سورة النجم
مكية (1) اثنتان وستون آية كوفي (2)، وآية غيرهم، (من الحق شيئا) (3) كوفي.
وفي حديث أبي: " من قرأ سورة النجم أعطي من الأجر عشر حسنات بعدد من صدق بمحمد (صلى الله عليه وآله وسلم) وجحد به " (4).
وعن الصادق (عليه السلام): " من كان يدمن قراءة (والنجم) في كل يوم أو ليلة عاش محمودا بين الناس محببا " (5).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿والنجم إذا هوى (1) ما ضل صاحبكم وما غوى (2) وما ينطق عن الهوى (3) إن هو إلا وحى يوحى (4) علمه شديد القوى (5) ذو مرة فاستوى (6) وهو بالأفق الاعلى (7) ثم دنا فتدلى (8) فكان قاب قوسين أو أدنى (9) فأوحى إلى عبده ى مآ أوحى (10) ما كذب الفؤاد ما رأى (11) أفتمرونه على ما يرى (12) ولقد رءاه نزلة أخرى (13) عند سدرة المنتهى (14) عندها جنة المأوى (15) إذ يغشى السدرة ما يغشى (16) ما زاغ البصر وما طغى (17) لقد رأى من ءايت ربه الكبرى (18)﴾
النجم: الثريا، اسم غالب لها، قال: فوردن والعيوق مقعد رابئ * الضرباء فوق النجم لا يتتلع (6) أو: جنس النجوم (إذا هوى) إذا غرب أو انتثر يوم القيامة، أو: النجم الذي يرجم به إذا انقض، أو: النجم من نجوم القرآن وقد نزل منجما في نيف وعشرين سنة (إذا هوى) إذا نزل: (ما ضل صاحبكم) يعني: النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، والخطاب لقريش، وهو جواب القسم، أي: هو هاد مهتد راشد مرشد، وليس كما زعمتم في نسبتكم إياه إلى الضلال والغي.
وما آتاكم به من الدين والقرآن ليس بمنطق صادر عن رأيه وهواه.
ما (هو إلا وحى) من عند الله (يوحى) إليه.
(علمه) ملك (شديد القوى) أي: شديد قواه، وهو جبرئيل (عليه السلام)، والإضافة لفظية لأنها إضافة الصفة المشبهة إلى فاعلها.
(ذو مرة) ذو حصافة في عقله ورأيه، ومتانة في دينه، وصحة في جسمه (فاستوى) فاستقام على صورة نفسه الحقيقية دون الصور التي كان يتمثل بها كلما هبط بالوحي، وكان يأتيه في صورة الآدميين، فأحب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يراه في صورته التي جبل عليها فاستوى له.
(وهو بالأفق الأعلى) يعني: أفق الشمس فملأ الأفق، وقيل: ما رآه أحد من الأنبياء في صورته الحقيقية غير محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) رآه مرتين: مرة في الأرض ومرة في السماء (7).
(ثم دنا) من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (فتدلى) فتعلق عليه في الهواء، وهو مثل في القرب.
(فكان قاب قوسين) مقدار قوسين، والقاب والقيب والقاد والقيد والقاس والقيس: المقدار، وأصله: فكان مقدار مسافة قربه مثل قاب قوسين، فحذفت هذه المضافات، كما قال الشاعر: وقد جعلتني من حزيمة إصبعا (8) أي: ذا مقدار مسافة إصبع أو أدنى من ذلك.
(فأوحى إلى عبده) الضمير لله، وإن لم يجر ذكر لاسمه سبحانه لأنه لا يلتبس (مآ أوحى) تفخيم للوحي الذي أوحي إليه، و " ما " مصدرية، ويجوز أن يكون موصولة، وقيل: فأوحى جبرائيل إلى عبد الله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما أوحى الله إليه (9)، وقيل: أوحى إليه أن الجنة محرمة على الأنبياء حتى تدخلها أنت، وعلى الأمم حتى تدخلها أمتك (10).
(ما كذب) فؤاد محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) ما رآه ببصره من صورة جبرائيل (عليه السلام)، أي: ما قال فؤاده لما رآه: لم أعرفك، ولو قال ذلك لكان كاذبا لأنه عرفه، يعني: أنه رآه بعينه وعرفه بقلبه ولم يشك في أنه حق، وقرئ: " ما كذب ? (11) أي: صدقه ولم يشك أنه جبرائيل بصورته.
