سورة هود

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿الر كتب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير (1) ألا تعبدوا إلا الله إنني لكم منه نذير وبشير (2) وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متعا حسنا إلى أجل مسمى ويؤت كل ذي فضل فضله وإن تولوا فإني أخاف عليكم عذاب يوم كبير (3) إلى الله مرجعكم وهو على كل شئ قدير (4) ألا إنهم يثنون صدورهم ليستخفوا منه ألا حين يستغشون ثيابهم يعلم ما يسرون وما يعلنون إنه عليم بذات الصدور (5)﴾

﴿أحكمت آياته﴾ نظمت محكما لا نقص (1) فيه ولا خلل كالبناء المحكم، أو جعلت آياته حكيمة، من حكم: إذا صار حكيما، كقوله: ﴿آيات الكتاب الحكيم﴾ (2)، أو منعت من الفساد، من أحكم الدابة: وضع عليها الحكمة (3) لتمنعها من الجماح، قال جرير: أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم * إني أخاف عليكم أن أغضبا (4) ﴿ثم فصلت﴾ كما تفصل القلائد، بدلائل التوحيد والمواعظ والأحكام والقصص، أو جعلت فصولا: آية آية وسورة سورة، أو فرقت في التنزيل فلم تنزل جملة واحدة، ومعنى ﴿ثم﴾: التراخي في الحال لا في الوقت، كما تقول: هي محكمة أحسن الإحكام ثم مفصلة أحسن التفصيل، و ﴿كتب﴾: خبر مبتدأ محذوف ﴿من لدن حكيم﴾ أحكمها، و ﴿خبير﴾: عالم فصلها، أي: بينها وشرحها.

﴿ألا تعبدوا﴾ مفعول له، أي: لأن لا تعبدوا، أو يكون " أن " مفسرة، لأن في تفصيل الآيات معنى القول، كأنه قيل: قال: لا تعبدوا إلا الله، أو أمركم أن لا تعبدوا إلا الله، أي: أمركم بالتوحيد.

﴿وأن استغفروا﴾ أي: وأمركم بالاستغفار، والضمير في ﴿منه﴾ لله، أي: ﴿إنني لكم... نذير وبشير﴾ من جهته، كقوله: ﴿رسول من الله﴾ (5)، أو هي صلة ل? ﴿نذير﴾ أي: أنذركم ﴿منه﴾ ومن عذابه إن كفرتم، وأبشركم بثوابه إن آمنتم ﴿ثم توبوا إليه﴾ يعني: استغفروا من الشرك ثم أخلصوا التوبة واستقيموا عليها كقوله: ﴿ثم استقاموا﴾ (6)، ﴿يمتعكم﴾ في الدنيا بالنعم السابغة والمنافع المتتابعة ﴿إلى أجل مسمى﴾ إلى أن يتوفاكم ﴿ويؤت كل ذي فضل فضله﴾ أي: ويعط في الآخرة كل ذي فضل في العمل وزيادة فيه جزاء فضله لا يبخس، أو فضله في الثواب والدرجات ﴿وإن تولوا﴾ أي: تتولوا، فحذف إحدى التاءين ﴿عذاب يوم كبير﴾ يوم القيامة، وبين العذاب بأن مرجعهم إلى القادر على ما يريده من عذابهم.

﴿يثنون صدورهم﴾ أي: يزورون عن الحق وينحرفون عنه، لأن من أقبل على الشئ استقبله بصدره، ومن انحرف عنه ثنى عنه صدره ﴿ليستخفوا منه﴾ أي: يريدون ليستخفوا من الله، فلا يطلع (7) رسوله والمؤمنين على ازورارهم ﴿ألا حين يستغشون ثيابهم﴾ معناه: يتغطون بثيابهم كراهة لاستماع كلام الله، كقوله: ﴿جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم﴾ (8)، ثم قال: ﴿يعلم ما يسرون وما يعلنون﴾ يعني: أنه لا تفاوت في علمه بين إسرارهم وإعلانهم.

وفي قراءة أهل البيت (عليهم السلام): " يثنوني صدورهم " (9) على يفعوعل، من الثني وهو بناء مبالغة، وقرئ بالتاء (10) والياء (11).

﴿وما من دابة في الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل في كتب مبين (6) وهو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام وكان عرشه على الماء ليبلوكم أيكم أحسن عملا ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت ليقولن الذين كفروا إن هذا إلا سحر مبين (7) ولئن أخرنا عنهم العذاب إلى أمة معدودة ليقولن ما يحبسه ألا يوم يأتيهم ليس مصروفا عنهم وحاق بهم ما كانوا به يستهزءون (8)﴾

﴿على الله رزقها﴾ لما ضمن سبحانه أن يتفضل بالرزق عليهم وتكفل به صار التفضل واجبا، فلذلك جاء بلفظ الوجوب كالنذور الواجبة على العباد ﴿ويعلم مستقرها﴾ موضع قرارها ومسكنها ﴿ومستودعها﴾ حيث كانت مودعة فيه قبل الاستقرار من: أصلاب الآباء وأرحام الأمهات، أو البيض ﴿كل﴾ أي: كل واحدة من الدواب ورزقها ومستقرها ومستودعها ﴿في كتب﴾ في اللوح المحفوظ، يعني: أن ذكرها مكتوب فيه ظاهر.

﴿وكان عرشه على الماء﴾ أي: ما كان تحته خلق إلا الماء، قبل خلق السماوات والأرض وارتفاعه فوقها، وفيه دلالة على أن العرش والماء كانا مخلوقين قبل خلق السماوات والأرض (12) ﴿ليبلوكم﴾ يتعلق ب? ﴿خلق﴾ أي: خلقهن لحكمة بالغة، وهي أن يجعلها مساكن لعباده، وينعم عليهم فيها بفنون النعم، ويكلفهم ويعرضهم لثواب الآخرة، ولما أشبه ذلك اختبار المختبر قال: ﴿ليبلوكم﴾ أي: ليفعل بكم ما يفعل المبتلي لأحوالكم كيف تعملون ﴿أيكم أحسن عملا﴾ تعليق، لأن في الاختبار معنى العلم، وهو طريق إليه، والذين هم أحسن عملا: هم المتقون، فخصهم بالذكر تشريفا لهم وترغيبا في حيازة فضلهم ﴿ولئن قلت إنكم مبعوثون من بعد الموت﴾ فتوقعوه لقالوا: ﴿إن هذا إلا سحر مبين﴾ أي: أمر باطل، وأشاروا بهذا إلى القرآن لأن القرآن هو الناطق بالبعث، فإذا جعلوه سحرا فقد اندرج تحته إنكار ما فيه من البعث وغيره، وقرئ: " إلا ساحر " (13) يريدون الرسول.

و ﴿العذاب﴾ عذاب الآخرة، وقيل: عذاب يوم بدر (14) ﴿إلى أمة﴾ أي: حين، والمعنى: إلى جماعة من الأوقات ﴿ليقولن ما يحبسه﴾ أي: ما يمنعه من النزول استعجالا له، و ﴿يوم يأتيهم﴾ منصوب بخبر ﴿ليس﴾، وفيه دليل (15) على جواز تقديم خبر " ليس " على " ليس "، لأن المعمول لا يقع إلا حيث يجوز وقوع العامل فيه، ووضع ﴿يستهزءون﴾ موضع يستعجلون، لأن استعجالهم كان على وجه الاستهزاء ﴿وحاق﴾ في معنى: " يحيق " إلا أنه جاء على عادة الله في إخباره.

﴿ولئن أذقنا الانسان منا رحمة ثم نزعناها منه إنه ليئوس كفور (9) ولئن أذقناه نعماء بعد ضراء مسته ليقولن ذهب السيئات عنى إنه لفرح فخور (10) إلا الذين صبروا وعملوا الصالحات أولئك لهم مغفرة وأجر كبير (11)﴾

﴿الانسان﴾ للجنس ﴿رحمة﴾ أي: نعمة من صحة أو ثروة أو نحو ذلك ﴿ثم نزعناها﴾ أي: سلبناها منه ﴿إنه ليئوس﴾ شديد اليأس، قنوط من أن تعود إليه تلك النعمة المنزوعة، قاطع رجاءه من سعة فضل الله ﴿كفور﴾ عظيم الكفران لنعمه.

﴿ذهب السيئات عنى﴾ أي: المصائب التي ساءتني وحزنتني ﴿إنه لفرح﴾ أي: أشر بطر ﴿فخور﴾ على الناس بما أنعم الله عليه، قد شغله الفرح والفخر عن الشكر.

﴿إلا الذين صبروا﴾ أي: قابلوا الشدة بالصبر، والنعمة بالشكر.

﴿فلعلك تارك بعض ما يوحى إليك وضائق به صدرك أن يقولوا لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك إنما أنت نذير والله على كل شئ وكيل (12) أم يقولون افتراه قل فأتوا بعشر سور مثله مفتريات وادعوا من استطعتم من دون الله إن كنتم صادقين (13) فإلم يستجيبوا لكم فاعلموا أنما أنزل بعلم الله وأن لا إله إلا هو فهل أنتم مسلمون (14)﴾ كانوا يقترحون عليه أشياء تعنتا، فقالوا: ﴿لولا أنزل عليه كنز أو جاء معه ملك﴾، وكان يضيق صدره صلوات الله عليه وآله بما يقولونه ﴿أن يقولوا﴾ كراهة أن يقولوا: هلا ﴿أنزل عليه﴾ ما اقترحناه من الكنوز والملائكة؟ولم أنزل عليه مالا نريده ولا نقترحه؟﴿إنما أنت نذير﴾ أي: ليس عليك إلا إنذارهم بما أوحي إليك ﴿والله على كل شئ وكيل﴾ يحفظ ما يقولون ثم يفعل بهم ما يجب أن يفعل، فكل أمرك إليه، وعليك بتبليغ الوحي غير مبال بمقالهم ولا ملتفت إلى فعالهم من: استكبارهم واستهزائهم.

﴿أم﴾ منقطعة، والضمير في ﴿افتراه﴾ ل? ﴿ما يوحى إليك﴾، تحداهم ﴿بعشر سور﴾ ثم تحداهم بسورة واحدة لما استبان عجزهم عن الإتيان بالعشر ﴿مثله﴾ بمعنى: أمثاله، لأنه أراد مماثلة كل واحدة منها له ﴿مفتريات﴾ صفة ل? " عشر سور "، والمعنى: هبوا أني افتريته من عند نفسي كما زعمتم ﴿فأتوا﴾ أنتم بكلام ﴿مثله﴾ في حسن النظم والفصاحة مفترى مختلق من عند أنفسكم، فأنتم فصحاء مثلي تقدرون على مثل ما أقدر عليه من الكلام.

﴿فإلم يستجيبوا لكم﴾ أي: لك وللمؤمنين ﴿فاعلموا﴾ أيها المؤمنون، أي: أثبتوا على العلم الذي أنتم عليه وازدادوا يقينا ﴿أنما أنزل بعلم الله﴾ أي: أنزل ملتبسا بما لا يعلمه إلا الله من نظم معجز لجميع الخلق وإخبار بغيوب لا سبيل لهم إليه ﴿و﴾ اعلموا عند ذلك: ﴿أن لا إله إلا﴾ الله وحده، وأن توحيده هو الحق، والشرك به هو الظلم الصريح ﴿فهل أنتم مسلمون﴾ مخلصون موقنون بعد قيام الحجة القاطعة؟ويجوز أن يكون الخطاب للكفار، فيكون المعنى: فإن لم يستجب لكم من تدعونهم إلى معارضته فقد قامت عليكم الحجة، ﴿فهل أنتم مسلمون﴾ متابعون بالإسلام معتقدون للتوحيد.

﴿من كان يريد الحياة الدنيا وزينتها نوف إليهم أعملهم فيها وهم فيها لا يبخسون (15) أولئك الذين ليس لهم في الآخرة إلا النار وحبط ما صنعوا فيها وبطل ما كانوا يعملون (16) أفمن كان على بينة من ربه ويتلوه شاهد منه ومن قبله كتب موسى إماما ورحمة أولئك يؤمنون به ومن يكفر به من الأحزاب فالنار موعده فلا تك في مرية منه إنه الحق من ربك ولكن أكثر الناس لا يؤمنون (17)﴾

﴿نوف إليهم﴾ نوصل إليهم ونوفر عليهم أجور ﴿أعملهم﴾ من غير بخس في الدنيا، وهو ما يرزقون ﴿فيها﴾ من الصحة والرزق، وقيل: هم أهل الرياء (16).

﴿وحبط ما صنعوا﴾ أي: ما صنعوه، أو صنيعهم ﴿فيها﴾ في الآخرة، يعني: لم يكن لصنيعهم ثواب، لأنهم لم يريدوا به الآخرة، وإنما أرادوا به الدنيا وقد وفي إليهم ما أرادوا ﴿وبطل ما كانوا يعملون﴾ أي: كان عملهم في نفسه باطلا، لأنه لم يعمل للوجه الصحيح الذي هو ابتغاء وجه الله، فلا ثواب يستحق عليه ولا أجر.

