سورة الانفطار ([1])

مكية (2)، وهي تسع عشرة آية.

في حديث أبي: " من قرأها أعطاه الله بعدد كل قطرة من السماء حسنة، وبعدد كل قبر حسنة " (3).

وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأ هاتين السورتين: (إذا السمآء انفطرت) و (إذا السمآء انشقت) وجعلهما نصب عينيه في صلاة الفريضة والنافلة، لم يحجبه من الله حجاب، ولم يزل ينظر إلى الله وينظر الله إليه حتى يفرغ من حساب الناس " (4).

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿إذا السمآء انفطرت (1) وإذا الكواكب انتثرت (2) وإذا البحار فجرت (3) وإذا القبور بعثرت (4) علمت نفس ما قدمت وأخرت (5) يأيها الانسن ما غرك بربك الكريم (6) الذي خلقك فسواك فعدلك (7) في أى صورة ما شآء ركبك (8) كلا بل تكذبون بالدين (9) وإن عليكم لحفظين (10) كراما كتبين (11) يعلمون ما تفعلون (12) إن الأبرار لفي نعيم (13) وإن الفجار لفي جحيم (14) يصلونها يوم الدين (15) وما هم عنها بغآئبين (16) ومآ أدراك ما يوم الدين (17) ثم مآ أدراك ما يوم الدين (18) يوم لا تملك نفس لنفس شيا والأمر يومئذ لله (19)﴾

(انفطرت): انشقت وانقطعت.

و (انتثرت): تساقطت وتهافتت.

(فجرت) فتح بعضها في بعض فصارت بحرا واحدا واختلط الملح بالعذب.

(بعثرت) بحثت وأخرج موتاها، و " بعثر " و " بحثر " أخوان ركبا من: " بعث " و " بحث " مع راء ضم إليهما.

(علمت نفس ما قدمت) من خير أو شر (و) ما (أخرت) من سنة استن بها بعده، وهو مثل قوله: (ينبؤا الإنسن يومئذ بما قدم وأخر) (5).

(ما غرك بربك) أي شىء خدعك بخالقك حتى عصيته وخالفته؟وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " غره جهله " (6)، وعن الحسن: غره والله شيطانه الخبيث (7)، قال له: افعل ما شئت فربك الكريم الذي تفضل عليك بما تفضل به أولا وهو متفضل عليك آخرا، فورطه في المعاصي.

وقيل للفضيل بن عياض: إن أقامك الله يوم القيامة وقال: (ما غرك بربك الكريم) فماذا تقول؟قال: أقول: غرتني ستورك المرخاة (8).

وعن يحيى بن معاذ: أقول: غرني بك برك بي سالفا وآنفا (9).

وعن غيره (10): أنه سبحانه إنما ذكر (الكريم) من بين سائر أسمائه لأنه كأنه لقنه الإجابة حتى يقول: غرني كرم الكريم.

كما يروى عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه صاح بغلام له مرات فلم يلبه، فنظر فإذا هو بالباب فقال له: ما لك لم تجبني؟فقال: لثقتي بحلمك، وأمني من عقوبتك، فاستحسن جوابه وأعتقه (11).

(فسواك) فجعلك سويا سالم الأعضاء " فعدلك ? (12) فصيرك معتدلا متناسب الخلق، وقرئ: (فعدلك) بالتخفيف، وفيه وجهان: أحدهما: أن يكون بمعنى المشدد، أي: عدل بعض أعضائك ببعض حتى اعتدلت، والآخر: فصرفك عن خلقة غيرك وخلقك خلقة حسنة، يقال: عدله عن الطريق أي: صرفه.

" ما " في (ما شآء) مزيدة، أي: (ركبك) في أي صورة اقتضتها مشيئته وحكمته من الصور المختلفة في الحسن والقبح، والطول والقصر، والشبه ببعض الأقارب وخلاف الشبه، وهذه الجملة بيان ل? " عدلك ".

