سورة الحشر

مدنية (1) وهي أربع وعشرون آية.

وفي حديث أبي: " من قرأ سورة الحشر لم يبق جنة ولا نار ولا عرش ولا كرسي ولا السموات ولا الأرضون إلا صلوا عليه واستغفروا له " (2).

وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأ إذا أمسى الرحمن والحشر وكل الله بداره ملكا شاهرا سيفه حتى يصبح ".

بسم الله الرحمن الرحيم

﴿سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم (1) هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتب من ديرهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم مانعتهم حصونهم من الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدى المؤمنين فاعتبروا يأولى الأبصر (2) ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الأخرة عذاب النار (3) ذا لك بأنهم شآقوا الله ورسوله ومن يشآق الله فإن الله شديد العقاب (4) ما قطعتم من لينة أو تركتموها قآئمة على أصولها فبإذن الله وليخزى الفسقين (5) ومآ أفآء الله على رسوله ى منهم فمآ أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشآء والله على كل شىء قدير (6)﴾

نزلت في إجلاء بني النضير من اليهود، فجلوا إلى الشام إلى أريحاء وأذرعات إلا آل حيي بن أخطب وآل أبي الحقيق فإنهم لحقوا بخيبر، وذلك أنهم صالحوا النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) على أن لا يكونوا عليه ولا له، ثم نقضوا العهد، وخرج كعب بن الأشرف في أربعين راكبا إلى مكة وحالفوا عليه قريشا عند الكعبة، فأمر (عليه السلام) محمد بن مسلمة الأنصاري فقتل كعبا ذات ليلة غيلة - وكان أخاه من الرضاعة - ثم صبحهم بالكتائب وحاصرهم حتى أعطوه ما أراد منهم، فصالحهم على أن يحقن دماءهم، وأن يخرجهم من أرضهم وأوطانهم، وجعل لكل ثلاثة منهم بعيرا وسقاء (3).

واللام في (لأول الحشر) يتعلق بـ (أخرج) وهي اللام في قولك: جئت لوقت كذا.

والمعنى: أخرج الذين كفروا عند أول الحشر، ومعنى " أول الحشر ": أن هذا أول حشرهم إلى الشام وكانوا من سبط لم يصبهم جلاء قط، وهم أول من أخرج من أهل الكتاب من جزيرة العرب إلى الشام، أو: هذا أول حشرهم، وآخر حشرهم حشر يوم القيامة لأن المحشر يكون بالشام.

(ما ظننتم أن يخرجوا) لشدة بأسهم، ووثاقة حصونهم، وكثرة عددهم وعدتهم، (وظنوا) أن حصونهم تمنعهم من بأس الله (فأتهم) أمر (الله من حيث لم يحتسبوا) من حيث لم يظنوا ولم يخطر ببالهم، وهو قتل رئيسهم كعب بن الأشرف، وذلك مما أضعف قلوبهم وسلبها الأمن والطمأنينة (وقذف) فيها (الرعب) وهو الخوف الذي يرعب الصدر أي: يملؤه وقرئ: (يخربون) و " يخربون ? (4) من الإفعال والتفعيل، أي: يهدمون بيوتهم من داخل ويخربون ما يستحسنونه منها حتى لا يكون للمسلمين، ويخربها المسلمون من خارج، ولما عرضوا المسلمين للتخريب وكانوا السبب فيه، فكأنهم أمروهم بذلك وكلفوهم إياه، (فاعتبروا) يا أهل البصائر بما دبر الله سبحانه من أمر إخراجهم، وتسليط المؤمنين عليهم من غير قتال.

(ولولا) أنه (كتب الله عليهم الجلاء) واقتضته حكمته (لعذبهم في الدنيا) بالقتل كما فعل بإخوانهم بني قريظة (ولهم في الأخرة عذاب النار) سواء أجلوا أو قتلوا.

و اللينة: النخلة، وياؤها واو لأنها من: " اللون "، وقيل: هي النخلة الكريمة (5)، من: " اللين "، و (من لينة) بيان لـ ( ما قطعتم) ومحل (ما) نصب بـ (قطعتم) كأنه قال: أي شيء قطعتم؟وأنث الضمير الراجع إلى ما في قوله: (أو تركتموها) لأنه في معنى " اللينة "، (فبإذن الله) فقطعها بإذن الله وأمره، (وليخزى الفسقين) وليذل اليهود وليغيظهم في قطعها، وذلك أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أمر أن يقطع نخلهم وتحرق، فقالوا: يا محمد، قد كنت تنهى عن الفساد في الأرض، فما بال قطع النخل وتحريقها؟فكأن في أنفس المسلمين من ذلك شيئا فنزلت (6).

