الهمزة وكسرها (95) في جميع القرآن ﴿لا تعلمون شيئا﴾ في موضع الحال، المعنى: غير عالمين شيئا من حق المنعم الذي خلقكم في البطون، ويجوز أن يكون ﴿شيئا﴾ مصدرا والمعنى: لا تعلمون علما ﴿وجعل لكم﴾ أي: وركب فيكم هذه الأشياء لإزالة الجهل الذي ولدتم عليه، واكتساب العلم والعمل به من شكر المنعم وطاعته وعبادته.

وقرئ: ﴿ألم يروا﴾ بالياء والتاء (96) ﴿مسخرا ت﴾ مذللات للطيران بما خلق لها من الأجنحة والأسباب المؤاتية لذلك، والجو: الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلو والسكاك واللوح أبعد منه ﴿ما يمسكهن﴾ في قبضهن وبسطهن ووقوفهن ﴿إلا الله﴾ جل جلاله.

﴿من بيوتكم﴾ التي تسكنونها من الحجر والمدر والخيام والأخبية (97) ﴿سكنا﴾ هو فعل بمعنى مفعول، وهو ما يسكن إليه من بيت أو إلف ﴿بيوتا﴾ هي القباب من الأدم والأنطاع ﴿تستخفونها﴾ ترونها خفيفة المحمل ﴿يوم ظعنكم﴾ أي: ارتحالكم من بلد إلى بلد، وقرئ بفتح العين (98) وسكونها ﴿ويوم إقامتكم﴾ أي: تخف عليكم في أوقات السفر والحضر جميعا ﴿ومتاعا﴾ أي: شيئا ينتفع به ﴿إلى حين﴾ إلى أن تبلى، أو إلى أن تموتوا.

﴿والله جعل لكم مما خلق ظلالا وجعل لكم من الجبال أكنانا وجعل لكم سرا بيل تقيكم الحر وسرا بيل تقيكم بأسكم كذلك يتم نعمته عليكم لعلكم تسلمون (81) فإن تولوا فإنما عليك البلغ المبين (82) يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون (83) ويوم نبعث من كل أمة شهيدا ثم لا يؤذن للذين كفروا ولاهم يستعتبون (84) وإذا رأى الذين ظلموا العذاب فلا يخفف عنهم ولاهم ينظرون (85)﴾

﴿مما خلق﴾ من الأشجار والأبنية أشياء تستظلون بها في الحر والبرد ﴿أكنانا﴾ جمع " كن " وهو ما يستكن به من الغيران والبيوت المنحوتة في الجبال ﴿سرا بيل﴾ أي: قمصا من القطن والكتان والصوف وغيرها ﴿تقيكم الحر﴾ ولم يذكر البرد لأن الوقاية من الحر عندهم أهم، ودل ذكر الحر على البرد ﴿وسرا بيل تقيكم بأسكم﴾ يريد الدروع والجواشن، والسربال عام يقع على كل ما كان من حديد أو غيره ﴿لعلكم تسلمون﴾ تنظرون في نعمه الفاشية فتؤمنون به وتنقادون له.

﴿فإن تولوا﴾ فلم يقبلوا منك فقد أعذرت وأديت ما وجب عليك من التبليغ.

﴿يعرفون نعمت الله﴾ التي عددناها حيث يعترفون بها وأنها من الله ﴿ثم ينكرونها﴾ بعبادتهم غير الله ﴿وأكثرهم﴾ الجاحدون، وقيل: نعمة الله: نبوة محمد (صلى الله عليه وآله) (99) كانوا يعرفونها ثم ينكرونها عنادا، وأكثرهم المنكرون بقلوبهم.

﴿شهيدا﴾ وهو نبيها أو إمامها القائم مقامه يشهد لهم وعليهم بالإيمان والتصديق والكفر والتكذيب ﴿ثم لا يؤذن للذين كفروا﴾ في الاعتذار، والمعنى: لا حجة لهم، فدل بترك الإذن على أن لا حجة لهم ولا عذر ﴿ولاهم يستعتبون﴾ يسترضون، أي: لا يقال لهم: أرضوا ربكم، لأن الآخرة ليست بدار تكليف، وانتصب ﴿يوم نبعث﴾ بمحذوف، والتقدير: واذكر يوم نبعث، أو: يوم نبعث وقعوا فيما وقعوا فيه.

وكذا قوله: ﴿وإذا﴾ رأوا ﴿العذاب﴾ أي: إذا رأوه ثقل عليهم ﴿فلا يخفف عنهم﴾.

﴿وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم قالوا ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك فألقوا إليهم القول إنكم لكذبون (86) وألقوا إلى الله يومئذ السلم وضل عنهم ما كانوا يفترون (87) الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله زدناهم عذابا فوق العذاب بما كانوا يفسدون (88) ويوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم وجئنا بك شهيدا على هؤلاء ونزلنا عليك الكتاب تبينا لكل شئ وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين (89) إن الله يأمر بالعدل والأحسن وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون (90)﴾

﴿شركاؤنا﴾ أي: آلهتنا التي دعوناها شركاء ﴿فألقوا إليهم القول﴾ أي: قال الذين عبدوهم لهم بإنطاق الله إياهم: ﴿إنكم لكذبون﴾ في أنا أمرناكم بعبادتنا أو في قولكم: إنا آلهة.

