سورة الإخلاص
سورة الإخلاص أربع آيات مكية (1)، وقيل: مدنية، وتسمى سورة التوحيد ونسبة الرب.
في حديث أبي: " من قرأها فكأنما قرأ ثلث القرآن، وأعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر ".
وعن الصادق (عليه السلام): " من مضى به يوم واحد فصلى فيه خمس صلوات ولم يقرأ فيها بـ (قل هو الله أحد) قيل له: يا عبد الله، لست من المصلين " (2) (2).
وفي الحديث: أنه كان يقال لسورتي (قل يأيها الكفرون) و (قل هو الله أحد) المقشقشتان، أي: المبرئتان من الشرك والنفاق (3).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿قل هو الله أحد (1) الله الصمد (2) لم يلد ولم يولد (3) ولم يكن له كفوا أحد (4)﴾
(هو) ضمير الشأن، و (الله أحد) هو الشأن، كقولك: هو زيد منطلق، كأنه قال: الشأن هذا، وهو: أن الله تعالى واحد لا ثاني له، وقيل: هو كناية عن الله (4)، و (الله) بدل منه، و (أحد) خبر المبتدأ، أو: يكون (الله) خبر مبتدأ، و (أحد) خبر ثان، أو على: هو أحد.
وعن ابن عباس: قالت قريش: يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) صف لنا ربك الذي تدعونا إليه، فنزلت (5).
والمعنى: الذي سألتموني وصفه هو الله.
و (أحد) أصله: وحد، وقرئ: " أحد الله "، بغير تنوين (6) أسقط لملاقاته لام التعريف، ونحوه: ولا ذاكر الله إلا قليلا (7) والأحسن التنوين، وكسره لالتقاء الساكنين.
و (الصمد) فعل، بمعنى مفعول، من: صمد إليه في الحوائج أي: قصد، والمعنى: هو الله الذي تعرفونه وتقرون أنه خالق السماوات والأرض وخالقكم، وهو واحد متوحد بالإلهية لا يشاركه فيها غيره، وهو الذي يصمد إليه في الحوائج، لا يستغني عنه أحد من المخلوقين، وهو الغني عن جميعهم.
(لم يلد) لأنه لا يجانس حتى يكون له من جنسه صاحبة فيتوالدا، وقد دل على هذا المعنى بقوله: (أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة) (8).
(ولم يولد) لأن كل مولود محدث وجسم، وهو قديم لا أول لوجوده وليس بجسم.
(ولم يكن له كفوا) أي: شكلا ومثلا (أحد) أي: لم يكافئه أحد ولم يماثله، ويجوز أن يكون من الكفاءة في النكاح نفيا للصاحبة.
سألوه أن يصف لهم ربه، فنزلت السورة محتوية على صفاته عز اسمه، لأن قوله: (هو الله) إشارة لهم إلى من هو خالق الأشياء ومنشئها، وفي ضمن ذلك وصفه بأنه قادر عالم، لأن الخلق والإنشاء لا يكون إلا من عالم قادر لوقوعه على غاية الإحكام والاتساق والانتظام، وفي ذلك وصفه بأنه حي موجود سميع بصير، وقوله: (أحد) وصف له بالوحدانية ونفي الشركاء عنه، و (الصمد) وصف له بأنه ليس إلا محتاجا إليه، وإذا لم يكن إلا محتاجا إليه فهو غني، وفي كونه غنيا مع كونه عالما أنه عدل غير فاعل للقبيح لعلمه بقبح القبيح وعلمه بغناه عنه، وقوله: (لم يلد) نفي للتشبيه والمجانسة، وقوله: (ولم يولد) وصف بالأولية (9) والقدم، وقوله: (ولم يكن له كفوا أحد)، تقرير لنفي التشبيه وقطع به، وإنما قدم سبحانه (له) وهو غير مستقر لأن سياق هذا الكلام لنفي المكافأة عن ذات الباري، وهذا المعنى مركزه هذا الظرف، فكان أهم شيء بالذكر، وأغناه وأحقه بالتقديم وأحراه.
وقرئ: (كفوا) بضم الكاف والفاء، وبسكون الفاء (10)، وبالهمزة وتخفيفه (11).
وفي عظم محل هذه السورة وكونها معادلة لثلث القرآن (12) على قصرها وتقارب طرفيها، دلالة واضحة على أن علم التوحيد من الله بمكان، ولا غرو فإن العلم تابع للمعلوم، يشرف بشرفه ويتضع بضعته، وإذا كان معلوم هذا العلم هو الله جل جلاله، وصفاته، وما يجوز عليه وما لا يجوز، فما ظنك بشرف منزلته وعلو شأنه وجلالة رتبته؟وعن الباقر (عليه السلام): إذا فرغت من قراءة (قل هو الله أحد) فقل: كذلك الله ربي، ثلاثا (13).