وتعلق الجار والمجرور بـ (ركبك) على معنى: وضعك في بعض الصور، ويجوز أن يتعلق بـ (عدلك) ويكون في معنى التعجب، أي: فعدلك في أي صورة عجيبة، ثم قال: (ما شآء ركبك)، أي: ركبك ما شاء من التراكيب، يعني: تركيبا حسنا.

(كلا) أي: ارتدعوا من الاغترار بالله (بل تكذبون بالدين) أصلا، وهو الجزاء، أو: دين الإسلام.

(وإن عليكم لحفظين) من الملائكة يكتبون عليكم أعمالكم لتجازوا بها (إن) أولياء الله (الأبرار لفي نعيم وإن) الذين يكذبون بالدين (الفجار لفي جحيم يصلونها) أي: يلزمونها بكونهم فيها.

(وما هم عنها بغآئبين) مثل قوله: (وما هم بخرجين منها) (13).

(ومآ أدرك ما يوم الدين) يعني: أن أمر يوم الدين بحيث لا تدرك دراية دار كنهه في الهول والشدة، وكيفما تصورته فهو فوق ذلك، والتكرير لزيادة التهويل.

ثم أجمل القول في وصفه فقال: (يوم لا تملك نفس لنفس شيئا) أي: لا تستطيع دفعا عنها، ولا نفعا لها، ولا شفاعة إلا بإذنه وأمره (والأمر يومئذ) والحكم في الجزاء والثواب والعفو والعقوبة (لله) وحده.

وقرئ: " يوم لا تملك " بالرفع (14) على البدل من (يوم الدين)، أو: على تقدير: هو يوم لا تملك، وبالنصب على إضمار: يدانون، لأن (الدين) يدل عليه، أو: ترك ما يكون عليه في أكثر الأمر من كونه ظرفا (15)، وهو في محل الرفع، ونحوه: (يوم هم على النار يفتنون) (16) يوم يكون الناس.


1- ثواب الأعمال للصدوق: ص 149 وزاد في آخره: " يوم القيامة ".

2- أنظر أسباب النزول: ص 388 ح 907 عن ابن عباس.

3- أخرجه الطبراني في المعجم: ج 11 ص 38 باسناده عن عبد الله بن بريدة عن أبيه رفعه.

4- معاني القرآن: ج 3 ص 246.

5- لم نعثر على قائله، والأكمؤ: جمع كمأة، والعساقل: جمع عسقول وهو نوع صغير منها جيد أبيض، ونبات الأوبر: نوع ردئ منها يكون أسود مزغبا. والبيت من باب التمثيل لحال من أغري إلى الطيب فعدل إلى الخبيث ثم يتندم على عاقبته. انظر شرح الشواهد: ص 552.

6- زيادة يقتضيها السياق.

7- أراد: أن الذي له هوى وحرص على شأنك هو الذي يقوم به، لا القوي عليه ولا هوى ولا حرصا له فيك. أنظر مجمع الأمثال: ج 1 ص 216.

8- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 720.

9- ذكره الرازي في تفسيره: ج 31 ص 89.

10- قاله ابن عباس في تفسيره: ص 504.

|

11- رواه أبو هريرة عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم). راجع تفسير الطبري: ج 12 ص 488.

12- قاله قتادة وابن زيد راجع المصدر السابق: ص 489.

13- رواه الطبري في تفسيره: ج 12 ص 488 باسناده عن البراء عن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم).

14- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 404، وفيه: " يموت القلب ".

15- قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وقنبل ونافع برواية إسحاق بالإدغام مع فتح الراء تفخيما، وقرأ أبو بكر عن عاصم وخارجة عن نافع وحمزة والكسائي بالادغام أيضا لكن بكسر الراء ممالا، وروى عباس عن أبي عمرو بأنه لم يكسر الراء ويشبه الإدغام وليس بالإدغام. وقراءة نافع المشهورة هي الإظهار، وأما حفص عن عاصم فكان يقطع فيقف عند (بل) ثم يبتدئ ب? (ران) فيصل الراء غير مدغمة. راجع كتاب السبعة: ص 675 - 676.

16- حكاه عنه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 300.