والتقدير: ﴿أفمن كان على بينة من ربه﴾ كمن كان يريد الحياة الدنيا على برهان من الله وبيان وحجة على أن دين الإسلام حق وهو دليل العقل، والمعنى: أنهم لا يقاربونهم في المنزلة، وبين الفريقين تفاوت شديد وبون بعيد ﴿ويتلوه﴾ ويتبع ذلك البرهان ﴿شاهد﴾ يشهد بصحته وهو القرآن ﴿منه﴾ من الله، وقيل: البينة: القرآن، والشاهد: جبرئيل يتلو القرآن (17)، وقيل: أفمن كان على بينة هو النبي، والشاهد منه: علي بن أبي طالب (عليه السلام) يشهد له وهو منه، وهو المروي عنهم (عليهم السلام) (18) ﴿ومن قبله﴾ من قبل القرآن ﴿كتب موسى﴾ وهو التوراة يتلوه أيضا في التصديق ﴿إماما﴾ مؤتما به في الدين قدوة فيه ﴿ورحمة﴾ ونعمة عظيمة على المنزل عليهم ﴿أولئك﴾ يعني: من كان على بينة ﴿يؤمنون به﴾ أي: بالقرآن ﴿ومن يكفر به من الأحزاب﴾ يعني: أهل مكة ومن وافقهم وضامهم من المتحزبين على رسول الله ﴿فالنار موعده فلا تك في مرية﴾ أي: شك من القرآن، أو من الموعد.

﴿ومن أظلم ممن افترى على الله كذبا أولئك يعرضون على ربهم ويقول الاشهد هؤلاء الذين كذبوا على ربهم ألا لعنة الله على الظالمين (18) الذين يصدون عن سبيل الله ويبغونها عوجا وهم بالآخرة هم كفرون (19) أولئك لم يكونوا معجزين في الأرض وما كان لهم من دون الله من أولياء يضعف لهم العذاب ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون (20) أولئك الذين خسروا أنفسهم وضل عنهم ما كانوا يفترون (21) لاجرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون (22)﴾

﴿يعرضون على ربهم﴾ أي: يحبسون ويوقفون موقفا يراهم الخلائق للمطالبة بما عملوا ﴿و﴾ يشهد عليهم ﴿الاشهد﴾ من: الملائكة الحفظة والأنبياء بأنهم الكاذبون ﴿على﴾ الله بأنه اتخذ ولدا وشريكا، وأنهم أضافوا إليه ما لم ينزله، ويقولون: ﴿ألا لعنة الله على الظالمين الذين يصدون عن سبيل الله﴾ أي: يغوون الخلق ويصرفونهم عن دين الله ﴿ويبغونها عوجا﴾ أي: يصفونها بالاعوجاج وهي مستقيمة، أو يبغون أهلها أن يعوجوا بالارتداد و ﴿هم﴾ الثانية: فصل أكد به كفرهم بالآخرة.

﴿أولئك لم يكونوا معجزين﴾ أي: فائتين الله ﴿في﴾ الدنيا أن يعاقبهم لو أراد عقابهم ﴿وما كان لهم﴾ من يتولاهم فينصرهم ويمنعهم منه، ولكنه أراد إنظارهم وتأخير عقابهم إلى هذا اليوم، وهو من كلام ﴿الاشهد﴾، وقرئ: " يضعف " (19)، ﴿ما كانوا يستطيعون السمع﴾ المعنى: أنهم لفرط تصاممهم عن استماع الحق كأنهم لا يستطيعون السمع.

﴿خسروا أنفسهم﴾ بأن اشتروا عبادة الآلهة بعبادة الله ﴿وضل عنهم﴾ أي: وضاع عنهم ما اشتروه، وهو: ﴿ما كانوا يفترون﴾ من شفاعة آلهتهم لهم.

﴿لاجرم أنهم في الآخرة هم الأخسرون﴾ أي: لا ينفعهم ذلك، كسب ذلك الفعل لهم الخسران، وقيل: معناه: حقا لهم أنهم أخسر الناس في الآخرة (20).

﴿إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات وأخبتوا إلى ربهم أولئك أصحب الجنة هم فيها خالدون (23) مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع هل يستويان مثلا أفلا تذكرون (24)﴾

﴿أخبتوا إلى ربهم﴾ اطمأنوا إليه وخشعوا له وانقطعوا إلى عبادته وذكره، من الخبت وهو الأرض المستوية.

شبه فريق الكفار ب? ﴿الأعمى والأصم﴾ وفريق المؤمنين ب? ﴿البصير والسميع﴾ وهو من اللف والطباق، وفيه معنيان: أن يشبه الفريق بشيئين، كما شبه امرؤ القيس قلوب الطير بالحشف والعناب في قوله: كأن قلوب الطير رطبا ويابسا * لدى وكرها العناب والحشف البالي (21) وأن يشبهه بالذي جمع بين العمى والصمم، وبالذي جمع بين السمع والبصر، على أن يكون الواو في ﴿والأصم﴾ وفي ﴿والسميع﴾ لعطف الصفة على الصفة ﴿هل يستويان﴾ الفريقان ﴿مثلا﴾ تشبيها؟﴿ولقد أرسلنا نوحا إلى قومه إني لكم نذير مبين (25) أن لا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم أليم (26) فقال الملا الذين كفروا من قومه ما نراك إلا بشرا مثلنا وما نربك اتبعك إلا الذين هم أراذلنا بادي الرأي وما نرى لكم علينا من فضل بل نظنكم كذبين (27) قال يقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم أنلزمكموها وأنتم لها كارهون (28)﴾ قرئ: ﴿إني﴾ بالفتح (22) والكسر، فالفتح على ﴿أرسلنا﴾ ه ب? " أني لكم نذير "، والمعنى: ﴿أرسلنا نوحا﴾ ملتبسا بهذا الكلام وهو قوله: ﴿إني لكم نذير﴾ بالكسر، فلما اتصل به الجار فتح كما فتح " كأن " وأصله الكسر في قولك: إن زيدا كالأسد، وأما كسر " إن " فعلى إرادة القول.

﴿أن لا تعبدوا﴾ بدل من ﴿إني لكم﴾ أي: أرسلنا بأن لا تعبدوا ﴿إلا الله﴾ أو تكون ﴿أن﴾ مفسرة متعلقة ب? ﴿أرسلنا﴾ أو ب? ﴿نذير﴾، ﴿أليم﴾ مجاز في صفة ﴿يوم﴾ أو ﴿عذاب﴾، لأن الأليم في الحقيقة هو المعذب، ونظيره قولهم: نهاره صائم وليله قائم.

﴿الملا﴾ الأشراف، لأنهم يملؤون القلوب هيبة ﴿ما نراك إلا بشرا مثلنا﴾ ظنوا أن الرسول ينبغي أن يكون من غير جنس المرسل إليه، وال? " أراذل ": جمع الأرذل، و ﴿بادي الرأي﴾ قرئ بالهمزة (23) وغير الهمزة، بمعنى: اتبعوك أول الرأي، أو ظاهر الرأي، وإنما انتصب على الظرف، وأصله: وقت حدوث أول رأيهم أو وقت حدوث ظاهر رأيهم فحذف المضاف، وأريد: أن اتباعهم لك إنما كان بديهة من غير روية ونظر، وإنما استرذلوهم لفقرهم وقلة ذات يدهم ﴿وما نرى لكم علينا من فضل﴾ أي: زيادة شرف تؤهلكم للنبوة.

﴿أرأيتم﴾ أخبروني ﴿إن كنت على﴾ برهان ﴿من ربى﴾ وشاهد يشهد بصحة نبوتي ﴿وآتاني رحمة من عنده﴾ بإيتاء البينة، على أن البينة هي الرحمة بعينها، ويجوز أن يريد بالبينة: المعجزة وبالرحمة: النبوة (24) " فعميت عليكم " (25) أي: خفيت بعد البينة (26)، وقرئ: ﴿فعميت﴾ أي: أخفيت عليكم ﴿أنلزمكموها وأنتم لها كارهون﴾ أنكرهكم على قبولها، ونجبركم على الاهتداء بها ﴿وأنتم﴾ تكرهونها ولا تختارونها ولا إكراه في الدين؟﴿ويقوم لا أسئلكم عليه مالا إن أجرى إلا على الله وما أنا بطارد الذين آمنوا إنهم ملقوا ربهم ولكني أراكم قوما تجهلون (29) ويقوم من ينصرني من الله إن طردتهم أفلا تذكرون (30) ولا أقول لكم عندي خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إني ملك ولا أقول للذين تزدري أعينكم لن يؤتيهم الله خيرا الله أعلم بما في أنفسهم إني إذا لمن الظالمين (31)﴾ الضمير في ﴿عليه﴾ يرجع إلى قوله: ﴿إني لكم نذير مبين﴾، ﴿إنهم ملقوا ربهم﴾ معناه: إنهم يلاقون الله فيعاقب من طردهم، أو يلاقونه فيجازيهم على ما يعتقدونه من الإخلاص في الإيمان كما ظهر لي منهم، أو على ما تقرفونهم (27) به من خلاف ذلك ﴿تجهلون﴾ الحق وأهله، أو تسفهون على المؤمنين، أو تجهلون لقاء ربكم.

﴿من ينصرني من الله﴾ من يمنعني من انتقام الله وعذابه ﴿إن طردتهم﴾؟وكانوا يسألونه أن يطردهم ليؤمنوا، أنفة من أن يكونوا معهم على سواء.

﴿ولا أقول لكم عندي خزائن الله﴾ فأدعي فضلا عليكم في الدنيا حتى تجحدوا فضلي بقولي: ﴿وما نرى لكم علينا من فضل﴾، ﴿ولا﴾ أدعي أني ﴿أعلم الغيب﴾ حتى أطلع على نفوس أتباعي وضمائر قلوبهم ﴿ولا أقول إني ملك﴾ حتى تقولوا لي: ما أنت إلا بشر مثلنا، ولا أحكم على من تسترذلونه لفقرهم: أن الله ﴿لن يؤتيهم... خيرا﴾ كما تقولون، لهوانهم عليه ﴿إني إذا لمن الظالمين﴾ إن قلت شيئا من ذلك، والازدراء: افتعال من زرى عليه: إذا عابه.

﴿قالوا ينوح قد جادلتنا فأكثرت جدالنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصدقين (32) قال إنما يأتيكم به الله إن شاء وما أنتم بمعجزين (33) ولا ينفعكم نصحي إن أردت أن أنصح لكم إن كان الله يريد أن يغويكم هو ربكم وإليه ترجعون (34) أم يقولون افتراه قل إن افتريته فعلى إجرامي وأنا برئ مما تجرمون (35)﴾ أي: حاججتنا وزدت في مجادلتنا على قدر الكفاية ﴿فأتنا بما تعدنا﴾ من العذاب فإنا لا نؤمن بك.

﴿قال إنما يأتيكم به الله﴾ وليس الإتيان به إلي ﴿إن شاء﴾ تعجيله لكم.

وقوله: ﴿إن كان الله يريد أن يغويكم﴾ شرط جزاؤه ما دل عليه قوله: ﴿لا ينفعكم نصحي﴾، وهذا الدال في حكم ما دل عليه، فوصل بشرط كما يوصل الجزاء بالشرط في قولهم: إن أحسنت إلي أحسنت إليك إن أمكنني.

وأما المعني في قوله: ﴿إن كان الله يريد أن يغويكم﴾ فهو أن الكافر إذا علم الله منه الإصرار على الكفر فخلاه وشأنه ولم يقسره على الإيمان سمي ذلك إغواء وإضلالا، كما أنه إذا عرف منه الإرعواء (28) إلى الإيمان فلطف به سمي إرشادا وهداية.

﴿فعلى إجرامي﴾ معناه: إن صح وثبت أني ﴿افتريته﴾ فعلي عقوبة إجرامي أي: افترائي، وكان حقي حينئذ أن تعرضوا عني ﴿وأنا برى ء﴾ أي: ولم يثبت ذلك وأنا برئ منه، ومعنى ﴿مما تجرمون﴾: من إجرامكم في إسناد الافتراء علي، فلا وجه لإعراضكم عني.

﴿وأوحى إلى نوح أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن فلا تبتئس بما كانوا يفعلون (36) واصنع الفلك بأعيننا ووحينا ولا تخاطبني في الذين ظلموا إنهم مغرقون (37) ويصنع الفلك وكلما مر عليه ملا من قومه سخروا منه قال إن تسخروا منا فإنا نسخر منكم كما تسخرون (38) فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم (39)﴾ أقنطه الله سبحانه من إيمانهم ﴿إلا من قد آمن﴾ إلا من وجد منه ما كان يتوقع من الإيمان، و ﴿قد﴾ للتوقع ﴿فلا تبتئس﴾ أي: فلا تحزن حزن بائس مسكين، قال: ما يقسم الله فاقبل غير مبتئس * منه واقعد كريما ناعم البال (29) أي: فلا تحزن بما فعلوه من تكذيبك وإيذائك، فقد حان وقت الانتقام لك منهم وإنجائك.

