سورة القلم
مكية (1)، وعن ابن عباس وقتادة: بعضها مكي، وبعضها مدني (2)، اثنتان وخمسون آية.
في حديث أبي: " ومن قرأ سورة القلم أعطاه الله ثواب الذين حسن أخلاقهم " (3).
وعن الصادق (عليه السلام): " من قرأها في فرائضه أو نوافله أمنه الله أن يصيبه في حياته فقر أبدا، وأعاذه من ضمة القبر " (4).
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿ن والقلم وما يسطرون (1) مآ أنت بنعمة ربك بمجنون (2) وإن لك لأجرا غير ممنون (3) وإنك لعلى خلق عظيم (4) فستبصر ويبصرون (5) بأييكم المفتون (6) إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله ى وهو أعلم بالمهتدين (7) فلا تطع المكذبين (8) ودوا لو تدهن فيدهنون (9) ولا تطع كل حلاف مهين (10) هماز مشآء بنميم (11) مناع للخير معتد أثيم (12) عتل بعد ذا لك زنيم (13) أن كان ذا مال وبنين (14) إذا تتلى عليه ءايتنا قال أسطير الاولين (15) سنسمه على الخرطوم (16)﴾
قرئ: (نون) بالبيان والإدغام (5)، هو الحرف من حروف المعجم، وقيل: هو الحوت الذي عليه الأرضون (6)، وقيل: هو الدواة (7)، وقيل: هو نهر في الجنة، قال الله تعالى له: كن مدادا فجمد، وكان أشد بياضا من اللبن وأحلى من الشهد، ثم قال للقلم: اكتب، فكتب القلم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.
روي ذلك عن الباقر (عليه السلام) (8) (والقلم) الذي يكتب، أقسم الله به لما فيه من المنافع والفوائد (وما يسطرون) ما يسطره الحفظة، و " ما " موصولة أو مصدرية، ويجوز أن يكون المراد بالقلم أصحابه، فيكون الضمير في (يسطرون) يرجع إليهم كأنه قال: وأصحاب القلم ومسطوراتهم، أو: يريد: وسطرهم.
(بنعمة ربك) في محل نصب على الحال، والمعنى: ما أنت بمجنون منعما عليك بذلك، وهو جواب لقولهم: (يأيها الذي نزل عليه الذكر إنك لمجنون) (9) (وإن لك) على تحمل أعباء الرسالة وقيامك بواجبها (لأجرا) لثوابا (غير ممنون) غير مقطوع كقوله: (عطآء غير مجذوذ) (10)، أو: غير ممنون عليك به لأنه ثواب تستحقه على عملك.
(وإنك لعلى خلق عظيم) استعظم سبحانه خلقه لفرط احتماله الممضات (11) من قومه، وحسن مخالفته لهم، وقيل: هو الخلق الذي أمره الله به في قوله: (خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجهلين) (12).
وفي الحديث: " إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق " (13).
وعنه أيضا (عليه السلام): " أحبكم إلى الله أحسنكم أخلاقا، الموطئون أكنافا، الذين يألفون ويؤلفون، وأبغضكم إلى الله المشاؤون بالنميمة، المفرقون بين الإخوان، الملتمسون للبراء العثرات " (14).
(فستبصر) يا محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) (ويبصرون) أيكم (المفتون) المجنون لأنه فتن أي: محن بالجنون، والباء مزيدة، أو: (المفتون) مصدر كالمعقول والمجلود، أي: بأيكم الجنون، أو: بأي الفريقين منكم الجنون، أبفريق المؤمنين أم بفريق الكافرين، أي: في أيهما يوجد من يستحق هذا الاسم، وهو تعريض بأبي جهل والوليد بن المغيرة وأضرابهما، وهو مثل قوله: (سيعلمون غدا من الكذاب الأشر) (15).
(إن ربك هو أعلم) بالمجانين على الحقيقة، وهم الذين ضلوا (عن سبيله وهو أعلم) بالعقلاء وهم المهتدون، أو: يكون وعيدا ووعدا، وإنه أعلم بجزاء الفريقين.
وعن الضحاك: لما رأت قريش تقديم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) عليا قالوا: افتتن به محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فأنزل الله تعالى: (ن والقلم) إلى قوله (بمن ضل عن سبيله)، وهم النفر الذين قالوا ما قالوا (وهو أعلم بالمهتدين) علي بن أبي طالب (عليه السلام) (16).
(فلا تطع المكذبين) تهييج وإلهاب للتصميم على معاصاتهم فيما يريدون.
(ودوا لو تدهن) تلين وتصانع (فيدهنون) أي: فهم يدهنون حينئذ، أو: ودوا إدهانك فهم الآن يدهنون لطمعهم في إدهانك.
(ولا تطع كل حلاف) كثير الحلف في الحق والباطل، وكفى به زجرا لمن اعتاد الحلف (مهين) من المهانة، وهي القلة والحقارة، يريد: القلة في الرأي والتدبير، أو: أراد الكذاب لأ نه حقير عند الناس.
(هماز) عياب طعان، وعن الحسن: يلوي بشدقيه في أقفية الناس (17) (مشآء بنميم) قتات نقال للحديث من قوم إلى قوم على وجه السعاية والإفساد بينهم، والنميم والنميمة: السعاية.
(مناع للخير) بخيل، والخير: المال، وعن ابن عباس: مناع عشيرته عن الإسلام وهو الوليد بن المغيرة، كان موسرا وله عشرة بنين فكان يقول لهم وللحمية: من أسلم منكم منعته رفدي (18).
وعن مجاهد: هو الأسود بن عبد يغوث (19)، وعن السدي: الأخنس بن شريق (20).
(معتد) مجاوز للحق ظلوم، (أثيم) آثم كثير الإثم.
(عتل) غليظ جاف (بعد ذلك) بعد ما عدده من المثالب (زنيم) دعي، قال حسان: وأنت زنيم نيط في آل هاشم * كما نيط خلف الراكب القدح الفرد (21) وكان الوليد دعيا في قريش ادعاه أبوه بعد ثماني عشرة سنة من مولده، جعل جفاءه ودعوته أشد معائبه، لأن من جفا وقسا قلبه اجترأ على كل معصية، ولأن النطفة إذا خبثت خبث الناشئ منها، ولذلك قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): " لا يدخل الجنة ولد الزنا، ولا ولده، ولا ولد ولده " (22).
وعنه (عليه السلام): " لا يدخل الجنة جواظ ولا جعظري، ولا عتل زنيم " (23).
والزنيم: من " الزنمة " وهي الهنة من جلد الماعزة، تقطع فتعلق في حلقها، لأنه زيادة معلقة بغير أهله.
(أن كان ذا مال) يتعلق بقوله: (ولا تطع) يعني: ولا تطعه مع هذه المثالب لأن كان ذا مال، أي: ليساره وحظه من الدنيا، ويجوز أن يتعلق بما بعده على معنى: لكونه متمولا مستظهرا بالبنين كذب بآياتنا، ولا يعمل فيه.
(قال) الذي هو جواب (إذا) لأن ما بعد الشرط لا يعمل فيما قبله، ولكن ما دلت عليه الجملة من معنى التكذيب.
وقرئ: (أن كان) على الاستفهام بهمزتين (24) وبهمزة ممدودة (25) أي: آلأن كان ذا مال كذب؟و (الخرطوم) الأنف، والوجه أكرم موضع في الجسد، والأنف أكرم موضع من الوجه، ولذلك جعلوه مكان العزة والحمية، واشتقوا منه: الأنفة فقالوا: " حمي أنفه "، و " شمخ بأنفه "، و " الأنف في الأنف " فعبر سبحانه بالوسم على الخرطوم عن غاية الإذلال والإهانة، لأن الوسم على الوجه شين وإذالة (26)، فكيف به على أكرم موضع منه، وفي لفظ (الخرطوم) استهانة به، وقيل: معناه: سنعلمه يوم القيامة بعلامة مشوهة يبين بها عن سائر الكفرة كما عادى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) عداوة بان بها عنهم (27).