﴿وألقوا﴾ يعني: الذين أشركوا ﴿السلم﴾ أي: الاستسلام لأمر الله وحكمه بعد الإباء والاستكبار في الدنيا ﴿وضل عنهم﴾ أي: بطل عنهم ﴿ما كانوا يفترون﴾ من أن لله شركاء وأنهم يشفعون لهم.

﴿الذين كفروا﴾ وحملوا غيرهم على الكفر يضاعف الله عقابهم كما ضاعفوا كفرهم ﴿بما كانوا يفسدون﴾ بكونهم مفسدين للناس بصدهم ﴿عن سبيل الله﴾.

﴿شهيدا عليهم من أنفسهم﴾ يعني: نبيهم الذي أرسل إليهم، أو الحجة الذي هو إمام عصرهم ﴿وجئنا بك﴾ يا محمد ﴿شهيدا على هؤلاء﴾ أي: أمتك ﴿تبينا﴾ أي: بيانا بليغا ﴿لكل شئ﴾ من أمور الدين، فما من شئ منها إلا وقد بين في القرآن: إما بالنص عليه، أو الإحالة على ما يوجب العلم من: بيان النبي (صلى الله عليه وآله) أو الحجج القائمين مقامه أو إجماع الأمة، فيكون على هذا حكم جميعها مستفادا من القرآن.

﴿بالعدل﴾ بالواجب من الإنصاف بين الخلق وغير ذلك ﴿والأحسن﴾ وهو التفضل والندب، ولفظ الإحسان جامع لكل خير ﴿وإيتاء ذي القربى﴾ وإعطاء الأقارب (100) حقهم بصلتهم، وقيل: هم قرابة النبي (صلى الله عليه وآله) ﴿وينهى عن الفحشاء﴾ أي: الفاحشة وهي ما جاوز حدود الله ﴿والمنكر﴾ ما تنكره العقول ﴿والبغي﴾ طلب التطاول بالظلم.

﴿وأوفوا بعهد الله إذا عهدتم ولا تنقضوا الأيمن بعد توكيدها وقد جعلتم الله عليكم كفيلا إن الله يعلم ما تفعلون (91) ولا تكونوا كالتي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا تتخذون أيمانكم دخلا بينكم أن تكون أمة هي أربى من أمة إنما يبلوكم الله به وليبينن لكم يوم القيمة ما كنتم فيه تختلفون (92) ولو شاء الله لجعلكم أمة وا حدة ولكن يضل من يشاء ويهدي من يشاء ولتسلن عما كنتم تعملون (93) ولا تتخذوا أيمانكم دخلا بينكم فتزل قدم بعد ثبوتها وتذوقوا السوء بما صددتم عن سبيل الله ولكم عذاب عظيم (94)﴾ عهد الله: هو البيعة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) على الإسلام والإيمان لقوله تعالى: ﴿إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله﴾ (101)، ﴿ولا تنقضوا الأيمن﴾ البيعة ﴿بعد توكيدها﴾ أي: بعد توثيقها باسم الله، و " أكد " و " وكد " لغتان، والأصل: الواو والهمزة بدل منه ﴿وقد جعلتم الله عليكم كفيلا﴾ رقيبا وشاهدا، لأن الكفيل يراقب حال المكفول به ويراعيه.

﴿ولا تكونوا﴾ في نقض الأيمان ﴿ك?﴾ المرأة ﴿التي﴾ غزلت ثم ﴿نقضت غزلها﴾ بعد إمراره (102) وإحكامه فجعلته ﴿أنكاثا﴾ جمع نكث، وهو ما ينكث فتله، وهي ريطة بنت سعد بن تيم بن مرة من قريش، كانت تغزل مع جواريها إلى انتصاف النهار ثم تأمرهن فينقضن ما غزلن ﴿أن تكون أمة﴾ بسبب أن تكون أمة، يعني: جماعة قريش ﴿هي أربى من أمة﴾ أي: أزيد عددا وأوفر مالا من أمة من جماعة المؤمنين ﴿إنما يبلوكم الله به﴾ الضمير لقوله: ﴿أن تكون أمة﴾ لأنه في معنى المصدر، أي: إنما يختبركم بكونهم أربى لينظر أتوفون بعهد الله وبيعة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أم تغترون بكثرة قريش وقوتهم وثروتهم وقلة غيرهم من المؤمنين وضعفهم وفقرهم ﴿وليبينن لكم يوم القيمة﴾ وعيد وتحذير من مخالفة الرسول.

﴿ولو شاء الله لجعلكم أمة وا حدة﴾ مسلمة مؤمنة ﴿ولكن يضل من يشاء﴾ وهو أن يخذل من علم أنه يختار الضلال والكفر، ويلطف بمن علم أنه يختار الإيمان، يعني: أنه بنى الأمر على الاختيار لا على الإجبار، وحقق ذلك بقوله: ﴿ولتسلن عما كنتم تعملون﴾.

ثم كرر النهي عن اتخاذ الأيمان ﴿دخلا﴾ بينهم، تأكيدا عليهم، والدخل: أن يكون الباطن خلاف الظاهر، فيكون داخل القلب على الكفاء (103) والظاهر على الوفاء ﴿فتزل قدم﴾ أي: فتزل أقدامكم عن محجة الإسلام ﴿بعد ثبوتها﴾ عليها، وإنما وحدت القدم ونكرت لاستعظام أن تزل قدم واحدة عن طريق الحق بعد أن ثبتت عليه فكيف بأقدام كثيرة ﴿وتذوقوا السوء﴾ في الدنيا بصدودكم ﴿عن سبيل الله﴾ أو بصدكم غيركم عنها، لأنهم لو نقضوا أيمان البيعة وارتدوا لاتخذوا نقضها سنة لغيرهم يستنون بها ﴿ولكم عذاب عظيم﴾ في الآخرة.

الصادق (عليه السلام): " نزلت هذه الآية في ولاية علي (عليه السلام) والبيعة له حين قال النبي (صلى الله عليه وآله): سلموا على علي بإمرة المؤمنين " (104).

﴿ولا تشتروا بعهد الله ثمنا قليلا إنما عند الله هو خير لكم إن كنتم تعلمون (95) ما عندكم ينفد وما عند الله باق ولنجزين الذين صبروا أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (96) من عمل صلحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حيوا ة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون (97) فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله من الشيطان الرجيم (98) إنه ليس له سلطن على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون (99) إنما سلطنه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون (100)﴾

﴿ولا﴾ تستبدلوا ﴿بعهد الله﴾ وبيعة رسول الله ﴿ثمنا قليلا﴾ عرضا يسيرا من الدنيا ﴿إنما عند الله﴾ من الثواب على الوفاء بالعهود ﴿خير لكم﴾ وأشرف ﴿إن كنتم تعلمون﴾ الفرق بين الخير والشر.

﴿ما عندكم﴾ من متاع الدنيا ﴿ينفد﴾ أي: يفنى، وقرئ: ﴿لنجزين﴾ بالياء (105) والنون.

﴿حيوا ة طيبة﴾ يعني: في الدنيا، وهو الظاهر لقوله: ﴿ولنجزينهم﴾ وعده الله ثواب الدنيا والآخرة، وعن ابن عباس: الحياة الطيبة: الرزق الحلال (106)، وعن الحسن: القناعة (107)، وقيل: يعني في الجنة (108)، ولا يطيب لمؤمن حياة إلا في الجنة.

ولما ذكر العمل الصالح وثوابه وصل به قوله: ﴿فإذا قرأت القرآن فاستعذ بالله﴾ ليعلم أن الاستعاذة من جملة العمل الصالح، يعني: فإذا أردت قراءة القرآن فاستعذ، كقوله: ﴿إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم﴾ (109) وكما تقول: إذا أكلت فسم الله، وإنما عبر عن إرادة الفعل بلفظ الفعل لأن الفعل يوجد عند القصد والإرادة بغير فاصل.

﴿ليس له سلطن﴾ أي: تسلط على أولياء الله، يعني: أنهم لا يقبلون منه ما يريده منهم ﴿إنما سلطنه على﴾ من يتولاه ويطيعه ﴿به مشركون﴾ الضمير في ﴿به﴾ يرجع إلى ﴿ربهم﴾، ويجوز أن يرجع إلى ﴿الشيطان﴾ أي: بسببه مشركون.

﴿وإذا بدلنا آية مكان آية والله أعلم بما ينزل قالوا إنما أنت مفتر بل أكثرهم لا يعلمون (101) قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين (102) ولقد نعلم أنهم يقولون إنما يعلمه بشر لسان الذي يلحدون إليه أعجمي وهذا لسان عربي مبين (103) إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم (104) إنما يفترى الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون (105)﴾ تبديل الآية ﴿مكان﴾ الآية هو النسخ ﴿والله أعلم بما ينزل﴾ فينزل في كل وقت ما توجبه المصلحة، وما كان مصلحة أمس جاز أن يصير مفسدة اليوم وخلافه مصلحة، وهو سبحانه عالم بالمصالح كلها ﴿قالوا إنما أنت مفتر﴾ أي: كاذب تأمر أمس بأمر واليوم بخلافه ﴿بل أكثرهم لا يعلمون﴾ جواز النسخ، وأنه من عند الله لجهلهم.

﴿قل نزله روح القدس﴾ يعني: جبرئيل، أضيف إلى ﴿القدس﴾ وهو الطهر كقولهم: حاتم الجود، وزيد الخير، والمراد: الروح المقدس، وحاتم الجواد، وزيد الخير.

والمقدس: المطهر من المآثم، وفي ﴿ينزل﴾ و ﴿نزله﴾ من المعنى أنه نزله شيئا بعد شئ على حسب المصالح، وفيه إشارة إلى أن التنزيل (110) أيضا من باب المصالح ﴿بالحق﴾ في موضع الحال من الهاء في ﴿نزله﴾ أي: ملتبسا بالحكمة، يعني: أن النسخ من جملة الحق ﴿ليثبت الذين آمنوا﴾ بما فيه من الحجج والبينات فيزدادوا تصديقا ويقولوا: هو الحق من ربنا ﴿وهدى وبشرى﴾ معطوفان على محل ﴿ليثبت﴾ والتقدير: تثبيتا لهم وهداية وتبشيرا.

﴿إنما يعلمه بشر﴾ قالوا: يعلمه غلام رومي كان لحويطب بن عبد العزى (111)، اسمه: عائش أو يعيش، أسلم وحسن إسلامه وكان صاحب كتاب، وقيل: هو سلمان الفارسي (رحمه الله)، قالوا: إنه يتعلم القصص منه (112) ﴿لسان الذي يلحدون إليه أعجمي﴾ أي: لغة الذي يضيفون إليه التعليم ويميلون إليه القول أعجمية، من ألحد القبر ولحده فهو ملحد وملحود: إذا أمال حفره عن الاستقامة، ثم استعير ذلك لكل إمالة عن استقامة، فقالوا: ألحد فلان في قوله، وألحد في دينه ﴿وهذا﴾ يعني: القرآن ﴿لسان عربي مبين﴾ ذو بيان وفصاحة، وقرئ: " يلحدون " بفتح الياء والحاء (113).

