بعض البحوث الأصولية والفقهية
من هذه الآية الشريفة (1) يفتتح باب واسع للفقيه الأصولي في تخطيط المسائل الاجتماعية وسياسة المدن والبلدان، فإنه كما جاز عقلا في التكوين ملاحظة الخيرات والشرور، وتغليب جانب الخيرات على الشرور بعد الدقة والفحص، فيخلق الله خلقا يشتمل على المصالح والمفاسد، ويختار جانب المصالح إذا كانت غالبة، ويكون وهم الملائكة ناشئا عن الغفلة عن تلك المغالبة والملاحظة، كذلك الأمر في محيط التشريع والتقنين. فإذا كان شئ مثلا مباحا حسب الطبع وبالأصالة الإسلامية، ولكنه في عصر وقطر وفي بلدان وأزمان، يصير مورد المفاسد أحيانا أو المصالح، فإنه لابد أن يختار جانب الأعم الأغلب، فيضرب قانون التحريم والإيجاب، ويختار الأصولي الفقيه ما هو الأهم، فربما يبتلى الفقيه ببلايا كثيرة مختلفة، حتى يتمكن من تحليل الواجب وتحريمه، وتحريم المستحب والمباح في ساحات المبارزة وميادين القتال. وهذا إدراك عقلي وفكر فطري يشعر به هذه الآية الشريفة. نعم دلالتها على بسط يد الفقيه في هذه المواقف دلالة عقلائية ممنوعة، ولكن الخبير البصير الواقف على أسرار التكوين، وأن التشريع ليس شيئا وراء التكوين، يلتفت إلى ما رمزنا إليه، وربما يصل إليه حيث إن جوازه على الشارع الأقدس شاهد على الجواز على الإطلاق، حسب اختلاف الموضوعات والمحمولات. والله العالم. وغير خفي: أن تحريم الفقيه الحاكم المبسوط اليد شيئا في عصر أو مصر، لا يوجب حرمته الذاتية حسب ما تحرر منا في قواعدنا الفقهية والأصولية، كما أن أمر الوالدين ونهيهما لا يوجبان وجوب شئ أو حرمته، بكل الأمر والنهي والحكم موضوعات إسلامية لها أحكام إسلامية، وهي إطاعة الوالدين والحاكم، وأما نفس المأمور به أو المنهي عنه أو المحكوم عليه، فهو باق على حاله، فحكمه (صلى الله عليه وآله وسلم) على الأولين حكمه على الآخرين باق على حاله من غير تقييد، وإنما يجب بحكم العقل عنوان آخر، منطبق على المباح الأصلي أو المستحب مثلا، ويقدم عليه لتقدم الأهم على المهم بالضرورة، فافهم ولا تكن من الخالطين الجاهلين (2).
1- قد مر البحوث الفقهية آنفا ويأتي هنا كما في أصل النسخة.
2- الظاهر أن للبحث هنا تكملة كما يتضح ذلك مما كتبه بخطه " تتمه دارد ".