﴿إنا بلونهم كما بلونآ أصحب الجنة إذ أقسموا ليصرمنها مصبحين (17) ولا يستثنون (18) فطاف عليها طآئف من ربك وهم نآئمون (19) فأصبحت كالصريم (20) فتنادوا مصبحين (21) أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صرمين (22) فانطلقوا وهم يتخفتون (23) أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين (24) وغدوا على حرد قدرين (25) فلما رأوها قالوا إنا لضآلون (26) بل نحن محرومون (27) قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون (28) قالوا سبحن ربنآ إنا كنا ظلمين (29) فأقبل بعضهم على بعض يتلومون (30) قالوا يويلنآ إنا كنا طغين (31) عسى ربنآ أن يبدلنا خيرا منهآ إنآ إلى ربنا راغبون (32) كذا لك العذاب ولعذاب الاخرة أكبر لو كانوا يعلمون (33)﴾
إنا بلونا أهل مكة بالجوع والقحط بدعوة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) (كما بلونآ أصحب الجنة) وهم قوم كان لأبيهم هذه الجنة دون صنعاء بفرسخين، فكان يأخذ منها قوت سنة ويتصدق بالباقي، وكان يترك للمساكين ما أخطأه المنجل، وما في أسفل الأكداس، وما أخطأه القطاف من العنب، وما بقي على البساط الذي يبسط تحت النخلة إذا صرمت، فكان يجتمع لهم شيء كثير، فلما مات قال بنوه: إن فعلنا ما كان يفعل أبونا ضاق علينا الأمر ونحن أولو عيال، فحلفوا (ليصرمنها مصبحين) داخلين في وقت الصباح خفية عن المساكين.
ولم يستثنوا أي: لم يقولوا: إن شاء الله في يمينهم، فأحرق الله جنتهم، وإنما سمي ذلك استثناء وهو شرط لأن معنى قولك: لأخرجن إن شاء الله، ولأخرج إلا أن يشاء الله واحد.
(فطاف عليها) إهلاك أو بلاء (طآئف) في حال نومهم.
(فأصبحت كالصريم) كالمصرومة لهلاك ثمرها، وقيل: كالليل المظلم أي: احترقت فاسودت (28) (فتنادوا) أي: نادى بعضهم بعضا وقت الصباح (أن اغدوا على حرثكم) أي: أقبلوا عليه باكرين (إن كنتم صرمين) حاصدين وقاطعين النخل.
(فانطلقوا) فمضوا (وهم يتخفتون) يتسارون فيما بينهم.
(أن لا يدخلنها): " أن " مفسرة، والنهي عن الدخول للمسكين نهي لهم عن تمكينه منه، أي: لا تمكنوه من الدخول حتى يدخل، كقولك: لا أرينك ها هنا.
(وغدوا على حرد) وهو من: حاردت السنة: إذا منعت خيرها، والمعنى: وغدوا قادرين على نكد وذهاب خير عاجزين عن النفع، أو: لما قالوا: اغدوا على حرثكم وقد فسدت نيتهم عاقبهم الله بأن حاردت جنتهم وحرموا خيرها، فلم يغدوا على حرث وإنما غدوا على حرد.
و (قدرين) من عكس الكلام للتهكم، أي: قادرين على ما عزموا عليه من الصرام وحرمان المساكين، و (على حرد) ليس بصلة للقادرين، وقيل: (على حرد) على قصد إلى جنتهم بسرعة ونشاط (قدرين) عند أنفسهم يقولون: نحن نقدر على صرامها (29)، أو: مقدرين أن يتم لهم مرادهم من الصرام والحرمان.
(فلما) رأوا جنتهم على تلك الصفة (قالوا) في بديهة وصولهم (إنا لضآلون) ضللنا جنتنا وما هي بها، فلما تأملوا عرفوا أنها هي.
قالوا: (بل نحن محرومون) حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا.
(قال أوسطهم) أعدلهم وخيرهم، يقال: هو من وسط قومه (لولا تسبحون) هلا تذكرون الله وتتوبون إليه من خبث نيتكم؟(قالوا سبحن ربنا إنا كنا ظلمين) تكلموا بما دعاهم إلى التكلم به، نزهوا الله سبحانه عن الظلم وعن كل قبيح، ثم اعترفوا بظلمهم في منع المعروف وترك الاستثناء.
(يتلومون) أي: يلوم بعضهم بعضا على ما فرط منهم.
(إنا كنا طغين) متجاوزين الحد في الظلم.
(أن يبدلنا) قرئ بالتشديد (30) والتخفيف (إنآ إلى ربنا رغبون) طالبون منه الخير.
مثل ذلك (العذاب) الذي بلونا به أهل مكة وأصحاب الجنة عذاب الدنيا (ولعذاب الاخرة) أشد وأعظم منه.
وعن مجاهد: تابوا فأبدلوا خيرا منها (31).
