سورة الأعراف / 100 و 108
﴿أولم يهد للذين يرثون الأرض من بعد أهلها أن لو نشاء أصبناهم بذنوبهم ونطبع على قلوبهم فهم لا يسمعون (100) تلك القرى نقص عليك من أنبائها ولقد جاءتهم رسلهم بالبينات فما كانوا ليؤمنوا بما كذبوا من قبل كذلك يطبع الله على قلوب الكافرين (101) وما وجدنا لأكثرهم من عهد وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين (102)﴾ المعنى: ﴿أولم يهد للذين﴾ يخلفون من خلا قبلهم في ديارهم ويرثونهم أرضهم هذا الشأن وهو أنا ﴿لو نشاء أصبناهم بذنوبهم﴾ كما أصبنا من قبلهم وأهلكناهم كما أهلكنا أولئك، وقد قرئ: " أولم نهد " بالنون (1)، وعلى ذلك فيكون ﴿أن لو نشاء أصبناهم﴾ منصوب الموضع، بمعنى: أولم نبين لهم هذا الشأن، ولذلك عدي الهداية باللام لأنه بمعنى التبيين ﴿ونطبع على قلوبهم﴾ معطوف على ما دل عليه معنى ﴿أولم يهد﴾ فكأنه قيل: يغفلون عن الهداية ونطبع على قلوبهم ﴿تلك القرى﴾ مبتدأ وخبر و ﴿نقص عليك من أنبائها﴾ حال، ويجوز أن يكون ﴿القرى﴾ صفة لـ ﴿تلك﴾ و ﴿نقص﴾ خبرا (2)، أي: تلك القرى المذكورة نقص عليك من أنبائها لتخبر قومك بها فيعتبروا ويحذروا عن الإصرار على مثل حالهم ﴿فما كانوا ليؤمنوا﴾ عند مجئ الرسل بالبينات ﴿بما كذبوا﴾ به من قبل مجيئهم (3)، أو فما كانوا ليؤمنوا إلى آخر أعمارهم بما كذبوا به أولا حين جاءتهم الرسل، أي: استمروا على التكذيب إلى أن ماتوا مصرين (4)، ومعنى اللام تأكيد النفي وأن الإيمان كان منافيا لحالهم ﴿كذلك﴾ أي: مثل ذلك الطبع الشديد ﴿يطبع الله على قلوب الكافرين وما وجدنا لأكثرهم من عهد﴾ الضمير للناس على الإطلاق، أي: وما وجدنا لأكثر الناس من عهد فإن الأكثر ينقض عهد الله في الإيمان والتقوى ﴿وإن وجدنا﴾ وإن الشأن والحديث وجدنا ﴿أكثرهم لفاسقين﴾ خارجين عن الطاعة، والآية اعتراض، ويجوز أن يرجع الضمير إلى الأمم (5) المذكورين وأنهم كانوا إذا عاهدوا الله في ضر: لئن أنجيتنا لنؤمنن، ثم لما نجاهم نكثوا، والوجود بمعنى العلم من قولك: وجدت زيدا ذا الحفاظ.
﴿ثم بعثنا من بعدهم موسى بآياتنا إلى فرعون وملأه فظلموا بها فانظر كيف كان عقبة المفسدين (103) وقال موسى يفرعون إني رسول من رب العلمين (104) حقيق على أن لا أقول على الله إلا الحق قد جئتكم ببينة من ربكم فأرسل معي بني إسرائيل (105) قال إن كنت جئت بآية فأت بها إن كنت من الصدقين (106) فألقى عصاه فإذا هي ثعبان مبين (107) ونزع يده فإذا هي بيضاء للناظرين (108)﴾ ﴿فظلموا بها﴾ معناه: فكفروا ﴿بآياتنا﴾، أجرى الظلم مجرى الكفر (6) كما قال: ﴿إن الشرك لظلم عظيم﴾ (7)، أو فظلموا الناس بسببها حين صدوهم عنها وآذوا الذين آمنوا بها (8) ﴿حقيق على أن لا أقول﴾ جائز أن يكون ضمن ﴿حقيق﴾ معنى " حريص " (9) كما ضمن " هيجني " معنى " ذكرني " في بيت النابغة: إذا تغنى الحمام الورق هيجني * ولو تعزيت عنها أم عمار (10) ويجوز أن يكون موسى (عليه السلام) أغرق في وصف نفسه بالصدق في ذلك المقام فقال: أنا حقيق على قول الحق (11)، أي: واجب على قول الحق أن أكون أنا قائله، ولا يرضى إلا مثلي ناطقا به، وقرأ نافع: " حقيق علي أن لا أقول " (12) ومعناه: واجب علي ﴿فأرسل معي بني إسرائيل﴾ أي: خلهم حتى يذهبوا معي راجعين إلى الأرض المقدسة التي هي وطنهم، وذلك أن فرعون والقبط كانوا قد استعبدوا بني إسرائيل واستخدموهم في الأعمال الشاقة، فأنقذهم الله بموسى، وكان بين اليوم الذي دخل يوسف مصر واليوم الذي دخله موسى أربعمائة عام ﴿قال إن كنت جئت﴾ من عند من أرسلك ﴿بآية فأت بها﴾ لتصح دعواك ويثبت صدقك
1- وهي قراءة ابن عباس وقتادة ويعقوب والسلمي. راجع تفسير البغوي: ج 2 ص 184، وشواذ القرآن لابن خالويه: ص 50، والبحر المحيط لأبي حيان: ج 4 ص 350.
2- انظر تفصيل ذلك في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 336 - 337.
3- وهو اختيار الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 135.
4- وهو قول الحسن والجبائي على ما حكاه عنهما الشيخ في التبيان: ج 4 ص 485، واختاره الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 361.
5- انظر الكشاف: ج 2 ص 136.
6- وهو اختيار الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 362، والزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 136.
7- لقمان: 13.
8- انظر الكشاف: ج 2 ص 136.
9- وهو قول أبي عبيدة في مجاز القرآن: ج 1 ص 224، وحكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 2 ص 185.
10- راجع ديوان النابغة الذبياني: ص 36، وفيه: " تغربت ".
11- وهو اختيار الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 137.
12- راجع التبيان: ج 4 ص 488، وتفسير البغوي: ج 2 ص 185، وكتاب السبعة في القراءات لابن مجاهد: ص 287، والكشاف: ج 2 ص 136.