يعني: أن الله سبحانه أذن في قطعها ليزيدكم غيظا إذا رأيتموهم يتحكمون في أموالكم كيف شاؤوا وأحبوا.

وعن ابن مسعود: قطعوا منها ما كان موضعا للقتال (7).

ف? (ما أفاء الله على رسوله) أي: جعله فيئا له خاصة، والإيجاف: من الوجيف وهو السير السريع، والمعنى: (فمآ أوجفتم) على تحصيله وتغنيمه خيلا ولا ركابا وإنما مشيتم إليه على أرجلكم فلم تحصلوا أموالهم بالقتال والغلبة (ولكن الله يسلط) رسوله عليهم، وخوله أموالهم كما كان يسلط (رسله على) أعدائهم، فالأمر فيه إليه يضعه حيث يشاء والركاب: الإبل التي تحمل القوم، واحدتها: راحلة.

﴿مآ أفآء الله على رسوله ى من أهل القرى فلله وللرسول ولذى القربى واليتمى والمسكين وابن السبيل كى لا يكون دولة بين الاغنيآء منكم ومآ ءاتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب (7) للفقرآء المهجرين الذين أخرجوا من ديرهم وأموا لهم يبتغون فضلا من الله ورضوا نا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصدقون (8) والذين تبوءو الدار والايمن من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة ممآ أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه ى فأولئك هم المفلحون (9) والذين جآءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمن ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنآ إنك رءوف رحيم (10)﴾

(من أهل القرى) من أموال كفار أهل القرى (فلله) يأمركم فيه بما أحب (وللرسول) بتمليك الله إياه (ولذى القربى) أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وقرابته وهم بنو هاشم (واليتمى والمسكين وابن السبيل) منهم، وعن علي بن الحسين (عليه السلام): " هي قرباؤنا ومساكيننا وأبناء سبيلنا " (8).

(كى لا يكون دولة) قرئ بالنصب والرفع (9)، فالنصب على معنى: كيلا يكون الفيء جدا بين الأغنياء يتكاثرون به، أو: كيلا يكون دولة جاهلية بينهم يستأثر به الرؤساء وأهل الدولة والغلبة وأنشد في ذلك: لك المرباع منها والصفايا * وحكمك والنشيطة والفضول (10) وقيل: الدولة اسم ما يتداول (11) كالغرفة اسم ما يغترف، أي: كي لا يكون الفيء شيئا يتداوله الأغنياء بينهم ويتعاورونه، ومنه الحديث: " اتخذوا عباد الله خولا ومال الله دولا " (12)، أي: غلبة، من غلب منهم سلبه.

والرفع على " كان " التامة، أي: كي لا يقع دولة جاهلية، أو: كي لا يكون شيء يتداوله الأغنياء بينهم.

(ومآ ءاتكم الرسول) من قسمة غنيمة أو فيء (فخذوه وما نهاكم عنه) من أخذه منها (فانتهوا) عنه (واتقوا الله) أن تخالفوه (إن الله شديد العقاب) لمن خالف رسوله.

والأولى أن يكون عاما في كل ما أمر به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ونهى عنه، ولهذا قسم (عليه السلام) أموال خيبر ومن عليهم في رقابهم، وأجلى بني النضير وبني قينقاع وأعطاهم شيئا من المال، وقتل رجال بني قريظة وسبى ذراريهم ونساءهم، وقسم أموالهم على المهاجرين خاصة، ومن على أهل مكة فأطلقهم.

وعن الصادق: ما أعطى الله نبيا من الأنبياء إلا وقد أعطى محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) مثله، قال لسليمان (عليه السلام): (امنن أو أمسك بغير حساب) وقال له (عليه السلام): (مآ ءاتاكم الرسول فخذوه) الآية (13).

(للفقرآء) بدل من قوله: (لذى القربى)، والمعطوف عليه (أولئك هم الصدقون) في إيمانهم وجهادهم.

(والذين تبوءوا) معطوف على (المهجرين) وهم الأنصار، ومعناه: (تبوءوا الدار) أي: المدينة، وأخلصوا (الايمن) كقوله: " علفتها تبنا وماء باردا ".