﴿إن الذين لا يؤمنون بآيات الله﴾ أي: يعلم الله منهم أنهم لا يؤمنون ﴿لا يهديهم الله﴾ لا يلطف بهم ويخذلهم.

﴿إنما يفترى الكذب﴾ رد لقولهم: ﴿إنما أنت مفتر﴾، أي: إنما يليق افتراء الكذب بمن لا يؤمن بالله، لأن الإيمان يمنع من الكذب.

﴿من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالأيمن ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم (106) ذلك بأنهم استحبوا الحياة الدنيا على الآخرة وأن الله لا يهدي القوم الكافرين (107) أولئك الذين طبع الله على قلوبهم وسمعهم وأبصرهم وأولئك هم الغافلون (108) لاجرم أنهم في الآخرة هم الخاسرون (109) ثم إن ربك للذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثم جهدوا وصبروا إن ربك من بعدها لغفور رحيم (110)﴾

﴿من كفر﴾ بدل من ﴿الذين لا يؤمنون بآيات الله﴾، والمعنى: إنما يفتري الكذب ﴿من كفر بالله من بعد إيمانه﴾ واستثنى منهم المكره، ويجوز أن ينتصب على الذم، أو يكون شرطا مبتدأ محذوف الجواب، لأن جواب ﴿من شرح﴾ يدل عليه، كأنه قيل: من كفر بالله فعليهم غضب من الله، إلا من أكره.

وروي: أن أناسا من أهل مكة ارتدوا عن الإسلام، وكان فيهم من أكره فأجرى كلمة الكفر على لسانه وهو معتقد للإيمان، منهم عمار وأبواه ياسر وسمية، وصهيب وبلال وخباب، وقتل أبو عمار وأمه فأعطاهم عمار بلسانه ما أرادوا، فقال قوم من المسلمين: كفر عمار، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): " كلا، إن عمارا ملئ إيمانا من قرنه إلى قدمه، واختلط الإيمان بلحمه ودمه "، وجاء عمار إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يبكي، فقال له: " ما وراءك؟" قال: شر يا رسول الله، ما تركت حتى نلت منك وذكرت آلهتهم بخير، فجعل رسول الله (صلى الله عليه وآله) يمسح عينيه ويقول: " مالك، إن عادوا لك فعد لهم بما قلت " (114).

﴿ذلك﴾ إشارة إلى الوعيد بسبب استحبابهم ﴿الدنيا على الآخرة﴾ واستحقاقهم خذلان الله بكفرهم.

﴿أولئك هم﴾ الكاملون في الغفلة فلا أحد أغفل منهم، إذ غفلوا عن تدبر عاقبة حالهم في الآخرة وذلك غاية الغفلة.

﴿ثم إن ربك﴾ دلالة على تباعد حال هؤلاء من حال أولئك وهم عمار وأصحابه، ومعنى " إن ربك لهم ": أنه لهم لا عليهم، بمعنى: أنه وليهم وناصرهم لا عدوهم وخاذلهم، وقيل: إن خبر ﴿إن﴾ قوله: ﴿لغفور رحيم﴾ (115)، وهذا من باب ما جاء في القرآن تكرير " إن "، وكذلك الآية التي فيما بعد: ﴿ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهلة﴾ إلى آخره (116) ﴿من بعد ما فتنوا﴾ أي: عذبوا في الله وأكرهوا على الكفر فأعطوهم بعض ما أرادوا ليسلموا من شرهم.

﴿يوم تأتى كل نفس تجدل عن نفسها وتوفي كل نفس ما عملت وهم لا يظلمون (111) وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون (112) ولقد جاءهم رسول منهم فكذبوه فأخذهم العذاب وهم ظالمون (113) فكلوا مما رزقكم الله حللا طيبا واشكروا نعمت الله إن كنتم إياه تعبدون (114) إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به فمن اضطر غير باغ ولا عاد فإن الله غفور رحيم (115)﴾ انتصب ﴿يوم تأتى﴾ ب? ﴿رحيم﴾ أو ب? " أذكر "، والمعنى: يوم يأتي ﴿كل﴾ إنسان يجادل ﴿عن﴾ ذاته لا يهمه غيرها، كل يقول: نفسي نفسي، ومعنى المجادلة: الاحتجاج عنها والاعتذار لها، كقولهم: ﴿هؤلاء أضلونا﴾ (117) ونحو ذلك.

﴿وضرب الله مثلا قرية﴾ أي: جعل القرية التي هذه صفتها مثلا لكل قوم أنعم الله عليهم فبطروا وكفروا النعمة وتولوا فأنزل الله بهم العذاب والنقمة ﴿مطمئنة﴾ أي: قارة ساكنة لا يزعجها خوف أو ضيق ﴿رغدا﴾ أي: واسعا، وسمي أثر ﴿الجوع والخوف﴾ لباسا لأن أثرهما يظهر على الإنسان كما يظهر اللباس، وقيل: لأنه شملهم الجوع والخوف كما يشمل اللباس البدن، فكأنه قال: فأذاقهم ما غشيهم وشملهم من الجوع والخوف (118)، وقيل: هذه القرية هي مكة (119) عذبهم الله بالجوع سبع سنين حتى أكلوا القد والعلهز - وهو الوبر يختلط بالدم - والقراد (120)، وكانوا مع ذلك خائفين من النبي (صلى الله عليه وآله) وأصحابه يغيرون على قوافلهم، وذلك حين دعا عليهم فقال: " اللهم اشدد وطأتك على مضر واجعل عليهم سنين كسني يوسف (عليه السلام) " (121).