وعن ابن مسعود: بلغني أنهم أخلصوا، وعرف الله منهم الصدق فأبدلهم بها جنة يقال لها: الحيوان، فيها عنب يحمل البغل منه عنقودا (32).
﴿إن للمتقين عند ربهم جنت النعيم (34) أفنجعل المسلمين كالمجرمين (35) ما لكم كيف تحكمون (36) أم لكم كتب فيه تدرسون (37) إن لكم فيه لما تخيرون (38) أم لكم أيمن علينا بلغة إلى يوم القيمة إن لكم لما تحكمون (39) سلهم أيهم بذا لك زعيم (40) أم لهم شركآء فليأتوا بشركآئهم إن كانوا صدقين (41) يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون (42) خشعة أبصرهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سلمون (43) فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون (44) وأملى لهم إن كيدى متين (45) أم تسلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون (46) أم عندهم الغيب فهم يكتبون (47) فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم (48) لولا أن تداركه نعمة من ربهى لنبذ بالعرآء وهو مذموم (49) فاجتبه ربه فجعله من الصلحين (50) وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصرهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون (51) وما هو إلا ذكر للعلمين (52)﴾
(جنت النعيم) جنات ليس فيها إلا التنعم الخالص لا يشوبه ما ينقصه، كما يشوب جنات الدنيا.
وكان المشركون يقولون: إن كان بعث وجزاء كما يقوله محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) فإن حالنا يكون مثل ما هي في الدنيا، فأخبره سبحانه أن ذلك لا يكون أبدا ثم خاطبهم على طريقة الالتفات فقال: (ما لكم كيف تحكمون) هذا الحكم الباطل، كأن أمر الجزاء مفوض إليكم حتى تحكموا فيه بما شئتم.
(أم لكم كتب) من السماء تدرسون (فيه) أن ما تختارونه لكم.
والأصل: تدرسون أن لكم ما تخيرون، بفتح " أن " لأنه مدروس، فلما جاءت اللام كسرت " إن "، ويجوز أن يكون حكاية للمدروس كما هو قوله: (وتركنا عليه في الاخرين سلم على نوح في العلمين) (33)، وتخير الشيء: أخذ خيره، ومثله: اختاره، نحو: تنخله وانتخله: أخذ منخوله.
(أم لكم أيمن) مغلظة متناهية في التوكيد ثابتة (علينا.
إلى يوم القيمة) لا تخرج عن عهدتها إلى يوم القيامة، إذا أعطيناكم ما تحكمون، ويجوز أن يتعلق (إلى) بـ (بلغة) على معنى: أنها تبلغ ذلكم اليوم وتنتهي إليه، وافرة لم تبطل منها يمين إلى أن يحصل المقسم عليه، وهو قوله: (إن لكم لما تحكمون).
(سلهم أيهم بذلك) الحكم (زعيم) أي: كفيل، وهو: أن لهم في الآخرة ما للمسلمين.
(أم لهم شركآء) في هذا القول يشاركونهم فيه، ويوافقونهم عليه (فليأتوا) بهم (إن كانوا صدقين) في دعواهم، يريد: أن أحدا لا يسلم لهم هذا، كما أنه لا كتاب لهم ينطق به، ولا عهد لهم به عند الله، ولا زعيم لهم يقوم به.
(يوم يكشف عن ساق) هو عبارة عن شدة الأمر، وأصله في الحرب (34) والهزيمة بتشمير المخدرات عن سوقهن في الهرب، قال: كشفت لكم عن ساقها * وبدا من الشر الصراخ (35) والمعنى: يوم يشتد الأمر ويتفاقم، ولا ساق ثم ولا كشف وإنما هو مثل، وإنما جاء منكرا للدلالة على أنه أمر مبهم في الشدة، خارج عن العادة.
والعامل في (يوم): (فليأتوا)، أو: هو على: يوم يكشف عن ساق يكون كيت وكيت، فحذف للتهويل والتنبيه على أن ثم من الكوائن ما لا يوصف لعظمته (ويدعون إلى السجود) تعنيفا لا تكليفا (فلا يستطيعون) حيل بينهم وبين الاستطاعة تحسيرا لهم وتنديما على ما فرطوا فيه حين دعوا إلى السجود وهم سالمو الأصلاب والمفاصل متمكنون.