أو: وجعلوا الإيمان مستقرا ومتوطنا لهم لتمكنهم فيه واستقامتهم عليه كما جعلوا المدينة كذلك، أو: أراد دار الهجرة ودار الإيمان فأقام لام التعريف في (الدار) مقام المضاف إليه، وحذف المضاف من " دار الإيمان " ووضع المضاف إليه مقامه (من قبلهم) من قبل المهاجرين لأنهم سبقوهم في تبوء دار الهجرة والإيمان (ولا يجدون) ولا يعلمون في أنفسهم (حاجة ممآ أوتوا) أي: طلب محتاج إليه مما أوتي المهاجرون من الفيء وغيره، والمحتاج إليه قد يسمى حاجة.

يقال: خذ منه حاجتك، و: أعطاه من ماله حاجته، يعني: أن نفوسهم لم تطمح إلى شيء مما أعطوا يحتاج إليه (ولو كان بهم خصاصة) أي: خلة، من: خصاص البيت وهي فروجه، وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قسم أموال بني النضير على المهاجرين، ولم يعط الأنصار منها شيئا إلا ثلاثة نفر كانت بهم حاجة، وهم: أبو دجانة سماك بن خرشة، وسهل بن حنيف، والحارث بن الصمة، وقال للأنصار: إن شئتم قسمتم للمهاجرين من أموالكم ودياركم وشاركتموهم في هذه الغنيمة، وإن شئتم كانت لكم دياركم وأموالكم ولم يقسم لكم شيء من الغنيمة، فقالت الأنصار: بل نقسم لهم من ديارنا وأموالنا ونؤثرهم بالقسمة ولا نشاركهم فيها، فنزلت (14).

والشح: اللؤم، وأن تكون نفس المرء حريصة على المنع، كما قال الشاعر: يمارس نفسا بين جنبيه كزة * إذا هم بالمعروف قالت له مهلا (15) وقد أضيف إلى " النفس " لأنه غريزة فيها، وأما البخل فهو منع نفسه، والمعنى: ومن غلب ما أمرته به نفسه وخالف هواها بتوفيق الله وعونه (فأولئك هم) الظافرون بما أرادوا.

وقيل: (الذين تبوءوا) مبتدأ، وخبره (يحبون من هاجر إليهم) لأنه (عليه السلام) لم يقسم لهم في بني النضير إلا للثلاثة (16).

(والذين جآءو من بعدهم) وهم الذين هاجروا من بعد، وقيل: التابعون بإحسان (17) (غلا) أي: حقدا وعداوة.

﴿ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لاخوانهم الذين كفروا من أهل الكتب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكذبون (11) لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليولن الادبر ثم لا ينصرون (12) لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذا لك بأنهم قوم لا يفقهون (13) لا يقتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من ورآء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذا لك بأنهم قوم لا يعقلون (14) كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم (15) كمثل الشيطن إذ قال للانسن اكفر فلما كفر قال إنى برىء منك إنى أخاف الله رب العلمين (16) فكان عقبتهمآ أنهما في النار خلدين فيها وذا لك جزاؤا الظلمين (17)﴾

ثم ذكر سبحانه المنافقين (يقولون لإخونهم) الذين بينهم وبينهم أخوة الكفر، وهم يهود بني النضير، كانوا يوالونهم في السر (ولا نطيع) في قتالكم (أحدا) يعنون محمدا (صلى الله عليه وآله وسلم) وأصحابه.

وفي هذا دلالة على صحة النبوة لأنه إخبار بالغيب، وعلى أنه سبحانه كما يعلم ما يكون فإنه يعلم ما لا يكون أن لو كان كيف يكون، والتقدير: ولئن نصرهم المنافقون على الفرض والتقدير لينهزمن المنافقون (ثم لا ينصرون) بعد ذلك، أي: يهلكهم الله ولا ينفعهم نفاقهم لظهور كفرهم.

(رهبة) مصدر " رهب " المبني للمفعول، كأنه قال: أشد مرهوبية.

وفي قوله: (في صدورهم) دلالة على نفاقهم، والمعنى: أنهم يظهرون لكم في العلانية خوف الله وأنتم أهيب في صدورهم من الله (لا يفقهون) أي: لا يعلمون الله حتى يخشوه حق خشيته.