﴿وهم ظالمون﴾ في موضع الحال.

ثم خاطب المؤمنين بقوله: ﴿فكلوا﴾ أي: كلوا ﴿مما﴾ أعطاكم ﴿الله﴾ من الغنائم وأحلها لكم، وما بعده مفسر في سورة البقرة.

﴿ولا تقولوا لما تصف ألسنتكم الكذب هذا حلل وهذا حرام لتفتروا على الله الكذب إن الذين يفترون على الله الكذب لا يفلحون (116) متع قليل ولهم عذاب أليم (117) وعلى الذين هادوا حرمنا ما قصصنا عليك من قبل وما ظلمناهم ولكن كانوا أنفسهم يظلمون (118) ثم إن ربك للذين عملوا السوء بجهلة ثم تابوا من بعد ذلك وأصلحوا إن ربك من بعدها لغفور رحيم (119)﴾ يجوز أن تكون " ما " موصولة، وينتصب ﴿الكذب﴾ ب? ﴿لا تقولوا﴾، والمعنى: ولا تقولوا الكذب ﴿لما﴾ تصفه ﴿ألسنتكم﴾ من البهائم بالحل والحرمة في قولكم: ﴿ما في بطون هذه الانعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا﴾ (122)، واللام مثلها في قولك: ولا تقولوا لما أحل الله: هو حرام، وقوله: ﴿هذا حلل وهذا حرام﴾ بدل من ﴿الكذب﴾.

ويجوز أن تكون " ما " مصدرية، وينتصب ﴿الكذب﴾ ب? ﴿تصف﴾، والمعنى: ولا تقولوا: هذا حلال وهذا حرام لوصف ألسنتكم الكذب، أي: لا تحرموا ولا تحللوا لأجل قول كذب نطقت به ألسنتكم لا لأجل حجة ﴿لتفتروا على الله﴾ في إضافة التحريم والتحليل إليه، واللام في ﴿لتفتروا﴾ من التعليل الذي لا يتضمن معنى الغرض.

﴿متع قليل﴾ خبر مبتدأ محذوف، أي: منفعتهم فيما هم عليه من أفعال الجاهلية منفعة قليلة وعقابها عظيم.

﴿ما قصصنا عليك﴾ يعني في سورة الأنعام.

﴿بجهلة﴾ في موضع الحال، أي: ﴿عملوا السوء﴾ جاهلين غير متدبرين للعاقبة ﴿من بعدها﴾ أي: من بعد التوبة والجهالة.

﴿إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين (120) شاكرا لأنعمه اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم (121) وآتيناه في الدنيا حسنة وإنه في الآخرة لمن الصالحين (122) ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين (123) إنما جعل السبت على الذين اختلفوا فيه وإن ربك ليحكم بينهم يوم القيمة فيما كانوا فيه يختلفون (124)﴾

﴿كان أمة﴾ أي: كان وحده أمة من الأمم لكماله في صفات الخير، وعن مجاهد: كان مؤمنا وحده منفردا في دهره بالتوحيد والناس كفار (123)، وعن قتادة: كان إمام هدى قدوة يؤتم به (124) ﴿قانتا﴾ مطيعا ﴿لله﴾ دائما على عبادته ﴿حنيفا﴾ مستقيما في الطاعة، مائلا إلى الإسلام غير زائل عنه ﴿ولم يك من المشركين﴾ تكذيب لكفار قريش في زعمهم أنهم على ملة إبراهيم.

﴿شاكرا لأنعمه﴾ يعني: لأنعم الله تعالى معترفا بها، روي: أنه كان لا يتغذى إلا مع ضيف (125) (126).

﴿حسنة﴾ عن قتادة: هي تنويه (127) الله باسمه وذكره حتى أنه ليس من أهل دين إلا وهم يتولونه (128)، وقيل: هي النبوة (129)، وقيل: هي قول المصلي منا: كما صليت على إبراهيم وآل إبراهيم (130) ﴿لمن الصالحين﴾ أي: من أهل الجنة، وناهيك بهذا ترغيبا في الصلاح.

﴿ثم أوحينا إليك﴾ وفي ﴿ثم﴾ هذه تعظيم لمنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وإعلام بأن أفضل ما أوتي خليل الله من الكرامة اتباع نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) ملته من قبل أنها دلت على تباعد هذا النعت في المرتبة من بين سائر النعوت التي أثنى الله عليه بها.

المعنى: ﴿إنما جعل﴾ وبال ﴿السبت﴾ وهو المسخ ﴿على الذين اختلفوا فيه﴾ فأحلوا الصيد فيه تارة وحرموا أخرى، وكان الواجب عليهم أن يحرموه على كلمة واحدة ويتفقوا فيه.

﴿ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجد لهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين (125) وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به ولئن صبرتم لهو خير للصابرين (126) واصبر وما صبرك إلا بالله ولا تحزن عليهم ولاتك في ضيق مما يمكرون (127) إن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون (128)﴾ ﴿ادع إلى﴾ دين ﴿ربك﴾ الذي هو طريق إلى مرضاته ﴿بالحكمة﴾ بالمقالة المحكمة الصحيحة وهي الدليل الموضح للحق، وقيل: بالقرآن (131) ﴿والموعظة الحسنة﴾ وهي التي لا يخفي عليهم أنك تناصحهم بها وتنفعهم فيها ﴿وجد لهم بالتي هي أحسن﴾ أي: بالطريقة التي هي أحسن طرق المجادلة من الرفق واللين من غير فظاظة وعنف ليكونوا أقرب إلى الإجابة.

