سورة الأعراف / 4 ? 9

﴿وكم من قرية أهلكناها فجاءها بأسنا بيتا أو هم قائلون (4) فما كان دعويهم إذ جاءهم بأسنا إلا أن قالوا إنا كنا ظالمين(5) ﴾

﴿فجاءها﴾ أي: فجاء أهلها ﴿بأسنا﴾ أي: عذابنا ﴿بيتا﴾ مصدر وضع موضع الحال أي: بائتين أو قائلين، ويجوز أن لا يقدر حذف المضاف في القرية ويكون الضمير في ﴿أهلكناها﴾ للقرية، لأن القرية تهلك كما يهلك أهلها، فلا حاجة بنا إلى الإضمار (1)، وقوله: ﴿أو هم قائلون﴾ لم يحتج فيه إلى الواو، لأن الضمير العائد قد أغنى عنه، ولأنها إذا عطفت على حال قبلها يحذف الواو استثقالا لاجتماع حرفي عطف، لأن واو الحال هي واو العطف استعيرت للوصل (2)، والمعنى: وكم من قرية أردنا إهلاكها فجاءها عذابنا في هذين الوقتين: وقت البيات ووقت القيلولة، لأنهما وقتا الغفلة والدعة فيكون نزول العذاب فيهما أشد ﴿فما كان دعويهم﴾ ما كانوا يدعون من دينهم إلا اعترافهم ببطلانه وقولهم: ﴿إنا كنا ظالمين﴾ فيما كنا عليه، أو فما كان دعاءهم ربهم إلا اعترافهم بظلمهم وتحسرهم على ما كان منهم (3)، و ﴿دعويهم﴾ خبر ﴿كان﴾، و ﴿أن قالوا﴾ رفع لأنه اسمه، ويجوز العكس (4).

﴿فلنسئلن الذين أرسل إليهم ولنسئلن المرسلين (6) فلنقصن عليهم بعلم وما كنا غائبين (7) والوزن يومئذ الحق فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون (8) ومن خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم بما كانوا بآياتنا يظلمون (9) ﴾ أي: ﴿فلنسئلن﴾ المرسل ﴿إليهم﴾ وهم الأمم، نسألهم عما أجابوا به رسلهم ﴿ولنسئلن المرسلين﴾ عما أجيبوا به وعما عملت أممهم فيما جاءوا به ﴿فلنقصن عليهم﴾ على الرسل والمرسل إليهم ما كان منهم ﴿بعلم﴾ أي: عالمين بأحوالهم الظاهرة والباطنة ﴿وما كنا غائبين﴾ عنهم وعما وجد منهم، وأما المعني في سؤالهم مع علمه بأحوالهم فالتوبيخ والتقرير عليهم وازدياد سرور المثابين بالثناء عليهم وغم المعاقبين بإظهار قبائحهم (5) ﴿والوزن يومئذ الحق﴾ يعني: وزن الأعمال والتمييز بين خفيفها وراجحها، ورفعه على الابتداء و ﴿الحق﴾ صفته و ﴿يومئذ﴾ خبر المبتدأ (6)، أي: والوزن الحق يوم يسأل الله الأمم ورسلهم الوزن الحق أي: العدل.

واختلف في كيفية الوزن: فقيل: إنه عبارة عن القضاء الحق والحكم بالعدل (7)، وقيل: توزن صحف الأعمال بميزان له كفتان تأكيدا للحجة وإظهارا للنصفة (8) ﴿فمن ثقلت موازينه﴾ جمع ميزان أو موزون، فمن رجحت أعماله الموزونة التي لها قدر ووزن وهي الحسنات، أو ما توزن به حسناتهم ﴿بآياتنا يظلمون﴾ أي: يكذبون بها ظلما كقوله: ﴿فظلموا بها﴾ (9).


1- انظر تفصيل ذلك في الكشاف: ج 2 ص 87، والفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 268 - 269.

2- وهو ما ذهب إليه الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 372، والزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 317.

3- وهو اختيار الشيخ في التبيان: ج 4 ص 346، والزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 318.

4- انظر الفريد في إعراب القرآن للهمداني: ج 2 ص 270.

5- وهو قول الزمخشري في الكشاف: ج 2 ص 88، وانظر تفصيل ذلك في التبيان: ج 4 ص 349 - 350.

6- وهو اختيار الفراء في معاني القرآن: ج 1 ص 373، وانظر تفصيله في الفريد في إعراب القرآن: ج 2 ص 272.

7- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 2 ص 201 عن مجاهد، والزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 319 عن جرير عن الضحاك. واختاره الشيخ في التبيان: ج 4 ص 352 ونسبه إلى مجاهد والبلخي والجبائي.

8- قاله ابن عمر، وذهب إليه أبو علي وعبيد بن عمير. راجع التبيان: ج 4 ص 352. واختاره الزجاج في معاني القرآن: ج 2 ص 319.

9- الأعراف: 103.