(أفتمرونه) من المراء وهو الجدال والملاحاة، واشتقاقه من: " مرى الناقة "، كأن كل واحد من المتجادلين يمري ما عند صاحبه، وقرئ: " أفتمرونه ? (12) من: ماريته فمريته، أي: أفتغلبونه في المراء؟ولذلك عدي ب? " على "، كما تقول: غلبته على كذا.
وقيل: أفتمرونه: أفتجحدونه؟(13) (ولقد رءاه) يعني: رأى جبرئيل (عليه السلام) (نزلة أخرى) يعني: مرة أخرى، من النزول، أي: نازلا عليه من السماء نزلة أخرى في صورة نفسه.
(عند سدرة المنتهى) وهي شجرة نبق عن يمين العرش فوق السماء السابعة، ثمرها كقلال هجر (14)، وورقها كآذان الفيول، يسير الركب في ظلها سبعين عاما.
والمنتهى: موضع الانتهاء ولم يجاوزها أحد، وإليها ينتهي علم الملائكة وغيرهم، لا يعلم أحد ما وراءها، وقيل: ينتهي إليها أرواح الشهداء (15)، وقيل: هي شجرة طوبى كأنها في منتهى الجنة (16).
(عندها جنة المأوى) وهي جنة الخلد يصير إليها المتقون، وقيل: يأوي إليها أرواح الشهداء (17)، وعن علي (عليه السلام) وأبي الدرداء: " جنه المأوى " بالهاء (18)، وروي ذلك عن الصادق (عليه السلام)، ومعناه: ستره بظلاله ودخل فيه.
(إذ يغشى السدرة) من النور والبهاء (ما يغشى) مما لا يكتنهه الوصف، وقيل: يغشاها الجم الغفير من الملائكة (19).
وعن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " رأيت على كل ورقة من ورقها ملكا قائما يسبح الله عز وجل " (20).
ومعناه: أنه رأى جبرئيل على صورته ليلة المعراج في الحال التي غشي السدرة فيها ما غشيه (21) من الخلائق الدالة على جلال الله وعظمته.
(ما زاغ) بصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (وما طغى) أي: أثبت ما رآه إثباتا صحيحا من غير أن يزيغ بصره عنه أو يتجاوزه، أو: ما عدل عن رؤية العجائب التي أمر برؤيتها، وما جاوز الحد الذي حد له.
(لقد رأى) أي: والله لقد رأى (من ءايت ربه) التي هي كبراها وعظماها حين عرج به إلى السماء فأري عجائب الملكوت.
و " من " للتبعيض لأنها كانت بعض آيات الله.
﴿أفرءيتم اللت والعزى (19) ومنواة الثالثة الاخرى (20) ألكم الذكر وله الأنثى (21) تلك إذا قسمة ضيزى (22) إن هى إلا أسمآء سميتموهآ أنتم وءابآؤكم مآ أنزل الله بها من سلطن إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جآءهم من ربهم الهدى (23) أم للانسن ما تمنى (24) فلله الأخرة والاولى (25) وكم من ملك في السموات لا تغنى شفعتهم شيا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشآء ويرضى (26) إن الذين لا يؤمنون بالاخرة ليسمون الملئكة تسمية الأنثى (27) وما لهم به ى من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغنى من الحق شيا (28) فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحيوة الدنيا (29) ذا لك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ى وهو أعلم بمن اهتدى (30)﴾
ثم خاطب سبحانه المشركين فقال: (أفرءيتم) أيها الزاعمون أن (اللت والعزى ومنوة) آلهة؟وهي مؤنثات، فاللات كانت لثقيف بالطائف، وقيل: كانت بنخلة يعبدها قريش (22)، والعزى كانت لغطفان، ومناة كانت لهذيل وخزاعة.
وقيل: هن أصنام من حجارة كانت في الكعبة يعبدونها (23)، و (الأخرى) صفة لـ (منوة)، وهي ذم، أي: المتأخرة الوضيعة المقدار، ويمكن أن تكون الأولية والتقدم عندهم اللات والعزى.
وكانوا يقولون: إن الملائكة وهذه الأصنام بنات الله، فقيل لهم: (ألكم الذكر وله الأنثى)، ويمكن أن يراد: أن الأصنام الثلاثة إناث وقد جعلتموهن شركاء لله، وقد استنكفتم من أن يولد لكم الإناث وينسبن إليكم، فكيف سميتم الإناث آلهة وأنتم قوم لو خيرتم لاخترتم الذكور ؟! (تلك إذا قسمة ضيزى) جائرة غير معتدلة، من: ضازه يضيزه إذا ضامه، والأصل: " ضوزى " ففعل بها ما فعل ب? " بيض " و " عين " لتسلم الياء، وقرئ بالهمزة (24) من: ضأزه.