﴿وإن عاقبتم﴾ وإن أردتم معاقبة غيركم على وجه المجازاة فعاقبوه ﴿ب?﴾ قدر ﴿ما عوقبتم به﴾ ولا تزيدوا عليه، وسمي الفعل الأول باسم الثاني للمزاوجة.

كان المشركون قد مثلوا بقتلى أحد وبحمزة بن عبد المطلب (رحمه الله)، أخذت هند كبده فجعلت تلوكه (132)، وجدعوا أنفه وأذنه، فقال المسلمون: لئن أمكننا الله منهم لنمثلن بالأحياء فضلا عن الأموات، فنزلت.

﴿لهو خير﴾ الضمير يرجع إلى " الصبر " وهو مصدر ﴿صبرتم﴾، ويراد ب? ﴿الصبرين﴾ المخاطبون، والمعنى: ولئن صبرتم لصبركم خير لكم، فوضع " الصابرون " موضع الضمير ثناء من الله عليهم بأنهم صابرون، ويجوز أن يراد جنس الصابرين، أي: الصبر خير للصابرين.

﴿واصبر﴾ أنت يا محمد فيما تلقاه من الأذى ﴿وما صبرك إلا ب?﴾ توفيق ﴿الله﴾ وتثبيته ﴿ولا تحزن عليهم﴾ أي: على المشركين في إعراضهم عنك، أو على قتلى أحد فإن الله تعالى نقلهم إلى كرامته، وقرئ: ﴿في ضيق﴾ بفتح الضاد وكسرها (133)، أي: لا يضيقن صدرك من مكرهم.

﴿مع الذين اتقوا﴾ أي: هو ولي الذين اتقوا الشرك والكبائر ﴿و﴾ ولي ﴿الذين هم محسنون﴾ في أعمالهم.


1- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 6 ص 357: هي مكية الا آية هي قوله: * (والذين هاجروا في الله من بعدما ظلموا) * الآية. وقال الشعبي: نزلت النحل كلها بمكة إلا قوله: * (وإن عاقبتم) * إلى آخرها. وقال قتادة: من أول السورة إلى قوله: * (كن فيكون) * مكي، والباقي مدني. وقال مجاهد: أولها مكي وآخرها مدني، وهي مائة وعشرون آية ليس فيها خلاف. وقال القرطبي: ج 10 ص 65 ما لفظه: وهي مكية كلها في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وتسمى سورة النعم بسبب ما عدد الله فيها من نعمه على عباده. وقيل: هي مكية الا قوله تعالى: * (وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به) * الآية، نزلت بالمدينة في شأن التمثيل بحمزة وقتلى أحد. وقال الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 592: مكية غير ثلاث آيات في آخرها، وتسمى سورة النعم، وهي مائة وثمان وعشرون آية، نزلت بعد سورة الكهف.

2- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 645 مرسلا.

3- ثواب الأعمال: ص 133، تفسير العياشي: ج 2 ص 254 ح 1 باختلاف.

4- في نسخة زيادة: يوم.

5- الأنفال: 32.

6- في نسخة: تنزه.

7- وقراءة التاء هي قراءة حمزة والكسائي. راجع التبيان: ج 6 ص 357.

8- قرأه ابن كثير وأبو عمرو وورش ورويس. راجع التبيان: ج 6 ص 359، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 489.

9- وهي قراءة المفضل عن عاصم وروح. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 489، وتفسير القرطبي: ج 10 ص 67.

10- في بعض النسخ زيادة: واو.

11- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 593.

12- الأفنية جمع فناء، وهو ما امتد من جوانب الشئ، يقال: فناء الدار: إذا امتد جوانبها. (الصحاح: مادة فنى).

13- الثغاء: صوت الشاة والمعز وما شاكلهما. (لسان العرب: مادة ثغا).

14- قال الجوهري: الرغاء: صوت ذوات الخف. انظر الصحاح: مادة رغا.

15- وهي قراءة أبي جعفر المدني واليزيدي. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 76.

16- قاله عكرمة. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 561.

17- الليل: 12.

18- وصدره: أخو رغائب يعطيها ويسألها. والبيت منسوب لأعشى باهلة. انظر الكامل للمبرد: ج 1 ص 80.

19- قاله أبو جعفر الطبري في تفسيره: ج 7 ص 566.

20- وعجزه: بحومانة الدراج فالمتثلم. والبيت مطلع معلقته الميمية، وهي القصيدة التي يمدح بها هرم بن سنان والحارث بن عوف، وهما سيدان من سادات ذبيان، قد تدخلا في اصلاح ذات البين بين عبس وذبيان ووقفا الحرب الضروس التي نشبت بينهما على أثر حرب داحس والغبراء، ودفعا من أموالهما حقنا للدماء ديات القتلى الذين لم يؤخذ بثأرهم، فكانت ثلاثة آلاف بعير. راجع ديوان زهير: ص 74، وخزانة الأدب للبغدادي: ج 8 ص 528.

21- وقراءة النون هي قراءة عاصم برواية أبي بكر إلا الأعشى والبرجمي ويحيى. راجع التبيان: ج 6 ص 364، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 489.

