بحث عرفاني وإيقاظ رحماني
قال الشيخ الكبير في الفص النوحي: حكمة سبوحية في كلمة نوحية: اعلم - أيدك الله بروح منه - أن التنزيه عند أهل الحقائق في الجناب الإلهي عين التحديد والتقييد، فالمنزه إما جاهل وإما صاحب سوء أدب، ولكن إذا أطلقاه وقالا به، فالقائل بالشرائع المؤمن إذا نزه ووقف عند التنزيه ولم ير غير ذلك، فقد أساء الأدب، وأكذب الحق والرسل - صلوات الله عليهم - وهو لا يشعر... إلى أن قال: وهو كمن آمن ببعض وكفر ببعض (1). انتهى ما لفظه. واستشكل عليه شيخ والدي المحقق العارف: بأنه في غير محله، أن التنزيه والتسبيح سلب مطلق، فلا يلزم منه تحديد ولا تقييد. وأجاب عنه الأستاذ الملاذ الوالد الممتاز في كلية العلوم التدوينية: أنه وإن كان المسبح والمنزه يسلب سلبا محصلا جميع النواقص، إلا أنها وجودات عرضية مجازية ذهنية غير قابلة للسلب على الإطلاق، فإشراق نور الوجود طالع عليها بالمآل. انتهى ملخص ما عندي من حواشيه على " الفصوص " (2). والذي هو الحق: أن الخلط بين الحيثيات يورث - كثيرا ما - وقوع الأفاضل في الأباطيل، فإذا نظرنا إلى جهة نجد صحة التسبيح والتقديس من غير كونه جهلا أو سوء أدب، ولذلك يسبح الله تعالى نفسه، فيقول: (سبحان الذي أسرى بعبده) (3)... وهكذا، وإذا نظرنا إلى جهة أخرى نجد أنه عين الكفر والإلحاد، وتلك الجهتان معلومتان لأهله، ضرورة أن التسبيح والتنزيه الحاصلين من العباد - حين النظر إلى إفادة البساطة الجامعة المانعة في مرحلة - صرف الوجود - يكون عين الأدب والعلم، وإذا نظرنا إلى مرحلة التفصيل والفعل والحركة والسكون والتصور والتصديق، المقرون بهذا الأسلوب الموجود عرضا، يكون التسبيح ممنوعا، للزوم كونه تنزيها عن حين التسبيح، فتلزم جهالته، أو يلزم تخيل خروج هذا النور عن دائرة حكومة الله تعالى، فيكون خلاف الأدب وتحديدا وتقييدا. فما في قول الملائكة: (نسبح بحمدك ونقدس لك) يجوز أن لا يكون عين الجهالة أو سوء الأدب، فتأمل تعرف.
1- شرح فصوص الحكم، القيصري: 128 - 129.
2- راجع تعليقات على شرح فصوص الحكم، الإمام الخميني (قدس سره): 86.
3- الإسراء (17): 1.