﴿بأعيننا﴾ في موضع الحال، أي: ﴿اصنع الفلك﴾ ملتبسا ﴿بأعيننا﴾، كأن لله سبحانه معه أعينا تكلؤه (30) أن يزيغ في صنعته عن الصواب ﴿ووحينا﴾ وأنا نوحي إليك ونلهمك كيف تصنع؟وعن ابن عباس: لم يعلم كيف صنعة الفلك، فأوحى الله إليه أن يصنعها مثل جؤجؤ الطائر (31) (32).

﴿ولا تخاطبني في الذين ظلموا﴾ ولا تدعني في شأن قومك واستدفاع العذاب عنهم بشفاعتك ﴿إنهم﴾ محكوم عليهم بالإغراق، وقد وجب ذلك فلا سبيل إلى كفه.

﴿ويصنع الفلك﴾ حكاية حال ماضية ﴿سخروا منه﴾ ومن عمله السفينة، وكان يعملها في برية في أبعد موضع من الماء، فكانوا يتضاحكون ويقولون: يا نوح، صرت نجارا بعدما كنت نبيا! ﴿فإنا نسخر منكم﴾ في المستقبل ﴿كما تسخرون﴾ منا الساعة إذا وقع عليكم الغرق في الدنيا والحرق في الآخرة.

﴿من يأتيه﴾ في محل النصب ب? ﴿تعلمون﴾، أي: ﴿فسوف تعلمون﴾ الذي ﴿يأتيه عذاب يخزيه﴾ وهو عذاب الدنيا ﴿ويحل عليه﴾ حلول الدين والحق اللازم ﴿عذاب مقيم﴾ وهو عذاب الآخرة، ويجوز أن يكون ﴿من﴾ استفهامية ويكون تعليقا.

﴿حتى إذا جاء أمرنا وفار التنور قلنا احمل فيها من كل زوجين اثنين وأهلك إلا من سبق عليه القول ومن آمن وما آمن معه إلا قليل (40) وقال اركبوا فيها بسم الله مجريها ومرسها إن ربى لغفور رحيم (41) وهي تجري بهم في موج كالجبال ونادى نوح ابنه وكان في معزل يبنى اركب معنا ولا تكن مع الكافرين (42) قال ساوى إلى جبل يعصمني من الماء قال لا عاصم اليوم من أمر الله إلا من رحم وحال بينهما الموج فكان من المغرقين (43)﴾

﴿حتى﴾ هذه هي التي يبتدأ بعدها الكلام، دخلت على الجملة من: الشرط والجزاء ﴿وفار التنور﴾ بالماء، أي: ارتفع الماء بشدة اندفاع، وهو تنور الخابزة، وكان في ناحية الكوفة، وقيل: التنور: وجه الأرض (33)، ﴿وأهلك﴾ عطف على ﴿اثنين﴾، وكذلك ﴿ومن آمن﴾، يعني: ف? ﴿احمل﴾ أهلك والمؤمنين من غيرهم، و ﴿اثنين﴾ مفعول ﴿احمل﴾، والمراد ب? ﴿كل زوجين﴾: الشياع، وقرئ: ﴿من كل﴾ بالتنوين (34) وحذف المضاف إليه من ﴿كل﴾، والمراد: من كل شئ زوجين، فعلى هذا يكون انتصاب ال? ﴿اثنين﴾ على أنه صفة ل? ﴿زوجين﴾، واستثني من أهله ﴿من سبق عليه القول﴾ أنه من أهل النار للعلم بأنه يختار الكفر، ﴿وما آمن معه إلا قليل﴾ قيل: كانوا ثمانية (35)، وقيل: كانوا اثنين وسبعين رجلا وامرأة (36).

﴿وقال﴾ نوح لمن معه: ﴿اركبوا فيها﴾، وقرئ: ﴿مجريها﴾ بضم الميم (37) وفتحه، واتفقوا على ضم الميم في ﴿مرسيها﴾ إلا ما روي عن ابن محيصن: أنه فتح الميم فيهما (38)، من جرى ورسا: إما مصدرين، أو وقتين، أو مكانين، والمعنى: اركبوا فيها مسمين الله، أو قائلين: ﴿بسم الله﴾ وقت إجرائها ووقت إرسائها، أو وقت جريها ووقت رسوها، على القراءة الأخرى، ويجوز أن يكونا مصدرين حذف منهما الوقت المضاف، كقولهم: خفوق النجم ومقدم الحاج، ويجوز أن يكونا مكاني الإجراء والإرساء، وانتصابهما بما في ﴿بسم الله﴾ من معنى الفعل، أو بما فيه من إرادة القول، وروي: أن نوحا كان يقول إذا أراد أن تجري: " بسم الله " وإذا أراد أن ترسو: " بسم الله " (39)، ويجوز أن يراد: بالله إجراؤها وإرساؤها، أي: بأمره ومشيئته، والاسم مقحم (40).

﴿وهي تجري بهم﴾ معناه: أن السفينة تجري بنوح ومن معه على الماء ﴿في﴾ أمواج ﴿كالجبال﴾ في عظمها وارتفاعها.

وقرأ علي (عليه السلام): " ونادى نوح ابنه " بفتح الهاء (41)، اكتفي بالفتحة عن الألف، وروي أيضا: " ابنها " (42) والضمير لامرأته ﴿وكان في معزل﴾ وهو مفعل من عزله عنه: إذا نحاه وأبعده، يعني: وكان في مكان عزل فيه نفسه عن أبيه وعن مركب المؤمنين، وقيل: كان في معزل عن دين أبيه (43)، ﴿يبنى﴾ قرئ بفتح الياء وكسرها (44)، فالكسر للاقتصار عليه من ياء الإضافة، والفتح للاقتصار عليه من الألف المبدلة من ياء الإضافة في قولك: يا بنيا، أو سقطت الياء والألف لالتقاء الساكنين، لأن الراء بعدهما ساكنة.

﴿لا عاصم اليوم من﴾ الطوفان ﴿إلا من رحم﴾ الله، أي: إلا مكان من رحم الله من المؤمنين، يعني: السفينة، أو: لا عاصم اليوم إلا الراحم وهو الله تعالى، وقيل: لا عاصم بمعنى: لا ذا عصمة إلا من رحمه الله، كقولهم: ماء دافق، وعيشة راضية (45)، وقيل: ﴿إلا من رحم﴾ استثناء منقطع، كأنه قيل: ولكن من رحمه الله فهو معصوم (46).

﴿وقيل يا أرض ابلعي ماءك ويا سماء أقلعي وغيض الماء وقضى الامر واستوت على الجودي وقيل بعدا للقوم الظالمين (44) ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحكمين (45) قال ينوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صلح فلا تسئلن ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجهلين (46) قال رب إني أعوذ بك أن أسلك ما ليس لي به علم وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين (47) قيل ينوح اهبط بسلم منا وبركت عليك وعلى أمم ممن معك وأمم سنمتعهم ثم يمسهم منا عذاب أليم (48) تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل هذا فاصبر إن العقبة للمتقين (49)﴾ نداء ال? " أرض " وال? " سماء " بما ينادي به العقلاء مما يدل على كمال العزة والاقتدار، وأن هذه الأجرام العظيمة منقادة لتكوينه فيها ما يشاء، غير ممتنعة عليه، كأنها عقلاء مميزون قد عرفوا جلالته وعظمته، فهم ينقادون له ويمتثلون أمره على الفور من غير ريث، والبلع: عبارة عن النشف، والإقلاع: الإمساك ﴿وغيض الماء﴾ من غاضه: إذا نقصه ﴿وقضى الامر﴾ وأنجز الموعود في إهلاك القوم ﴿واستوت﴾ أي: استقرت السفينة ﴿على الجودي﴾ وهو جبل بالموصل ﴿وقيل بعدا﴾ يقال: بعد بعدا وبعدا: إذا أرادوا البعد البعيد من حيث الهلاك والموت ونحو ذلك، ولذلك اختص بدعاء السوء، ومجئ إخباره عز اسمه على (47) الفعل المبني للمفعول للدلالة على الجلال والعظمة، وأن تلك الأمور العظام لا تكون إلا بفعل قاهر قادر لا يشارك في أفعاله، فلا يذهب الوهم إلى أن غيره يقول: ﴿يا أرض... ويا سماء﴾ وأن أحدا سواه يقضي ذلك الأمر.

﴿إن ابني من أهلي﴾ أي: من بعض أهلي، لأنه كان ابنه من صلبه، أو كان ربيبا له فهو بعض أهله ﴿وإن وعدك الحق﴾ لاشك في إنجازه، وقد وعدتني أن تنجي أهلي ﴿وأنت أحكم الحكمين﴾ أي: أعدلهم وأعلمهم.

﴿إنه ليس من أهلك﴾ الذين وعدتك بنجاتهم معك، لأنه ليس على دينك ﴿إنه عمل غير صلح﴾ تعليل لانتفاء كونه من أهله، وفيه إيذان بأن قرابة الدين غامرة لقرابة النسب، وجعلت ذاته عملا غير صالح مبالغة في ذمه، كقول الخنساء: فإنما هي إقبال وإدبار (48) وقرئ: " إنه عمل غير صالح " (49)، وقرئ: ﴿فلا تسئلن﴾ بكسر النون بالياء (50) وبغير ياء، وقرئ: " فلا تسئلن " مشددة النون مفتوحة (51)، و " لا تسلني " بالتشديد وإثبات الياء (52) وغير ياء (53).

والمعنى: فلا تلتمس مني التماسا لاتعلم أصواب هو أم غير صواب، حتى تقف على كنهه، وذكر السؤال دليل على أن النداء كان قبل أن يغرق، وجعل سبحانه سؤال مالا يعرف كنهه جهلا، ثم وعظ أن لا يعود إليه وإلى أمثاله من فعل ﴿الجهلين﴾.

﴿أن أسلك﴾ أن أطلب منك في المستقبل ﴿ما﴾ لاعلم ﴿لي﴾ بصحته، تأدبا بأدبك واتعاظا بموعظتك ﴿وإلا تغفر لي وترحمني أكن من الخاسرين﴾ قاله على سبيل الخضوع لله عز اسمه والتذلل له والاستكانة.

﴿بسلم منا﴾ أي: مسلما محفوظا من جهتنا، أو مسلما عليك مكرما ﴿وبركت عليك﴾ ومباركا عليك، والبركات: الخيرات النامية ﴿وعلى أمم ممن معك﴾: " من " للبيان، يريد: الأمم الذين كانوا معه في السفينة، لأنهم كانوا جماعات، ولأن الأمم تشعبت منهم، ويجوز أن تكون " من " لابتداء الغاية، أي: على أمم ناشئة ممن معك، وهي الأمم إلى آخر الدهر، وهذا أوجه، و ﴿أمم﴾ رفع بالابتداء، و ﴿سنمتعهم﴾ صفته، والخبر محذوف تقديره: وممن معك أمم سنمتعهم، والمعنى: أن السلام منا والبركات عليك وعلى أمم مؤمنين ينشؤون ممن معك، وممن معك أمم ممتعون بالدنيا صائرون إلى النار، وكان نوح أبا الأنبياء، والخلق بعد الطوفان منه وممن كان معه في السفينة.

﴿تلك﴾ إشارة إلى قصة نوح، ومحلها رفع بالابتداء، والجمل بعدها أخبار، أي: تلك القصة بعض ﴿أنباء الغيب﴾ موحاة ﴿إليك﴾ مجهولة عندك وعند ﴿قومك من قبل هذا﴾ أي: من قبل إيحائي إليك، أو من قبل هذا العلم الذي كسبته بالوحي، أو من قبل هذا الوقت ﴿فاصبر﴾ على تبليغ الرسالة وعلى أذي قومك كما صبر نوح ﴿إن العقبة﴾ في الفوز والنصر والغلبة ﴿للمتقين﴾.

﴿وإلى عاد أخاهم هودا قال يقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره إن أنتم إلا مفترون (50) يقوم لا أسئلكم عليه أجرا إن أجرى إلا على الذي فطرني أفلا تعقلون (51) ويقوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدرارا ويزدكم قوة إلى قوتكم ولا تتولوا مجرمين (52) قالوا يهود ما جئتنا ببينة وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين (53) إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوء قال إني أشهد الله واشهدوا أنى برئ مما تشركون (54) من دونه فكيدوني جميعا ثم لا تنظرون (55) إني توكلت على الله ربى وربكم مامن دابة إلا هو آخذ بناصيتها إن ربى على صراط مستقيم (56) فإن تولوا فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم ويستخلف ربى قوما غيركم ولا تضرونه شيئا إن ربى على كل شئ حفيظ (57) ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا معه برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ (58) وتلك عاد جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله واتبعوا أمر كل جبار عنيد (59) وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة ويوم القيمة ألا إن عادا كفروا ربهم ألا بعدا لعاد قوم هود (60)﴾

﴿أخاهم﴾ في النسب دون الدين، أي: واحدا منهم، عطف على ﴿أرسلنا نوحا﴾، و ﴿هودا﴾ عطف بيان ﴿إن أنتم إلا مفترون﴾ على الله كذبا باتخاذكم الأوثان له شركاء.