22- أراد من قوله تعالى: * (الليل) * ومعطوفاتها وحتى قوله: * (مسخرات) *، وهي قراءة ابن كثير ونافع وحمزة والكسائي وأبي عمرو وعاصم برواية أبي بكر. انظر كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 370.

23- قرأه ابن عامر وحده. راجع التبيان: ج 6 ص 365.

24- في بعض النسخ: الآيات.

25- الحيزوم: وسط الصدر. (الصحاح: مادة حزم).

26- هو يحيى بن زياد بن عبد الله بن منظور الديلمي، مولى بني أسد، إمام الكوفيين وأعلمهم بالنحو واللغة والأدب، ومن كلام ثعلب: لولا الفراء ما كانت اللغة، ويذكر إنه ابن خالة محمد ابن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة، وعرف أبوه زياد بالأقطع، لأن يده قطعت في معركة " فخ " عام 169 ه? التي شهدها مع الحسين بن علي بن الحسن الزكي (عليه السلام) في خلافة موسى الهادي العباسي. سمي بالفراء لأنه كان يفري الكلام أي: يحسن تقطيعه وتفصيله. توفي عام 207 ه? بطريق مكة. انظر وفيات الأعيان لابن خلكان: ج 5 ص 225.

27- النبأ: 6 و 7.

28- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 3 ص 64.

29- الكافي: ج 1 ص 206 - 207 باب ان الأئمة هم العلامات...، المناقب لابن شهرآشوب: ج 4 ص 178.

30- وقراءة التاء هي قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع وابن عامر وحمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 371.

31- قاله زيد بن أسلم. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 577.

32- المنصوبة: الحيلة، يقال: سوى فلان منصوبة. (أقرب الموارد: مادة نصب).

33- وهو من الأمثال المشهورة على ألسن الناطقين بلغة الضاد، ونحوه بألفاظ قريبة منه نقلته كتب الأمثال. راجع مجمع الأمثال للميداني: ج 2 ص 253.

34- تفسير العياشي: ج 2 ص 258 ح 21.

35- في بعض النسخ: مغناهم.

36- قرأه نافع وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 371.

37- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 223.

38- وهي قراءة حمزة. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 491.

39- قرأه ابن كثير كما في شواذ القرآن لابن خالويه: ص 76.

40- الإخبات: الخشوع، يقال: أخبت لله أي: خشع له. (الصحاح: مادة خبت).

41- في بعض النسخ: النفاق.

42- في نسخة: الشرك.

43- في بعض النسخ: اختيار.

44- وهو قول الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 605.

45- وهي قراءة ابن كثير وأبي عمرو ونافع وابن عامر والحسن البصري والأعرج ومجاهد وشيبة وشبل ومزاحم الخراساني والعطاردي وابن سيرين. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 372، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 490.

46- قرأه ابن عامر والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 373.

47- هو صهيب بن سنان بن مالك، بدري، وجميع المدنيين يثبتون نسبه في النمر ابن قاسط،

قال بعضهم: كان أبوه سنان بن مالك عاملا لكسرى على " الأبلة "، وكانت منازلهم بأرض الموصل وما يليها من الجزيرة، فأغارت الروم على تلك الناحية فسبوا صهيبا وهو غلام صغير، فنشأ في الروم، فابتاعته " كلب " منهم، ثم قدمت به مكة فاشتراه عبد الله بن جدعان، ويقال: إن ابن جدعان أعتقه وبعث به إلى النبي (صلى الله عليه وآله)، توفي بالمدينة سنة ثمان وثلاثين في شوال، وهو ابن سبعين سنة، فدفن بالبقيع. انظر المعارف لابن قتيبة: ص 151.

48- خباب بن الأرت بن جندلة، من بني سعد بن تميم، ويكنى: أبا عبد الله، وكان أصابه سباء فبيع بمكة فاشترته أم أنمار - وهي أم سباع الخزاعية من حلفاء بني زهرة - فاعتقته، مات بالكوفة سنة سبع وثلاثين ه?، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وهو أول من قبره علي (عليه السلام) بالكوفة وصلى عليه عند منصرفه من صفين. انظر المعارف لابن قتيبة: ص 179.

49- قاله الكلبي على ما حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 3 ص 189.

50- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 607.

51- قاله الشعبي. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 585.

52- قاله ابن زيد. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 189.

53- وهو قول الرماني والأزهري والزجاج. راجع التبيان: ج 6 ص 384.

54- تفسير العياشي: ج 2 ص 260 ح 32، تفسير الطبري: ج 7 ص 587.

55- في بعض النسخ: فيتنبهوا.

56- قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد. راجع التبيان: ج 6 ص 386.

57- وهي قراءة حمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 373.

58- قرأه أبو عمرو وحده. راجع التيسير في القراءات السبع للداني: ص 138.

59- الأعراف: 127.

60- في نسخة: لا يزول.

61- وهي قراءة الزهري على ما حكاه عنه أبو حيان في البحر المحيط: ج 5 ص 502.

62- لقمان: 32.

63- قاله مجاهد وقتادة. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 598.

64- أربد وجهه وتربد: إذا احمر حمرة فيها سواد عند الغضب. (لسان العرب: مادة ربد).

65- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 3 ص 196.

66- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 613.

67- وبالكسر قرأه نافع. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 374.

68- وقراءة التشديد هي قراءة أبي جعفر المدني. راجع التبيان: ج 6 ص 395.

