سورة الأعراف / 10 ? 18
﴿ولقد مكنكم في الأرض وجعلنا لكم فيها معيش قليلا ما تشكرون (10) ولقد خلقناكم ثم صورناكم ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين (11) قال ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين (12)﴾ ﴿مكنكم في الأرض﴾ جعلنا لكم فيها مكانا، أو ملكناكم فيها وأقدرناكم على التصرف فيها ﴿وجعلنا لكم فيها معيش﴾ جمع معيشة، وهي ما يعاش به من أنواع الرزق ووجوه النعم والمنافع، أو ما يتوصل به إلى ذلك (1)، والوجه التصريح بالياء (2)، وقرأ بعضهم بالهمزة (3) على التشبيه ب? " صحائف "، ﴿ولقد﴾ خلقنا أباكم آدم طينا غير مصور ﴿ثم﴾ صورناه بعد ذلك ﴿ثم قلنا للملائكة اسجدوا لادم﴾، و " لا " في قوله: ﴿ألا تسجد﴾ صلة بدليل قوله: ﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي﴾ (4)، والفائدة في زيادتها توكيد معنى الفعل الذي تدخل عليه وتحقيقه (5)، كأنه قيل: ما منعك أن تحقق السجود وتلزمه نفسك ﴿إذ أمرتك﴾، لأن أمري لك بالسجود قد أوجبته عليك لابد لك منه، قال: ﴿أنا خير منه خلقتني من نار﴾ وعن ابن عباس: قاس إبليس فأخطأ القياس، وهو أول من قاس (6).
وإنما دخلت الشبهة عليه من حيث ظن أن النار أشرف من الطين ومن حق الأشرف أن لا يؤمر بالسجود للأدون، فكأنه قال: من كان على مثل صفتي يستبعد أن يؤمر بما أمرت به.
﴿قال فاهبط منها فما يكون لك أن تتكبر فيها فاخرج إنك من الصاغرين (13) قال أنظرني إلى يوم يبعثون (14) قال إنك من المنظرين (15) قال فبما أغويتني لاقعدن لهم صراطك المستقيم (16) ثم لاتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمنهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين (17) قال اخرج منها مذؤوما مدحورا لمن تبعك منهم لأملأن جهنم منكم أجمعين (18)﴾
1- قاله الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 89.
2- قال أبو جعفر النحاس: والهمز لحن لا يجوز، لأن الواحد معيشة فزدت ألف الجمع وهي ساكنة والياء ساكنة فلابد من تحريك، إذ لا سبيل إلى الحذف والألف لا تحرك فحركت الياء بما كان يجب لها في الواحد، ونظيره من الواو منارة ومناور ومقامة ومقاوم. راجع إعراب القرآن: ج 2 ص 115، واختاره الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 373، وقال الزجاج: وأكثر القراء على ترك الهمز... وجميع البصريين يزعمون أن همزها خطأ وذكروا أن الهمز إنما يكون في هذه الياء إذا كانت زائدة نحو صحيفة وصحائف، فأما معايش فمن العيش الياء أصلية. انظر معاني القرآن: ج 2 ص 320.
3- وهي قراءة خارجة عن نافع والأعرج والأعمش. راجع معاني القرآن للزجاج: ج 2 ص 320، وشواذ القرآن لابن خالويه: ص 48، والتبيان: ج 4 ص 353.
4- ص: 75.
5- وهو قول الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 89.
6- حكاه عنه الرازي في تفسيره: ج 14 ص 34، ونقل الطبري في تفسيره: ج 5 ص 441 هذا القول ونسبه إلى الحسن وابن سيرين.