سورة الأعراف / 19 ? 22

﴿فاهبط منها﴾ أي: من الجنة (1)، أو من السماء (2)، أو من الدرجة أو المنزلة التي أنت عليها (3) ﴿فما يكون لك أن تتكبر﴾ عن أمر الله ﴿فيها فاخرج إنك من الصاغرين﴾ أي: من أهل الصغار والهوان على الله وعلى أوليائه لتكبرك، وذلك أنه لما أظهر الاستكبار ألبس لباس الصغار.

وفي الحديث: " من تكبر وضعه الله، ومن تواضع رفعه الله " (4).

﴿قال أنظرني﴾ أي: أمهلني وأخرني في الأجل ﴿إلى يوم يبعثون﴾ أي: يبعث الخلق من قبورهم ﴿قال فبما أغويتني﴾ أي: بسبب إغوائك إياي وهو تكليفه إياه ما وقع به في الغي ولم يثبت كما ثبتت (5) الملائكة، وعن بعضهم: أمرتني بالسجود فحملتني الانفة على معصيتك (6)، فبسبب وقوعي في الغي لأجتهدن في إغوائهم حتى يفسدوا بسببي كما فسدت بسببهم، والباء يتعلق بفعل القسم المحذوف (7) أي: فبسبب إغوائك إياي أقسم ﴿لاقعدن لهم صراطك المستقيم﴾ أي: لأعترضن لهم على طريق الإسلام كما يعترض العدو على الطريق ليقطعه على المارة، وانتصب ﴿صراطك﴾ على الظرف ﴿ثم لاتينهم﴾ من الجهات الأربع التي يأتي منها العدو في الغالب، وهذا مثل لوسوسته إليهم على كل وجه يقدر عليه، وعن الباقر (عليه السلام): ﴿من بين أيديهم﴾ أهون عليهم أمر الآخرة ﴿ومن خلفهم﴾ آمرهم بجمع الأموال ومنعها عن الحقوق لتبقى لورثتهم ﴿وعن أيمنهم﴾ أفسد عليهم أمر دينهم بتزيين الضلالة وتحسين الشبهة ﴿وعن شمائلهم﴾ بتحبيب اللذات إليهم وتغليب الشهوات على قلوبهم (8) ﴿ولا تجد أكثرهم شاكرين﴾ قاله تظنيا بدليل قوله: ﴿ولقد صدق عليهم إبليس ظنه﴾ (9) (10)، وقيل: سمعه من الملائكة بإخبار الله لهم (11) ﴿قال اخرج منها مذؤوما﴾ من ذأمه: إذا ذمه ﴿مدحورا﴾ مطرودا ﴿لمن تبعك منهم﴾ اللام فيه موطئة للقسم، و ﴿لأملأن﴾ جواب القسم وقد سد مسد جواب الشرط (12) ﴿منكم﴾ أي: منك ومنهم فغلب ضمير المخاطب كما في قوله: ﴿إنكم قوم تجهلون﴾ (13).

﴿ويا آدم أسكن أنت وزوجك الجنة فكلا من حيث شئتما ولا تقربا هذه الشجرة فتكونا من الظالمين (19) فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوءا تهما وقال ما نهاكما ربكما عن هذه الشجرة إلا أن تكونا ملكين أو تكونا من الخلدين (20) وقاسمهما إني لكما لمن الناصحين (21) فدلاهما بغرور فلما ذاقا الشجرة بدت لهما سوءا تهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وناداهما ربهما ألم أنهكما عن تلكما الشجرة وأقل لكما إن الشيطان لكما عدو مبين (22)﴾


1- وهو اختيار أبي علي على ما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 360.

2- وهو قول الحسن. راجع تفسيره: ج 1 ص 371، وعنه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 360، واختاره الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 90، والهمداني في الفريد في إعراب القرآن: ج 2 ص 276.

3- وهو قول ابن بحر على ما حكاه عنه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 204.

4- اتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 1 ص 295.

5- في نسخة: ثبت.

6- حكاه الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 91 ونسبه إلى الأصم.

7- انظر تفصيل ذلك في الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 277.

8- التبيان: ج 4 ص 365، وفي تفسير القمي: ج 1 ص 224 ما يقرب منه.

9- سبأ: 20.

10- وهو قول الحسن كما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 365، واختاره الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 93.

11- قاله أبو علي كما حكاه عنه الشيخ في التبيان: ج 4 ص 365.

12- انظر الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 279.

13- الأعراف: 138.