سورة الضحى
مكية (1) إحدى عشرة آية بالإجماع.
في حديث أبي: " من قرأها كان ممن يرضى الله بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يشفع له، وله عشر حسنات بعدد كل يتيم وسائل " (2).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿والضحى (1) والليل إذ آ سجى (2) ما ودعك ربك وما قلى (3) وللاخرة خير لك من الاولى (4) ولسوف يعطيك ربك فترضى (5) ألم يجدك يتيما فاوى (6) ووجدك ضآلا فهدى (7) ووجدك عآئلا فأغنى (8) فأما اليتيم فلا تقهر (9) وأما السآئل فلا تنهر (10) وأما بنعمة ربك فحدث (11)﴾
أقسم سبحانه بوقت (الضحى) وهو صدر النهار، وقيل: أريد بالضحى النهار كله (3) كقوله: (أن يأتيهم بأسنا ضحى) (4) في مقابلة قوله: (بياتا) (5)، (سجى) أي: سكن وركد ظلامه، وليلة ساجية: ساكنة الريح، وقيل: معناه: سكون الناس والأصوات فيه (6).
(ما ودعك) جواب القسم، أي: ما قطعك قطع المودع، والتوديع مبالغة في الودع وهو الترك، لأن من ودعك فقد بالغ في تركك.
وروي: أن الوحي قد احتبس عنه أياما، فقال المشركون: إن محمدا ودعه ربه وقلاه فنزلت (7).
وحذف الضمير من (قلى) كما حذف من (الذاكرت) (8)، ونحوه: (فآوى)، (فهدى)، (فأغنى) وهو اختصار لفظي لأن المحذوف معلوم.
(وللاخرة خير لك من الاولى) وجه اتصاله بما قبله: أنه لما كان في ضمن نفي التوديع والقلى أن الله مواصلك بالوحي إليك، وأنك حبيب الله، أخبره سبحانه أن حاله في الآخرة أعظم من ذلك وأجل، وهو السبق والتقدم على جميع الرسل والأنبياء، وإعلاء المرتبة، وإعطاء الشفاعة والحوض وأنواع الكرامة.
وعن ابن الحنفية أنه قال: يا أهل العراق، تزعمون أن أرجى آية في كتاب الله عز وجل: (قل يعبادى الذين أسرفوا...) (9) الآية، وإنا أهل البيت نقول: أرجى آية في كتاب الله: (ولسوف يعطيك ربك فترضى) وهي والله الشفاعة، ليعطينها في أهل لا إله إلا الله حتى يقول: رب رضيت (10).
واللام في (ولسوف) لام الابتداء المؤكدة لمضمون الجملة، والمبتدأ محذوف، والتقدير: ولأنت سوف يعطيك، وليس بلام القسم لأنها لا تدخل على المضارع إلا مع نون التوكيد.
ثم عدد سبحانه عليه نعمه، وأنه لم يخله منها من ابتداء أمره ليقيس المترقب على السالف: (ألم يجدك) من الوجود الذي بمعنى العلم، والمنصوبان مفعولا " وجد "، والمعنى: ألم تكن يتيما؟وذلك أن أباه مات وهو جنين، أو: بعد ولادته بمدة قليلة على اختلاف الرواية فيه، وماتت أمه وهو ابن سنتين فآواه الله بجده عبد المطلب أولا، وبعمه أبي طالب بعد وفاة عبد المطلب، وحببه إليه حتى كان أحب إليه من جميع أولاده، فكفله ورباه، ولما مات عبد المطلب كان ابن ثماني سنين.
(ووجدك ضآلا) عن علم الشرائع، كقوله: (ما كنت تدرى ما الكتب ولا الايمن) (11).
وقيل: إن حليمة ظئره أضلته عند باب مكة حين فطمته وجاءت به لترده على عبد المطلب، فخرج عبد المطلب ودعا الله سبحانه فنودي وأشعر بمكانه (12).
وروي أيضا: أنه ضل في صباه في بعض شعاب مكة فرده أبو جهل إلى عبد المطلب (13) (فهدى) أي: فعرفك القرآن والشرائع، أو: فأزال ضلالك عن جدك.
(ووجدك عآئلا) أي: فقيرا لا مال لك فأغناك بمال خديجة، أو: بما أفاء عليك من الغنائم.
(فأما اليتيم فلا تقهر) أي: فلا تغلبه على حقه وماله لضعفه.
وعنه (عليه السلام): " من مسح يده على رأس يتيم كان له بكل شعرة تمر على يده نور يوم القيامة " (14).
(وأما السائل فلا تنهر) أي: فلا ترده ولا تزجره، وقيل: هو طالب العلم إذا جاءك فلا تنهره (15).
والتحديث (بنعمة) الله: شكرها وإشاعتها وإظهارها.
1- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 772 مرسلا.
2- رواه العياشي عن الصادق (عليه السلام) كما في المجمع.
3- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 426.
4- رواه الطبري في تفسيره: ج 12 ص 628 عن الحسن.
5- تفسير ابن عباس: ص 514.
6- رواه الحميري في قرب الإسناد: ص 7 ح 22 ط. آل البيت عن مسعدة بن صدقة عن أبي عبد الله (عليه السلام) عن أبيه.
7- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 428.
8- تفسير مجاهد: ص 736.
9- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 772.
10- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 375: مكية في قول ابن عباس والضحاك، وهي ثمان آيات بلا خلاف. وفي تفسيره الماوردي: ج 6 ص 300: مكية في قول الحسن وعكرمة وعطاء وجابر، وقال ابن عباس وقتادة: هي مدنية. وفي الكشاف: ج 4 ص 773: مكية، وآياتها |
11|، نزلت بعد البروج.
12- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 775 مرسلا.
13- ثواب الأعمال للصدوق: ص 151، وزاد في آخره: " إن شاء الله ".
14- رواه في مكارم الإخلاق: ص 173، والكحال في الأحكام النبوية في الصناعة الطبية: ج 2 ص 141 كلاهما عن أبي ذر.
15- أخرجه العجلوني في كشف الخفاء: ج 1 ص 441 و 535.