وفي الحديث: " يبقى أصلابهم طبقا واحدا ? (36) أي: فقارة واحدة لا تثنى.
(فذرنى ومن يكذب بهذا الحديث) يعني: القرآن، يقال: ذرني وإياه، أي: كله إلي فإني سأكفيكه، والمراد: حسبي مجازيا لمن يكذب بكتابي، فلا تشغل قلبك بشأنه.
وفي الأثر: " كم من مستدرج بالإحسان إليه! وكم من مغرور بالستر عليه! وكم من مفتون بحسن القول فيه! " (37).
سمى جل اسمه إحسانه وتمكينه كيدا، كما سماه استدراجا وهو الاستنزال إلى الهلاك درجة درجة حتى يتورط فيه، لكون ذلك في صورة الكيد من حيث كان السبب في الهلاك.
والمغرم: الغرامة، أي: لم تطلب منهم على الهداية والتعليم (أجرا) فيثقل عليهم حمل الغرامات في أموالهم فثبطهم ذلك عن الإيمان.
(أم عندهم الغيب) أي: اللوح المحفوظ (فهم يكتبون) منه ما يحكمون به (فاصبر لحكم ربك) هو إمهالهم وتأخير نصرتك عليهم (ولا تكن كصاحب الحوت) يونس (عليه السلام) (إذ نادى) في بطن الحوت (وهو مكظوم) مملو غما من: كظم السقاء إذا ملأه، والمعنى: لا يوجد منك ما وجد منه من الضجر والمغاضبة لقومه.
(لولا أن تدركه) رحمة (من ربه) بإجابته (38) وتخليصه من بطن الحوت حيا (لنبذ بالعرآء) لطرح بالفضاء، وحسن تذكير (تدركه) لفصل الضمير.
(فاجتبه ربه) أي: اختاره (فجعله من) الأنبياء المطيعين لله، وعن ابن عباس: رد الله إليه الوحي وشفعه في نفسه وقومه (39).
(وإن) هي المخففة من الثقيلة، واللام هي الفارقة، وقرئ: (ليزلقونك) بضم الياء وفتحها (40)، وزلقه وأزلقه بمعنى، والمعنى: يكاد الكفار من شدة تحديقهم ونظرهم إليك شزرا بعيون البغضاء والعداوة يزلون قدمك أو يهلكونك، من قولهم: نظر إلي نظرا يكاد يصرعني، وقيل: كانت العين في بني أسد، فكان الرجل منهم يتجوع ثلاثة أيام، فلا يمر به شيء فيقول فيه: لم أر كاليوم مثله، إلا عانه، فأرادوا أن يقول بعضهم في رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) مثل ذلك فعصمه الله منه (41).
وعن الحسن: دواء الإصابة بالعين أن يقرأ هذه الآية (42).
(لما سمعوا الذكر) أي: القرآن لم يملكوا أنفسهم على ما أوتيت من النبوة (ويقولون إنه لمجنون) حيرة في أمرك، وتنفيرا عنك.
(وما هو) أي: وليس القرآن (إلا ذكر) وموعظة (للعلمين) وهداية لهم إلى الرشد، فكيف يجنن من جاء بمثله ؟! وقيل: (ذكر) شرف (للعلمين) إلى أن تقوم الساعة (43).1- من قصيدة يخاطب الوليد بن المغيرة، حيث شبهه بالقدح المنفرد الفارغ المعلق خلف الراكب. أنظر ديوان حسان بن ثابت: ج 1 ص 398، وفيه: " وكنت دعيا نيط في آل هاشم ".
2- أخرجه البخاري في التاريخ الكبير: ج 2 ص 257، وفي التاريخ الصغير: ج 1 ص 263، وأبو نعيم في حلية الأولياء: ج 2 ص 308.
3- أخرجه أحمد في المسند: ج 4 ص 227، والزبيدي في الاتحاف: ج 5 ص 356. والجواظ: الكثير اللحم الجافي الغليظ الضخم المختال في مشيته، وقيل: المتكبر الجافي، وقيل: الفاجر، وقيل: الصيحاح الشرير. والجعظري: المتكبر الجافي عن الموعظة، وقيل: القصير الغليظ، وقيل: الفظ الغليظ. (لسان العرب).
4- قرأه حمزة وأبو بكر عن عاصم. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 646.
5- قرأه ابن عامر وحمزة برواية أبي عبيد عنه. راجع المصدر السابق.