﴿أفلا تعقلون﴾ إذ تردون نصيحة من لا يطلب عليها ﴿أجرا... إلا﴾ من الله، ولا شئ أنفي للتهمة من حسم المطامع.

ال? " مدرار ": الكثير الدرور، كالمغزار، رغبهم في الإيمان بكثرة المطر وزيادة القوة، لأن القوم كانوا أصحاب زروع وبساتين، وكانوا يدلون (54) بالقوة والبطش والنجدة.

وعن الحسن بن علي (عليهما السلام) أنه وفد على معاوية، فلما خرج تبعه بعض حجابه وقال: إني رجل ذو مال ولا يولد لي، فعلمني شيئا لعل الله يرزقني ولدا، فقال: " عليك بالاستغفار "، فكان يكثر الاستغفار حتى ربما استغفر في اليوم سبعمائة مرة، فولد له عشرة بنين، فبلغ ذلك معاوية، فقال: هلا سألته مم قال ذلك؟فوفد وفدة أخرى، فسأله الرجل، فقال: " ألم تسمع قول الله عز وجل في قصة (55) هود: ﴿ويزدكم قوة إلى قوتكم﴾ وفي قصة نوح: ﴿ويمددكم بأموال وبنين﴾ (56) " (57).

﴿ولا تتولوا﴾ ولا تعرضوا عني وعما أدعوكم إليه ﴿مجرمين﴾ مصرين على أجرامكم وآثامكم.

﴿ما جئتنا ببينة﴾ كذب منهم وجحود، كما قالت قريش لرسول الله (صلى الله عليه وآله): ﴿لولا أنزل عليه آية من ربه﴾ (58) مع كثرة آياته ومعجزاته، ﴿عن قولك﴾ حال من الضمير في ﴿تاركي آلهتنا﴾ بمعنى: وما نترك آلهتنا صادرين عن قولك.

﴿اعتراك﴾ مفعول ﴿نقول﴾ و ﴿إلا﴾ لغو، والمعنى: ما نقول إلا قولنا: ﴿اعتراك بعض آلهتنا بسوء﴾ أي: خبلك ومسك بجنون، لسبك إياها وعداوتك لها، مكافاة منها لك، فمن ثم تتكلم بكلام المجانين ﴿قال﴾ هود: ﴿إني أشهد الله﴾ واجههم بهذا الكلام لثقته بربه واعتصامه به، كما قال نوح لقومه: ﴿ثم اقضوا إلى ولا تنظرون﴾ (59)، ﴿مما تشركون من دونه﴾ من إشراككم آلهة من دونه، أو مما تشركونه من آلهة من دونه، أي: أنتم تجعلونها شركاء له ولم يجعلها هو شركاء ﴿فكيدوني جميعا﴾ أنتم وآلهتكم من غير إنظار، فإني لا أبالي بكم ولا بكيدكم.

ولما ذكر توكله على الله ووثوقه به وبكلاءته (60) وصفه بما يوجب التوكل عليه من اشتمال ربوبيته عليه وعليهم، وكون كل ﴿دابة﴾ تحت ملكته (61) وقهره، والأخذ ﴿بناصيتها﴾: تمثيل لذلك ﴿إن ربى على صراط مستقيم﴾ أي: على طريق الحق والعدل لا يفوته ظالم.

﴿فإن تولوا﴾ أي: تتولوا، لم أعاتب على التفريط في الإبلاغ ﴿فقد أبلغتكم ما أرسلت به إليكم﴾ فأبيتم إلا تكذيب الرسالة ﴿ويستخلف ربى﴾ كلام مستأنف، يريد: ويهلككم الله ويجئ بقوم آخرين يخلفونكم في دياركم وأموالكم ﴿ولا تضرونه﴾ بتوليكم ﴿شيئا﴾ من ضرر قط، وإنما تضرون أنفسكم ﴿إن ربى على كل شئ حفيظ﴾ أي: رقيب عليه مهيمن، فما تخفي عليه أعمالكم، ولا يغفل عن مؤاخذتكم.

﴿ولما جاء أمرنا نجينا هودا والذين آمنوا﴾ حين أهلكنا عدوهم ﴿برحمة منا ونجيناهم من عذاب غليظ﴾ وهو السموم (62) التي كانت تدخل في أنوفهم وتخرج من أدبارهم فتقطعهم عضوا عضوا، وقيل: أراد بالتنجية الثانية إنجاءهم من عذاب الآخرة (63).

﴿وتلك عاد﴾ إشارة إلى آثارهم وقبورهم، ثم استأنف وصفهم فقال: ﴿جحدوا بآيات ربهم وعصوا رسله﴾ لأنهم إذا عصوا رسولهم فقد عصوا جميع رسل الله ﴿كل جبار عنيد﴾ يريد رؤساءهم ودعاتهم إلى تكذيب الرسل.

﴿وأتبعوا في هذه الدنيا لعنة﴾ جعلت اللعنة تابعة لهم في الدارين تكبهم على وجوههم في عذاب الله، وتكرير ﴿ألا﴾ مع الشهادة بكفرهم والدعاء عليهم تفظيع لأمرهم، وبعث على الاعتبار بهم، والحذر من مثل حالهم.

﴿وإلى ثمود أخاهم صلحا قال يقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره هو أنشأكم من الأرض واستعمركم فيها فاستغفروه ثم توبوا إليه إن ربى قريب مجيب (61) قالوا يصلح قد كنت فينا مرجوا قبل هذا أتنهانا أن نعبد ما يعبد آباؤنا وإننا لفي شك مما تدعونا إليه مريب (62) قال يقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى وآتاني منه رحمة فمن ينصرني من الله إن عصيته فما تزيدونني غير تخسير (63) ويقوم هذه ناقة الله لكم آية فذروها تأكل في أرض الله ولا تمسوها بسوء فيأخذكم عذاب قريب (64) فعقروها فقال تمتعوا في داركم ثلاثة أيام ذلك وعد غير مكذوب (65) فلما جاء أمرنا نجينا صلحا والذين آمنوا معه برحمة منا ومن خزى يومئذ إن ربك هو القوى العزيز (66) وأخذ الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديرهم جاثمين (67) كأن لم يغنوا فيها ألا إن ثمودا كفروا ربهم ألا بعدا لثمود (68)﴾

﴿هو أنشأكم من الأرض﴾ معناه: ما أنشأكم من الأرض إلا هو ﴿و﴾ لا ﴿استعمركم فيها﴾ غيره، وإنشاؤهم منها هو: خلق آدم من تراب، واستعمارهم فيها هو: أمرهم بعمارتها، والعمارة متنوعة إلى: واجب ومندوب ومباح ومكروه، وقيل: ﴿استعمركم﴾ من العمر، نحو: استبقاكم، من البقاء (64)، وقيل: هو من العمرى (65)، فيكون ﴿استعمركم﴾ بمعنى: أعمركم (66)، أي: أعمركم فيها دياركم ثم هو وارثها منكم إذا انقضت أعماركم، وبمعنى: جعلكم معمرين دياركم فيها، لأن الرجل إذا ورث داره غيره من بعده فكأنما أعمره إياها، لأنه يسكنها عمره، ثم يتركها لغيره ﴿إن ربى قريب﴾ داني الرحمة ﴿مجيب﴾ لمن دعاه.

﴿كنت فينا﴾ فيما بيننا ﴿مرجوا﴾ نرجو منك الخير، لما كانت تلوح فيك من مخائله، فكنا نسترشدك في تدابيرنا، ونشاورك في أمورنا، فالآن انقطع رجاؤنا عنك، وعلمنا أن لاخير فيك ﴿يعبد آباؤنا﴾ حكاية حال ماضية ﴿مريب﴾ من أرابه: إذا أوقعه في الريبة، أو من أراب الرجل: إذا كان ذا ريبة.

﴿وآتاني منه رحمة﴾ وهي النبوة ﴿فما تزيدونني﴾ بما تقولون ﴿غير تخسير﴾ غير أن أخسركم، أي: أنسبكم إلى الخسران وأقول لكم: إنكم خاسرون.

﴿آية﴾ نصب على الحال، والعامل فيها معنى الإشارة، و ﴿لكم﴾ حال أيضا من ﴿آية﴾ متقدمة عليها، لأنها لو تأخرت لكانت صفة لها، فلما تقدمت انتصبت على الحال ﴿فذروها تأكل﴾ أي: فاتركوها آكلة ﴿في أرض الله﴾ ولا تصيبوها ﴿بسوء فيأخذكم﴾ إن فعلتم ذلك ﴿عذاب قريب﴾ عاجل لا يستأخر.

﴿فعقروها فقال﴾ صالح: ﴿تمتعوا﴾ استمتعوا بالعيش ﴿في داركم﴾ في بلدكم، ويسمى البلد الدار، لأنه يدار فيه بالتصرف، يقال: ديار بكر، لبلادهم ﴿ثلاثة أيام﴾ قيل: عقروها يوم الأربعاء وهلكوا يوم السبت (67)، ﴿ذلك وعد غير مكذوب﴾ فيه، فاتسع في الظرف بحذف الحرف وإجرائه مجرى المفعول به، نحو قوله: ويوم شهدناه سليما وعامرا (68) أو ﴿مكذوب﴾ مصدر كالمعقول (69) والمجلود، أي: غير كذب.

﴿ومن خزى يومئذ﴾ قرئ مفتوح الميم (70)، لأنه مضاف إلى " إذ " وهو غير متمكن، كقوله: على حين عاتبت المشيب على الصبا (71) وقرئ مكسور الميم، لأنه اسم معرب فانجر بالإضافة، والمعنى: و ﴿نجينا﴾ هم من خزي ذلك اليوم ومهانته وذلته وفضيحته، كما قال: ﴿ونجيناهم من عذاب غليظ﴾ (72)، ولا خزي أعظم من خزي من كان هلاكه بغضب الله وبأسه.

وقرئ: ﴿إن ثمودا﴾ و ﴿لثمود﴾ بمنع الصرف وبالتنوين (73) في جميع القرآن، فالصرف لأنه اسم الحي أو الأب الأكبر، ومنع الصرف للتعريف والتأنيث بمعنى القبيلة.

﴿ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى قالوا سلما قال سلم فما لبث أن جاء بعجل حنيذ (69) فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم وأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط (70) وامرأته قائمة فضحكت فبشرناها بإسحق ومن وراء إسحاق يعقوب (71) قالت يا ويلتي أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا إن هذا لشئ عجيب (72) قالوا أتعجبين من أمر الله رحمت الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد (73) فلما ذهب عن إبراهيم الروع وجاءته البشرى يجادلنا في قوم لوط (74) إن إبراهيم لحليم أوا ه منيب (75) يا إبراهيم أعرض عن هذا إنه قد جاء أمر ربك وإنهم آتيهم عذاب غير مردود (76)﴾

﴿رسلنا﴾ يعني: الملائكة، وكانوا ثلاثة: جبرئيل وميكائيل وإسرافيل، الصادق (عليه السلام): " كانوا أربعة ورابعهم ملك آخر " (74)، وقيل: كانوا تسعة (75)، وقيل: أحد عشر (76)، وكانوا على صور الغلمان ﴿بالبشرى﴾ هي البشارة بإسحاق.

وعن الباقر (عليه السلام): " إن هذه البشارة كانت بإسماعيل من هاجر " (77)، ﴿قالوا سلما﴾ أي: سلمنا عليك سلاما، أو أصبت سلاما أي: سلامة ﴿قال﴾ إبراهيم ﴿سلم﴾ أي: أمركم سلام، وقرئ: " سلم " (78) وهو بمعنى: سلام، مثل حل وحلال وحرم وحرام، قال الشاعر: مررنا فقلنا: إيه سلم فسلمت * كما اكتل بالبرق الغمام اللوائح (79) ﴿فما لبث أن جاء بعجل﴾ أي: فما لبث في المجئ بل عجل فيه، أو فما لبث مجيئه، والحنيذ: المشوي بالحجارة المحماة في أخدود من الأرض، وقيل: هو المشوي يقطر دسمه (80)، ويدل عليه قوله: ﴿بعجل سمين﴾ (81).

﴿فلما رأى﴾ إبراهيم أيدي الملائكة ﴿لا تصل﴾ إلى العجل الحنيذ، أنكرهم، يقال: نكره وأنكره واستنكره بمعنى، وإنما أنكرهم، لأنه خاف أن يكونوا نزلوا لأمر أنكره الله من قومه، ولذلك ﴿قالوا لا تخف إنا أرسلنا إلى قوم لوط﴾، ﴿وأوجس﴾ أي: أضمر ﴿منهم﴾ خوفا.

﴿وامرأته قائمة﴾ وراء الستر تسمع تحاورهم، وقيل: كانت قائمة تخدمهم (82) ﴿فضحكت﴾ سرورا بزوال الخيفة، أو بهلاك أهل الخبائث، وقيل: ﴿فضحكت﴾ حاضت (83) (84)، وهي سارة، وكانت ابنة عم إبراهيم ﴿فبشرناها بإسحق﴾ بنبي بين نبيين، والوراء: ولد الولد، وقرئ: ﴿يعقوب﴾ بالنصب، كأنه قال: ووهبنا لها إسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب، على طريقة قوله: مشائيم ليسوا مصلحين عشيرة * ولا ناعب إلا بشؤم غرابها (85) ومن قرأ: " يعقوب " بالرفع (86) فارتفاعه بالابتداء أو بالظرف.