و (هى) ضمير الأصنام، والمعنى: ما (هى إلا أسمآء) ليس تحتها في الحقيقة مسميات، لأنكم تسمون آلهة ما هو أبعد شيء منها، أو: ضمير اللات والعزى ومناة، أي: ما هذه الأسماء التي سميتموها بهواكم وزعمتم أن اللات من " الله " والعزى من " العزيز "، ليس لكم من الله على صحة تسميتها برهان تتمسكون به، يقال: سميته زيدا وبزيد (إن يتبعون إلا الظن) إلا توهم أن ما هم عليه حق، وما تهواه أنفسهم، ويتركون ما جاءهم من (الهدى) والأدلة على أن ما هم عليه باطل.
(أم للانسن ما تمنى) هي " أم " المنقطعة، والهمزة للإنكار، أي: ليس للإنسان ما تمنى من نعيم الدنيا والآخرة، بل يفعله تعالى بحسب المصلحة.
(فلله الآخرة والأولى) يعطي منها من يشاء ويمنع من يشاء، يعني: أن الملائكة مع كثرتهم وقربهم ومنزلتهم من الله (لا تغنى شفعتهم) عن أحد (شيئا إلا) بعد (أن يأذن الله) لهم في الشفاعة إليه (لمن يشآء ويرضى) لهم أن يشفعوا فيه من أهل الإيمان والتوحيد، فكيف تشفع الأصنام إليه لعابديهم ؟! (يسمون الملئكة تسمية الأنثى) بقولهم: إن الملائكة بنات الله.
(وما لهم به) أي: بما يقولون (من علم)، (وإن الظن لا يغنى من الحق شيئا) لأن حقيقة الشيء إنما تدرك بالعلم والتيقن لا بالظن والتوهم.
(فأعرض عن) دعوة (من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحيوة الدنيا) ومنافعها ولذاتها.
(ذلك مبلغهم من العلم) أي: ذلك منتهى علمهم، وهو مبلغ خسيس لا يرضى به لنفسه عاقل (إن ربك هو أعلم) بالضال والمهتدي فيجازيهما على حسب ما يستحقانه.
﴿ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزى الذين أسوا بما عملوا ويجزى الذين أحسنوا بالحسنى (31) الذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الارض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى (32) أفرءيت الذي تولى (33) وأعطى قليلا وأكدى (34) أعنده علم الغيب فهو يرى (35) أم لم ينبأ بما في صحف موسى (36) وإبراهيم الذي وفى (37) ألا تزر وازرة وزر أخرى (38) وأن ليس للانسن إلا ما سعى (39) وأن سعيه سوف يرى (40) ثم يجزاه الجزآء الأوفى (41)﴾
تعلق قوله: (ليجزى) بما قبله، لأن المعنى: أنه سبحانه إنما خلق (ما في السموات وما في الأرض) لهذا الغرض، وهو أن يجازي المسيئين والمحسنين بالإساءة والإحسان، أو: يتعلق بقوله: (هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى) لأن نتيجة العلم بالضال والمهتدي جزاؤهما بأعمالهما، ومعنى (الحسنى): المثوبة الحسنى، وهي الجنة.
ويجوز أن يريد بسبب ما عملوا من السوء وبسبب الأعمال الحسنى.
(الذين يجتنبون كبائر الاثم) أي: عظائم الذنوب (والفوحش) جمع الفاحشة، وقرئ: " كبير الإثم ? (25) أي: النوع الكبير منه، (إلا اللمم) وهو ما قل منه، ومنه اللمم: المس من الجنون، وألم الرجل بالمكان: إذا قل فيه لبثه، وألم بالطعام: إذا قل منه أكله، وهو استثناء منقطع أو صفة، كأنه قال: كبائر الإثم غير اللمم، وقيل: هو النظرة والغمزة والقبلة وما كان دون الزنا من الذنوب (26)، وعن السدي: الخطرة من الذنب (27)، وعن الكلبي: كل ذنب لم يذكر الله عليه حدا ولا عقابا (28) (إن ربك واسع المغفرة) تسع مغفرته الذنوب ولا يضيق عنها حين، (أنشأكم) أي: أنشأ أباكم آدم (من) أديم (الأرض) وفي وقت كونكم (أجنة) في الأرحام، فهو يعلم ميل طباعكم إلى اللمم (فلا تزكوا أنفسكم) فلا تنسبوها إلى الزكاة والطهارة من المعاصي، ولا تثنوا عليها فقد علم الله الزكي منكم والتقي أولا وآخرا، وقيل: كان ناس يعملون أعمالا حسنة ثم يقولون: صلاتنا وزكاتنا وصيامنا وعباداتنا.