(لا يقتلونكم) لا يقدرون على مقاتلتكم (جميعا) مجتمعين يعني: اليهود والمنافقين (إلا) كائنين (في قرى محصنة) بالخنادق والدروب (أو من ورآء جدر) دون أن يصحروا لكم ويبارزوكم؛ لأن الله عز اسمه قذف الرعب في قلوبهم، وقرئ: " جدار ? (18) (بأسهم بينهم شديد) أي: قوتهم وشوكتهم فيما بينهم شديدة، فإذا لاقوكم جبنوا ولم يبق لهم بأس وشدة، لأن الشجاع يجبن عند محاربة الله ورسوله (تحسبهم جميعا) مجتمعين ذوي ألفة واتحاد في الظاهر (وقلوبهم شتى) متفرقة مختلفة لا ألفة فيها (لا يعقلون) ما فيه الرشد.

(كمثل الذين من قبلهم) أي: مثلهم كمثل الذين قتلوا ببدر في زمان قريب، وذلك قبل إجلاء بني النضير بستة أشهر، وانتصب (قريبا) بـ (مثل) على معنى: كوجود مثل أهل بدر قريبا، وعن ابن عباس: إن الذين من قبلهم بنو قينقاع (19)، وذلك أنهم نقضوا العهد فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من بدر فأمرهم (عليه السلام) أن يخرجوا، فقال عبد الله بن أبي: لا تخرجوا فإني أدخل معكم الحصن فكان هؤلاء في ترك نصرتهم كأولئك (ذاقوا وبال أمرهم) سوء عاقبة كفرهم في الدنيا (ولهم عذاب أليم) في الآخرة.

مثل المنافقين في إغرائهم اليهود على القتال ووعدهم إياهم النصر ثم إخلافهم (كمثل الشيطن) إذا (20) استغوى الإنسان بكيده ثم تبرأ منه في العاقبة، كما استغوى قريشا يوم بدر بقوله لهم: (لا غالب لكم اليوم من الناس وإني جار لكم) إلى قوله: (إنى برىء منكم) (21).

(خلدين فيها) حال.

﴿يأيها الذين ءامنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون (18) ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنساهم أنفسهم أولئك هم الفسقون (19) لا يستوى أصحب النار وأصحب الجنة أصحب الجنة هم الفآئزون (20) لو أنزلنا هذا القرءان على جبل لرأيته خشعا متصدعا من خشية الله وتلك الامثل نضربها للناس لعلهم يتفكرون (21) هو الله الذي لا إله إلا هو علم الغيب والشهدة هو الرحمن الرحيم (22) هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلم المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحن الله عما يشركون (23) هو الله الخلق البارئ المصور له الاسمآء الحسنى يسبح له ما في السموات والارض وهو العزيز الحكيم (24)﴾

نكر سبحانه " النفس " لاستقلال الأنفس الناظرة فيما تقدمه للآخرة، فكأنه قال: (ولتنظر نفس) واحدة في ذلك.

ونكر " الغد " لتعظيم أمره، أي: لغد لا يعرف كنهه لعظمه، والمراد بالغد يوم القيامة، وعن الحسن: لم يزل يقربه حتى جعله كالغد (22).

نحوه في تقريب الزمان الماضي قوله: (كأن لم تغن بالأمس) (23).

وكرر قوله: (اتقوا الله) لأن الأول في أداء الواجبات لأنه مقرون بالعمل، والثاني في ترك المقبحات لأنه مقرون بالوعيد.

(نسوا الله) نسوا حقه فجعلهم ناسين حق أنفسهم بالخذلان، حتى لا يسعوا لها بما ينفعهم عنده، أو: فأراهم من أهوال يوم القيامة فأنسوا فيه أنفسهم، كقوله: (لا يرتد إليهم طرفهم) (24).

وقوله: (لا يستوى) تنبيه للناس وإيذان بأنهم لفرط غفلتهم وإيثارهم الدنيا على الآخرة كأنهم لا يعرفون الفرق بين الجنة والنار، والبون بين أصحابهما، فمن حقهم أن ينبهوا على ذلك، كما تقول لمن يعق أباه: هو أبوك، تجعله بمنزلة من لا يعرفه فتنبهه بذلك على حق الأبوة الذي يقتضي البر والتعطف.