والألف في ﴿يا ويلتي﴾ مبدلة من ياء الإضافة، وكذا في " يا عجبا " و " يا لهفا "، ﴿شيخا﴾ نصب على الحال، والعامل فيه معنى الإشارة، وكان لها ثمان وسبعون (87) سنة ولإبراهيم مائة سنة ﴿إن هذا لشئ عجيب﴾ أن يولد ولد بين هرمين.

﴿رحمت الله وبركته عليكم أهل البيت﴾ أي: إن هذه وأمثالها مما يكرمكم الله به يا أهل بيت النبوة، فليس هذا مكان عجب، وقيل: الرحمة: النبوة، والبركات: الأسباط من بني إسرائيل، لأن الأنبياء منهم (88)، ﴿حميد﴾ فاعل لما يستحق به الحمد من عباده ﴿مجيد﴾ كريم كثير الإحسان إليهم، و ﴿أهل البيت﴾ نصب على النداء، أو على المدح.

﴿فلما ذهب عن إبراهيم الروع﴾ أي: لما اطمأن قلبه بعد الخوف وملئ سرورا بسبب البشرى بدل الغم، فرغ للمجادلة، وجواب " لما " محذوف تقديره: اجترأ على خطابنا، أو قال: كيت وكيت، ثم استأنف ﴿يجادلنا في قوم لوط﴾ وقيل: إن ﴿يجادلنا﴾ جواب " لما "، وإنما جئ به مضارعا لحكاية الحال (89)، وقيل: إن " لما " يرد المضارع إلى معنى الماضي، كما أن " إن " ترد الماضي إلى معنى الاستقبال (90)، وقيل: معناه: أخذ يجادلنا، أو أقبل يجادلنا (91)، أي: يجادل رسلنا ﴿في قوم لوط﴾ أي: في معناهم، ومجادلته إياهم أنه قال لهم: إن كان فيها خمسون من المؤمنين أتهلكونهم؟قالوا: لا، قال: فأربعون؟قالوا: لا، فما زال ينقص حتى قال: فواحد؟قالوا: لا، ف? ﴿قال إن فيها لوطا قالوا نحن أعلم بمن فيها لننجينه وأهله﴾ (92).

﴿إن إبراهيم لحليم﴾ غير عجول على من أساء إليه ﴿أوا ه﴾ كثير الدعاء ﴿منيب﴾ راجع إلى الله بما يحب ويرضى، وفيه بيان: أن هذه الصفات مما حمله (93) على المجادلة فيهم، رجاء أن يرفع العذاب عنهم.

﴿يا إبراهيم﴾ على إرادة القول، أي: قالت له الملائكة: ﴿أعرض عن هذا﴾ الجدال وإن كانت الرحمة دأبك، فلا فائدة فيه ﴿إنه قد جاء أمر ربك﴾ أي: قضاؤه وحكمه الذي لا يصدر إلا عن حكمة، والعذاب نازل بهم لا محالة لا مرد له بجدال ولا غيره.

﴿ولما جاءت رسلنا لوطا سئ بهم وضاق بهم ذرعا وقال هذا يوم عصيب (77) وجاءه قومه يهرعون إليه ومن قبل كانوا يعملون السيئات قال يقوم هؤلاء بناتي هن أطهر لكم فاتقوا الله ولا تخزون في ضيفي أليس منكم رجل رشيد (78) قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق وإنك لتعلم ما نريد (79) قال لو أن لي بكم قوة أو آوي إلى ركن شديد (80) قالوا يلوط إنا رسل ربك لن يصلوا إليك فأسر بأهلك بقطع من الليل ولا يلتفت منكم أحد إلا امرأتك إنه مصيبها ما أصابهم إن موعدهم الصبح أليس الصبح بقريب (81) فلما جاء أمرنا جعلنا عليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود (82) مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد (83)﴾ يعني: ساء ﴿لوطا﴾ مجئ الرسل ﴿وضاق﴾ بمجيئهم ذرعه، وذلك لأنه حسب أنهم آدميون ورأى حسن صورتهم وجمال جملتهم، فخاف عليهم خبث قومه وسوء سيرتهم، و ﴿يوم عصيب﴾ وعصبصب: شديد، من عصبه: إذا شده.

وروي (94): أن لوطا قد تقدمهم وهم يمشون خلفه إلى المنزل، فقال في نفسه: أي شئ صنعت؟آتي بهم قومي وأنا أعرفهم ؟! فالتفت إليهم وقال: إنكم لتأتون شرار خلق الله، وكان الله سبحانه قال لجبرئيل: لا تهلكهم حتى يشهد (95) عليهم ثلاث شهادات، فقال جبرئيل: هذه واحدة، ثم مشى لوط، ثم التفت إليهم ثانيا وقال ذلك، ثم التفت ثالثة عند باب المدينة وقال ذلك، فقال جبرئيل: هذه الثلاثة، فدخلوا معه منزله ولم يعلم بذلك أحد، فصعدت امرأته فوق السطح فصفقت، فلم يسمعوا، فدخنت، فلما رأوا الدخان أقبلوا ﴿يهرعون إليه﴾ أي: يسرعون كما (96) يدفعون دفعا ﴿ومن قبل﴾ ذلك الوقت ﴿كانوا يعملون﴾ الفواحش فضروا (97) بها ومرنوا عليها ﴿قال﴾ لوط ﴿هؤلاء بناتي﴾ فتزوجوهن، وكان تزويج المسلمات من الكفار جائزا، كما زوج رسول الله (صلى الله عليه وآله) ابنتيه من عتبة بن أبي لهب وأبي العاص بن الربيع قبل أن يسلما وهما كافران، وقيل: كان لهم سيدان مطاعان فأراد أن يزوجهما ابنتيه (98) ﴿هن أطهر لكم﴾ أي: أحل لكم من الرجال ﴿فاتقوا الله﴾ في مواقعة الذكور ﴿ولا تخزون﴾ أي: لا تفضحون، من الخزي، أو: لا تخجلون، من الخزاية وهي الحياء ﴿في ضيفي﴾ في حق أضيافي (99)، فإنه إذا خزي ضيف الرجل أو جاره فقد خزي الرجل، وذلك من الكرم ﴿أليس منكم رجل رشيد﴾ رجل واحد يهتدي إلى سبيل الرشد في الكف عن القبيح.

﴿قالوا لقد علمت مالنا في بناتك من حق﴾ لأنا لا نتزوجهن، أو مالنا فيهن من حاجة لأنا نرغب عن نكاح الإناث ﴿وإنك لتعلم ما نريد﴾ عنوا إتيان الذكور.

وجواب ﴿لو﴾ محذوف، يعني: ﴿لو أن لي بكم قوة﴾ لفعلت بكم وصنعت، أي: لو قويت عليكم بنفسي ﴿أو﴾ أويت ﴿إلى﴾ قوي أمتنع به منكم لدفعتكم عن أضيافي، فشبه القوي العزيز بالركن من الجبل في شدته ومنعته، ولذلك قال جبرئيل: إن ركنك لشديد، افتح الباب ودعنا وإياهم، ففتح الباب ودخلوا، فضرب جبرئيل بجناحه وجوههم وطمس أعينهم فأعماهم.

قالت الملائكة: ﴿إنا رسل ربك﴾ أرسلنا لهلاكهم فلا تغتم ﴿لن يصلوا إليك﴾ بسوء أبدا ﴿فأسر بأهلك﴾ قرئ بالقطع والوصل (100)، أي: سر بأهلك ليلا، والقطع: القطعة العظيمة من الليل، كأنما قطع بنصفين ﴿ولا يلتفت منكم أحد﴾ أي: ولا يتخلف منكم أحد، أو لا ينظر أحد منكم وراءه (101)، والأول أوجه ﴿إلا امرأتك﴾ قرئ بالنصب والرفع (102)، وروي: أنه قال: متى موعد إهلاكهم؟قالوا: ﴿الصبح﴾ فقال: أريد أسرع من ذلك، لضيق صدره بهم، فقالوا: ﴿أليس الصبح بقريب﴾ (103).

﴿جعلنا عليها سافلها﴾ جعل جبرئيل جناحه في أسفلها ثم رفعها إلى السماء حتى سمع أهل السماء نباح الكلاب وصياح الديكة، ثم قلبها عليهم، وأتبعوا الحجارة من فوقهم ﴿من سجيل﴾ هي كلمة معربة من: سنك كل، بدليل قوله: ﴿حجارة من طين﴾ (104)، ﴿منضود﴾ نضد في السماء نضدا معدا للعذاب، وقيل: أرسل بعضه في أثر بعض متتابعا (105).

﴿مسومة﴾ معلمة للعذاب ﴿وما هي من﴾ كل ظالم ﴿ببعيد﴾، وفيه وعيد لكفار قريش.

﴿وإلى مدين أخاهم شعيبا قال يقوم اعبدوا الله مالكم من إله غيره ولا تنقصوا المكيال والميزان إني أراكم بخير وإني أخاف عليكم عذاب يوم محيط (84) ويقوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين (85) بقيت الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ (86) قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء إنك لانت الحليم الرشيد (87) قال يقوم أرأيتم إن كنت على بينة من ربى ورزقني منه رزقا حسنا وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه إن أريد إلا الأصلح ما استطعت وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت وإليه أنيب (88) ويقوم لا يجرمنكم شقاقي أن يصيبكم مثل ما أصاب قوم نوح أو قوم هود أو قوم صلح وما قوم لوط منكم ببعيد (89) واستغفروا ربكم ثم توبوا إليه إن ربى رحيم ودود (90)﴾

﴿إني أراكم بخير﴾ أي: برخص من السعر وثروة وسعة (106) تغنيكم عن التطفيف، أو: أراكم بخير ونعمة من الله فلا تزيلوه عنكم بما أنتم عليه ﴿يوم محيط﴾ مهلك من قوله: ﴿وأحيط بثمره﴾ (107)، وأصله من إحاطة العدو، وصف " اليوم " به لأن الزمان يشتمل على ما يحدث فيه.

والبخس: النقص والهضم.

﴿ولا تعثوا في الأرض مفسدين﴾ نهي عن السرقة والغارة وقطع السبيل.

﴿بقيت الله﴾ ما يبقي لكم من الحلال بعد التنزه عما هو حرام عليكم ﴿خير لكم إن كنتم مؤمنين﴾ أي: بشرط الإيمان لظهور فائدتها مع الإيمان من حصول الثواب مع النجاة من العقاب، أو يريد: إن كنتم مصدقين لي في نصيحتي لكم ﴿وما أنا عليكم بحفيظ﴾ أحفظ أعمالكم (108) وأجازيكم عليها، إنما أنا نذير ناصح لكم.

كان شعيب كثير الصلوات فقصدوا بقولهم: ﴿أصلاتك تأمرك﴾ الهزء، والمعنى: أصلواتك التي تداوم عليها تأمرك بتكليف ﴿أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن﴾ نترك فعل ﴿ما نشاء﴾ في أموالنا؟فحذف المضاف، لأن الإنسان لا يؤمر بفعل غيره، وقرئ: ﴿أصلوا تك﴾ على التوحيد (109)، ﴿إنك لانت الحليم الرشيد﴾ أرادوا بذلك نسبته إلى غاية السفه والغي، فعكسوا ليتهكموا به.

﴿ورزقني منه﴾ أي: من لدنه ﴿رزقا حسنا﴾ وهو ما رزقه من النبوة والحكمة، وقيل: أراد رزقا حلالا طيبا من غير بخس (110)، وجواب ﴿أرأيتم﴾ محذوف، والمعنى: أخبروني ﴿إن كنت على﴾ حجة واضحة ويقين ﴿من ربى﴾ وكنت نبيا على الحقيقة: أيصح لي أن لا آمركم بترك عبادة الأوثان والكف عن القبائح والأنبياء لا يبعثون إلا لذلك ؟! ﴿وما أريد أن أخالفكم إلى ما أنهاكم عنه﴾ معناه: وما أريد أن أسبقكم إلى شهواتكم التي نهيتكم عنها لأستبد بها دونكم ﴿إن أريد﴾ أي: ما أريد ﴿إلا الأصلح﴾ وهو أن أصلحكم بموعظتي ونصيحتي ﴿ما استطعت﴾ ظرف، أي: مدة استطاعتي للإصلاح وما دمت متمكنا منه، أو بدل من ﴿الأصلح﴾ أي: المقدار الذي استطعت منه، ويجوز أن يكون مفعولا ﴿الأصلح﴾ كقوله: ضعيف النكاية أعداءه (111) أي: ما أريد إلا أن أصلح ما استطعت إصلاحه من فاسدكم ﴿وما توفيقي إلا بالله﴾ وما كوني موفقا لإصابة الحق فيما آتي وأذر إلا بمعونته وتوفيقه، والمعنى: أنه استوفق ربه في إمضاء أمره على رضاء الله، وطلب منه التأييد والنصر على عدوه، وفي ضمنه تهديد للكفار وحسم لأطماعهم منه.