6- كذا، تبعا للكشاف، ولم نجد لها وجها في كتب اللغة.
7- قاله الزجاج في معاني القرآن: ج 5 ص 207.
8- قاله ابن عباس في تفسيره: ص 481.
9- قاله ابن عباس ومجاهد والحسن وقتادة وابن زيد. راجع تفسير الطبري: ج 12 ص 191.
10- وهي قراءة نافع وأبي عمرو. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 397.
11- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 592.
12- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 4 ص 381.
13- الصافات: 78 و 79.
14- في الكشاف: " الروع ".
15- في نسخة: " الصراع " بدل " الصراخ ". والبيت لسعد بن مالك جد طرفة بن العبد الشاعر الشهير. أنظر معاني القرآن للفراء: ج 3 ص 177 وفيه: " لهم " بدل " لكم "، و " البراح " بدل " الصراخ ".
16- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 595 بهذا اللفظ مرسلا.
17- المأثور عن الحسن البصري. راجع تفسيره: ج 2 ص 361.
18- في بعض النسخ: " بإجابة دعائه ".
19- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 596.
20- وبالفتح هي قراءة نافع وحده. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 647.
21- قاله الكلبي فيما حكاه عنه الواحدي في أسباب النزول: ص 378 ح 894. وعانه: أي أصابه بالعين فهو عائن، والمصاب معين ومعيون (لسان العرب).
22- حكاه عنه البغوي في تفسيره: ج 4 ص 385.
23- قاله الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 92.
24- قال الشيخ الطوسي في التبيان: ج 10 ص 93: مكية في قول ابن عباس والضحاك وغيرهما، وهي اثنتان وخمسون آية في الكوفي والمدنيين، وإحدى وخمسون في البصري. وفي الكشاف: ج 4 ص 598: مكية، وآياتها (52) نزلت بعد الملك.
25- رواه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 607 مرسلا.
26- ثواب الأعمال للصدوق: ص 147 وفيه بعد لفظه " ورسوله ": " لأنها إنما أنزلت في أمير المؤمنين (عليه السلام) ومعاوية ".
27- زيادة يقتضيها السياق.
28- قاله أبو عبيدة في مجاز القرآن: ج 2 ص 267، والزجاج في معاني القرآن: ج 5 ص 213.
29- قاله ابن عباس وقتادة والضحاك. راجع تفسير الطبري: ج 12 ص 207 - 208.
30- قاله البيضاوي الشافعي في تفسيره: ج 2 ص 499.
31- وهي قراءة أبي عمرو وحده، وهو المعروف مذهبه في الادغام. راجع التذكرة في القراءات: ج 1 ص 233.
32- الظاهر أن المصنف رحمه الله قد اعتمد هنا على قراءة كسر القاف وفتح الباء تبعا للكشاف، وهي قراءة أبي عمرو والكسائي وعاصم برواية أبان. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 648.
33- قد تواترت هذه الرواية عن العامة والخاصة إلى حدد الاستفاضة وعلى سبيل المثال لا الحصر راجع: شواهد التنزيل للحاكم الحسكاني: ج 2 ص 361 ح 1007 وما بعده من طرق عدة، وابن المغازلي الشافعي في المناقب: ص 318 ح 363، والحمويني في فرائد السمطين: ج 1 ص 198، والعاصمي في كتابه زين الفتى: ص 605، وابن جرير الطبري في تفسيره: ج 12 ص 213، والسيوطي في الدر المنثور: ج 8 ص 267 وعزاه إلى ابن جرير وسعيد بن منصور وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن مردويه.
34- قرأه ابن كثير برواية الحلواني وقنبل برواية أبي ربيعة. راجع كتاب السبعة في القراءات: ص 648.
35- قاله ابن عباس وسعيد بن المسيب ومقاتل. راجع البحر المحيط: ج 8 ص 322.
36- النحل: 51.
37- قاله الرماني. راجع التبيان: ج 4 ص 533.
38- رواه الطبري في تفسيره: ج 12 ص 216 عن ابن زيد.
39- الكهف: 96.
40- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 603.
41- انظر تفسير ابن عباس: ص 483.
42- حكاه عنه الزمخشري في الكشاف: ج 4 ص 605.
43- قرأه موسى بن طلحة. راجع المحتسب لابن جني: ج 2 ص 329.