سورة التين
مختلف فيها (1) ثماني آيات.
في حديث أبي: " من قرأها أعطاه الله خصلتين: العافية واليقين ما دام في دار الدنيا، فإذا مات أعطاه الله بعدد من قرأ هذه السورة صيام يوم " (2).
وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأ (والتين) في فرائضه ونوافله أعطي من الجنة حيث يرضى " (3).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿والتين والزيتون (1) وطور سينين (2) وهذا البلد الأمين (3) لقد خلقنا الانسن في أحسن تقويم (4) ثم رددنه أسفل سفلين (5) إلا الذين ءامنوا وعملوا الصلحت فلهم أجر غير ممنون (6) فما يكذبك بعد بالدين (7) أليس الله بأحكم الحكمين (8)﴾
أقسم سبحانه بـ (التين) الذي يؤكل (والزيتون) الذي يعصر منه الزيت، لأنهما عجيبتان من بين أصناف الأشجار المثمرة.
وروي أنه أهدي لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) طبق من تين فأكل منه وقال لأصحابه: " كلوا فلو قلت: إن فاكهة نزلت من الجنة لقلت: هذه هي، لأن فاكهة الجنة بلا عجم، فكلوها فإنها تقطع البواسير، وتنفع من النقرس " (4).
ومر معاذ بن جبل بشجرة الزيتون فأخذ منها قضيبا واستاك به، وقال: سمعت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول: " نعم السواك الزيتون، من الشجرة المباركة، يطيب الفم ويذهب بالحفر "، وسمعته يقول: " هو سواكي وسواك الأنبياء قبلي " (5).
وقيل: هما جبلان من الأرض المقدسة (6)، وأضيف " الطور " وهو الجبل إلى (سينين) وهي البقعة، و " سينون " مثل " يبرون " في جواز الإعراب بالواو والياء، والإقرار على الياء وتحريك النون بحركات الإعراب.
و (البلد الأمين) مكة، قد أمن فيه الخائف في الجاهلية والإسلام، يقال: أمن الرجل أمانة، فهو أمين وأمان، فكأنه يحفظ من دخله كما يحفظ الأمين ما يؤتمن عليه.
(لقد خلقنا الانسن) جواب القسم (في أحسن تقويم) أي: في أحسن تعديل لشكله وصورته، وتسوية لأعضائه، وإبانة له من غيره بنطقه وتميزه وعقله وتدبيره، (ثم رددنه) ثم كان عاقبة أمره حين لم يشكر النعمة في الخلقة القويمة أن رددناه (أسفل) من سفل خلقا وتركيبا، يعني: أقبح من قبح صورة من خلقه، وهم أصحاب النار.
أو: ثم رددناه بعد ذلك التقويم والتحسين أسفل من سفل في الصورة حيث نكسناه في الخلق، يريد: حال الخرف والهرم وكلال السمع والبصر.
والاستثناء على المعنى الأول متصل، واتصاله ظاهر، وعلى الثاني منقطع بمعنى: ولكن الذين كانوا صالحين من الهرمى فلهم ثواب دائم على طاعاتهم وصبرهم على مقاساة المشاق والقيام بالعبادة في حال عجزهم وتخاذل قواهم، وعن ابن عباس: (إلا الذين ءامنوا) يعني: الذين قرأوا القرآن، وقال: من قرأ القرآن لم يرد إلى أرذل العمر وإن عمر طويلا (7).
(فما يكذبك) الخطاب للإنسان على طريقة الالتفات، أي: فما يجعلك كاذبا بسبب (الدين) وإنكاره بعد هذا الدليل؟يعني: أنك تكذب إذا كذبت بالجزاء، فإن كل مكذب بالحق كاذب لا محالة، والباء مثلها في قوله: (الذين هم به مشركون) (8)، وقيل: الخطاب لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (9).
(أليس الله بأحكم الحكمين) وعيد للكفار بأنه يحكم عليهم بما هم أهله.
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه كان إذا ختم هذه السورة قال: " بلى، وأنا على ذلك من الشاهدين " (10).
1- العصر: 2.
2- قاله كعب الأحبار. راجع تفسير الماوردي: ج 6 ص 305.
3- قال الضحاك. راجع المصدر السابق.
4- في نسخة: " المعلوم ".
5- في بعض النسخ زيادة: " على الخطأ ".
6- حكاه عنه عبد الرزاق في تفسيره: ج 2 ص 313.
7- قاله الفراء. راجع معاني القرآن: ج 3 ص 278.
8- رواه مسلم في الصحيح: ج 4 ص 2154 ح 2797.
9- قاله الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 381.
10- في بعض النسخ: " لنسجننه ".