﴿لا يجرمنكم﴾ لا يكسبنكم ﴿شقاقي﴾ أي: خلافي وعداوتي إصابة العذاب ﴿وما قوم لوط منكم ببعيد﴾ يعني: أنهم أهلكوا في عهد قريب من عهدكم فهم أقرب الهالكين منكم.

﴿رحيم ودود﴾ عظيم الرحمة متودد إلى عباده بكثرة الإنعام عليهم، مريد لمنافعهم.

﴿قالوا يا شعيب ما نفقه كثيرا مما تقول وإنا لنراك فينا ضعيفا ولولا رهطك لرجمناك وما أنت علينا بعزيز (91) قال يقوم أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا إن ربى بما تعملون محيط (92) ويقوم اعملوا على مكانتكم إني عمل سوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ومن هو كذب وارتقبوا إني معكم رقيب (93) ولما جاء أمرنا نجينا شعيبا والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديرهم جاثمين (94) كأن لم يغنوا فيها ألا بعدا لمدين كما بعدت ثمود (95)﴾

﴿ما نفقه﴾ أي: ما نفهم ﴿كثيرا مما تقول﴾ وكانوا يفهمونه ولكنهم لم يقبلوه، فكأنهم لم يفقهوه ﴿وإنا لنراك فينا ضعيفا﴾ لا قوة لك ولا عز فيما بيننا فلا تقدر على الامتناع منا إن أردنا بك مكروها ﴿ولولا رهطك لرجمناك﴾ أي: قتلناك شر قتلة، والرهط: من الثلاثة إلى العشرة ﴿وما أنت علينا بعزيز﴾ فندع قتلك لعزتك علينا، ولكن لم نقتلك لأجل قومك، والمراد: ما أنت بعزيز علينا بل رهطك هم الأعزة علينا، ولذلك قال في جوابهم: ﴿أرهطي أعز عليكم من الله واتخذتموه وراءكم ظهريا﴾ ونسيتموه وجعلتموه كالشئ المنبوذ وراء الظهر لا يعبأ به، والظهري منسوب إلى الظهر، والكسر من تغييرات النسب ﴿إن ربى بما تعملون محيط﴾ قد أحاط بأعمالكم علما، فلا يخفي عليه شئ منها.

﴿اعملوا على مكانتكم﴾ المكانة: إما مصدر من مكن مكانة فهو مكين، أو اسم المكان، يقال: مكان ومكانة، والمعنى: اعملوا قارين على مكانكم الذي أنتم عليه من الشرك والعداوة لي، أو اعملوا متمكنين من عداوتي مطيقين (112) لها ﴿إني عمل﴾ على حسب ما يؤتيني الله من النصرة والتأييد ويمكنني ﴿سوف تعلمون من يأتيه﴾ يجوز أن يكون ﴿من﴾ استفهامية معلقة لفعل (113) العلم عن عمله فيها، كأنه قال: سوف تعلمون أينا يأتيه ﴿عذاب يخزيه و﴾ أينا ﴿هو كذب﴾، ويجوز أن تكون موصولة، والمعنى: سوف تعلمون الشقي الذي يأتيه عذاب يخزيه والذي هو كاذب ﴿وارتقبوا﴾ وانتظروا العاقبة ﴿إني معكم رقيب﴾ منتظر، والرقيب بمعنى الراقب أو بمعنى المراقب أو بمعنى المرتقب، الجاثم: اللازم لمكانه لا يريم (114).

روي: أن جبرئيل صاح بهم صيحة فزهق روح كل واحد منهم حيث هو (115).

﴿كأن لم يغنوا﴾ كأن لم يقيموا ﴿في ديرهم﴾ أحياء متصرفين مترددين.

﴿ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطن مبين (96) إلى فرعون وملأه فاتبعوا أمر فرعون وما أمر فرعون برشيد (97) يقدم قومه يوم القيمة فأوردهم النار وبئس الورد المورود (98) وأتبعوا في هذه لعنة ويوم القيمة بئس الرفد المرفود (99) ذلك من أنباء القرى نقصه عليك منها قائم وحصيد (100) وما ظلمناهم ولكن ظلموا أنفسهم فما أغنت عنهم آلهتهم التي يدعون من دون الله من شئ لما جاء أمر ربك وما زادوهم غير تتبيب (101) وكذلك أخذ ربك إذا أخذ القرى وهي ظلمة إن أخذه أليم شديد (102) إن في ذلك لاية لمن خاف عذاب الآخرة ذلك يوم مجموع له الناس وذلك يوم مشهود (103) وما نؤخره إلا لأجل معدود (104) يوم يأت لاتكلم نفس إلا بإذنه فمنهم شقى وسعيد (105)﴾

﴿بآياتنا﴾ أي: بحججنا ومعجزاتنا ﴿وسلطن مبين﴾ وحجة ظاهرة مخلصة من التلبيس والتمويه.

﴿وما أمر فرعون برشيد﴾ أي: ما في أمره رشد، إنما هو غي وضلال.

﴿يقدم قومه يوم القيمة﴾ يتقدمهم إلى النار وهم يتبعونه كما كان لهم قدوة في الضلال.

ويجوز أن يريد بقوله: ﴿وما أمر فرعون برشيد﴾ وما أمره بصالح العاقبة حميدها، ويكون قوله: ﴿يقدم قومه﴾ تفسيرا لذلك وإيضاحا ﴿فأوردهم النار﴾ أتي بلفظ الماضي لأن الماضي يدل على أمر موجود مقطوع به، والمراد: يقدمهم فيوردهم النار لا محالة ﴿وبئس الورد﴾ الذي يردونه: النار، لأن الورد إنما يراد لتسكين العطش وتبريد الأكباد والنار ضده، والورد: الماء الذي يورد، والإبل الواردة أيضا.

﴿وأتبعوا في هذه﴾ أي: في الدنيا ﴿لعنة و﴾ يلعنون ﴿يوم القيمة بئس الرفد المرفود﴾ رفدهم، أي: بئس العون المعان، وذلك أن اللعنة في الدنيا رفد للعذاب ومدد له وقد رفدت باللعنة في الآخرة، وقيل: بئس العطاء المعطى (116).

﴿ذلك من أنباء القرى﴾ أي: ذلك النبأ بعض أنباء القرى المهلكة ﴿نقصه عليك﴾ خبر بعد خبر ﴿منها﴾ الضمير ل? ﴿القرى﴾ أي: بعضها ﴿قائم﴾ أي: باق وبعضها عافي الأثر، كالزرع القائم على ساقه والمحصود، وهذه جملة مستأنفة لا محل لها.

﴿وما ظلمناهم﴾ بإهلاكنا ﴿ولكن ظلموا أنفسهم﴾ بارتكاب ما به أهلكوا ﴿فما أغنت عنهم آلهتهم﴾ فما قدرت أن ترد عنهم بأس الله ﴿التي يدعون﴾ أي: يعبدونها، وهي حكاية حال ماضية ﴿لما جاء أمر ربك﴾ أي: عذابه ونقمته، و ﴿لما﴾ منصوب ب? ﴿ما أغنت﴾، والتتبيب: التخسير، ومنه تببه: أوقعه في الخسران.

﴿وكذلك﴾ الكاف مرفوع المحل، أي: ومثل ذلك الأخذ ﴿أخذ ربك... القرى﴾، ﴿وهي ظلمة﴾ حال من ﴿القرى﴾، ﴿أليم شديد﴾ وجيع صعب على المأخوذ، حذر سبحانه من وخامة عاقبة الظلم لكل أهل قرية ظالمة، بل لكل ظالم ظلم غيره أو نفسه.

﴿إن في ذلك﴾ إشارة إلى ما قص الله من قصص الأمم الهالكة بذنوبها ﴿لاية﴾ لعبرة ﴿لمن خاف﴾ لأنه ينظر إلى ما أحل الله بالمجرمين في الدنيا، وهو أنموذج لما أعده لهم في الآخرة، فإذا رأى عظمه وشدته اعتبر به عظم العذاب الموعود في الآخرة فيكون له لطفا في زيادة الخشية، ونحوه: ﴿إن في ذلك لعبرة ذلك لمن يخشى﴾ (117)، ﴿ذلك﴾ إشارة إلى يوم القيامة يدل عليه قوله: ﴿عذاب الآخرة﴾، و ﴿الناس﴾ رفع باسم المفعول الذي هو ﴿مجموع﴾ كما يرفع بفعله إذا قلت: يجمع له الناس، أي: ﴿ذلك يوم﴾ موصوف بأن يكون موعدا لجمع الناس له صفة لازمة ﴿ذلك يوم مشهود﴾ أي: مشهود فيه، يشهد فيه الخلائق الموقف لا يغيب عنه أحد، قال الشاعر: في محفل من نواصي الناس مشهود (118) الأجل يطلق على مدة التأجيل وعلى منتهاها، فيقولون: انتهى الأجل، وبلغ الأجل آخره، ويقولون: حل الأجل، ﴿فإذا جاء أجلهم﴾ (119) يراد آخر مدة التأجيل، والعد إنما هو للمدة لا لغايتها ومنتهاها، فالمعنى: ما يؤخره (120) إلا لانتهاء مدة معدودة فحذف المضاف.

وقرئ: ﴿يوم يأت﴾ بغير ياء، ونحوه قولهم: " لا أدر " بحذف الياء للاجتزاء بالكسرة عنها، وفاعل ﴿يأت﴾: الله عز وجل، لقوله: ﴿هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله﴾ (121)، ﴿وجاء ربك﴾ (122)، ويدل عليه قراءة من قرأ: " وما يؤخره " بالياء (123) وقوله: ﴿بإذنه﴾، ويجوز أن يكون الفاعل ضميرا ل? ﴿يوم﴾ (124) كقوله: ﴿هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم﴾ (125)، وانتصب الظرف ب? ﴿لاتكلم﴾ أي: لا تتكلم، والمراد بإتيان اليوم: إتيان هوله وشدائده ﴿فمنهم﴾ الضمير لأهل الموقف، ولم يذكروا، لأن ذلك معلوم.

﴿فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق (106) خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد (107) وأما الذين سعدوا ففي الجنة خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك عطاء غير مجذوذ (108) فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل وإنا لموفوهم نصيبهم غير منقوص (109) ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضى بينهم وإنهم لفي شك منه مريب (110)﴾ الزفير: إخراج النفس، والشهيق: رده (126) قال الشماخ (127): بعيد مدى التطريب أول صوته * زفير ويتلوه شهيق محشرج (128) ﴿ما دامت السماوات والأرض﴾ يعني: المبدلتين، أي: ما دامت سماوات الآخرة وأرضها وهي مخلوقة للأبد، وكل ما علاك وأظلك فهو سماء، ولابد لأهل الآخرة مما يظلهم ويقلهم، وقيل: إن ذلك عبارة عن التأبيد (129) كقول العرب: " ما لاح كوكب وما أقام ثبير ورضوى "، وغير ذلك من كلمات التأبيد ﴿إلا ما شاء ربك﴾ هو استثناء من الخلود في عذاب النار ومن الخلود في نعيم الجنة، وذلك أن أهل النار لا يعذبون بالنار وحدها، بل يعذبون بأنواع من العذاب، وبما هو أغلظ من الجميع وهو سخط الله عليهم وإهانته إياهم، وكذلك أهل الجنة لهم سوى الجنة مما هو أكبر منها وهو رضوان الله وإكرامه وتبجيله، فهو المراد بالاستثناء، وقيل: المراد بالاستثناء من ﴿الذين شقوا﴾ وخلودهم: من شاء الله أن يخرجه من النار بتوحيده وإيمانه لإيصال الثواب الذي استحقوه بطاعتهم إليهم (130)، ويكون " ما " بمعنى " من "، كما يروى عن العرب: " سبحان ما سبحت له " يقولونه عند سماع الرعد، وكقوله: ﴿سبح لله ما في السماوات وما في الأرض﴾ (131)، والمراد بالاستثناء من ﴿الذين سعدوا﴾ وخلودهم في الجنة أيضا: هؤلاء الذين ينقلون إلى الجنة من النار، والمعنى: ﴿خالدين فيها... إلا ما شاء ربك﴾ من الوقت الذي أدخلهم فيه النار قبل أن ينقلهم إلى الجنة، ف? ﴿ما﴾ هاهنا على بابه والاستثناء من الزمان، والاستثناء في الأول من الأعيان.

وعن قتادة: الله أعلم بثنياه (132)، ذكر لنا أن ناسا يصيبهم سفع (133) من النار بذنوبهم ثم يتفضل الله عليهم فيدخلهم الجنة، يسمون الجهنميين، وهم الذين أنفذ فيهم الوعيد ثم أخرجوا بالشفاعة (134).

وقرئ: ﴿سعدوا﴾ بضم السين، ويكون على هذا أسعده الله فهو مسعود، وسعد الرجل فهو سعيد، ونحوه: حزن الرجل وحزنته ﴿عطاء غير مجذوذ﴾ أي: غير مقطوع، ولكنه ممتد إلى غير نهاية.