ويروى: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يقف عند آخر كل آية من هذه السورة (14).
1- في نسخة زيادة: " وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام): من أصابه شدة أو مرض، ولم يقرأ في مرضه أو في تلك الشدة التي نزلت به ب? (قل هو الله أحد) ثم مات في مرضه أو في تلك الشدة التي نزلت به فهو من أهل النار. وبهذا الإسناد عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يدع أن يقرأ في دبر الفريضة ب? (قل هو الله أحد) فإنه من قرأها جمع الله له خير الدنيا والآخرة، وغفر الله له ولوالديه وما ولدا. وعن أمير المؤمنين (عليه السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): من قرأ (قل هو الله أحد) حين يأخذ مضجعه مائة مرة غفر الله له ذنوب خمسين سنة. وعن جعفر بن محمد عن أبيه عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): أنه صلى على سعد بن معاذ فقال: لقد وافى من الملائكة تسعون ألف ملك وفيهم جبرئيل (عليه السلام) يصلون عليه، فقلت له: يا جبرائيل بما استحق صلاتكم عليه؟فقال: بقراءة (قل هو الله أحد) قائما وقاعدا وراكبا وماشيا وذاهبا وجائيا. وعن فضل بن عثمان قال: أخبرني رجل عن أبي عبد الله (عليه السلام): من آوى إلى فراشه فقرأ (قل هو الله أحد) احدى عشرة مرة حفظ في داره وفي دور حوله. وبهذا الإسناد عن عبد الله بن حجم عن أمير المؤمنين يقول: من قرأ (قل هو الله أحد) في دبر الفجر لم يتبعه في ذلك اليوم ذنب وأرغم أنف الشيطان. وعن أبي الحسن (عليه السلام): من قدم (قل هو الله أحد) بينه وبين جبار منعه الله منها بقراءتها بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله، فإذا جعل ذلك رزقه الله خيره ومنعه شره، وقال: إذا خفت أمرا فاقرأ مائة مرة آية من القرآن من شئت ثم قل: اللهم اكشف عني البلاء ثلاث مرات. وعن حفص بن غياث عن أبي عبد الله (عليه السلام) يقول لرجل: أتحب البقاء في الدنيا؟قال: نعم قال: ولم؟قال: لقراءة (قل هو الله أحد)، فسكت عنه ثم قال لي بعد ساعة: يا حفص من مات من أوليائنا وشيعتنا ولم يحسن القرآن علمه في قبره ليرفع الله له درجته، فان درجات الجنة على قدر آيات القرآن، فيقال لقارئ القرآن: إقرأ وارق ".
2- حكاه الأصمعي. راجع تفسير القرطبي: ج 20 ص 225.
3- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 5 ص 377.
4- تفسير ابن عباس: ص 522.
5- وهي قراءة أبي عمرو وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 701.
6- وصدره: فألفيته غير مستعتب. لأبي الأسود الدؤلي من أبيات يعاتب فيها امرأته، وكنى بضمير المذكر عنها استحياء. راجع خزانة الأدب للبغدادي: ج 11 ص 374 وما بعده.
7- الأنعام: 101.
8- في نسخة: " بالأزلية ".
9- وهي قراءة حمزة وحده. راجع التيسير في القراءات للداني: ص 226.
10- قرأ حمزة في الوصل وأبو عمرو برواية محبوب عنه ونافع برواية بالهمز خفيفة، وقرأ ابن كثير وابن عامر والكسائي وأبو عمرو برواية اليزيدي وعبد الوارث وعاصم برواية أبي بكر عنه بالهمز مثقلة، راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 701 - 702.
11- أنظر التوحيد للصدوق: ص 95، والكافي: ج 2 ص 621 ح 7.
12- أورده في عيون أخبار الرضا (عليه السلام): ج 1 ص 133 ح 30.
13- رواه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 432. وفي الكافي: ج 2 ص 616 ح 12 عن أبي عبد الله (عليه السلام): يكره أن يقرأ (قل هو الله أحد) بنفس واحد.
14- قال الشيخ في التبيان: ج 10 ص 432: مكية في قول ابن عباس، وقال الضحاك: هي مدنية. وهي خمس آيات بلا خلاف. وفي تفسير الماوردي: ج 6 ص 373: مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، ومدنية في أحد قولي ابن عباس وقتادة. وفي الكشاف: ج 4 ص 820: مكية، وقيل: مدنية، وآياتها.