التصدع: التفرق بعد التلاؤم، وهذا تمثيل وتخييل كما مر في قوله: (إنا عرضنا الامانة) (25)، يدل عليه قوله: (وتلك الامثل نضربها للناس)، والغرض: توبيخ الإنسان على قلة تدبره للقرآن، وتعقله لزواجره ومواعظه.

(علم الغيب والشهدة) عالم المعدوم والموجود، وقيل: ما غاب عن الخلق وما شاهدوه (26)، أو: السر والعلانية (27)، وعن الباقر (عليه السلام): ما لم يكن وما كان (28) (القدوس) المنزه عن القبائح، الطاهر من كل عيب ونقص، ونظيره: " السبوح "، (السلم) بمعنى السلامة، وصف سبحانه به مبالغة في وصف كونه سليما من النقائص، أو: في إعطائه السلامة (المؤمن) واهب الأمن (المهيمن) الرقيب على كل شىء والحافظ له، وقيل: الأمين الذي لا يضيع لأحد عنده حق (29)، مفيعل من " الأمن " إلا أن همزته قلبت هاء (الجبار) القاهر الذي جبر خلقه على ما أراد، وقيل: العظيم الشأن في الملك والسلطان (30)، ولا يطلق هذا الوصف على غيره إلا على وجه الذم (المتكبر) البليغ الكبرياء والعظمة (الخلق) المقدر لما يوجده (البارئ) المميز بعضه من بعض بالأشكال المختلفة (المصور) الممثل.

وسئل النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عن اسم الله الأعظم، فقال: عليك بآخر سورة الحشر (31)

1- قاله مقاتل. راجع تفسير الماوردي: ج 5 ص 507.

2- قرأه ابن كثير وأبو عمرو. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 632.

3- حكاه عنه الشيخ الطوسي في التبيان: ج 9 ص 569.

4- كذا في النسخ وفي الكشاف أيضا، ولعله " إذ " لمطابقة الآية الكريمة.

5- الأنفال: 48.

6- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 508.

7- يونس: 24.

8- إبراهيم: 43.

9- الأحزاب: 72.

10- حكاه الماوردي في تفسيره: ج 5 ص 512.

11- وهو قول ابن عباس. راجع المصدر السابق.

12- حكاه عنه (عليه السلام) الآلوسي في تفسيره: ج 28 ص 62، وفي معاني الأخبار للصدوق: ص 146 عن الصادق (عليه السلام).

13- قاله الضحاك. راجع تفسير الماوردي المتقدم.

14- قاله ابن عباس. راجع تفسير البغوي: ج 4 ص 327.

15- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 510 عن أبي هريرة.

16- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 9 ص 575: مدنية بلا خلاف، وهي ثلاث عشرة آية بلا خلاف. وفي الكشاف: ج 4 ص 510: مدنية، وهي ثلاث عشرة آية، نزلت بعد الأحزاب. وفي تفسير القرطبي: ج 18 ص 49 ما لفظه: الممتحنة بكسر الحاء، اي المختبرة، أضيف الفعل إليها مجازا، كما سميت سورة " براءة " المبعثرة والفاضحة؛ لما كشفت من عيوب المنافقين. ومن قال بفتح الحاء فإنه أضافها إلى المرأة التي نزلت فيها وهي أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط... وهي امرأة عبد الرحمن بن عوف.

17- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 521 مرسلا.

18- ثواب الأعمال للصدوق: ص 145.

19- أنظر أسباب النزول للواحدي: ص 358 ح 863.

20- رواه عبيد الله بن أبي رافع عن علي (عليه السلام). راجع المصدر السابق: 864.

21- البقرة: 195.

22- قرأه حمزة والكسائي بالتشديد وكسر الصاد على البناء للفاعل. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 633.

23- حكاه السمرقندي في تفسيره: ج 3 ص 352.

24- التوبة: 114.

25- في نسخة: " يجاهر ".

26- تفسير مجاهد: ص 655.

27- وبالتشديد أي: (تمسكوا) هي قراءة أبي عمرو وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 634.

28- أي: " وإن فاتكم أحد من أزواجكم " بتبديل " أحد " بموضع " شيء " قال الفراء: يصلح هذا في الناس، فإذا كانت " شيء " في غير الناس لم يصلح " أحد " في موضعها. راجع معاني القرآن للفراء: ج 3 ص 151.

|

29- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 519.

30- معاني القرآن: ج 5 ص 160.

31- قرأه مجاهد والحسن، راجع شواذ القرآن لابن خالويه: ص 156.