ولما قص قصص الكفار وماحل بهم من نقمة الله سبحانه قال: ﴿فلا تك في مرية مما يعبد هؤلاء﴾ أي: فلا تشك بعد ما أنزل عليك من هذه القصص في سوء عاقبة عبادتهم للأوثان، وتعرضهم بها لما أصاب أمثالهم قبلهم، تسلية لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، ووعدا له بالانتقام منهم ووعيدا لهم ﴿ما يعبدون إلا كما يعبد آباؤهم من قبل﴾ أي: حالهم في الشرك مثل حال آبائهم من غير تفاوت بين الحالتين، فسينزل بهم مثل ما نزل بآبائهم، وهو استئناف معناه: تعليل النهي عن المرية ﴿وإنا لموفوهم نصيبهم﴾ أي: حظهم من العذاب كما وفينا آباءهم أنصباءهم.

﴿فاختلف فيه﴾ أي: آمن به قوم وكفر به قوم، كما اختلف في القرآن ﴿ولولا كلمة﴾ يعني: كلمة الإنظار إلى يوم القيامة ﴿لقضى﴾ بين قوم موسى أو بين قومك، وهذا من جملة التسلية أيضا.

﴿وإن كلا لما ليوفينهم ربك أعملهم إنه بما يعملون خبير (111) فاستقم كما أمرت ومن تاب معك ولا تطغوا إنه بما تعملون بصير (112) ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسكم النار ومالكم من دون الله من أولياء ثم لا تنصرون (113)﴾

﴿وإن كلا﴾ التنوين عوض عن المضاف إليه، يعني: وإن كلهم أي: جميع المختلفين فيه ﴿ليوفينهم﴾ جواب قسم محذوف، واللام في ﴿لما﴾ موطئة للقسم و " ما " مزيدة، والمعنى: وإن جميعهم والله ليوفينهم ﴿ربك أعملهم﴾ من حسن وقبيح وإيمان وكفر، وقرئ: " وإن كلا " بالتخفيف (135) على إعمال المخففة عمل الثقيلة اعتبارا لأصلها الذي هو الثقيل، وقرئ: ﴿لما﴾ بالتشديد مع ﴿إن﴾ الثقيلة والخفيفة، وكلاهما مشكل عند النحويين، إذ ليس يجوز أن يراد ب? ﴿لما﴾ معنى الحين، ولا معنى " إلا " كالتي في قولهم: نشدتك الله لما فعلت وإلا فعلت، ولا معنى " لم "، وأحسن ما يصرف إليه أن يقال: إنه أراد " لما " من قوله: ﴿أكلا لما﴾ (136)، ثم وقف فقال: ﴿لما﴾، ثم أجرى الوصل مجرى الوقف، ويكون المعنى: وإن كلا ملمومين يعني: مجموعين، كأنه قال: وإن كلا جميعا، كقوله: ﴿فسجد الملائكة كلهم أجمعون﴾ (137)، ويجوز أن يكون ﴿لما﴾ مصدرا على زنة فعلى، مثل: الدعوى والشروى.

﴿فاستقم كما أمرت﴾ أي: فاستقم استقامة مثل الاستقامة التي أمرت بها على جادة الحق غير عادل عنها ﴿ومن تاب معك﴾ عطف على الضمير المستكن في " استقم "، وجاز ذلك من غير تأكيد بالضمير المنفصل لأن الفاصل قام (138) مقامه، والمعنى: فاستقم أنت وليستقم من تاب عن الكفر وآمن معك ﴿ولا تطغوا﴾ ولا تخرجوا عن حدود الله ﴿إنه بما تعملون بصير﴾ عالم فهو مجازيكم به.

وعن الصادق (عليه السلام): " ﴿فاستقم كما أمرت﴾ أي: افتقر إلى الله بصحة العزم " (139).

وعن ابن عباس: ما نزلت آية كانت أشق على رسول الله (صلى الله عليه وآله) من هذه الآية (140)، ولهذا قال: " شيبتني هود والواقعة وأخواتها " (141).

﴿ولا تركنوا إلى الذين ظلموا﴾ ولا تميلوا إلى الذين وجد منهم الظلم، والنهي متناول للدخول معهم في ظلمهم، وإظهار الرضا بفعلهم ومصاحبتهم ومصادقتهم ومداهنتهم، وعن الحسن: جعل الله الدين بين لاءين: ﴿لا تطغوا﴾ و ﴿لا تركنوا﴾ (142).

وفي الحديث: " من دعا لظالم بالبقاء فقد أحب أن يعصى الله في أرضه " (143).

﴿ومالكم من دون الله من أولياء﴾ حال من قوله: ﴿فتمسكم النار﴾ أي: فتمسكم النار وأنتم على هذه الحال، ومعناه: ومالكم من أنصار يقدرون على منعكم من عذابه غيره ﴿ثم﴾ لا ينصركم هو.

﴿وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذاكرين (114) واصبر فإن الله لا يضيع أجر المحسنين (115) فلولا كان من القرون من قبلكم أولوا بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين (116)﴾

﴿طرفي النهار﴾ غدوة وعشية ﴿وزلفا من الليل﴾ وساعات من الليل، وهي ساعته (144) القريبة من آخر النهار، من أزلفه: إذا قربه، وصلاة الغدوة: صلاة الفجر، وصلاة العشية: المغرب، وصلاة الزلف: العشاء الآخرة، وترك ذكر الظهر والعصر، لأنهما مذكوران على التبع للطرف الأخير لأنهما بعد الزوال، وقد قال سبحانه: ﴿أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل﴾ (145)، والدلوك: الزوال، وقرئ: " وزلفا " بضمتين (146) ﴿إن الحسنات يذهبن السيئات﴾ قيل: معناه: إن الصلوات الخمس تكفر ما بينها من الذنوب (147)، لأن ﴿الحسنات﴾ معرفة باللام، وقد تقدم ذكر الصلوات.

وعن علي (عليه السلام): " أن النبي (صلى الله عليه وآله) قال: أرجى آية في كتاب الله هذه الآية " (148).

وقيل: ﴿إن الحسنات﴾ يكن لطفا في ترك ﴿السيئات﴾ (149)، ﴿ذلك﴾ إشارة إلى قوله: ﴿فاستقم﴾ وما بعده ﴿ذكرى للذاكرين﴾: عظة للمتعظين.

﴿واصبر﴾ على الامتثال بما أمرت به، والانتهاء عما نهيت عنه ﴿فإن الله لا يضيع أجر المحسنين﴾.

وهذه الآيات اشتملت على الاستقامة، وإقامة الصلوات، والانتهاء عن الطغيان والركون إلى الظلمة، وغير ذلك من الطاعات.

﴿فلولا كان﴾ أي: فهلا كان ﴿من القرون من قبلكم أولوا بقية﴾ أي: أولو فضل وخير، وسمي الفضل والجودة بقية، لأن الرجل يستبقي مما يخرجه أجوده وأفضله، فصار مثلا في الجودة والفضل، ويقال: فلان من بقية القوم أي: من خيارهم، وقد تكون البقية بمعنى: البقوى، وعلى ذلك فيكون معناه: فهلا كان منهم ذوو بقاء على أنفسهم، وصيانة لها من سخط الله وعقابه ﴿إلا قليلا﴾ استثناء منقطع معناه: ولكن قليلا ﴿ممن أنجينا منهم﴾، و " من " للبيان ﴿واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه﴾ أراد ب? ﴿الذين ظلموا﴾ تاركي النهي عن المنكرات، أي: اتبعوا ما عودوا من التنعم وطلب أسباب العيش الهنئ، ورفضوا ما وراء ذلك.

﴿وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون (117) ولو شاء ربك لجعل الناس أمة وا حدة ولا يزالون مختلفين (118) إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين (119) وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين (120) وقل للذين لا يؤمنون اعملوا على مكانتكم إنا عاملون (121) وانتظروا إنا منتظرون (122) ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الامر كله فاعبده وتوكل عليه وما ربك بغفل عما تعملون (123)﴾

﴿كان﴾ بمعنى: صح واستقام، واللام لتأكيد النفي، و ﴿بظلم﴾ حال عن الفاعل، والمعنى: استحال في الحكمة أن يهلك الله ﴿القرى﴾ ظالما ﴿وأهلها﴾ قوم ﴿مصلحون﴾ تنزيها لذاته عن الظلم، وإيذانا بأن إهلاك المصلحين ظلم (150)، وقيل: الظلم: الشرك (151)، أي: لا يهلك القرى بسبب شرك أهلها وهم مصلحون يتعاطون الحق فيما بينهم، ولا يضمون إلى ظلمهم فسادا آخر.

﴿ولو شاء ربك﴾ لاضطر ﴿الناس﴾ إلى أن يكونوا أهل ﴿أمة وا حدة﴾ أي: ملة واحدة وهي ملة الإسلام، ولكنه مكنهم من الاختيار ليستحقوا الثواب، فاختار بعضهم الحق وبعضهم الباطل فاختلفوا ﴿ولا يزالون مختلفين إلا﴾ ناسا هداهم الله ولطف بهم، فاتفقوا على دين الحق غير مختلفين فيه ﴿ولذلك﴾: " ذلك " إشارة إلى ما دل عليه الكلام الأول، يعني: ولذلك من التمكين والاختيار الذي كان عنه الاختلاف ﴿خلقهم﴾ ليثيب الذي يختار الحق بحسن اختياره ﴿وتمت كلمة ربك﴾ وهي قوله للملائكة: ﴿لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين﴾.

﴿وكلا﴾ أي: وكل نبأ ﴿نقص عليك﴾، و ﴿من أنباء الرسل﴾ بيان ل? ﴿كلا﴾، و ﴿ما نثبت به فؤادك﴾ بدل من ﴿كلا﴾، ويجوز أن يكون المعنى: وكل اقتصاص نقص، على معنى: وكل نوع من أنواع الاقتصاص نقص عليك على الأساليب المختلفة، و ﴿ما نثبت﴾ مفعول ﴿نقص﴾، ومعنى تثبيت فؤاده: زيادة يقينه وطمأنينة قلبه، لأن تكاثر الأدلة أثبت للقلب ﴿وجاءك في هذه﴾ السورة، أو في هذه الأنباء المقصوصة فيها ما هو حق ﴿وموعظة﴾ وتذكير.

﴿اعملوا على مكانتكم﴾ على حالكم التي أنتم عليها ﴿إنا عاملون﴾.

﴿وانتظروا﴾ بنا الدوائر ﴿إنا منتظرون﴾ أن ينزل بكم نحو ما قص الله من النقم النازلة بأمثالكم.

﴿ولله غيب السماوات والأرض﴾ لا يخفي عليه خافية، فلا يخفي عليه أعمالكم ﴿وإليه يرجع الامر كله﴾ فينتقم لك منهم ﴿فاعبده وتوكل عليه﴾ فإنه ينصرك ويكفيك أمرهم.


1- في بعض النسخ: " نقض ".

2- يونس: 1.

3- حكمة اللجام: ما أحاط بحنكي الدابة، وفيها العذاران، سميت بذلك لأنها تمنعه من الجري الشديد، مشتق من ذلك، وجمعه حكم. (لسان العرب: مادة حكم).

4- البيت واضح المعنى، ففيه ضرب من التهديد، راجع الشعر والشعراء لابن قتيبة: ص 374.

5- البينة: 2.

6- الأحقاف: 13.

7- في بعض النسخ: " يطلع " بالتشديد.

8- نوح: 7.

9- انظر البحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 202.

10- وهي قراءة ابن عباس ومجاهد ونصر بن عاصم على ما حكاه عنهم ابن خالويه في شواذ القرآن: ص 64.

11- وهي قراءة ابن عباس ومجاهد أيضا وابن يعمر وابن أبي إسحاق. راجع البحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 202.

12- قال العلامة الطباطبائي (قدس سره): وكون العرش على الماء يومئذ كناية عن أن ملكه تعالى كان مستقرا يومئذ على هذا الماء الذي هو مادة الحياة، فعرش الملك مظهر ملكه، واستقراره على محل هو استقرار ملكه عليه كما أن استواءه على العرش احتواؤه على الملك واخذه في تدبيره، وقول بعضهم: ان المراد بالعرش البناء بعيد عن الفهم. انظر الميزان: ج 10 ص 151.

13- قرأه حمزة والكسائي. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 391.

14- قاله ابن عباس في تفسيره: ص 182.

15- في نسخة: دلالة.

16- قاله مجاهد على ما حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 377.

17- قاله ابن عباس و عبد الرحمن بن زيد والنخعي وعكرمة والضحاك. راجع تفسير ابن عباس: ص 183، وتفسير الماوردي: ج 2 ص 461.

18- تفسير القمي: ج 1 ص 324، وفي التبيان: ج 5 ص 460: روي ذلك عن أبي جعفر (عليه السلام)، وفي تفسير الماوردي: ج 2 ص 461 عن علي بن الحسين، وذكره الطبري في تفسيره: ج 7 ص 17 باسناده عن جابر عن علي (عليه السلام).

19- وهي قراءة ابن كثير وابن عامر ويعقوب. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 378.