فنزلت (29)، وهذا إذا كان على سبيل الإعجاب أو الرياء.
روي (30): أن عثمان كان يعطي ماله، فقال له عبد الله بن سعد بن أبي سرح وهو أخوه من الرضاعة: يوشك أن لا يبقى لك شيء، فقال له عثمان: إن لي ذنوبا وخطايا وإني أطلب بما أصنع رضا الله، فقال عبد الله: أعطني ناقتك برحلها وأنا أتحمل عنك ذنوبك كلها، فأعطاه وأشهد عليه وأمسك عن العطاء، فنزلت: (أفرءيت الذي تولى) عن الخير (وأعطى قليلا وأكدى) وقطع عطيته وأمسك، وأصله من: أكدى الحافر إذا بلغ الكدية، وهي صلابة كالصخرة إذا بلغ الحافر إليها يئس من الماء فأمسك عن الحفر.
(أعنده علم الغيب) أي: ما غاب عنه من أمر العذاب (فهو يرى) أي: يعلم أن ما قاله له أخوه من احتمال أوزاره حق؟ألم يخبر (بما في صحف موسى) من أسفار التوراة (و) في صحف (إبرهيم الذي وفى) أي: تمم ووفر ما أمر به، وإنما أطلق ليتناول كل توفية من: تبليغ الرسالة، والصبر على ذبح الولد وعلى نار نمرود.
وغير ذلك من قيامه بالأوامر، وعن الحسن: ما أمره الله بشيء إلا وفى به (31).
(أن لا تزر) هي المخففة من الثقيلة، والمعنى: أنه لا تزر، والضمير للشأن، ومحل " أن " وما في حيزها الجر بدلا من (ما في صحف موسى)، أو: الرفع على: هو أن لا تزر، كأن قائلا قال: وما في صحف موسى وإبراهيم؟فقال: أن لا تزر، (وأن ليس للإنسن إلا) سعيه، و " ما " مصدرية.
وأما ما جاء في الأخبار من الصدقة عن الميت والحج عنه والصلاة فإن ذلك وإن كان سعي غيره فكأنه سعي نفسه لكونه قائما مقامه وتابعا له، فهو بحكم الشريعة كالوكيل النائب عنه.
(ثم يجزله الجزآء الأوفى) أي: ثم يجزى العبد سعيه، يقال: جزاه الله عمله، و: جزاه على عمله، والمعنى: أنه يرى سعيه يوم القيامة ثم يجزيه أوفى الجزاء.
﴿وأن إلى ربك المنتهى (42) وأنه هو أضحك وأبكى (43) وأنه هو أمات وأحيا (44) وأنه خلق الزوجين الذكر والانثى (45) من نطفة إذا تمنى (46) وأن عليه النشأة الاخرى (47) وأنه هو أغنى وأقنى (48) وأنه هو رب الشعرى (49) وأنه أهلك عادا الاولى (50) وثمودا فمآ أبقى (51) وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى (52) والمؤتفكة أهوى (53) فغشاها ما غشى (54) فبأى ءالاء ربك تتمارى (55) هذا نذير من النذر الاولى (56) أزفت الأزفة (57) ليس لها من دون الله كاشفة (58) أفمن هذا الحديث تعجبون (59) وتضحكون ولا تبكون (60) وأنتم سمدون (61) فاسجدوا لله واعبدوا (62)﴾
الفتح في (أن) وما بعده على معنى: أن هذا كله في صحف موسى وإبراهيم، و (المنتهى) مصدر بمعنى الانتهاء، أي: ينتهي إليه الخلق ويرجعون إليه كقوله: (وإلى الله المصير) (32).
ومعنى (أضحك وأبكى): خلق قوتي الضحك والبكاء، أو: فعل سبب الضحك والبكاء من السرور والحزن، وقيل: أضحك الأشجار بالأنوار وأبكى السحاب بالأمطار.
(إذا تمنى) إذا تدفق في الرحم، يقال: مني وأمنى، وقيل: معناه: تخلق (33).