69- قاله مجاهد وقتادة وسعيد بن جبير والضحاك. راجع المصدر السابق.

70- قرأه نافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 492.

71- الآية: 21.

72- وقائله: قيس بن الحصين الحارثي من بني سعد، يخاطب فيها قوما من اللصوص المغيرين، يقول لهم: أنتم تحوون كل عام نعما لأناس ألقحوه وجهدوا في سبيله ثم إنكم تنتجونه وتستفيدون من فوائده في حيكم. انظر شرح شواهد الكشاف للأفندي: ص 554.

73- لم نعثر على قائله فيما توفرت لدينا من مصادر، وفيه يذم الشاعر قوما موصوفين بالغضب أرادوا الحرب مع قوم الشاعر، لكن لشجاعة قومه وبطشهم كشفوهم وهزموهم، فكأن قومه كانوا في سكرة وحيرة وفي اللقاء صحوا من سكرتهم وشمروا عن ساعدهم فهزموا القوم. راجع شرح شواهد الكشاف للأفندي: ص 361.

74- في بعض النسخ ليس فيها " التمر ".

75- قرأه عاصم على ما حكاه عنه المشهدي في كنز الدقائق: ج 5 ص 355.

76- قرأه ابن عامر وعاصم برواية أبي بكر والسلمي وعبيد بن نضلة. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 374، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 512.

77- العرش والعريش: ما يستظل به. (الصحاح: مادة عرش).

78- التبيان: ج 6 ص 405، تفسير الماوردي: ج 3 ص 200.

79- تفسير البغوي: ج 3 ص 76.

80- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 620.

81- حكاه ابن عيسى. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 201.

82- قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة. راجع المصدر السابق.

83- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 620، وابن حجر في الكاف الشاف: ص 94.

84- وقراءة التاء هي قراءة عاصم برواية أبي بكر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 374.

85- الختن: كل من كان من قبل المرأة مثل الأب والأخ، وهم الأختان، هكذا في كلام العرب، وأما عند العامة فختن الرجل: زوج ابنته. (الصحاح: مادة ختن).

86- تفسير القمي: ج 1 ص 387.

87- قاله ابن عباس. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 202.

88- وهو من أدعية القنوت، رواه الجوهري في الصحاح وابن الأثير في النهاية. انظر الصحاح والنهاية: مادة " حفد ".

89- قاله ابن عباس ومقاتل. راجع البحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 515.

90- البلد: 14 - 16.

91- قاله ابن عباس. راجع تفسيره: ص 227.

92- الحج: 47.

93- الوحي: السرعة، والوحي: السريع. (الصحاح: مادة وحى).

94- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 3 ص 623.

95- وقراءة الكسر هي قراءة الكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 493.

96- وبالتاء قرأه ابن عامر وحمزة ويعقوب. راجع المصدر السابق.

97- الأخبية جمع خباء: وهو بناء يكون من وبر أو صوف. (الصحاح: مادة خبا).

98- قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 375.

99- قاله السدي. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 207.

100- في بعض النسخ زيادة: جميعا.

101- الفتح: 10.

102- في بعض النسخ: إبرامه. وفي الصحاح: أمررت الحبل: إذا فتلته فتلا شديدا.

103- في نسخة: اللفاء، وهو مقابل الوفاء. انظر لسان العرب: مادة " لفأ ".

104- تفسير العياشي: ج 2 ص 268 ح 64.

105- قرأه نافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 375.

106- حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 3 ص 212.

107- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 75.

108- قاله قتادة. راجع التبيان: ج 6 ص 424.

109- المائدة: 6.

110- في بعض النسخ: التبديل.

111- وهو من بني عامر بن لؤي، عاش مائة وعشرين سنة، نصفها في الجاهلية، مات في خلافة معاوية، وكان من المؤلفة قلوبهم. راجع المعارف لابن قتيبة: ص 176.

112- قاله الضحاك. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 215.

113- وهي قراءة حمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 375.

114- انظر تفسير البغوي: ج 3 ص 86.

115- قاله أبو البقاء على ما في البحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 541.

116- الآية: 119.

117- الأعراف: 38.

118- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 639.

119- وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة. راجع التبيان: ج 6 ص 432.

120- القراد: هو ما يتعلق بالبعير ونحوه، وهو كالقمل للانسان. (مجمع البحرين: مادة قرد).

121- المصنف لابن أبي شيبة: ج 2 ص 317، مشكل الآثار للطحاوي: ج 1 ص 236.

122- الأنعام: 139.

123- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 3 ص 89.

124- حكاه عنه ابن كثير في تفسيره: ج 2 ص 571.

125- في نسخة زيادة: * (اجتباه) * اختصه واصطفاه للنبوة * (وهداه إلى صراط مستقيم) * إلى ملة الاسلام.

126- انظر تفسير الرازي: ج 20 ص 135.

127- نوهته تنويها: إذا رفعته، ونوهت باسمه: إذا رفعت ذكره. (الصحاح: مادة نوه).

128- حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 3 ص 219.

129- قاله الحسن البصري في تفسيره: ج 2 ص 77.

130- قاله مقاتل بن حيان. راجع تفسير البغوي: ج 3 ص 89.

131- قاله الكلبي. راجع تفسير الماوردي: ج 3 ص 220.

132- لكت الشئ في فمي ألوكه: إذا علكته، أي: مضغته. (الصحاح: مادة لوك).

133- وبالكسر قرأه ابن كثير والمسيبي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 494.