20- ذكره الزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 45.

21- البيت من قصيدة يصف فيها مغامراته وصيده العقبان. راجع ديوان امرئ القيس: ص 145.

22- قرأه ابن كثير وأبو عمرو والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 332.

23- وهي قراءة أبي عمرو ونصير. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 332، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 457.

24- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 389.

25- الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف هنا على التخفيف.

26- الظاهر أن القراءة المعتمدة لدى المصنف هنا على التخفيف.

27- في بعض النسخ: تعرفونهم.

28- الإرعواء: الكف عن الأمر، وقد ارعوى عن القبيح أي: ارتدع، والاسم: الرعيا والرعوى. (مجمع البحرين: مادة رعا).

29- وقائله حسان بن ثابت، ومعناه واضح. راجع ديوان حسان: ص 121.

30- كلأه: أي حرسه. (القاموس المحيط: مادة كلأ).

31- جؤجؤ الطائر والسفينة: صدرهما، والجمع الجآجئ. (الصحاح: مادة جأجأ).

32- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 392.

33- قاله ابن عباس وعكرمة والزهري، راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 472، وتفسير البغوي: ج 2 ص 383.

34- الظاهر من العبارة أن المصنف اعتمد هنا على قراءة الإضافة وحذف التنوين تبعا للزمخشري.

35- وهو قول قتادة وابن جريج ومحمد بن كعب القرظي. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 384.

36- قاله مقاتل على ما حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 384.

37- قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم وابن عامر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 333.

38- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 1 ص 385.

39- رواها الطبري في تفسيره: ج 7 ص 45 عن الضحاك.

40- قحمه تقحيما: إذا أدخله في الأمر بلا روية. والمراد هنا: أن لفظ الاسم في قوله تعالى: * (بسم الله مجريها) * ادخل بين الجار والمجرور بقصد المبالغة في عظمة الله سبحانه وقدرته.

41- رويت هذه القراءة عن علي (عليه السلام) وعلي بن الحسين وابنه الباقر وابنه الصادق (عليهم السلام) وعروة ابن الزبير وهشام بن عروة. قال القرطبي: وزعم أبو حاتم أنها تجوز على أنه يريد " ابنها " فحذف الألف كما تقول: " ابنه " فتحذف الواو، وقال النحاس: وهذا الذي قاله أبو حاتم لا يجوز على مذهب سيبويه، لأن الألف خفيفة فلا يجوز حذفها، والواو الثقيلة يجوز حذفها. راجع تفسير القرطبي: ج 9 ص 38، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 226.

42- ورويت أيضا عن علي (عليه السلام) وعروة. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 65، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 5 ص 226.

43- ذكره الزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 54.

44- وبالكسر قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة وابن عامر والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 334.

45- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 54.

46- وهو قول الزجاج كما حكاه القرطبي في تفسيره: ج 9 ص 39.

47- في بعض النسخ: عن.

48- صدره: ترتع ما رتعت حتى إذا ادكرت. تقدم شرح البيت في ج 1 ص 177 و 205 فراجع.

49- وهي قراءة الكسائي ويعقوب. راجع التبيان: ج 5 ص 494.

50- قرأه أبو جعفر القارئ ويعقوب وأحمد بن صالح عن ورش وأبو عمرو. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 459، وتفسير البغوي: ج 2 ص 386.

51- قرأه ابن كثير وابن عامر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 335.

52- وهي قراءة ورش عن نافع. راجع التبيان: ج 5 ص 494.

53- وهي قراءة نافع وابن عامر. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 335.

54- يدل بفلان: أي يثق به. (الصحاح: مادة دلل).

55- في نسخة: سورة.

56- نوح: 12.

57- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 402.

58- يونس: 20.

59- يونس: 71.

60- في بعض النسخ: بكلماته. وكلأه الله كلاءة: أي حفظه وحرسه. (الصحاح: مادة كلأ).

61- في بعض النسخ: مملكته.

62- السموم: الريح الحارة. (لسان العرب: مادة سمم).

63- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 59.

64- قاله الضحاك. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 479.

65- العمرى، ما يجعل لك طول عمرك، وعمرته إياه وأعمرته: جعلته له عمره أو عمرى. (القاموس المحيط: مادة عمر).

66- قاله مجاهد. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 479.

67- حكاه الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 351.

68- وعجزه: قليل سوى الطعن النهال نوافله. والبيت منسوب لرجل من عامر، يفخر بشجاعته وكثرة غنائمه. قال البغدادي: وهذا البيت من أبيات سيبويه الخمسين التي جهل قائلوها. راجع كتاب سيبويه: ج 1 ص 178، وخزانة الأدب للبغدادي: ج 7 ص 181 و ج 8 ص 202.

69- في نسخة: المنقول.

70- قرأه الكسائي والأعشى ورجال نافع سوى إسماعيل. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 336، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 459.

71- وعجزه: وقلت: ألما أصح والشيب وازع. والبيت للنابغة الذبياني، يذكر فيه بكاءه على الديار في حين مشيبه، ومعاتبته لنفسه على طربه وصباه. انظر ديوان النابغة: ص 80.

72- الآية: 58.

73- قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر " ألا إن ثمودا " بالتنوين، وقرأ الكسائي وحده " ألا بعدا لثمود " بالخفض والتنوين. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 337.

74- تفسير العياشي: ج 2 ص 153 و 155 ح 46 و 53.

75- قاله الضحاك على ما حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 392.

76- وهو قول السدي. راجع الكشاف: ج 2 ص 409.

77- تفسير العياشي: ج 2 ص 152 ح 44.

78- قرأه حمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 337.

79- البيت لذي الرمة، ومعناه: قلنا: سلمي واستأنسي فأمرنا سلم، أي: نحن سالمون مستأنسون ومؤانسون. انظر ديوان ذي الرمة: ص 625 وفيه: " مررن ".

80- قاله السدي وشمر بن عطية وسفيان ووهب بن منبه. راجع تفسير الطبري: ج 7 ص 69.

81- الذاريات: 26.

82- قاله مجاهد على ما حكاه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 484.

83- قاله مجاهد وعكرمة. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 484.

84- قال الزجاج: فأما من قال: ضحكت: حاضت، فليس بشئ. وقال الفراء: فلم نسمعه من ثقة. انظر معاني القرآن للزجاج: ج 3 ص 62، ومعاني القرآن للفراء: ج 2 ص 22.

85- البيت للأخوص اليربوعي، فأراد بقوله: " مشائيم " بني دارم بن مالك، وهو من قصيدة يذم الدارميين وينسبهم إلى الشؤم وقلة الصلاح والخير، ذلك انهم هربوا قاتلا كان بنو يربوع قد أودعوه عندهم بعدما كفلوه، ثم ادعوا أنه قد هرب وهذه ديته، فلما سمعهم الأخوص يذكرون الدية قال: دعوني أتكلم، فقال هذه الأبيات. انظر خزانة الأدب للبغدادي: ج 4 ص 158 وما بعدها و ج 8 ص 295 و 554، وفيهن " ببين " بدل " بشؤم ".

86- قرأه ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 338.

87- في نسخة: تسعون.

88- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 411.

89- اختاره الزجاج في معاني القرآن: ج 3 ص 64.

90- قاله النحاس في اعراب القرآن: ج 2 ص 295.

91- وهو قول الفراء في معاني القرآن: ج 2 ص 23.

92- العنكبوت: 32.

93- في بعض النسخ: حملته.

94- انظر الكافي: ج 5 ص 546 - 547 ح 6 قطعة.

95- في بعض النسخ: تشهد.

.

96- في بعض النسخ: كأنما.

97- ضري الكلب بالصيد يضرى ضراوة، أي: تعود. (الصحاح: مادة ضري).

98- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 414.

99- إذ " الضيف " يقع على الواحد والاثنين والجماعة.

100- بالوصل قرأه ابن كثير ونافع. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 338.

101- وهو قول مجاهد على ما حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 9 ص 80.

102- بالرفع قرأه ابن كثير وأبو عمرو. راجع كتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 338.

103- رواه السمرقندي في تفسيره: ج 2 ص 138.

104- الذاريات: 33.

105- قاله الربيع. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 493.

106- في بعض النسخ: ووسعة.

107- الكهف: 42.

108- في بعض النسخ زيادة: عليكم.

109- يظهر من عبارة المصنف أنه يعتمد على القراءة بالجمع كما هو ظاهر.

110- قاله الضحاك. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 497.

111- وعجزه: يخال الفرار يراخي الأجل. لم نعثر على قائله، ذكره سيبويه ضمن شواهده. وبه يهجو الشاعر رجلا ويصفه بالجبن والضعف، وأنه دائما يلجأ إلى الفرار ويظنه مؤخرا لأجله. انظر كتاب سيبويه: ج 1 ص 192، وخزانة الأدب للبغدادي: ج 8 ص 127.

112- في نسخة: مطبقين.

113- في بعض النسخ: بفعل.

114- رام يريم ريما: برح وزال. (القاموس المحيط: مادة رام).

115- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 425.

116- قاله القتبي على ما حكاه عنه السمرقندي في تفسيره: ج 2 ص 141.

117- النازعات: 26.

118- وصدره: ومشهد قد كفيت الغائبين به. البيت منسوب لام قبيس الضبية، وهو من أبيات الحماسة والفخر، تقول: رب مشهد مشهود أو محفل ملتئم من أشراف الناس ورؤسائهم قد كفيت الغائبين بالنطق عنهم، فكشفت الغمة وأثبتت الحجة وقلت الصواب عنهم. انظر شرح شواهد الكشاف للأفندي: ص 376.

119- فاطر: 45.

120- في بعض النسخ: نؤخره.

121- البقرة: 210.

122- الفجر: 22.

123- وهي قراءة المفضل والأعمش. راجع التذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 461.

124- راجع تفصيله في الفريد في اعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 666 - 667.

125- الزخرف: 66.

126- قال الطريحي: شهيق الحمار: آخر صوته، والزفير: أوله، شبه حسيسها المفضع بشهيق الحمار الذي هو كذلك. وشهق الرجل: ردد نفسه مع سماع صوته من حلقه. مجمع البحرين: ج 5 ص 197 مادة (شهق).

127- هو الشماخ بن ضرار المازني الغطفاني، شاعر مخضرم، عاش أكثر حياته في العصر الاسلامي، أقام في المدينة المنورة كثيرا، وقيل: إنه أنشد شعرا امام الرسول (صلى الله عليه وآله)، توفي في خلافة عثمان. انظر الأغاني لأبي فرج الأصفهاني: ج 9 ص 158.

128- يصف فيه حمار وحش بحسن الصوت وطول النفس. انظر شرح شواهد الكشاف للأفندي: ص 355.

129- حكاه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 402 ونسبه إلى أهل المعاني.

130- قاله ابن عباس والضحاك وقتادة، ويرويه أنس عن النبي (صلى الله عليه وآله). راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 505.

131- الحشر: 1، الصف: 1.

132- في مجمع البيان بلفظ: بمشيئته. قال الجوهري: الثنيا: الاسم من الاستثناء وكذا الثنوى. انظر الصحاح: مادة (ثنى).

133- سفعته النار: إذا أحرقته إحراقا يسيرا فغيرت لون البشرة. (الصحاح: مادة سفع).

134- حكاه عنه عبد الرزاق في تفسيره: ج 1 ص 273.

135- قرأ ابن كثير ونافع (الحرميان) بتخفيف " إن " و " لما "، وقرأ أبو عمرو والكسائي بتشديد الأولى وتخفيف الثانية، وأما أبو بكر عن عاصم فقد قرأ بتخفيف الأولى وتشديد الثانية. راجع التبيان: ج 6 ص 73 - 74، والتذكرة في القراءات لابن غلبون: ج 2 ص 461.

136- الفجر: 19.

137- الحجر: 30.

138- في بعض النسخ: قائم.

139- أخرجه الطبري في تفسيره: ج 7 ص 115.

140- حكاه عنه القرطبي في تفسيره: ج 9 ص 107.

141- قد تواتر هذا الحديث عنه (صلى الله عليه وآله) بهذا اللفظ أو قريب منه من طرق الخاصة والعامة، نذكر على سبيل المثال: أمالي الشيخ الصدوق: ج 1 ص 194، الخصال: ص 199، المعجم الكبير للطبراني: ج 6 ص 138 و ج 17 ص 287، المصنف لابن أبي شيبة: ج 10 ص 554، وغيرها.

142- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 22.

143- اتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 6 ص 133.

144- في نسخة، ساعاته.

145- الاسراء: 78.

146- وهي قراءة أبي جعفر المدني وابن إسحاق وعيسى على ما حكاه عنهم ابن خالويه في شواذ القرآن: ص 66.

147- قاله ابن عباس وابن مسعود والحسن والضحاك. راجع تفسير الماوردي: ج 2 ص 509.

148- تفسير العياشي: ج 2 ص 161 ح 74 قطعة.

149- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 435.

150- في بعض النسخ زيادة: مستحيل عليه.

151- قاله ابن عباس على ما حكاه عنه السمرقندي في تفسيره: ج 2 ص 146.