قال: حتى يبين ما يمني لك الماني (34) أي: يقدر لك المقدر.
وقرئ: " النشآة " بالمد (35)، يريد: أنها واجبة عليه في الحكمة ليجازي على الإحسان والإساءة.
(وأقنى) أي: أعطى القنية وهي المال المؤثل المدخر، وقيل: (أغنى): مول، (وأقنى): أرضى بما أعطى (36).
(رب الشعرى) أي: خالقها وكانت خزاعة تعبدها، سن لهم ذلك أبو كبشة رجل من أشرافهم، وكان أحد أجداد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من قبل أمهاته، وكانت قريش يسمونه (عليه السلام): " ابن أبي كبشة " لمخالفته إياهم في الدين، كما خالف أبو كبشة غيره في عبادة الشعرى.
وعاد الأولى: قوم هود، وعاد الأخرى: إرم، وقيل: الأولى القدماء لأنهم أولى الأمم هلاكا بعد قوم نوح (37).
وقرئ: " عاد لولى " بإدغام التنوين في اللام وطرح همزة " أولى " ونقل ضمتها إلى لام التعريف (38).
وقرئ: " وثمودا ? (39) (وثمود).
(و) أهلكنا (قوم نوح من قبل) عاد وثمود (إنهم كانوا هم أظلم وأطغى) لأنهم كانوا يؤذونه ويضربونه حتى لا يكون به حراك، وما أثر فيهم دعاؤه قريبا من ألف سنة.
(والمؤتفكة) أي: والقرى التي ائتفكت بأهلها أي: انقلبت، وهم قوم لوط (أهوى) أي: رفعها إلى السماء على جناح جبرئيل ثم أهواها إلى الأرض أي: أسقطها، (فغشها) أي: فألبسها من العذاب (ما غشى) وهو تهويل لما صب عليها من العذاب وأمطر عليها من الحجارة المسومة.
(فبأي ءالاء ربك تتمارى) تتشكك أيها الإنسان؟وقد عدد سبحانه نعما ونقما وسماها كلها آلاء؛ لما في نقمه من العبر للمعتبرين.
(هذا) القرآن إنذار من جنس الإنذارات (الأولى)، أو: هذا الرسول منذر من المنذرين الأولين، وإنما قال: (الأولى) على تأويل الجماعة.
(أزفت الآزفة) قربت الموصوفة بالقرب في قوله: (اقتربت الساعة) (40).
(ليس لها) نفس (كاشفة) أي: مبينة متى تقوم، كقوله: (لا يجليها لوقتهآ إلا هو) (41)، أو: ليس لها نفس قادرة على كشفها إذا وقعت إلا الله، غير أنه لا يكشفها.
وقيل: " كاشفة " مصدر بمعنى الكشف كالعافية والخائنة (42)، أي: ليس لها من دون الله كشف، والمراد: لا يكشف عنها غيره.
(أفمن هذا الحديث) وهو القرآن (تعجبون) إنكارا.
(وتضحكون) استهزاء (ولا تبكون) انزجارا لما فيه من الوعيد.
وعن الصادق (عليه السلام): أن المراد بالحديث ما تقدم من الأخبار.
(وأنتم سامدون) لاهون لاعبون، وقال بعضهم لجاريته: اسمدي لنا أي: غني (43).
(فاسجدوا لله واعبدوا) مخلصين ولا تعبدوا الآلهة.1- قاله الربيع بن أنس. راجع تفسير القرطبي: ج 17 ص 95.
2- قاله مقاتل. راجع تفسير البغوي: ج 4 ص 248.
3- قاله مقاتل والكلبي. راجع المصدر السابق.
4- حكاه عنهما ابن جني في المحتسب: ج 2 ص 293.
5- قاله مقاتل. راجع تفسير البغوي المتقدم.
6- أخرجه الطبري في تفسيره: ج 11 ص 518 عن ابن زيد.
7- كذا في النسخ، والظاهر أن الصحيح " ما غشيها ".
8- قاله ابن زيد. راجع تفسير الطبري: ج 11 ص 520.
9- حكاه الطبري في تفسيره: ج 11 ص 521 ونسبه إلى بعض أهل البصرة.
10- قرأه ابن كثير وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 615.
11- قرأه حمزة والكسائي. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 615.
12- قاله ابن عباس وابن مسعود وأبو هريرة ومسروق والشعبي. راجع تفسير الطبري: ج 11 ص 526 و 527.
13- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 426.
14- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 4 ص 352.
15- وهو قول الكلبي ومقاتل. راجع تفسير البغوي: ج 4 ص 253.
16- رواه ابن عباس والسدي والكلبي والمسيب بن شريك كما في أسباب النزول للواحدي: ص 338 ح 822.
17- تفسير الحسن البصري: ج 2 ص 310.
18- آل عمران: 28، النور: 42، فاطر: 18.
19- قاله الأخفش كما في تفسير الماوردي: ج 5 ص 405.
20- لأبي قلابة الهذلي، وصدره: ولا تقولن لشيء سوف أفعله. وقيل لسويد بن عامر المصطلقي، وصدره: واسلك طريقك فيها غير محتشم. راجع خزانة الأدب للبغدادي: ج 4 ص 418.
21- قرأه ابن كثير وأبو عمرو. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 498.
22- قاله مجاهد في تفسيره: ص 628.
23- قاله ابن زيد. راجع تفسير الطبري: ج 11 ص 538.
24- قرأه نافع وأبو عمرو. راجع كتاب السبعة: ص 615.
25- والتنوين هي قراءة الجمهور إلا حمزة وعاصما برواية حفص عنه. راجع المصدر السابق.
26- القمر: 1.
27- الأعراف: 187.
28- وهو قول الفراء في معاني القرآن: ج 3 ص 103.
29- روي عن ابن عباس قال: السمود: الغناء بلغة حمير، يقال للقينة: أسمدينا أي أليهنا بالغناء. أنظر لسان العرب: مادة " سمد ".
30- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 9 ص 442: مكية بلا خلاف، وهي خمس وخمسون آية بلا خلاف. وفي تفسير الماوردي: ج 5 ص 408: مكية في قول الجمهور، وقال مقاتل: إلا ثلاث آيات من قوله: (أم يقولون نحن جميع منتصر) إلى قوله: (والساعة أدهى وأمر) وفي الكشاف: ج 4 ص 430 ما لفظه: مكية إلا الآيات 44 و 45 و 46 فمدنية، وآياتها (55) نزلت بعد الطارق.
31- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 442 مرسلا.
32- ثواب الأعمال للصدوق: ص 143.
33- أخرج المحدث البحراني في البرهان: ج 4 ص 259 ح 5 عن عمر بن إبراهيم الأوسي قال: قال ابن مسعود: انشقاق القمر لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ورد الشمس لعلي بن أبي طالب لأن كل فضل أعطى الله نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) أعطى مثله لوليه إلا النبوة، وقيل: هذا خاتم النبيين وهذا خاتم الوصيين.
34- قال المحدث الثقة ابن شهر آشوب في مناقبه: أجمع المفسرون والمحدثون سوى عطاء والحسين والبلخي في قوله: (اقتربت الساعة وانشق القمر) أنه اجتمع المشركون ليلة بدر إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) فقالوا: إن كنت صادقا فشق لنا القمر فرقتين، قال: إن فعلت تؤمنون؟قالوا: نعم، فأشار إليه بإصبعه فانشق شقتين، رؤي حراء بين فلقتيه. المناقب: ج 1 ص 122.
35- أخرجه عنه السيوطي في الدر المنثور: ج 7 ص 672 وعزاه إلى ابن أبي شيبة وعبد بن حميد وعبد الله بن احمد وابن جرير وابن مردويه وأبي نعيم.
36- أخرجه عنه السيوطي أيضا في الدر وعزاه إلى احمد وعبد بن حميد وابن جرير والحاكم وابن مردويه وأبي نعيم.
37- أخرجه عنه كذلك السيوطي في الدر وعزاه إلى أبي نعيم في الحلية.
38- أخرج الطبري في تفسيره: ج 11 ص 547 باسناده عن مجاهد: أن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لأبي بكر: " اشهد يا أبا بكر ".
39- في نسخة زيادة: " دائم مطرد وقيل: مستمر ".
40- قاله مجاهد في تفسيره: ص 633.
41- قرأه أبو جعفر المدني. راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 148.
42- قرأه ابن كثير ونافع في الوصل فقط، وابن عامر وحمزة والكسائي وعاصم في الوصل والوقف معا. راجع كتاب السبعة في القراءات ص 617. والظاهر أن المصنف رحمه الله يعتمد قراءة إثبات الياء هنا تبعا لصاحب الكشاف.
43- أي سكون الكاف، وهي قراءة ابن كثير وحده. راجع كتاب السبعة المتقدم.