الإعراب وبعض المسائل النحوية
قوله تعالى: (كيف تكفرون بالله) في محل نصب على الحال بعاملية الفعل المتأخر، وهو مختار جمع تبعا لسيبويه، نظرا إلى أنه اسم، ويكون ظرفا دائما (1)، وعن الأخفش: أنه ليس بظرف، ومحلها رفع مع المبتدأ، ونصب مع غيره (2)، وعن ابن مالك إنكار ظرفيتها إلا أن فيها معنى يفسر بالظرف (3)، وهو مختار ابن هشام (4)، ولا يدخلها حرف الجر، وهذا يؤيده. والذي هو التحقيق: أنها ليست لمجرد السؤال حتى تكون حرفا كالهمزة، فلا تعرب، بل هي للسؤال عن الخاصة العرضية المبهمة، التي يرفع الإبهام عنها بما يذكر في تلوها، فعليه يكون مفهومه مركبا من معنى حرفي واسمي، فيتحمل الإعراب، إلا أنه إذا كان ما في تلوه غير الفعل، فيكون في محل رفع على الخبرية، وإلا فهو معمول ذلك الفعل، فربما يكون حالا أو خبرا أو غير ذلك. قوله تعالى: (وكنتم أمواتا) هذه الآية تدل على مسألة نحوية: وهي جواز كون الجملة الحالية ماضية، خلافا لما هو المعروف بينهم من أنها استقبالية. والتزم ابن حيان بحذف حرف " قد " وتجويز حاليتها في هذه الصورة (5). وفيه ما لا يخفى. واحتمال كون الجملة في محل التعليل قوي، أو تكون الواو للعلية، وما هو مورد التعليل هو المعنى المقصود للمتكلم، ضرورة أن المستفاد من الاستفهام الإنكاري والتعجبي إفهام الخصم بأنه لا يكفر بالله، لأنه صنع كذا وكذا. والذي هو التحقيق: أنه وإن لا شاهد على حالية جملة " قام الأمير " بعد قولك: " جاء زيد وقام الأمير "، وإذا لحقها كلمة " قد " تكون شاهدة على أنها حالية، إلا أنه ليس مصححا لذلك بحسب مقام الثبوت، فعليه يجوز كون جملة " قام الأمير " حالا بحسب إرادة المتكلم، ولكن يحتاج إلى القرينة في مرحلة التصديق والإثبات، وفي الآية شاهد عليها، وهو قوله تعالى: (فأحياكم)، وقوله تعالى: (فأحياكم...) إلى آخر الآية تتمة للجملة الأولى، وشاهدة على الحالية من غير حاجة إلى التزام حذف حرف " قد " كما مر، ويجوز أن تكون من الشواهد عليها، وهي استئنافية، إلا أنه بعيد عن الذوق. نعم قوله تعالى: (ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) يتحمل الاستئناف، نظرا إلى أنها استقبالية، أو نظرا إلى أن الحالية في حكم التعليل، والعلة لابد وأن تكون مورد الإذعان للخصم، فتأمل. قوله تعالى: (هو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا) فيه الاحتمالان السابقان، وحذف الحرف العاطف جائز في صدر الكلام، أي كيف تكفرون بالله وهو الذي خلق لكم ما في الأرض جميعا ؟! ويحتمل كونها ابتدائية لبيان تعظيم الله وخالقيته، وتكون الآية في موقف الإرشاد، وتصير النتيجة: (هو الذي خلق لكم...) إلى آخر الآية، فلا تكفروا بهذا الموجود الكذائي. والأظهر هو الأول، لاشتمال هذه الآية على العائد إلى الآية السابقة، فتكون من متممات تلك الآية وتوابعها. قوله تعالى: (جميعا) حال إلا أنه إما حال من ضمير " لكم "، أو من " الأرض "، والأقرب يمنع الأبعد. قوله تعالى: (فسواهن) مورد سؤال هو أن: إن " السماء " مفرد، ولا يصلح لرجوع الضمير الجمع عليها. ومورد سؤال آخر: وهو أن السماء جهة العلو، فلا معنى لأن يراد منها السماويات والأجرام. والذي يظهر لي: أن هنا نوع استخدام، فاريد بالسماء جهة العلو، ومن الضمير بمناسبة " سماوات " العاليات، وتكثير العالي باعتبار اللاحظين أو باعتبار الأجرام. وسيظهر في محله حقيقة السماء والسماوات والسماويات. ويجوز إرادة الجنس القابل للصدق على الكثير بدلا من السماء، وإرادة الأفراد العرضية غير البدلية من ضمير الجمع على الوجه المحرر في أشباه المسألة. وللزمخشري وجه آخر لا يرتبط بالإشكال، فراجع (6). قوله تعالى: (سبع سماوات) في حكم المفعول الثاني، لأن التسوية التي فعله تعالى صدر منه تعالى ووقع على السماء، فجعلها سبعا. هذا بحسب المعنى. وهيئة باب التفعيل تجئ للتصيير وإن لم تكن المادة موضوعة له، فاغتنم. وأما سائر الاحتمالات الخمسة من البدلية عن المبهم، أو عن العائد إلى السماء، أو المفعول به، أي سوى منهن، أو حال مقدرة، أو تمييز، فكله خال عن التحصيل، والتفصيل في " المحيط " (7) وغيره. وأما تمييز " سبع " بالسماوات، وهي جمعه السالم، فهو جائز، لفقد الجموع الاخر أو بعد الاستعمال. قوله تعالى: (وهو بكل شئ عليم) فيه الوجهان والوجوه المذكورة، والأنسب أنه من تتمة ما في هذه الآية، ولا يرتبط استقلالا بالآية السابقة.
1- مغني اللبيب: 107.
2- راجع نفس المصدر.
3- نفس المصدر.
4- مغني اللبيب، وراجع في هذه الأقوال إلى روح المعاني 1: 212.
5- راجع البحر المحيط 1: 130.
6- راجع الكشاف 1: 123.
7- راجع البحر المحيط 1: 135.