العرفان وبعض بحوثه

حول الاسم " المضل ": من المحرر في محله والمقرر عند أهله: أن لكل اسم من الأسماء الإلهية، وكل صفة من النعوت الربانية، مجلي ومظهرا في المراتب النازلة والمشاهد القدسية والمواقف الانسية، ومن الأسماء والنعوت الكمالية " المضل "، كما أسنده إلى نفسه تعالى في كثير من الآيات القرآنية والاستعمالات الفرقانية، قال الله تعالى: (أتريدون أن تهدوا من أضل الله) (1)، وقال: (أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم) (2)، وقال: (تضل بها من تشاء وتهدي من تشاء) (3)، وأسنده إليه تعالى غيره من الأنبياء، كما في الآية الأخيرة. فعلى هذا الأصل الأصيل نقول: إن الذين كفروا وشقوا هم أهل القهر الإلهي، لا ينجح فيهم الإنذار، ولا سبيل إلى خلاصهم من النار (أولئك حقت عليهم كلمة ربك إنهم لا يؤمنون) (وكذلك حقت كلمة ربك على الذين كفروا إنهم أصحاب النار) (4) وسدت عليهم الطرق وأغلقت عليهم الأبواب، إذ القلب هو المشعر الإلهي الذي هو محل الإلهام، فحجبوا عنه فحقت عليهم الآية الآتية: (ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة) (5) فهم مجالي ومظاهر الاسم " المضل " على سبيل الاستلزام، والشيطان مظهره على سبيل المطابقة. وأما كيفية تطبيق هذا الأصل الأصيل على القواعد العقلية الاخر، وعلى الأصول العقلائية في أبواب الجنة والنار والاستحقاق واللا استحقاق، فهو موكول إلى المحال الاخر الأنسب، وقد أشرنا في بحوث فلسفية إلى رمز هذه القاعدة العرفانية، وتفصيله بمبادئها العلمية البرهانية، يطلب من قواعدنا الحكمية إن شاء الله تعالى.

وغير خفي: أن الاسم " المضل " لا يستدعي وجود الضال على سبيل العلية التامة، فإن الشيطان مظهر الاسم المذكور، ويكفي لمظهريته إضلاله وإراءة غير الواقع من غير انسلاب الاختيار، لأنه لا سلطان له على أحد سلطنة قاهرية.


1- النساء (4): 88.

2- الجاثية (45): 23.

3- الأعراف (7): 155.

4- غافر (40): 6.

5- البقرة (2): 7.