الأخلاق والمواعظ والنصائح
يا أخي ويا عزيزي وقرة عيني: لقد ارسل إليكم كتاب فيه المواعظ والحكم، وانزل إليكم نور تستضئ به القلوب والنفوس وفي جميع آياته ومواعظه الإلهام والإيماء إلى الحسنات ولزوم نيلها، والزجر والتحذيب عن السيئات ووجوب التنفر عنها، فإذا استمعت إلى قوله تعالى: (في قلوبهم مرض)، فلا تظن أن هذه الآية مخصوصة بجماعة من المنافقين وأنت لست منهم وبرئ عنهم، كلا، بل عليك أن تحسب نفسك فيهم حتى تقوم من مقامك وتجتهد وتجد في الخروج عن هذا الامر الفزيع الفجيع، وذلك لما تحرر وتبين في محله وبلغ إلى نصاب التحقيق وميقات البرهان والتدقيق: أن الأمراض المتحصلة في النفوس إذا صارت ملكة، فقد بلغت إلى حد يقرأ عليها (فزادهم الله مرضا). فإن الله تعالى وتبارك خلق الخلق على نظام الأسباب والمسببات، ولا يخص أحدا بنظرة رحيمية خارجة عن اقتضاء المرجحات والأسباب، لأن الحق الرؤوف عادل مستوي النسبة إلى العالم، فإذا حصل في قلبك مرض الحسد والبخل والكبر والأنانية والجبن وحب الدنيا والرئاسة وغير ذلك، وما أخذت في إزالتها وإفنائها، وما أخذت في محوها ونفيها، بل قويتها بالواردات والمؤيدات، وسلكت مسالك الأباطيل والشياطين، فقد زادها الله تعالى مرضا وزادهم مرضى، ونعوذ بالله العزيز من هذه الفجائع والعظائم والبلايا والرذائل، فإنها إذا استقرت في النفس وصارت الأنفس محكومة بها حتى تحركت فيها حركة طبيعية، يكون لهم عذاب عظيم بما كانوا يصنعون. فعليك يا أخي ويا نظيري في خلقي: أن تأخذ بنجاتك من هذه الورطة الظلماء، وتشد عضدك وظهرك للاستنارة بأنوار القرآن، بأن تعمل به عمل إخلاص وتتدبر في آياته تدبرا حسنا وتفكرا مفيدا لدنياك وآخرتك، ولا تكن ممن أقفلت قلوبهم بالمحاسن المعنوية واللفظية والدقائق الحكمية والعرفانية، فإنها كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء.